نقوس المهدي
كاتب
سعيد السعسعاني
سعيد بن محمد أمين بن خليل بن عبد الرحيم المعروف بالسعسعاني الحنفي الدمشقي الأديب الناظم الناثر الفاضل اللوذعي ولد بدمشق تقريبا بعد السبعين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من صدور أعيان دمشق له السمو والرفعة والشأن والصولة غير أنه كان من العلم فارغ الاناء وتوفي بدمشق في سنة مائة وألف وجده المولى خليل كان أبوه اماما بسعسع قرية معروفة من نواحي دمشق كبيرة وأصله من بلدة علائية من نواحي قرمان في الروم وسافر إلى الروم خليل المذكور ولازم على قاعدتهم وتولى قضاء طرابلس الشام وقيصرية وبعدها ولي افتاء دمشق مع رتبة قضاء القدس وأعطى قضاء بعلبك على طريق التأبيد ويسمونه بالأربلق وكان مهابا جليل القدر عالي الهمة وفيه مروءة وسخاء ومعروف وتغلب وتوفي بدمشق في جمادي الثانية سنة احدى وثمانين وألف ثم ان المترجم نشأ بعد وفاة والده متنعما مترفها مدة وصارت له رتبة اعتبار المدرسين ثم تولية وتدريس المدرسة القجماسية ودرس بها وكانت بيده علاقات وغيرها وأملاك وكان فاضلا مشهورا بالأدب والفضل حسن النظم من أفاضل المخاديم أولاد الأعيان وظرفائهم ونبهاء دمشق وأدبائها وفي أواخر أمره تغير حاله وعيشه وضره الزمان كعادته وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه ماهر كامل الاستعداد وبارع وافر الاستمداد ربى في حجر المجد وانتشا وارتشف أخلافه حتى انتشى فطلع غصنا إلى العلياء نموه لا يطاول ارتقاؤه بالمناكب وسموه يترنح للفضل ويهتز ويفخر في مجمله ومفصله ويعتز لا يكدر له صفو ولا يصدر عنه الألطف وعفو بكف ما كف عن نوال وأياد تندى قبل السؤال ولسان باللغات الثلاث طليق وخلق بأن يثنى عليه خليق فرقص له الدهر برهة وصفق وصيره هو السعيد الموفق ولم يزل كذلك وشبابه في ريعانه واقتبال عمر في ابانه وسوانحه لا تحظى الأصابة ولا يرمى غرضا الا أصابه ووالده للكرام قبله قد استأثر بمحامد من بعده ومن قبله لا تنبو له همة ولا تروعه الجلائل المدلهمة كلمه تخرق الصدور وترتاع من مواقعها الصدور حتى خوى منه بيته ولم ينفعه لوه ولا ليته فأقام هو مكانه والدهر يمشي به القهقري ويدب إليه سمومه كما يدب في المهوم طيب الكرى فلم يستفق الا وقد انشب فيه نابه وكان سببا اقتضى انقباضه واجتنابه وقد لاكته السبعون ولاكها وهو يرصد من سماه أمانيه أفلاكها فلم يظفر بطالع كاسمه ولم يكن غير الأحن من قسمه وقد كان في الأدب قطبه الذي عليه مداره وبدره الذي لم يفارقه ابداره تنقاد إليه القوافي وستعده بالقوادم والخوافي وهاك منه ما يفضح الريم إذا شدن ويسري مسرى الراح في البدن انتهى مقاله وللمترجم شعر بديع فمنه قوله
كل حسن من دون حسنك دون ... أنت للحسن جوهر مكنون
يا نبي الجمال أوتيت حسنا ... أبدا نوره لديك مبين
ظهرت معجزات حسنك حقا ... ولآياته لانت الأمين
لك لانت صم القلوب وفاضت ... فيك شوقا من العيون عيون
ما خلاصي وبي غلو غرام ... وبجنبي منك حرب زبون
أنا من أمة الغرام لكل ... فيه شأن ولي بذاك شؤون
مذهب الحب مذهبي وهو ديني ... وبه الله في المعاد أدين
وقوله
حيث بانوا وأزمعوا التوديعا ... تركوا أثرهم فؤادا وجيعا
قلدوا صارما بباهر حسن ... واكتسوا سابغا جمالا بديعا
جنحوا للسرى الصباح سراعا ... وبنوا بيننا حجابا منيعا
طالما أوحشوا المعاهد منهم ... حيث كانت أو أهلا والربوعا
يا سقى تربها يعاليل جود ... غب جدب يعود خصبا ربيعا
عرب ان ذكرتهم استهلت ... سحب الجفن بالدماء دموعا
حفظ الله عهدهم حيث كانوا ... لا يزالون يحسنون الصنعا
هم شموس الكمال أين استقلوا ... وبدور التمام ثم الطلوعا
فعسى الله رحمة عن قريب ... سوف يأتي بهم جميعا سريعا
وقوله
كيف يرجو الخلاص صب توله ... بهوى مترف يفوق الأهله
ذو نفار حوى اللطافة طرا ... وبديع الجمال قد حاز كله
زان ورد الخدود منه حياء ... ماء عين الحياة أصبح طله
سرق اللب مذ بدا وهو يزهو ... من طراز البها بأحسن حله
موسوي من حسنه تهت فيه ... اتخذ الفرع للعقول مظله
سقم جفنيه شف جسمي سقما ... ويراه وعله واضمحله
واه واحسرتاه مما بقلبي ... منه ما بالجحيم أضحى أقله
يا منى النفس لا من لدنك حنانا ... لفؤاد قد رضه كل عله
واتق الله في أعزة قوم ... في قيود الغرام أضحوا أذله
وقوله مخمسا لبيتين من قصيدة البارع مصطفى البابي الحلبي
أجرني فاني فازع من غوايتي ... وفي تيه آثامي انتهيت لغايتي
إلى بابك الأحمى رفعت شكايتي ... رسول الرضى قد أثقلتني جنايتي
وليس لعاص غير بابك مهرب
أيا رحمة الله المرجي لمن نحا ... يؤم حمى جدواه الا ومنحا
أغثني أياغوث الأنام الوحا الوحا ... ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى
وحاشاك أن ترضى وفينا معذب
وللمترجم
قفا نتشاكى عل تجدي بنا الشكوى ... بيث غرام يضمحل له رضوى
ونندب اطلالا عفت ومعالما ... بآرامها كانت هي الجنة المأوى
فتنت بغصان من السحر طرفه ... فما سنه ها روت من لحظه يروى
مقرطق خفاق الوشاح جبينه ... من الكوكب الدرى أبهج بل أضوا
تحيرت الأوهام كل بحسنه ... وفي حبه طرا تجمعت الأهوا
سقى الله عهدا قد مضى بنعيمه ... وعيشا به أهنى من المن والسلوى
وديم على أرجاء معهد أنسها ... من المزن يعلول مضاعفة الأنوا
فحيث غصون الأنس دانية بها ... لتجني ثمار الوصل منها كما تهوى
فآمالنا قرت هنالك أعينا ... فأنعم بها مأوى وأكرم بها مثوى
ومن شعره
أيرجى من الغرام فراغي ... وهواه في مهجتي أي باغي
نير يكسف الشموس بهاء ... حين يبدو سناؤه في انبزاغ
ولأجفانه مواقع سحر ... موهته بالمسك في الأصداغ
بفؤادي لعقرب الصدغ لدغ ... ما صنيعي بعقرب لداغ
ولشحر ورخا له روض حسن ... فوق وردي وجنتيه يناغي
ساغني في هواه سما زعافا ... هل لحتفي في حبه من مساغ
كل مين جاؤا به فهو لغو ... لست أصغي فيه إلى وشي لاغي
هو في الحسن والجمال نبي ... جاء بالمعجزات لللأبلاغ
أسبغ الله نعمة لي منه ... بهواه لا زال في الأسباغ
صيغة أبدع المحاسن فيه ... يا له من مهيمن صباغ
وله
في مهجتي من اليم الوجد افراط ... لأن لو أن رضوى فيه قيراط
صبابتي فيك قد قامت قيامتها ... ومن غرامي امارات واشراط
يا كعبة الحسن من حجى إليه غدا ... وبالطواف لروحي فيه أشواط
بلغت من عرفات الا من فيك مني ... وحصر قلبي لوفد الروع محتاط
لك اعتماري وسعى أنت ملتزمي ... وهذه من فروض العشق اسقاط
وله
كيف أرجو من الغرام خبوه ... والتياعي يوري بقلبي نموه
أسبيل إلى منال الثريا ... من هلال أم كيف أرجو دنوه
قمر يستهل بدرا تماما ... أين للبدر ان يحاكي بدوه
بمحيا كالشمس والريم لحظا ... حيث يبدي بهاءه ورنوه
يسترق الألباب طرا مراه ... كل لحظ بالسحر فهو مموه
سور نزلت بآيات حسن ... محكمات في شأنه متلوه
ما خلاصي وفي الفؤاد زفير ... كل حين يربي هواه غلوه
باهر الجمال راح برينا ... تارة صده وحينا حنوه
كيف لا يحمد السرى من سعيد ... فيه وإلى رواحه وغدوه
وله مخمسا
يا كوكبا من بروج الحسن مطلعه ... ويا رشا جل منشيه ومبدع
ومن غدا في سويد القلب مرتعه ... أشكو اليك فؤادا أنت موجعه
شكوى خليل إلى ألف يعلله
موله لم تزل تزداد حسرته ... والجفن من أرق تنهل عبرته
والقلب من وهج أعيته زفرته ... سقمي تزيد على الأيام كثرته
وأنت من عظم ما ألقى تقلله
يا أغيدا لم تجد في حسنه شبها ... بحن حينا وطورا ينثني رفها
فكيف يصنع صب قد قضى ولها ... الله حرم قتلي في الهوى سفها
وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
وله
بروحي رقيق الخصر أحوى منمنم ... لقد عل لخطاه بسقمهما جسمي
وعللني بالوصل بعد امتناعه ... وكيف لعمري بيننا علة الضم
وهما على عروض بيتي محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي وهما
يلومونني في ضم غصن قوامه ... ولا ذنب للنساك في الضم واللثم
نعم بيننا جنسية الود والصفا ... ولكنني لم ألفها علة الضم
ومن ذلك قول الفاضل محمد الكنجي
ضممت حبيبي عند تقبيل ثغره ... فلح عذولي بالملام الذي يصمي
وكيف وفيما بيننا حلة الوفا ... واني أراها في الهوى علة الضم
ومن ذلك قول مصطفى بن محمد الكنجي المذكور
تنشقت عطر الورد من طل خده ... واتبعته ضما وبالغت في اللثم
فماس دلالا وانثنى ثم قال لي ... رويدك اني عارف علة الضم
ومن ذلك قول النبيه البارع السيد المصطفى الصمادي
بروحي من في العيد أقبل ضاحكا ... ومبسمه كالدر مستحسن النظم
وقابلني بالود حتى ضممته ... كضم كمي سيفه خير منضم
وصافحت بالتقبيل صفحة خده ... وطوقت منه الجيد عقدا من اللثم
وما كان في قربي له من وسيلة ... سوى الود منه فهو لي علة الضم
ومن ذلك قول الكامل محمد بن السمان
بروحي ظبي ناحل الخصر قد غدا ... يشابه ذياك النحول ضنا جسمي
ونار فؤادي مثل نار خدوده ... وسقم جفون اللحظ شاكله سقمي
ولا عجب ان قد ضممت قوامه ... وقد ظهرت ما بيننا علة الضم
ومن ذلك قول الأديب محمد المحمودي
وأهيف قد جاذب الغصن في الربا ... فمال إليه الغصن وانقض كالسهم
وعانقته كالعاشق الهائم الذي ... تعانق مع معشوقه الناعم الجسم
ولا بدع للغصنين أن يتعانقا ... فحسن اعتدال القد من علة الضم
وللمترجم
عز المواسي في الهوى والمسعف ... ما لين تحنو يا ظلوم وتسعف
ولطالما أكنت فيك سرائري ... فإذا عها مني الغرام المرجف
يا واحدا بهر الأنام بحسنه ... وغدا لأبصار الورى يستوقف
عذب بهجرك ما استطعت ففي غد ... بيني وبينك يا ظلوم الموقف
ومن ذلك قول الأديب عبد الحي الخال
قد طال فيك تستري وتموهي ... واذيع ما أخفيته بتأوهي
وزجرت قلبي منك قلت لعله ... أن ينتهي فأجابني لا أنتهي
يا حبذا حجبوه عني إن يكن ... برضاك اني أشتهي ما تشتهي
عذب وجر فعسى يطول حسابنا ... في الحشر كي أحظى بمنظرك البهي
وأصله قول ابن رواحة
يا ماطلا لا يرى خليل ... لديه وردا سوى سراب
نعلم الطيف منك هجري ... فلا أراه بلا اجتناب
كم كتب الدمع فوق خدي ... اليك دعوى بلا جواب
أغلقت باب الوصال عني ... فسد للصبر كل باب
ان كان يحلو لديك ظلمي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
ومنه قول بعضهم
زدني عذابا ولا تترك لجارحة ... مني جراحا وخذ روحي وجسماني
عساك في الحسر لما أن يطول غدا ... حسابنا تتملى منك أجفاني
ومنه قول ابن نباتة من قصيدة
وطولي من عذابي في هواك عسى ... يطول في الحشر ايقافي واياكي
وكانت وفاة المترجم في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
.
* أبو الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
Julio-Romero-de-Torres-Poema-de-C-rdoba-2
سعيد بن محمد أمين بن خليل بن عبد الرحيم المعروف بالسعسعاني الحنفي الدمشقي الأديب الناظم الناثر الفاضل اللوذعي ولد بدمشق تقريبا بعد السبعين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من صدور أعيان دمشق له السمو والرفعة والشأن والصولة غير أنه كان من العلم فارغ الاناء وتوفي بدمشق في سنة مائة وألف وجده المولى خليل كان أبوه اماما بسعسع قرية معروفة من نواحي دمشق كبيرة وأصله من بلدة علائية من نواحي قرمان في الروم وسافر إلى الروم خليل المذكور ولازم على قاعدتهم وتولى قضاء طرابلس الشام وقيصرية وبعدها ولي افتاء دمشق مع رتبة قضاء القدس وأعطى قضاء بعلبك على طريق التأبيد ويسمونه بالأربلق وكان مهابا جليل القدر عالي الهمة وفيه مروءة وسخاء ومعروف وتغلب وتوفي بدمشق في جمادي الثانية سنة احدى وثمانين وألف ثم ان المترجم نشأ بعد وفاة والده متنعما مترفها مدة وصارت له رتبة اعتبار المدرسين ثم تولية وتدريس المدرسة القجماسية ودرس بها وكانت بيده علاقات وغيرها وأملاك وكان فاضلا مشهورا بالأدب والفضل حسن النظم من أفاضل المخاديم أولاد الأعيان وظرفائهم ونبهاء دمشق وأدبائها وفي أواخر أمره تغير حاله وعيشه وضره الزمان كعادته وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه ماهر كامل الاستعداد وبارع وافر الاستمداد ربى في حجر المجد وانتشا وارتشف أخلافه حتى انتشى فطلع غصنا إلى العلياء نموه لا يطاول ارتقاؤه بالمناكب وسموه يترنح للفضل ويهتز ويفخر في مجمله ومفصله ويعتز لا يكدر له صفو ولا يصدر عنه الألطف وعفو بكف ما كف عن نوال وأياد تندى قبل السؤال ولسان باللغات الثلاث طليق وخلق بأن يثنى عليه خليق فرقص له الدهر برهة وصفق وصيره هو السعيد الموفق ولم يزل كذلك وشبابه في ريعانه واقتبال عمر في ابانه وسوانحه لا تحظى الأصابة ولا يرمى غرضا الا أصابه ووالده للكرام قبله قد استأثر بمحامد من بعده ومن قبله لا تنبو له همة ولا تروعه الجلائل المدلهمة كلمه تخرق الصدور وترتاع من مواقعها الصدور حتى خوى منه بيته ولم ينفعه لوه ولا ليته فأقام هو مكانه والدهر يمشي به القهقري ويدب إليه سمومه كما يدب في المهوم طيب الكرى فلم يستفق الا وقد انشب فيه نابه وكان سببا اقتضى انقباضه واجتنابه وقد لاكته السبعون ولاكها وهو يرصد من سماه أمانيه أفلاكها فلم يظفر بطالع كاسمه ولم يكن غير الأحن من قسمه وقد كان في الأدب قطبه الذي عليه مداره وبدره الذي لم يفارقه ابداره تنقاد إليه القوافي وستعده بالقوادم والخوافي وهاك منه ما يفضح الريم إذا شدن ويسري مسرى الراح في البدن انتهى مقاله وللمترجم شعر بديع فمنه قوله
كل حسن من دون حسنك دون ... أنت للحسن جوهر مكنون
يا نبي الجمال أوتيت حسنا ... أبدا نوره لديك مبين
ظهرت معجزات حسنك حقا ... ولآياته لانت الأمين
لك لانت صم القلوب وفاضت ... فيك شوقا من العيون عيون
ما خلاصي وبي غلو غرام ... وبجنبي منك حرب زبون
أنا من أمة الغرام لكل ... فيه شأن ولي بذاك شؤون
مذهب الحب مذهبي وهو ديني ... وبه الله في المعاد أدين
وقوله
حيث بانوا وأزمعوا التوديعا ... تركوا أثرهم فؤادا وجيعا
قلدوا صارما بباهر حسن ... واكتسوا سابغا جمالا بديعا
جنحوا للسرى الصباح سراعا ... وبنوا بيننا حجابا منيعا
طالما أوحشوا المعاهد منهم ... حيث كانت أو أهلا والربوعا
يا سقى تربها يعاليل جود ... غب جدب يعود خصبا ربيعا
عرب ان ذكرتهم استهلت ... سحب الجفن بالدماء دموعا
حفظ الله عهدهم حيث كانوا ... لا يزالون يحسنون الصنعا
هم شموس الكمال أين استقلوا ... وبدور التمام ثم الطلوعا
فعسى الله رحمة عن قريب ... سوف يأتي بهم جميعا سريعا
وقوله
كيف يرجو الخلاص صب توله ... بهوى مترف يفوق الأهله
ذو نفار حوى اللطافة طرا ... وبديع الجمال قد حاز كله
زان ورد الخدود منه حياء ... ماء عين الحياة أصبح طله
سرق اللب مذ بدا وهو يزهو ... من طراز البها بأحسن حله
موسوي من حسنه تهت فيه ... اتخذ الفرع للعقول مظله
سقم جفنيه شف جسمي سقما ... ويراه وعله واضمحله
واه واحسرتاه مما بقلبي ... منه ما بالجحيم أضحى أقله
يا منى النفس لا من لدنك حنانا ... لفؤاد قد رضه كل عله
واتق الله في أعزة قوم ... في قيود الغرام أضحوا أذله
وقوله مخمسا لبيتين من قصيدة البارع مصطفى البابي الحلبي
أجرني فاني فازع من غوايتي ... وفي تيه آثامي انتهيت لغايتي
إلى بابك الأحمى رفعت شكايتي ... رسول الرضى قد أثقلتني جنايتي
وليس لعاص غير بابك مهرب
أيا رحمة الله المرجي لمن نحا ... يؤم حمى جدواه الا ومنحا
أغثني أياغوث الأنام الوحا الوحا ... ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى
وحاشاك أن ترضى وفينا معذب
وللمترجم
قفا نتشاكى عل تجدي بنا الشكوى ... بيث غرام يضمحل له رضوى
ونندب اطلالا عفت ومعالما ... بآرامها كانت هي الجنة المأوى
فتنت بغصان من السحر طرفه ... فما سنه ها روت من لحظه يروى
مقرطق خفاق الوشاح جبينه ... من الكوكب الدرى أبهج بل أضوا
تحيرت الأوهام كل بحسنه ... وفي حبه طرا تجمعت الأهوا
سقى الله عهدا قد مضى بنعيمه ... وعيشا به أهنى من المن والسلوى
وديم على أرجاء معهد أنسها ... من المزن يعلول مضاعفة الأنوا
فحيث غصون الأنس دانية بها ... لتجني ثمار الوصل منها كما تهوى
فآمالنا قرت هنالك أعينا ... فأنعم بها مأوى وأكرم بها مثوى
ومن شعره
أيرجى من الغرام فراغي ... وهواه في مهجتي أي باغي
نير يكسف الشموس بهاء ... حين يبدو سناؤه في انبزاغ
ولأجفانه مواقع سحر ... موهته بالمسك في الأصداغ
بفؤادي لعقرب الصدغ لدغ ... ما صنيعي بعقرب لداغ
ولشحر ورخا له روض حسن ... فوق وردي وجنتيه يناغي
ساغني في هواه سما زعافا ... هل لحتفي في حبه من مساغ
كل مين جاؤا به فهو لغو ... لست أصغي فيه إلى وشي لاغي
هو في الحسن والجمال نبي ... جاء بالمعجزات لللأبلاغ
أسبغ الله نعمة لي منه ... بهواه لا زال في الأسباغ
صيغة أبدع المحاسن فيه ... يا له من مهيمن صباغ
وله
في مهجتي من اليم الوجد افراط ... لأن لو أن رضوى فيه قيراط
صبابتي فيك قد قامت قيامتها ... ومن غرامي امارات واشراط
يا كعبة الحسن من حجى إليه غدا ... وبالطواف لروحي فيه أشواط
بلغت من عرفات الا من فيك مني ... وحصر قلبي لوفد الروع محتاط
لك اعتماري وسعى أنت ملتزمي ... وهذه من فروض العشق اسقاط
وله
كيف أرجو من الغرام خبوه ... والتياعي يوري بقلبي نموه
أسبيل إلى منال الثريا ... من هلال أم كيف أرجو دنوه
قمر يستهل بدرا تماما ... أين للبدر ان يحاكي بدوه
بمحيا كالشمس والريم لحظا ... حيث يبدي بهاءه ورنوه
يسترق الألباب طرا مراه ... كل لحظ بالسحر فهو مموه
سور نزلت بآيات حسن ... محكمات في شأنه متلوه
ما خلاصي وفي الفؤاد زفير ... كل حين يربي هواه غلوه
باهر الجمال راح برينا ... تارة صده وحينا حنوه
كيف لا يحمد السرى من سعيد ... فيه وإلى رواحه وغدوه
وله مخمسا
يا كوكبا من بروج الحسن مطلعه ... ويا رشا جل منشيه ومبدع
ومن غدا في سويد القلب مرتعه ... أشكو اليك فؤادا أنت موجعه
شكوى خليل إلى ألف يعلله
موله لم تزل تزداد حسرته ... والجفن من أرق تنهل عبرته
والقلب من وهج أعيته زفرته ... سقمي تزيد على الأيام كثرته
وأنت من عظم ما ألقى تقلله
يا أغيدا لم تجد في حسنه شبها ... بحن حينا وطورا ينثني رفها
فكيف يصنع صب قد قضى ولها ... الله حرم قتلي في الهوى سفها
وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
وله
بروحي رقيق الخصر أحوى منمنم ... لقد عل لخطاه بسقمهما جسمي
وعللني بالوصل بعد امتناعه ... وكيف لعمري بيننا علة الضم
وهما على عروض بيتي محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي وهما
يلومونني في ضم غصن قوامه ... ولا ذنب للنساك في الضم واللثم
نعم بيننا جنسية الود والصفا ... ولكنني لم ألفها علة الضم
ومن ذلك قول الفاضل محمد الكنجي
ضممت حبيبي عند تقبيل ثغره ... فلح عذولي بالملام الذي يصمي
وكيف وفيما بيننا حلة الوفا ... واني أراها في الهوى علة الضم
ومن ذلك قول مصطفى بن محمد الكنجي المذكور
تنشقت عطر الورد من طل خده ... واتبعته ضما وبالغت في اللثم
فماس دلالا وانثنى ثم قال لي ... رويدك اني عارف علة الضم
ومن ذلك قول النبيه البارع السيد المصطفى الصمادي
بروحي من في العيد أقبل ضاحكا ... ومبسمه كالدر مستحسن النظم
وقابلني بالود حتى ضممته ... كضم كمي سيفه خير منضم
وصافحت بالتقبيل صفحة خده ... وطوقت منه الجيد عقدا من اللثم
وما كان في قربي له من وسيلة ... سوى الود منه فهو لي علة الضم
ومن ذلك قول الكامل محمد بن السمان
بروحي ظبي ناحل الخصر قد غدا ... يشابه ذياك النحول ضنا جسمي
ونار فؤادي مثل نار خدوده ... وسقم جفون اللحظ شاكله سقمي
ولا عجب ان قد ضممت قوامه ... وقد ظهرت ما بيننا علة الضم
ومن ذلك قول الأديب محمد المحمودي
وأهيف قد جاذب الغصن في الربا ... فمال إليه الغصن وانقض كالسهم
وعانقته كالعاشق الهائم الذي ... تعانق مع معشوقه الناعم الجسم
ولا بدع للغصنين أن يتعانقا ... فحسن اعتدال القد من علة الضم
وللمترجم
عز المواسي في الهوى والمسعف ... ما لين تحنو يا ظلوم وتسعف
ولطالما أكنت فيك سرائري ... فإذا عها مني الغرام المرجف
يا واحدا بهر الأنام بحسنه ... وغدا لأبصار الورى يستوقف
عذب بهجرك ما استطعت ففي غد ... بيني وبينك يا ظلوم الموقف
ومن ذلك قول الأديب عبد الحي الخال
قد طال فيك تستري وتموهي ... واذيع ما أخفيته بتأوهي
وزجرت قلبي منك قلت لعله ... أن ينتهي فأجابني لا أنتهي
يا حبذا حجبوه عني إن يكن ... برضاك اني أشتهي ما تشتهي
عذب وجر فعسى يطول حسابنا ... في الحشر كي أحظى بمنظرك البهي
وأصله قول ابن رواحة
يا ماطلا لا يرى خليل ... لديه وردا سوى سراب
نعلم الطيف منك هجري ... فلا أراه بلا اجتناب
كم كتب الدمع فوق خدي ... اليك دعوى بلا جواب
أغلقت باب الوصال عني ... فسد للصبر كل باب
ان كان يحلو لديك ظلمي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
ومنه قول بعضهم
زدني عذابا ولا تترك لجارحة ... مني جراحا وخذ روحي وجسماني
عساك في الحسر لما أن يطول غدا ... حسابنا تتملى منك أجفاني
ومنه قول ابن نباتة من قصيدة
وطولي من عذابي في هواك عسى ... يطول في الحشر ايقافي واياكي
وكانت وفاة المترجم في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
.
* أبو الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
Julio-Romero-de-Torres-Poema-de-C-rdoba-2
صورة مفقودة