عبد الرحيم عنبي - البرقع رمز يعكس التخلف الذي عاشه العالم الإسلامي

تعد دراسة الجسد الأنثوي في المجتمعات العربية وفي المغرب الكبير من المواضيع البالغة التعقيد، لاعتبارات تاريخية وثقافية، التي تنبني في معظمها حول من تراث مهترئ مثقل بتراكم المفاهيم والقيم المتعالية التي تفصل بين الإنسان وجسده ومستقبله. كما تحرم متعته وشهوته وتغيره. فكل دراسة للجسد وخاصة الجسد الأنثوي بالمنطقة العربية والمغاربية، تفرض العودة إلى التاريخ العربي الإسلامي، الذي يردع الجسد الأنثوي ويحجبه، بل يقدمه من خلال نصوص فقهية على أساس أنه مصدر الفوضى الاجتماعية وباب الشيطان. كما جعلت منه كائنا شيطانيا متبرجا باعثا على القلق والخوف والغواية، لهذا حظي الجسد الأنثوي بكثير من العناية والتدقيق عند فقهاء الإسلام على مر التاريخ، حيث لا يعدو كونه مصدر الشر والقدرة على الإغواء وإيذاء الرجل عن طريق حثه على الحرام. مما جعله مادة للنقاش من خلال النص الفقهي سواء التشريعي منه أو السجالي وذلك من خلال ثنائتي الحلال والحرام مع التحذير من الاقتراب منه وإقصائه من داخل الفضاء العام مستندين في ذلك على جملة من الأحاديث، التي وردت في صحيحي البخاري ومسلم.

في مقابل هذا المنع للجسد الأنثوي والإقصاء من الفضاء العام، نجده يحضر بكل حرية في الإبداع الأدبي والشعري خاصة على مستوى التخيل، مثلما يأخذ حريته في الكتابات الجنسية، كالروض العاطر للشيخ النفزاوي. أما في الثقافة الشعبية، فإن الجسد الأنثوي يحضر كرموز تتجلى في الوشم وفي الأمثال الشعبية. لا أود من خلال هذا البحث أن أفتح نقشا فقهيا بخصوص النصوص الفقهية وتأويلاتها. لكن، ما يهمنا في هذا الباب كون التراث العربي الإسلامي يتسم بالقسوة والعنف والصرامة فيما يتعلق بالجسد الأنثوي. لقد وجدت هذه الأفكار قبولا كبيرا لدى ساكنة العالم العربي والمغرب الكبير على مر التاريخ. كما حققت انتشارا واسعا، بحيث تبنتها الثقافة الشعبية التي أفرزت منظومة من القيم السلبية، التي تؤطر التعامل مع الجسد الأنثوي. إن صورة الجسد الأنثوي اليوم بالمجتمعات العربية وبالمغرب الكبير، ترتبط أساسا بنظرة الرجل لهذا الجسد والتي ترتبط بالأساس مجموعة من الأفكار والمفاهيم المترسبة والمتراكمة في عقليته.

وعليه، فإن مقاربة الجسد الأنثوي من الناحية السوسيولوجية، تجعلنا ننفتح على منظورات أخرى قاربته في الثقافة المغاربية والعربية الإسلامية وخاصة الفقه والأدب وغيرها من الأجناس العلمية، التي أعطت مساحة داخلها لمناقشة الجسد الأنثوي وأشكال المتعة؛ لفهم العلاقة بين انتقال استعمالات الجسد الأنثوي والهوية الاجتماعية المؤسسة حول الجسد المتعة، في ظل ثقافة الحداثة وثقافة الإعلام التي جعلت من الجسد الأنثوي جسدا صناعيا.

فالمرأة في المجتمع المغربي وفي ظل الانفتاح الذي كان يعيشه المجتمع، كانت تتمتع بكامل زينتها من خلال اللباس التقليدي حسب المناطق في ارتباط بالعادات والتقاليد المحلية، فلا غرابة في ذلك، أن تجد المرأة المغربية تبرز كامل زينتها من خلال لباسها للقفطان أو أعبان أو الحايك أو الملحفة وما إلى ذلك من أنواع مختلفة ومنتوعة للباس المغربي، الذي يترجم إنفتاح الفقه المغربي التقليدي وانفتاح الأسر المغربية بشكل كبير على حضور المرأة في المجال العام بكامل زينتها. لكن بروز تيارات التطرف الديني، جعلت من الجسد الأنثوي رهانا أيديولوجيا وباتت تحاصره وتضيق عليه الحضور في المجال العام من خلال البرقع الذي لا علاقة له بالثقافة المغربية بل هو رمز يعكس التخلف الذي عاشته العالم الاسلامي منذ عصور الانحطاط.

أنفاس بريس
عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الإجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير
 
أعلى