نقوس المهدي
كاتب
تتميّز الأمثال بأنها قادرة على الوصول إلى مختلف الفئات الاجتماعية لقدرتها على إيصال الأفكار بطريقة سهلة، وبأنها تنتقل من جيل إلى آخر ناقلةً الثقافة الشعبية. خطاب الأمثال يعبّر مجازياً عن واقع الناس. فماذا عن المرأة في تونس؟ وكيف صوّرتها الأمثال الشعبية؟
العجز والتبعية
كثيراً ما تُستعمل الأمثال الشعبية لـ"السطو" على حقوق النساء التونسيات وللدفاع عن التمييز الاجتماعي التقليدي بين الجنسين. فهي تعتبر أن الرجل عليه أن يقوم بالأعمال الخارجية بينما على المرأة أن تقوم بشؤون المنزل. وعليه يكون للرجل فقط الحق في الدخول إلى الفضاء العام. هذا ما خلص إليه الباحث في علم الاجتماع الأستاذ زهير بن جنات.
وأكّد بن جنات لرصيف22 أن الأمثال الشعبية هي "المحدد الرئيسي لصورة المرأة التي يمكن القبول بها ولصورتها التي لا يمكن استساغتها". وأضاف "أن الصورة التي ترسمها الأمثال الشعبية التونسية للمرأة هي صورة سلبية بكل المقاييس وتجعل منها كائناً ضعيفاً وعاجزاً يتبع الرجل. وتلاحقها تلك الصورة منذ ولادتها حتى وفاتها".
"اخطب لبنتك وما تخطبش لولدك"، يقول مثل تونسي. وهذا يعني أن المرأة عاجزة عن التفكير السليم حين يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مصيرية تتطلب الحكمة، وهذا ما يستدعي تدخّل والدها لمساعدتها.
وتذهب الأمثال الشعبية التونسية إلى أبعد من ذلك بكثير لتساوي المرأة بالعبد المسلوب الحرية والإرادة ملغيةً قدرتها على إبداء الرأي، وذلك ما يكشفه بوضوح المثل الذي يقول: "البنت والخادم رأيهم عادم"، بمعنى أن المرأة مثلها مثل العبد لا تحركهما إرادة حرّة بقدر ما تحركهما الطاعة لسيّدهما.
تؤكد إيمان يعقوبي، الأكاديمية والمهتمة بقضايا المرأة، لرصيف22، أن الصورة التي ترسمها الأمثال الشعبية التونسية للمرأة "لا تقدمها باعتبارها عاجزة معنوياً فحسب، بل مادياً أيضاً من جهة عدم القدرة على الفعل المادي المتقن. فكل ما تقوم به المرأة من عمل وجهد يفتقر بالضرورة إلى الإتقان والجودة سواء تعلق الأمر بما هو منزلي كحضانة الأبناء ورعايتهم أو غير ذلك من أعمال زراعية. بل أنها كائن لا يضرّ ولا ينفع". وهذا ما يوحي به المثلان: "البنت لا ترد الوراث ولا تشد المحراث" (البنت لا تدفع المصائب ولا تمسك المحراث)، و"البنت تأكل ما تشبع وتخدم ما تقنع". وفي رأي يعقوبي، "هذا يكشف عن عقلية ذكورية تطمح إلى التسلط والهيمنة وهي جزء لا يتجزأ من ثقافة سائدة في مجتمعاتنا العربية".
شيطنة المرأة
في حديث لرصيف22، رأى فتحي الرقيق، الباحث في علم الاجتماع، أن "الأمثال الشعبية التونسية التي تتناول مسالة المرأة تعكس إلى حد بعيد ذهنية المجتمع وتكشف ثوابت بنيوية في نظرته إليها". يكفي أن ننظر إلى هذا المثل: "بو البنات ما يبات متهنّي" لنتأكد أن الثقافة الشعبية لا تعتبر فقط أن المرأة عاجزة وعالة وعبئاً على والدها بل هي تجلب له الشقاء.
وفي مقاربة خاصة قدّمتها الباحثة في قضايا المرأة حسناء حمزاوي لرصيف22، ركزّت على أن الأمثال "تحذّر من شرور المرأة وخبثها ودهائها. وهذه وسيلة مثلى لقهر المرأة وإخضاعها بل تحقيرها في عين الرجل ليسيطر عليه الحذر منها، مع أنه في أمسّ الحاجة إليها كزوجة وأم وأخت وبنت". هذه الصورة تقدّمها أمثال مثل: "لا يعجبك نوار دفلة في الواد عامل ظلايل ولا يعجبك زين طفلة حتى تشوف الفعايل" (لا تُعجب بشجرة الدفلة - شجرة طعم ورقها شديد المرورة - حين تراها تظلل مجرى النهر بحجمها الكبير ولا تُعجب بفتاة قبل أن تتعرّف على أفعالها وأخلاقها). هذا الحذر بالغ في التحريض عليه المثل التونسي: "كيد الرجال كيدين وكيد النساء ستاش (16)".
بناء على ذلك، ترى الباحثة أن هذه الأمثال ترسم صورة مشوهة للحياة الزوجية باعتبارها "مصدراً للشقاء النفسي والمادي والمعنوي ومن شانها أن تهدد المؤسسة الزوجية وتقوّض الروابط الوجدانية التي من المفترض أن توجد بين الزوج وزوجته". وعلى اعتبار أن ليس هنالك ألم يمكن أن يضاهي ألم الأسنان، أتى المثل التونسي "لا وجيعة إلا وجيعة الضرس ولا هم إلا هم العرس"، ليقارن بين الارتباط والزواج وبين ألم الأضراس.
الترف لا يليق بالمرأة
تلاحق الصورة السلبية المرأة وتعمل على إلغاء دورها في المجتمع معتبرةً إيّاه ترفاً لا يليق بها. وترى يعقوبي أن بعض الأمثال "تسوّق نموذجاً عن المرأة كما يجب أن تكون ونموذجاً لما لا يجب أن تكون عليه. فلا مكان لها إلا في بيتها وفي خدمة أهلها كما يقول المثل: "البنت إما رجلها وإما قبرها" (مكان البنت إما عند زوجها أو في قبرها). ولا خيار أمامها إلا أن تكون مثالاً للبنت المطيعة أو للزوجة المتفانية. بل تتعسف أمثالنا إلى حد كبير بحق المرأة لتفرض عليها طاعة من غير إرادتها وإلا فالعقاب، على ما يقول المثل: "بنت العم اضرب ورد للتركينة المظلمة" (اضرب زوجتك ثم احشرها في زاوية مظلمة)".
و"أما ما لا يجب أن تكون عليه المرأة، تضيف يعقوبي، فالمثل التونسي يجيب عنه بوضوح: "بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف" (لا تعلّم ابنتك ولا تُسكنها في غرف فاخرة)، أي أنه لا سبيل لأن تنعم المرأة بالتعليم والتنور فهما شرف وترف لا يليقان بها".
هذه الأمثال الشعبية هي "ترجمة للسلطة الذكورية على النساء"، بحسب تعبير الأستاذ فتحي الرقيق، وهي "انعكاس للخشية من المنافسة في الفضاء العام"، كما ذهب إلى ذلك الأستاذ زهير بن جنات. ولعل ما يلفت الانتباه في الصورة التي تقدّمها الأمثال الشعبية عن المرأة هو تناقضها الصارخ مع الخطابات الرسمية والإعلامية التونسية التي تتشدق بالدفاع عن مكتسباتها وحريتها.
العجز والتبعية
كثيراً ما تُستعمل الأمثال الشعبية لـ"السطو" على حقوق النساء التونسيات وللدفاع عن التمييز الاجتماعي التقليدي بين الجنسين. فهي تعتبر أن الرجل عليه أن يقوم بالأعمال الخارجية بينما على المرأة أن تقوم بشؤون المنزل. وعليه يكون للرجل فقط الحق في الدخول إلى الفضاء العام. هذا ما خلص إليه الباحث في علم الاجتماع الأستاذ زهير بن جنات.
وأكّد بن جنات لرصيف22 أن الأمثال الشعبية هي "المحدد الرئيسي لصورة المرأة التي يمكن القبول بها ولصورتها التي لا يمكن استساغتها". وأضاف "أن الصورة التي ترسمها الأمثال الشعبية التونسية للمرأة هي صورة سلبية بكل المقاييس وتجعل منها كائناً ضعيفاً وعاجزاً يتبع الرجل. وتلاحقها تلك الصورة منذ ولادتها حتى وفاتها".
"اخطب لبنتك وما تخطبش لولدك"، يقول مثل تونسي. وهذا يعني أن المرأة عاجزة عن التفكير السليم حين يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مصيرية تتطلب الحكمة، وهذا ما يستدعي تدخّل والدها لمساعدتها.
وتذهب الأمثال الشعبية التونسية إلى أبعد من ذلك بكثير لتساوي المرأة بالعبد المسلوب الحرية والإرادة ملغيةً قدرتها على إبداء الرأي، وذلك ما يكشفه بوضوح المثل الذي يقول: "البنت والخادم رأيهم عادم"، بمعنى أن المرأة مثلها مثل العبد لا تحركهما إرادة حرّة بقدر ما تحركهما الطاعة لسيّدهما.
تؤكد إيمان يعقوبي، الأكاديمية والمهتمة بقضايا المرأة، لرصيف22، أن الصورة التي ترسمها الأمثال الشعبية التونسية للمرأة "لا تقدمها باعتبارها عاجزة معنوياً فحسب، بل مادياً أيضاً من جهة عدم القدرة على الفعل المادي المتقن. فكل ما تقوم به المرأة من عمل وجهد يفتقر بالضرورة إلى الإتقان والجودة سواء تعلق الأمر بما هو منزلي كحضانة الأبناء ورعايتهم أو غير ذلك من أعمال زراعية. بل أنها كائن لا يضرّ ولا ينفع". وهذا ما يوحي به المثلان: "البنت لا ترد الوراث ولا تشد المحراث" (البنت لا تدفع المصائب ولا تمسك المحراث)، و"البنت تأكل ما تشبع وتخدم ما تقنع". وفي رأي يعقوبي، "هذا يكشف عن عقلية ذكورية تطمح إلى التسلط والهيمنة وهي جزء لا يتجزأ من ثقافة سائدة في مجتمعاتنا العربية".
شيطنة المرأة
في حديث لرصيف22، رأى فتحي الرقيق، الباحث في علم الاجتماع، أن "الأمثال الشعبية التونسية التي تتناول مسالة المرأة تعكس إلى حد بعيد ذهنية المجتمع وتكشف ثوابت بنيوية في نظرته إليها". يكفي أن ننظر إلى هذا المثل: "بو البنات ما يبات متهنّي" لنتأكد أن الثقافة الشعبية لا تعتبر فقط أن المرأة عاجزة وعالة وعبئاً على والدها بل هي تجلب له الشقاء.
وفي مقاربة خاصة قدّمتها الباحثة في قضايا المرأة حسناء حمزاوي لرصيف22، ركزّت على أن الأمثال "تحذّر من شرور المرأة وخبثها ودهائها. وهذه وسيلة مثلى لقهر المرأة وإخضاعها بل تحقيرها في عين الرجل ليسيطر عليه الحذر منها، مع أنه في أمسّ الحاجة إليها كزوجة وأم وأخت وبنت". هذه الصورة تقدّمها أمثال مثل: "لا يعجبك نوار دفلة في الواد عامل ظلايل ولا يعجبك زين طفلة حتى تشوف الفعايل" (لا تُعجب بشجرة الدفلة - شجرة طعم ورقها شديد المرورة - حين تراها تظلل مجرى النهر بحجمها الكبير ولا تُعجب بفتاة قبل أن تتعرّف على أفعالها وأخلاقها). هذا الحذر بالغ في التحريض عليه المثل التونسي: "كيد الرجال كيدين وكيد النساء ستاش (16)".
بناء على ذلك، ترى الباحثة أن هذه الأمثال ترسم صورة مشوهة للحياة الزوجية باعتبارها "مصدراً للشقاء النفسي والمادي والمعنوي ومن شانها أن تهدد المؤسسة الزوجية وتقوّض الروابط الوجدانية التي من المفترض أن توجد بين الزوج وزوجته". وعلى اعتبار أن ليس هنالك ألم يمكن أن يضاهي ألم الأسنان، أتى المثل التونسي "لا وجيعة إلا وجيعة الضرس ولا هم إلا هم العرس"، ليقارن بين الارتباط والزواج وبين ألم الأضراس.
الترف لا يليق بالمرأة
تلاحق الصورة السلبية المرأة وتعمل على إلغاء دورها في المجتمع معتبرةً إيّاه ترفاً لا يليق بها. وترى يعقوبي أن بعض الأمثال "تسوّق نموذجاً عن المرأة كما يجب أن تكون ونموذجاً لما لا يجب أن تكون عليه. فلا مكان لها إلا في بيتها وفي خدمة أهلها كما يقول المثل: "البنت إما رجلها وإما قبرها" (مكان البنت إما عند زوجها أو في قبرها). ولا خيار أمامها إلا أن تكون مثالاً للبنت المطيعة أو للزوجة المتفانية. بل تتعسف أمثالنا إلى حد كبير بحق المرأة لتفرض عليها طاعة من غير إرادتها وإلا فالعقاب، على ما يقول المثل: "بنت العم اضرب ورد للتركينة المظلمة" (اضرب زوجتك ثم احشرها في زاوية مظلمة)".
و"أما ما لا يجب أن تكون عليه المرأة، تضيف يعقوبي، فالمثل التونسي يجيب عنه بوضوح: "بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف" (لا تعلّم ابنتك ولا تُسكنها في غرف فاخرة)، أي أنه لا سبيل لأن تنعم المرأة بالتعليم والتنور فهما شرف وترف لا يليقان بها".
هذه الأمثال الشعبية هي "ترجمة للسلطة الذكورية على النساء"، بحسب تعبير الأستاذ فتحي الرقيق، وهي "انعكاس للخشية من المنافسة في الفضاء العام"، كما ذهب إلى ذلك الأستاذ زهير بن جنات. ولعل ما يلفت الانتباه في الصورة التي تقدّمها الأمثال الشعبية عن المرأة هو تناقضها الصارخ مع الخطابات الرسمية والإعلامية التونسية التي تتشدق بالدفاع عن مكتسباتها وحريتها.