نقوس المهدي
كاتب
"هم البنات للممات"،
"صوت حية ولا صوت بنية"،
"المرة لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ"،
"يا بسترها يا بقبرها"،
"اللي بسعدها زمانها بتجيب بناتها قدام صبيانها"،
"البنت بتجيب العار والمعيار وبتدخل العدو الدار".
هذا جزء يسير من بعض الأمثال الشعبية التي باتت راسخة في أذهان البعض، ويكررونها في جلساتهم الاجتماعية وكأنها حكم قطعي على المرأة، وفي مجملها تكرس النظرة الدونية لها، وتثير مشاعر الحزن والغضب لدى الكثير من السيدات.
أميرة غالب واحدة من تلك السيدات اللواتي عانين الأمرين من مثل تلك الأمثال التي تكررت بعضها على ألسنة أفراد عائلة زوجها، وتقول "منذ أن عرف أهل زوجي بأنني حامل ببنت، وهم يشعرون بأن هنالك هما قادما للعائلة، ويكررون بعض الأمثال مثل هم البنات للممات، وغيرها من الأمثال التي تسيء للمرأة".
والأمر ازداد سوءا بعد حمل أميرة مرة أخرى ببنت، موضحة "وقتها أشعروني بأن قدومها مصيبة وعار وأن الحياة باتت جحيما، وأن زوجها لا بد أن يجد حلا لذلك"، وكأن الأمر بيدها أو بيد زوجها.
وتردف "أصبحت أشعر في اليوم الذي أذهب به لزيارة أهل زوجي كأن شيئا يخنقني، وأعمل المستحيل حتى لا أذهب حتى لا أسمع الكلام ذاته عن ابنتيّ، وأتمنى لو أنني لم أحمل في يوم من الأيام ولم أرزق بالأطفال مطلقاً لأرتاح من كلامهم".
سهاد عبدالله هي الأخرى بقيت قبل مدة قصيرة تشعر بأنها "لا شيء"، على حد تعبيرها، وأن وجودها في الحياة ليس له أي أهمية تذكر وأن رأيها مثل عدمه، فلا أحد يلتفت له، ولا أحد يسمعها أصلاً، الأمر الذي جعلها ذات شخصية انطوائية جدا، ولا تفكر بإبداء رأيها أو التحدث بأي شيء مطلقاً.
والسبب في كل ذلك، هو أن سهاد عاشت مع أم وأخوة لا يقدرون قيمة الفتاة على الإطلاق، ولا ينفكون عن ترديد الأمثال التي فيها معان ودلالات تقلل من قيمة المرأة ومكانتها، وتزوجت من ابن عمها الذي يحمل الفكر ذاته تجاه المرأة، فهو نشأ على هذه الأمثال وكثيرا ما يرددها.
وظل حال سهاد كما هو، حتى عثورها على وظيفة جعلتها تخرج من قوقعتها، ولا تشعر بالخوف عند الإدلاء برأيها، وباتت تتحدث بكل حرية وشجاعة مع الوقت، الأمر الذي غير منها كثيراً وجعلها تنظر للبيئة التي عاشتها باستياء بالغ، ولما توارثه أفراد عائلتها من أمثال كرست في أذهانهم عدم احترام المرأة.
العشرينية هند عبدالله تعرضت لموقف آخر جعلها تصاب بالذهول عندما ضرب أحد أساتذتها بالجامعة مثلا أن "المرأة لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ"، وهو ما جعل الطلبة يشعرون بالصدمة كونهم سمعوا هذا الكلام من شخص متعلم وأستاذ جامعي ما يزال يفكر بهذه الطريقة المهينة للمرأة.
وفي ذلك، يقول اختصاصي التراث نايف النوايسة "إن المثل الشعبي هو خلاصة تجربة في الحياة، وهو من وحي الكلام العربي، ويدل على حالة معينة، وليس بالضرورة معرفة قائل المثل"، مبيناً أن المثل الشعبي يتقولب في أكثر من لهجة ليس فقط في الأردن بل في الوطن العربي.
ويعتبر النوايسة أن المثل هو تجربة إنسانية تصبح إرثا إنسانيا وينتقل من منطقة لأخرى ويأخذ قالب اللهجة، وهذا دليل على مرونة المثل.
ويرى أن المرأة تمثل جوهر الحضارة الإنسانية باعتبارها مكونا أساسيا في المجتمع وله أهميته، وكانت تظلم عند كثير من الشعوب بفترات حضارية مظلمة، ما جعل ذلك ينعكس على الأمثال، إلا أنها تعبر عن فترة بعيدة عن الدين والتعليم والتنوير.
وأيام الغزو والظروف الاجتماعية الصعبة، كما يقول النوايسة، كانت هذه النظرة مكرسة وموجودة، مؤكدا أن الوضع اختلف تماما الآن، وباتت للفتيات الأولوية عند الآباء والأخوة، وباتت المرأة متعلمة ومثقفة وتصل إلى أعلى المناصب والمراكز، وباتت تأخذ كامل حقوقها وميراثها، وهذا يدل على وعي متقدم بدور المرأة وكل هذه الأمثال تاريخ اجتماعي لم يعد قائما.
المحامية والناشطة في حقوق المرأة والمستشارة في جمعية تضامن المرأة، إنعام العشا، تعتبر أن الأمثال الشعبية والقصة والحكاية هي انعكاس للثقافة الاجتماعية السائدة، وفيما يتعلق بالمرأة، فإن الثقافة الشعبية العربية وهذا الإرث والتراث يرسخ ما يقلل من قيمة المرأة ويعزز صورة نمطية أن المرأة هي "النقاقة"، وهي التي تكيد.
وتؤكد العشا أن الدراما العربية والأغاني والأمثال كرست هذه النظرة، موضحة أن الأمثال هي انعكاس لتفكير الناس.
وتشير العشا الى أن الأمثال الشعبية في المنطقة العربية كلها واحدة مع اختلاف اللهجات والمفردات، فالمضمون واحد، فكلها تنتقص من دور المرأة وتمجد الرجل، لافتة إلى أن المشكلة الكبرى هي أن النساء هن من يتداولن مثل هذه الأمثال.
وتذهب إلى أنه لا بد من إعادة النظر بكل المنظومة الثقافية والشعبية والتركيز على الخطر الموجود في هذه الأمثال، والتركيز على أمثال تبرز الصورة الصحيحة وتبدد الصورة المفترضة للمرأة.
"صوت حية ولا صوت بنية"،
"المرة لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ"،
"يا بسترها يا بقبرها"،
"اللي بسعدها زمانها بتجيب بناتها قدام صبيانها"،
"البنت بتجيب العار والمعيار وبتدخل العدو الدار".
هذا جزء يسير من بعض الأمثال الشعبية التي باتت راسخة في أذهان البعض، ويكررونها في جلساتهم الاجتماعية وكأنها حكم قطعي على المرأة، وفي مجملها تكرس النظرة الدونية لها، وتثير مشاعر الحزن والغضب لدى الكثير من السيدات.
أميرة غالب واحدة من تلك السيدات اللواتي عانين الأمرين من مثل تلك الأمثال التي تكررت بعضها على ألسنة أفراد عائلة زوجها، وتقول "منذ أن عرف أهل زوجي بأنني حامل ببنت، وهم يشعرون بأن هنالك هما قادما للعائلة، ويكررون بعض الأمثال مثل هم البنات للممات، وغيرها من الأمثال التي تسيء للمرأة".
والأمر ازداد سوءا بعد حمل أميرة مرة أخرى ببنت، موضحة "وقتها أشعروني بأن قدومها مصيبة وعار وأن الحياة باتت جحيما، وأن زوجها لا بد أن يجد حلا لذلك"، وكأن الأمر بيدها أو بيد زوجها.
وتردف "أصبحت أشعر في اليوم الذي أذهب به لزيارة أهل زوجي كأن شيئا يخنقني، وأعمل المستحيل حتى لا أذهب حتى لا أسمع الكلام ذاته عن ابنتيّ، وأتمنى لو أنني لم أحمل في يوم من الأيام ولم أرزق بالأطفال مطلقاً لأرتاح من كلامهم".
سهاد عبدالله هي الأخرى بقيت قبل مدة قصيرة تشعر بأنها "لا شيء"، على حد تعبيرها، وأن وجودها في الحياة ليس له أي أهمية تذكر وأن رأيها مثل عدمه، فلا أحد يلتفت له، ولا أحد يسمعها أصلاً، الأمر الذي جعلها ذات شخصية انطوائية جدا، ولا تفكر بإبداء رأيها أو التحدث بأي شيء مطلقاً.
والسبب في كل ذلك، هو أن سهاد عاشت مع أم وأخوة لا يقدرون قيمة الفتاة على الإطلاق، ولا ينفكون عن ترديد الأمثال التي فيها معان ودلالات تقلل من قيمة المرأة ومكانتها، وتزوجت من ابن عمها الذي يحمل الفكر ذاته تجاه المرأة، فهو نشأ على هذه الأمثال وكثيرا ما يرددها.
وظل حال سهاد كما هو، حتى عثورها على وظيفة جعلتها تخرج من قوقعتها، ولا تشعر بالخوف عند الإدلاء برأيها، وباتت تتحدث بكل حرية وشجاعة مع الوقت، الأمر الذي غير منها كثيراً وجعلها تنظر للبيئة التي عاشتها باستياء بالغ، ولما توارثه أفراد عائلتها من أمثال كرست في أذهانهم عدم احترام المرأة.
العشرينية هند عبدالله تعرضت لموقف آخر جعلها تصاب بالذهول عندما ضرب أحد أساتذتها بالجامعة مثلا أن "المرأة لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ"، وهو ما جعل الطلبة يشعرون بالصدمة كونهم سمعوا هذا الكلام من شخص متعلم وأستاذ جامعي ما يزال يفكر بهذه الطريقة المهينة للمرأة.
وفي ذلك، يقول اختصاصي التراث نايف النوايسة "إن المثل الشعبي هو خلاصة تجربة في الحياة، وهو من وحي الكلام العربي، ويدل على حالة معينة، وليس بالضرورة معرفة قائل المثل"، مبيناً أن المثل الشعبي يتقولب في أكثر من لهجة ليس فقط في الأردن بل في الوطن العربي.
ويعتبر النوايسة أن المثل هو تجربة إنسانية تصبح إرثا إنسانيا وينتقل من منطقة لأخرى ويأخذ قالب اللهجة، وهذا دليل على مرونة المثل.
ويرى أن المرأة تمثل جوهر الحضارة الإنسانية باعتبارها مكونا أساسيا في المجتمع وله أهميته، وكانت تظلم عند كثير من الشعوب بفترات حضارية مظلمة، ما جعل ذلك ينعكس على الأمثال، إلا أنها تعبر عن فترة بعيدة عن الدين والتعليم والتنوير.
وأيام الغزو والظروف الاجتماعية الصعبة، كما يقول النوايسة، كانت هذه النظرة مكرسة وموجودة، مؤكدا أن الوضع اختلف تماما الآن، وباتت للفتيات الأولوية عند الآباء والأخوة، وباتت المرأة متعلمة ومثقفة وتصل إلى أعلى المناصب والمراكز، وباتت تأخذ كامل حقوقها وميراثها، وهذا يدل على وعي متقدم بدور المرأة وكل هذه الأمثال تاريخ اجتماعي لم يعد قائما.
المحامية والناشطة في حقوق المرأة والمستشارة في جمعية تضامن المرأة، إنعام العشا، تعتبر أن الأمثال الشعبية والقصة والحكاية هي انعكاس للثقافة الاجتماعية السائدة، وفيما يتعلق بالمرأة، فإن الثقافة الشعبية العربية وهذا الإرث والتراث يرسخ ما يقلل من قيمة المرأة ويعزز صورة نمطية أن المرأة هي "النقاقة"، وهي التي تكيد.
وتؤكد العشا أن الدراما العربية والأغاني والأمثال كرست هذه النظرة، موضحة أن الأمثال هي انعكاس لتفكير الناس.
وتشير العشا الى أن الأمثال الشعبية في المنطقة العربية كلها واحدة مع اختلاف اللهجات والمفردات، فالمضمون واحد، فكلها تنتقص من دور المرأة وتمجد الرجل، لافتة إلى أن المشكلة الكبرى هي أن النساء هن من يتداولن مثل هذه الأمثال.
وتذهب إلى أنه لا بد من إعادة النظر بكل المنظومة الثقافية والشعبية والتركيز على الخطر الموجود في هذه الأمثال، والتركيز على أمثال تبرز الصورة الصحيحة وتبدد الصورة المفترضة للمرأة.