نقوس المهدي
كاتب
وعن الأصمعي قال: دخلت البادية فرأيت أعرابيّة من أحسن الناس وجهاً متزوّجة بأقبح الناس وجهاً، فقلت: يا هذه أترغبين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: بئسما قلتَ، لقد أحسن فيما بينه وبين ربّه فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربّي فجعله عقابي.
ودعت أعرابيّة على زوجها فقالت له: ضربك الله بداء لا يكون له دواءً إلاّ أبوال القطا.
ويقال: إنّ امرأة أبي الأسود الدئلي خاصمته إلى زياد في ولدها، فقالت له: أيّها الأمير إنّ هذا يريد أن يغلبني على ولدي وقد كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له وطاء. فقال أبوالأسود: أفبهذا تريدين أن تغلبيني على ابني، فوالله لقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه. فقالت: ولا سواء؛ إنّك حملته خَفّاً وحملته ثقلاً، ووضعته شهوةً ووضعته كرهاً. فقال له زياد: يا أباالأسود إنّها امرأة عاقلة فادفع إليها ابنها فأخلق أن تحسن أدبه.
وفي شرح نهج البلاغة: روى ابن قتيبة في عيون الأخبار قال: دخل الحجّاج على الوليد بن عبد الملك وعليه درع وعمامة سوداء، وقوس عربيّة وكنانة، وذلك في أوّل قدمة قدمها عليه من العراق، فبعثت أُمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان وكانت تحت الوليد إليه تسأله من هذا الأعرابي المستلئم بالسلاح عندك وأنت في غلاله، فأرسل إليها: هذا الحجّاج، فأعادت إليه الرسول: لئن يخلو بك ملك الموت أحياناً في اليوم أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجّاج يوماً، فأخبره الوليد بذلك وهو يمازحه، فقال: يا أميرالمؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تطلعها على سرّك ومكايدة عدوّك. فلمّا دخل الوليد عليها أخبرها وهو يمازحها بمقالة الحجّاج، فقالت: يا أميرالمؤمنين حاجتي أن تأمره غداً أن يأتيني مسلّماً، ففعل ذلك، فأتاها الحجّاج فحجبته، فلم يزل قائماً ثمّ أذنت له، فقالت: أنت الممتنَّ على أميرالمؤمنين بقتلك ابن الزبير وابن الأشعث، أما والله لولا أنّ الله علم أنّك شرّ خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام، ولا بقتل ابن ذات النطاقين، أوّل مولود ولد في دار هجرة الإسلام، وأمّا نهيك أميرالمؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذّاته وأوطاره فإن كنّ ينفرجن عن مثلك فما أحقّه بالأخذ منك، وإن كنّ ينفرجن عن مثله فهو غير قابل لقولك، أما والله لقد نفض نساء أميرالمؤمنين الطيب من غدائرهنّ فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من قرن قد أظلّتك رماحهم وأثخنك كفاحهم، وحين كان أميرالمؤمنين أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم فأنجاك الله من عدوّ أميرالمؤمنين بحبّهم إيّاه، قاتل الله القائل حين ينظر إليك وسنان غزاله بين كتفيك:
أسد عَلَيَّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
قم فاخرج، فقام فخرج.
وروي عن محمّد بن عمّار بن ياسر قال: بلغ الحرث بن حجر الكندي عن الخنساء ابنة عوف بن محلم جمالاً وكمالاً، فأرسل إليها امرأة من كندة يقال لها عصام وقال لها: إذهبي واعلمي لي علم الجارية، قالت: فأتيت أُمّها فإذا أنا بامرأة كأنّها جازية من الضباء، وحولها بنات لها كأنّهنّ الغزلان، فأعلمتها الذي جئت له، فأرسلت إلى ابنتها: يا بنيّتي هذه خالتك قد أتتك تنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها وجهاً، ولا تخفي عليها خلقاً، وناطقيها إن استنطقتك، فأذنت لها، فلمّا دخلت عليها وتوسّمت خلقها رأيت أحسن الناس وجهاً وجسماً، ثمّ خرجت وهي تقول: تركَ الخداع مَن كشف القناع، حتّى دخلت على الحرث، فقال لها: ما وراءك يا عصام؟ فقالت: أصلح الله الملك، صرّح المخض عن الزّبد، أقول حقّاً وأخبرك صدقاً، رأيت وجهاً كالمرآة الصينيّة الوضيئة، يزينه شعر حالك كأذناب الخيل، إن أرسلته قلت سلاسل، وإن مشطته قلت عناقيد جلاها وابل، لها حاجبان كأنّما خطّا بقلم أو سوّدا بحمم، تقوّسا على مثل عيني الظبية العبهرة التي لم تَرَ قانصاً ولم يذعرها قسورة، تبهتان المتوسّم إن فتحتهما، وتجللان بأشفارهما ما تحتهما، بينهما أنف كحدّ السيف المصقول، لم يخنس به قصر ولم يعبه طول، حفّت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض، كالجمال شقّ فيه فم لذيذ المتبسّم، فيه ثنايا ذات أشر، وأسنان كالدرر، ينطق فيه لسان ذو فصاحة، وبيان يحرّكه عقل وافر بجواب حاضر، تنطبق عليه شفتان حمراوان كأنّهما في اللين الزبد، تحملان ريقاً كالشهد، ركّب ذلك على عنق بيضاء بضّه مثل سبيكة الفضّة، على صدر كصدر التمثال، قدّ منه عضدان مدمجتان ممتليتان لحماً مكسوّتان شحماً، متّصل بينهما ساعدان رقيق قصبهما، لين عصبهما، وافر لحمهما، متّصل بهما كفّان ما فيهما عرق يمس، ولا عظم يجس، تعقد إن شئت منهما الأنامل وتغيب الفصوص في عقد تلك المفاصل، نتأ في ذلك الصدر ثديان كالرمانتين، يخرقان عنها ثيابها، ويمنعانها أن تقلّد سخابها، تحت ذلك كلّه بطن كالقباطي المدمجة، والطوامير المدرّجة، أحاطت تلك العكن بسرّة كمدهن العاج، خلف ذلك ظهرٌ فيه كالجدول ينتهي إلى خصر لطيف، لولا رحمة الله لانبتر لها كفل بنهضها إذا قعدت، ويقعد بها إذا نهضت، كأنّه دعص رمل لبّده سقيط الطل، تحمله فخذان لفّاوان، وإن قلبتا على نضيد جمان، تحملها ساقان خدلجتان فيهما شعر أسود كأنّه حلق الزرد، تحمل ذلك كلّه قدم كحذو اللسان، فتبارك الله مع صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما. قال: فتزوّجها فولدت له الأملاك الأربعة: حجراً وشرجيلاً وسلمة ومعدي كرب.
ونظير ما وصفت به هذه المرأة وصف النابغة الذبياني المتجرّدة زوجة النّعمان بن المنذر، والنابغة هذا اسمه زياد بن معاوية بن ضباب، ينتهي نسبه لذبيان ثمّ لمضر، ويكنّى أبا أمامة، وإنّما سمّي النابغة لقوله: وقد نبغت لهم منّا شؤون، وهو أحد الأشراف الذين غضّ منهم الشعر، وهو من الطبقة الاُولى المتقدّمين على سائر الشعراء، وكان خاصّاً بالنّعمان بن المنذر وكان من ندمائه، فرأى زوجته المتجرّدة يوماً وقد غشيها شيء شبيه بالفجأة فسقط نصيفها واستترت بيدها وذراعها، فكانت ذراعها تستر وجهها لعبالتها وغلظها، فقال:
من آل أُميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوَّد
زعم البوارح أنّ رحلتنا غداً ... وبذاك تنعاب الغراب الأسود
لا مرحباً بغد ولا أهلاً به ... إن كان تفريق الأحبّة في غد
أزف الترحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأنّ قد
في أثر غانية رمتك بسهمها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
بالدرّ والياقوت زيّن نحرها ... ومفصل من لؤلؤ وزبرجد
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
بمخضب رخص كأنّ بنانه ... عنم على أغصانه لم يعقد
وبفاحم رجل أثيث نبته ... كالكرم مال على الدعام المسند
نظرت إليك لحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العوَّد
ومنها:
وإذا لمست لمستَ أختم جاثماً ... متحيّزاً بمكانة ملأ اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن متحصّف ... نزع الحزوَّر بالرشاء المحصد
فملكت أعلاها وأسفلها معاً ... وأخذتها قسراً وقلت لها اقعدي
وهذا البيت الأخير ليس من القصيدة، وكان سبب إلحاقه فيها ما رواه أبو نؤاس قال: رأيت النابغة الذبياني في منامي فقال لي: بماذا حبسك الرشيد؟ فقلت: بقولي:
أهج نزاراً وأفر جلدتها ... وهتك الستر عن مثالبها
فقال لي: أهل ذلك أنت يابن المومسة، فقد استوجبت من كلّ نزاريّ عقوبةً مثلها بما ارتكبت منها، فقلت: وأنت حبسك النّعمان ببيت قلته ستره النّعمان عن الناس، قال: ما هو؟ قلت: قولك:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
فقال: أو كان هذا مستوراً؟ فقلت: بقولك:
وإذ لمست لمست أختم جاثماً ... متحيّزاً بمكانه ملأ اليد
فقال: اللهمّ غفراً، فقلت: فبماذا؟ قال: بقولي:
فملكت أعلاها وأسفلها معاً ... وأخذتها قسراً وقلت لها اقعدي
فحدّث أبو نؤاس بهذا الحديث الزيدي فألحق البيت بقصيدة النابغة.
ويماثل قصيدة النابغة هذه ما قاله بعض العرب وهو القصيدة المشهورة المعروفة بالدّعديّة ولا بأس بذكرها لاشتمالها على نظائر تلك النعوت المارّة في الحكاية السابقة، فمنها:
آه على دعد وما خلقت ... إلاّ لطول بليّتي دعد
بيضاء قد لبس الأديم أديم ... الحسن فهو لجلدها جلد
ويزين فوديها إذا حسرت ... ضافي الغدائر فاحم جعد
فالوجه مثل الصبح منبلج ... والشعر مثل الليل مسودّ
ضدّان لمّا استجمعا حسنا ... والضدّ يظهر حسنه الضدّ
وجبينها صلت وحاجبها ... شحط المخطّ أزجّ ممتدّ
فكأنّها وسنى إذا نظرت ... أو مدنف لمّا يفق بعد
بفتور عين ما بها رمدٌ ... وبها تداوى الأعين الرَّمد
وتريك عرنيناً يزيّنه ... شَمم وخدّ لونه الورد
وتجيل مسواك الأراك على ... ثغر كأنَّ رضابه شهد
والجيد منها جيد جازية ... تعطوا إذا ما طلّها البرد
وامتدّ من أعضادها قصب ... فعم زهته مرافق درد
والمعصمان فما يرى لهما ... من فعمة وبضاضة زند
ولها أنامل لو أرادت لها ... عقداً بكفّك أمكن العقد
فكأنّما سقيت ترائبها ... والوجه ماء الحسن إذ تبدو
وبصدرها حقّان خلتهما ... كافورتين علاهما ندّ
والبطن مطويّ كما طويت ... بيض الرياط تصونها الملد
والتفَّ فخذاها وفوقهما ... كفل يجاذب خصره النهد
وبخصرها هيف يزيّنه ... فإذا تنوء تكاد تنتقد
فقيامها مثنى إذا نهضت ... من لينها وقعودها فرد
ما شأنها طول ولا قِصر ... أزرى بها فقوامها قصد
ولهاهن راب مجسّته ... ضيق المسالك حرَّه وقد
فإذا طعنت طعنت في لبد ... وإذا جذبت يكاد ينسدّ
فكأنّه من كبره قدح ... أكلَ العيال وكبّة العبد
والساق خرعبة منعّمة ... ثملت وطوق الحجل مشتدّ
ومشت على قدمين خصرتا ... والتفّتا فتكامل العقد
إن لم يكن وصل لديك لنا ... يشفي الصبابة فليكن وعد
إن تتهمي فتهامة وطني ... أو تنجدي إنّ الهوى نجد
قد كان أورق وصلكم زمناً ... فذوي الوصال وأورق الصدّ
لله أشواقي إذا نزحت ... دار لكم ونأى بكم بعد
وإذا المحبّ شكى الصدود ولم ... يعطف عليه فقتله عمد
أما ترى طمريَّ بينهما ... رجل ألحَّ بهزله الجدّ
فالسيف يقطع وهو ذو صدء ... والحدَّ يفري الهام لا الغمد
هل ينفعنّ السيف حليته ... يوم الجلاد إذا نبا الحدّ
ويشبه قوله: أما ترى طمريَّ الخ قول بعضهم فيما أخبر به محمّد بن الخطّاب الكلابي: إنّ فتىً من الأعراب خطب ابنة عمٍّ له، فأبى أبوها أن يزوّجه إيّاها لأنّه كان معسراً، فكتب إلى ابنة عمّه بهذه الأبيات:
يا هذه كم يكون اللوم والفند ... لا تعذلي رجلاً أثوابه قِدَد
إن يمس منفرداً فالبدر منفرد ... والليث منفرد والسيف منفرد
أو كنتِ أنكرت طمريه وقد خلقا ... فالبحر من فوقه الأقذار والزَّبد
أو كان صرف الليالي رثَّ بزّته ... فبين ثوبيه منه ضيغم لبد
وإنّما أوردت ذلك المقدار من المقصيدة وإن كان فيه ما هو خارج عمّا نحن فيه لحسنها وجودتها.
ونظير تلك الحكاية أيضاً ما روي في عائشة بنت طلحة. أقول: هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرّة، أبوه ابن عمّ أبي بكر لحّاً، وكانت بارعة في الجمال، تامّة الخلق، موصوفة بحسن المعاشرة، محبّبة إلى الأزواج، وكانوا يتنافسون عليها، وتزوّجها عدّة من الرجال، فكان الثانيى من أزواجها يضاعف لها مهرها عن الأوّل حتّى بلغ مهرها عند الأخير ألوفاً كثيرة من المال، وهذا خلاف العادة، فإنّ العرف يقضي بانحطاط مهر الثيّب عن البكر والثالث عن الثاني وهلمّ جرّا، وما ذاك إلاّ لمعنىً في عائشة دون غيرها، ونحن نذكر شيئاً من أوصافها وبعضاً من أخبارها: حكى أبوالفرج في الأغاني قال: اجتمع مصعب بن الزبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعمرو بن سعيد بن العاص وأتتهم عزّة الميلاء، فقالوا لها: إنّا قد خطبنا وأردنا منك أن تنظري لنا نسائنا، فسألت مصعباً عمّن خطب، قال: عائشة بنت طلحة، وسألت عمرو بن سعيد عمّن خطب، فقال: عائشة بنت عثمان، وسألت عبد الله فقال: أُمّ القاسم بنت زكريّا، فتوجّهت إليهنّ لتنظرهنّ، فبدأت بعائشة بنت طلحة، فدخلت عليها، فأكرمتها عائشة وسُرَّت بها فسألتها عن حاجتها، فقالت لها: إنّي كنت في نسوة من قريش فتذاكرنا جمال النساء وخلقهنّ فذكرناكِ فلم أدرِ كيف أصفكِ، فقالت: ماذا تريدين؟ فقالت لها: فديتك أقبلي وأدبري، فأقبلت وأدبرت، فارتجّ كلّ شيء منها، ثمّ قالت لها عزّه: خذي ثوبك، فأخذته فرأتها من أحسن النساء ثورة وأتمّهنّ محاسن، فعوّذتها وقالت: ما أظنّ أنّ الله تعالى خلق لصورتك هذه شبيهاً في الدّنيا، وودّعتها وانصرفت إلى أُمّ القاسم، فأكرمتها وسُرّت بها وسألتها عن حاجتها، فعرّفتها بمثل ذلك وسألتها أن تقبل فأقبلت وأن تدبر فأدبرت، فرأت منها ما أعجبها فعوّذتها وقالت لها: يا أُم القاسم والله ما رأيت حسناً إلاّ وأنتِ أحسن منه، وودّعتها وانصرفت وفعلت مثل ذلك مع عائشة بنت عثمان، ورجعت إليهم وهم ينتظرونها.
فقالت لمصعب: أمّا عائشة فلا والله ما رأيت مثلها مقبلة ولا مدبرة، مخطوطة المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب، نقيّة الثغر، وضيئة الوجه، فرعاء الشعر، لفّاء الفخذين، يرتجّ ما بين أعلاها إلى أسفلها، وفيها عيبان: اُذنان يحاذيان الخدّ في الكبر، وقدمان كذلك، ولكن الأوّل يواريه الخمار والثاني يواريه الخف. ثمّ قالت لعبد الرحمن: وأمّا أُم القاسم فكأنّها خوطة بان، أو جدول عنان، لو شائت أن تعقد وتعقد أطرافها لفعلت، ولكنّها شحّة الصدر وأنت عريض الصدر وإن قبيحاً لا والله حتّى يملأ كلّ شيء مثله. وقالت لعمرو بن سعيد: أمّا عائشة فوالله ما رأيت خلقتها قط لامرأة لكأنّما أفرغت في قالب الحسن إفراغاً غير أنّ في وجهها ردّة، فوصلوها وتزوّجوهنّ.
قولها: في وجهها ردّة بفتح الراء، تُريد أنّ وجهها ينقص في الحسن عن بدنها.
وذكر أنّ عائشة بنت طلحة كانت تستلقي على قفاها ثمّ تدحرج الاُترجة من تحت ظهرها فتخرج من الناحية الاُخرى لوفور عجيزتها، وقد قال فيها الحارث بن خالد المخزومي:
قرشيّة عبق العبير بها ... عبق الدهان بجانب الحقّ
وتنوء تثقلها عجيزتها ... نهض الضعيف ينوء بالوسق
قال مسلم بن قتيبة: رأيت عايشة بنت طلحة بمنى - أو قال بمسجد الخيف - ومعها امرأتان تنهضانها للقيام فانخزلت عجيزتها لعظمها، فقالت: إنّي لمعناة منكما. قال مسلم: فذكرت قول الحارث بن خالد المخزومي: وتنوء تثقلها عجيزتها، البيتان.
قالت سلافة: زرت مع مولاتي عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة، فرأيت عجيزتها خلفها وهي جالسة كأنّها غيرها، فوضعت يدي عليها لأعلم ما هي، فلمّا وجدت مسّ يدي قالت: من هذه التي تمسّني؟ فقلت: أنا، رأيت هذا الذي خلفك فخلت أنّها امرأة جالسة معك فجئت لأنظر من هي، فضحكت وقالت: ما أكثر ما يعجب ممّا تعجبين منه. قالت سلافة: ولم أر أحسن جسماً من عائشة بنت طلحة.
وحكى أبوالفرج في الأغاني: إنّ رملة بنت عبد الله بن خلف وكانت ضرّة عائشة عند عمرو بن عبيد الله قالت ذات يوم لمولاة عائشة: أريني عائشة إذا كانت متجرّدة ولك عندي ألف، فأخبرت عائشة بذلك، ثمّ قامت عائشة كأنّها تغتسل، فأقبلت رملة ورأتها مقبلة ومدبرة، فلمّا فرغت من ذلك أعطت مولاتها الألف وقالت لها: وددت أنّي أُضاعف لك العدد ولم أكن رأيتها.
وذكر صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا تزوّج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة حمل إليها ألف ألف درهم؛ خمسمائة ألف مهر وخمسمائة ألف هديّة، وقال لمولاتها: لك ألف درهم إن دخلت بها الليلة، فأمر بالمال فحمل إلى عائشة وغطّي بالثياب، فخرجت عائشة فرأته فاستكثرته وظنّته فراشاً وثياباً، فسألت مولاتها فأعلمتها أنّه مال فاستكثرته وتبسّمت، فقالت لها مولاتها: ما جزاء من حمل هذا أن يبيت وحده، فقالت لها: وهو كذلك ولكن لا يجوز الدخول إلاّ بعد أن أتهيّأ وأتزيّن، فقالت لها: والله إنّ وجهك لأحسن من كلّ زينة، ولا تحتاجين إلى شيء من طيب أو حلى إلاّ وهو عندك، وأكبّت على رجليها تقبّلهما وتطلب منها أن يكون دخوله بها تلك الليلة، فقالت لها: ويحك كيف يكون هذا بهذه السرعة؟ فصدّقتها الخبر وأعلمتها بما جعل لها مصعب من المال، فأمرتها أن تأذن له، فسار إليها من ليلته وأدنى إليه طعام فأكله كلّه حتّى أعرى الخوان منه، ثمّ سأل عن المتوضّأ فأُخبر فقام فتوضّأ ثمّ صلّى ثمّ قام فأسبل الستر وأقام معها حتّى نال منها سبعاً تلك الليلة، ولم يكن عند عائشة أحظى منه في أزواجها، وكان ينال ما يشاء منها عفواً من دون مناكرة. وذكر هذه الحكاية أبوالفرج في الأغاني وأنّها جرت لها مع عمرو بن عبد الله بن معمر وكان قد تزوّجها بعد مصعب بن الزبير.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قيل لنعيمان المخنَّث: كيف رأيت عائشة بنت طلحة؟ قال: أحسن البشر، قيل له: صفها، قال: تناصف وجهها في القسامة، وتجزّء معتدلاً في الوسامة.
قوله: تناصف وجهها في الوسامة أي أخذ كلّ موضع منه حظّه من الحسن، لم ينفرد بالحسن موضع دون الآخر فيغبن أحد الموضع حظّه. والقسامة الحسن، وهذا أيضاً معنى الفقرة الثانية أي إنّ وجهها أجزاء متساوية في الحسن لا يزيد جزء على جزء، ولقد وصف فأجز وبالغ.
وحدّث حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها فعاتبها مصعب في ذلك فقالت: إنّ الله تعالى وسمني بميسم الجمال فأحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره. فكان مصعب إذا عزم عليها في الإستتار استترت وإذا سكت عنها أسفرت وباشرت الناس.
وحكى صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا زفّت عائشة بنت طلحة إلى زوجها مصعب بن الزبير سمعت منها امرأةٌ وهو يجامعها شخيراً وغطيطاً في الجماع لم تسمع مثله، فقالت لها في ذلك، فقالت لها عائشة: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير.
قلت: وقد نظم بعض الشعراء قولها: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير، فقال:
أدرها بالصغير وبالكبير ... وخذها من يدي قمر منير
ولا تشرب بلا طرب فإنّي ... رأيت الخيل تشرب بالصفير
أقول: والشيء بالشيء يُذكَر حدّث الصولي عن أبي نؤاس قال: حججت مع الفضل بن الربيع حتّى إذا كنّا بأرض بني فزارة أيّام الربيع سرّحت عيني رامقاً في أحسن منظر، واستنشقت من رباها أطيب من المسك الأذفر، فقلت لمن معي: أمضي بنا إلى هذه الخيام فلعلّنا نجد عندها من نؤثر عنه خبراً نرجع به إلى بغداد، فلمّا انتهينا إلى أوائلها فإذا نحن بخباء وعلى بابه جارية مبرقعة ترنو بطرف مريض الجفون، وسنان النظر قد حشي فتوراً وملىء سحراً، وقد مدّت يداً كلسان طائر بأطراف كالمذاري، وخضاب كأنّه عنم، فقلت لصاحبي: والله إنّها لترنوا عن مقلة لا رقية لسليمها ولا برء لسقيمها، فاستنطقها فقال: كيف السبيل؟ فقلت: استسقها، فدنى منها فاستسقاها، فقالت: نعمة عين فإن نزلتما فالرّحب والسعة، ثمّ قامت تتهادى في مشيتها كأنّها خوط بان أو قضيب خيزران تتثنّى، تجرّ خلفها كالعرارتين، فراعني والله ما رأيت، فأتت بالماء فأخذته فشربت منه وصببت باقيه على يدي، ثمّ قلت: وصاحبي أيضاً عطشان، فأخذت بالإناء ودخلت الخباء، فقلت لصاحبي: من الذي يقول:
إذا بارك الله في ملبس ... فلا بارك الله في البرقع
يريك عيون المهى غرَّةً ... ويكشف عن منظر أشنع
فمضت مسرعة فنزعت برقعها وتقنّعت بخمار أسود وجائت وهي تقول:
ألا حيّ ركبي معشر قد أراهما ... أطالا ولمّا يعرفا مبتغاهما
هما استسقيا ماءً على غير ظمأة ... ليستمتعا باللحظ ممّن سقاهما
يذمّان لبّاس البراقع ظلّةً ... كما ذمَّ تجرٌ سلعتين اشتراهما
فشبهت كلامهما عقد درٍّ وهي من سلكه فهو ينتثر بنغمة عذبة رخمة رطبة لو خوطب بها الصمّ الصلاب لانبجست ماءً لرطوبة منطقها وعذوبة ألفاظها، كما قال ذوالرمّة:
ولمّا تلاقينا جرت من عيوننا ... دموعٌ كففنا مائها بالأصابع
ونلنا سقاطاً من حديث كأنّه ... جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع
ولم أتمالك أن خررت ساجداً وأطلت من غير تسبيح، فقالت: ارفع رأسك غير مأجور، وامض لشأنك غير موزور، ولا تذم بعدها برقعاً فربّما يكشف عمّا لا يردّ الكرى، ويحلّ القوى من غير بلوغ إرب، ولا قضاء وطر، وليس إلاّ للحين المجلوب، والأمل المكذوب، فبقيت والله معقول اللسان عن الجواب، فالتفت إليّ صاحبي فقال لمّا رأى هلعي: اَلِلَمْعَةِ وجه برقت منه بارقة حسن لعلّك لا تدري ما تحته، أما سمعت قول ذي الرمة:
على وجه مي مسحةٌ من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
فقلت: اُلامُ كلاّ والله لأنا أشبه بقوله:
منعّمةٌ حوراء يجري وشاحها ... على كشح مرتجًّ الروادف أهضم
لها بشرٌ صاف وعينٌ مريضةٌ ... وأحسن إيماء بأحسن معصم
وكوفية بالحسن قد تمَّ حسنها ... ورومية في اللون ظاهرة الدم
خزاعية الأطراف مريَّة الحشا ... فزارية العينين طائية الفم
فرفعت ثيابها فإذا قضيب فضة قد حُشي بماء الذهب، يهتزّ على مثل قضيب نقي وصدر كالوذيلة، عليه كالرمانتين أو حقيْ عاج يملاءن يد اللامس، وخصر مطويّ الإندماج يهتزّ على كفل رجراج، لو رمت عقده لانعقد، وسرّة مستديرة يقصر فهمي عن بلوغ وصفها، من تحتها أحمّ جاثم كجبهة ليث خادر، وساقان خدلجان يخرسان الحجلين، ثمّ قالت: أَعارٌ نرى؟ فقلت: لا والله ولكن سبب قدر المحتاج وتعجيل همّ يتبعه سقم. فخرجت عجوز من الخباء فقالت: يا هذا امض لشأنك فإنّ قتيلها مطول لا بؤدى، وأسيرها مكبول لا يفدى، فقالت لها: دعيه فمثله مثل عيلان بقوله:
فإنْ لم يكن إلاّ تعلّل ساعة ... قليلاً فإنّي نافع لي قليلها
فولّت العجوز وهي تقول:
فمالك منها غير أنّك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع؟
فبينما نحن كذلك وإذا بطبل الرحيل قد ضرب، فانصرفنا مبادرين بكمد قاتل وحسرة كاملة وأنا أقول:
يا ناظراً ما أقلعت لحظاته ... حتّى تشحّط بينهنّ قتيل
أحللت قلبي في هواك محلّةً ... ما حلّها المشروب والمأكول
بكمال صورتك التي في مثلها ... يتحيّر التشبيه والتمثيل
فوق القصيرة والطويلة فوقها ... دون السمان ودونها المهزول
فلمّا قضينا حجّنا وكررنا راجعين، مررنا بذلك الموضع وقد تضاعفت أنواره وكملت بهجته، فقلت لصاحبي: إمض بنا إلى صاحبتنا لعلّنا نجدها، فلمّا أشرفنا على الخيام ونحن دونها نسير في روضة من تلك الرياض وقد طلعت الغزالة وحباب الطل يغازلها كأعين شرقت بدموعها على قضب زبرجد، فصعدنا رَبوة ونزلنا وهْدةً وإذا بها بين خمسة لا نصلح أن تكون خادمة لإحداهنّ يجتنين من كور ذلك الزهر، ويتقلّبن على ما اعتمّ من عشبه، فلمّا رأينا وقفْن، فقلت: السلام عليكم، فقالت من بينهنّ: وعليك السلام، وقصّت عليهنّ قصّتي، فقلن لها: ويحك ألا رحمتيه وزودتيه شيئاً يتعلّل به من جوى البرحاء؟ قالت: نعم زوّدته يأساً حاضراً ورأياً حائراً، فابتدرت أنظرهنّ خدّاً وأرشقهنّ قدّاً وأبرعهنّ طرفاً فقالت: والله ما أحسنتِ بداً، ولا أجملتِ موعداً، ولقد أسأتِ في الردّ، ولا كافيتيه في الودِّ، وإنّي لأحسبه بك وامقاً، وإلى لقائك شائقاً، فما عليك يا سعافة وإنّ المكان لخال، وإنّ معك من لا ينمّ عليك؟ فقالت: والله ما أفعل من ذلك شيئاً أو تفعليه قبلي وتشركيني في حلوه ومرّه. فقالت لها الأُخرى: تلك قسمة ضيزى، تُعْشَقين أنت فتزَهينَ ويذلّ لك فتمنعين الرّفد، ثمّ تأمرين بما يكون منك لذّةً وشهوةً ومنّي سخرة، ما أنصفتِ في القول ولا أجملتِ في الفعل، ثمّ أقبلن عَلَيّ فقلنَ: إلى مَ قصدت؟ فقلت: تبريد غلّة وإطفاء لوعة أحرقت الكبد وأذابت الجسد. قلن: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قلت: نعم، وأنشدتهنّ:
حججت رجاء الفوز بالأجر قاصداً ... لحطّ ذنوب من ركوب الكبائر
فآبت كما آب الشقي بخفّتي ... حنين ولم اوجر بتلك المشاعر
دهتني بعينيها وبهجة وجهها ... فتاةٌ كضوء الشمس وسنى النواظر
فقلن: اقترِعْنَ، فاقترعْنَ فوقعت القرعة على أملحهنّ، فضرب إزار على باب غار، فعدلت إليه وأبطأن عَلَيّ قليلاً، وأنا أتشوّف واحدة منهنّ إذ دخل عَلَيّ أسود كأنّه ساريه، بيده هراوة وهو منعظ بمثل ذراع البكر، فقلت له: ما تريد؟ قال: أفعل بك الفاحشة، فخفت وصحت بصاحبي وكان أيداً، فخلّصني منه، فخرجت من الغار وإذا بهنّ يتعادين إلى الخيام كأنّهنّ اللئالي ينحدرن من سلك، وهنّ يتضاحكن، ومعهنّ نياط قلبي يجذبنه بينهنّ، فانصرفت بأخزى من ذات النحيين.
أقول: وقد أسهبنا في النقل من هذه الحكايات والنوادر، وفيما ذكرناه كفاية.
قال الثعالبي: أحسن الكلام ما كان قالباً لأهواء القلوب، ويشهد بهذا المعنى قول مهيار بن مرزويه الديلمي الكاتب:
إقا قال فاعقد خيوط التميم ... عليك فألفاظه تسحر
وقال أبو عبد الله محمّد بن أحمد الخازن في تهنئة الصاحب بن عباد بمولود ولد له:
وخذْ إليك عروساً بنت ليلتها ... من حازم مخلص ودّاً ومعتقدا
أهديتها عفو طبعي وانتحيت لها ... سحراً وإن كنت لم أنفث له عقدا
وقال مهيار أيضاً:
سحرت جودك فاستخرجت كامنه ... إنّ الكريم ببيت الشعر مسحور
****
فصل في نعت نثره ونظمه
أمّا نثره: فنثار طل تساقطه الأنداء، ووشي زهر ينمنم به الربيع، ديباجة روضة غناء. وأمّا نظمه: فجان سلك تتمنّى الحور لو زانت به نحورها، ووشحت به الهيف خصورها، إن نسب أغرب، وإن شبب أطرب، فنسيبه الحلو الحلال، وتشبيبه العذب الزلال، بل هو في جميع فنون الشعر طويل الباع، غزير الإطلاع، سمح البديهة، حسن الروية، صادق النظرة، ولود الفكرة، رقيق حاشية النظم، موشي ديباجة النثر.
كم مقامات نهىً حرّرها ... ليس فيها للحر يرى مقامه
وأنقياتِ بهى لو شامها ... جوهري الشعر ما سام نظامه
فما أحقّ كلامه بقول القائل:
كلام الإمام إمام الكلام ... وفوه يفوه بحرّ النظام
مزاج معانيه في نظمها ... مزاج المدام بماء الغمام
وهذا من قولهم: كلام الملوك ملوك الكلام، وقولهم: عادات السادات سادات العادات.
رجْعٌ إلى وصف كلامه: أقول: كلامه هو الذي ليس به عثار، ولا عليه غبار، قد ولي الفضل تحبيره، وملك العقل رسمه وتصويره، فهو كما قال القائل:
سمع البديهة ليس يمسك لفظه ... فكأنّما ألفاظه من ماله
هبني وفيت بحمده عن فضله ... من ذا يفي بالشكر عن إفضاله
بل كما قال هذا القائل:
قد أصبحت ألفاظه صور النُّهى ... وقوالب الأسماع والألباب
وإذا حللتَ له جناباً واحداً ... حلَّ المؤمّل منك ألف جناب
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ من الشعر لحكمةً، وإنّ من البيان لسحراً.
وقال علي عليه السلام: خير الشعراء ما كان مَثلاً، وخير الأمثال مالم يكن شعراً.
وقال الخليل بن أحمد: الشعراء أُمراء الكلام، يصرّفونه أنّى شاؤا، جائزٌ لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تفريق اللفظ وتعقيده، ومدّ مقصوره وقصر ممدوحه، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته.
وقال السيّد المرتضى في الدرر في أثناء كلام أملاه ردّاً على الآمدي فيما عاب به البحتري: أنّ الشاعر لا يجب أن يؤخذ عليه في كلامه التحقيق والتحديد، فإنّ ذلك متى اعتبر في الشعر بطل جميعه، وكلام القوم مبنيّ على التوسّع والتجوّز والإشارات الخفيّة والإيماء إلى المعاني تارةً بعد أُخرى من قرب، لأنّهم لم يخاطبوا بشعرهم الفلاسفة وأصحاب المنطق وإنّما خاطبوا من يعرف أوضاعهم ويفهم أغراضهم.
وقال الجاحظ في كتاب البيان: كان الشاعر من العرب يمكث في القصيدة الحول، ويسمّون تلك القصائد: الحوليّات والمنقّحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً وشاعراً مفلقاً، وفي بيوت الشعراء الأوابد والأمثال ومنها الشواهد والشوارد.
طبقات الشعراء والشعراء أربع طبقات: أوّلهم: الفحل الخنذيذ وهو التام، ودون الخنذيذ: الشاعر المفلق، ودون ذلك: الشاعر فقط، والرابع: الشعرور.
وقال بعضهم: طبقات الشعراء ثلاثة: شاعر، وشويعر، وشعرور.
وما أصدق قول القائل:
الشعراء فاعلمنَّ أربعهْ ... فشاعرٌ يجري ولا يجرى معهْ
وشاعرٌ من حقّه أن ترفعهْ ... وشاعرٌ من حقّه أن تسمعهْ
وشاعرٌ من حقّه أن تصفعهْ وذكر شارح الكامل: إنّ الحطيئة دخل على سعيد بن العاص وهو يتغذّى، فأكل أكل جايع، فلمّا فرغ من طعامه وخرج الناس أقام مكانه، فأتاه الحاجب ليخرجه فامتنع وقال: أترغب عن مجالستي، فلمّا سمعه سعيد وكان لا يعرفه قال للحاجب: دعه، ثمّ تذاكروا الشعر، فقال الحطيئة: ما أصبتم جيد الشعر ولو أعطيتم القوس باريها بلغتم ما تريدون. وقيل: إنّه أوّل من قال: أعط القوس باريها، فانتسبوه، فانتسب لهم، وذاكروه فقال لسعيد: اسمع ثمّ أنشد:
الشعراء فاعلمنّ أربعهْ ... فشاعرٌ لا يرتجى لمنفعهْ
وشاعر ينشد وسط المجمعهْ ... وشاعر آخر لا يجرى معهْ
وشاعرٌ يقال خمرٌ في دعهْ ومعنى قوله: خمر في دعه، غطّ وجهك حياءً من قبح ما أتى به، ثمّ أنشد:
الشعر صعبٌ وطويل سلمهْ ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ
زلّت به إلى الحضيض قدمهْ ... يريد أن يعربه فيعجمهْ
أقول: حمل لظة يعجمه على القطع والإستيناف كأنّه قال: فإذا هو يعجمه ولم يحمله على الفعل الذي عملت فيه أن، ولو عطفه عليه لبطل المعنى ولم يكن مستقيماً.
وقيل للمفضَّل الضبيِّ: لِمَ لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ قال: علمي به يمنعني عن قوله، وأنشد:
وإنّما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس إن كيساً وإن حمقا
وإنّ أفضل بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
وقال بعضهم:
والبيت لا يحسن إنشاده ... إلاّ إذا أحسن منْ شادَه
وقال الآخر:
لا تعرضنَّ على الرواة قصيدةً ... مالم تبالغ قبل في تهذيبها
فمتى عرضت الشعر غير مهذّب ... عدَّوه منك وساوساً تهذي بها
وقال أبوالفضل الميكالي:
يا من يقول الشعر غير مهذَّب ... ويسومني التعذيب في تهذيبه
لو أنّ كلّ الناس فيك مساعدي ... لعجزت عن تهذيب ما تهذي به
وما أظرف قول العماد الكاتب في هذا الباب وألطفه:
هي كتبي وليس تصلح من بعدي ... لغير العطّار والإسكاف
فهي إمّا مزاود للعقاقير ... وإمّا بطائن للخفاف
وممّن بالغ في هجاء بعضهم على خطله، وبلغ غاية الجدّ في هزله الحسين بن الحجّاج في قوله:
قيل إنّ الوزير قد قال شعراً ... يجمع الشمل نظمه ويعمهْ
ثمّ أخفاه فهو كالهر يخري ... في زوايا البيوت ثمّ يطمهْ
ومن الكلم النوابغ: العجب ممّن يكثر غلطه ثمّ يكثر لغطه.
ذكرت بقول الحطيئة: الشعراء فاعلمنّ أربعة ما حكاه الثعالبي قال: قال لي سهل بن مرزبان يوماً: إنّ من الشعراء من شلشل، ومنهم من سلسل، ومنهم من قلقل، ومنهم من بلبل. فقلت: أخاف أن أكون رابع الشعراء، وأردت قول الشاعر: وشاعر من حقّه أن تصفعه، الأبيات المتقدّمة. قوله: ومنهم من بلبل أراد قول الثعالبي:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها ... فانف البلابل باحتساء بلابل
والأعشى هو المعني بقوله: ومنهم من شلشل، لقوله:
وقد غدوت على الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول
والمعني بقوله: ومنهم من سلسل، مسلم بن الوليد، لأنّه القائل:
سلت وسلت ثمّ سلّ سليلها ... فأتى سليل سليلها مسلولا
وأبوالطيب المتنبي هو المعني بقوله: ومنهم من قلقل، وذلك حيث يقول:
وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلّهنّ قلاقل
وإنّما عيب عليهم ذلك لتكرير اللفظ الواحد في البيت لغير تجنيس بحيث صار مستثقلاً إلاّ أنّ بيت الثعالبي وإن وقع التجنيس في لفظته المكرّرة إذ المراد بالاُولى جمع بلبل؛ وهو طائر معروف، وبالثانية الهموم، وبالثالثة قناة الكوز التى نصب الماء، والبلبلة الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه، ولكنّه صار مستثقلاً للتكرير الذي فيه ولهذا تراه أخف في الجملة من الأبيات الآخر، وقد تفنّن الشعراء في وصف الشعر، فمنهم من عدّه لنفسه شرفاً وفخراً، واستطال به جلالة وقدراً كأبي الطيب المتنبي في قوله:
لا تحسب الفصحاء تنشد هاهنا ... بيتاً ولكنّي الهزبر الباسل
وقوله:
لا بقومي شرفت بل شرّفوا بي ... وبجدّي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كلّ من طق الضاد ... وعوذ الجاني وغوث الطريد
أنا ترب الندى وربّ القوافي ... وسمام العدى وغيظ الحسود
وقوله:
خليلَيّ مالي لا أرى غير شاعر ... فلمْ منهم الدعوى ومنّي القصائد
وقوله:
أفي كلّ يوم تحت ضبعي شويعرٌ ... ضعيفٌ يقاويني قصير يطاول
وكالبحتري في قوله:
فإذا ما بنيت بيتاً تبخترت ... كأنّي بنيت ذات العماد
وقوله:
ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد ... يبيع ثمينات المكارم والحمد
وتلطّف ما شاء بقوله:
لا تخف عيلتي وهذي القوافي ... بيت مال ما إن أخاف ذهابه
وقول المعرّي:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
وقول مهيار:
وما الشعر إلاّ النسر بُعداً وصورةً ... فلو شاء لم يطمع يداً فيه رافع
وقد أفلَ النجمان منه فلا يفت ... على عين راء ثالث منه طالع
بقيت لكم وحدي وإن قال معشر ... وفي القول ما تنهاك عنه المسامع
ولو شئتُ لي أخفى زهير ثنائه ... على هرم أيّام تجري الصنائع
وكان غبيناً في أُميّة من شرى ... مديح عتاب وهو مغل فبايع
على كلّ حال أنت مُعط وكلّهم ... على سعة الأحوال مُعط ومانع
وقد وهبوا مثل الذي أنت واهب ... فما سمعوا بعض الذي أنت سامع
قوله: ثالث منه طالع يعني نفسه لقوله بعده: بقيت لكم وحدي، ويُشير بقوله: وقد أفل النجمان إلى ابننباته والسيّد الرضي، وكنّى بالاُفول عن موتهما، وكان لا يرى غيرهما متقدّماً في هذا الفن، ورثاهما معاً، قال في رثاء ابن نباته من قصيدة جليلة أوّلها:
حملوكَ لو علموا من المحمول ... فارتاض معتاص وخفَّ ثقيل
واستودعوا بطن الثرى بك هضبةً ... وأقلّها أنّ الثرى لحمول
منها:
يا ناشد الكلم الغرائب أعوصت ... منها فليس لآيها تأويل
قف ناد في النادي هل ابن نباتة ... أُذن فيسمع أو فم فيقول
منها في وصف شعره:
وإذا وسمن على لئيم عرضه ... عاراً فليس لما علطنَ نصول
ويظللن يوماً بالملوك حوالياً ... يحفى لهنّ الشمّ والتقبيل
أبكارهنّ المطمعات نواشز ... وإناثهنّ المغزلات فحول
من كلّ بيت أمره بك نافذ ... وعلى اشتطاطك حكمه مقبول
قال الثعالبي: وهذا ابن نباته هو أبو نصر عبد العزيز بن عمر ابن نباته السعدي، كان من محاسن الدهر، لا يُعاب إلاّ بعدم من لا يعرف قدره.
وقال مهيار أيضاً في رثاء السيّد الرضي، وهو دليل على ما ذكرناه:
* العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
المؤلف: حيدر بن سليمان بن داود الحلي الحسيني (المتوفى: 1304هـ)
ودعت أعرابيّة على زوجها فقالت له: ضربك الله بداء لا يكون له دواءً إلاّ أبوال القطا.
ويقال: إنّ امرأة أبي الأسود الدئلي خاصمته إلى زياد في ولدها، فقالت له: أيّها الأمير إنّ هذا يريد أن يغلبني على ولدي وقد كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له وطاء. فقال أبوالأسود: أفبهذا تريدين أن تغلبيني على ابني، فوالله لقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه. فقالت: ولا سواء؛ إنّك حملته خَفّاً وحملته ثقلاً، ووضعته شهوةً ووضعته كرهاً. فقال له زياد: يا أباالأسود إنّها امرأة عاقلة فادفع إليها ابنها فأخلق أن تحسن أدبه.
وفي شرح نهج البلاغة: روى ابن قتيبة في عيون الأخبار قال: دخل الحجّاج على الوليد بن عبد الملك وعليه درع وعمامة سوداء، وقوس عربيّة وكنانة، وذلك في أوّل قدمة قدمها عليه من العراق، فبعثت أُمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان وكانت تحت الوليد إليه تسأله من هذا الأعرابي المستلئم بالسلاح عندك وأنت في غلاله، فأرسل إليها: هذا الحجّاج، فأعادت إليه الرسول: لئن يخلو بك ملك الموت أحياناً في اليوم أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجّاج يوماً، فأخبره الوليد بذلك وهو يمازحه، فقال: يا أميرالمؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تطلعها على سرّك ومكايدة عدوّك. فلمّا دخل الوليد عليها أخبرها وهو يمازحها بمقالة الحجّاج، فقالت: يا أميرالمؤمنين حاجتي أن تأمره غداً أن يأتيني مسلّماً، ففعل ذلك، فأتاها الحجّاج فحجبته، فلم يزل قائماً ثمّ أذنت له، فقالت: أنت الممتنَّ على أميرالمؤمنين بقتلك ابن الزبير وابن الأشعث، أما والله لولا أنّ الله علم أنّك شرّ خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام، ولا بقتل ابن ذات النطاقين، أوّل مولود ولد في دار هجرة الإسلام، وأمّا نهيك أميرالمؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذّاته وأوطاره فإن كنّ ينفرجن عن مثلك فما أحقّه بالأخذ منك، وإن كنّ ينفرجن عن مثله فهو غير قابل لقولك، أما والله لقد نفض نساء أميرالمؤمنين الطيب من غدائرهنّ فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من قرن قد أظلّتك رماحهم وأثخنك كفاحهم، وحين كان أميرالمؤمنين أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم فأنجاك الله من عدوّ أميرالمؤمنين بحبّهم إيّاه، قاتل الله القائل حين ينظر إليك وسنان غزاله بين كتفيك:
أسد عَلَيَّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
قم فاخرج، فقام فخرج.
وروي عن محمّد بن عمّار بن ياسر قال: بلغ الحرث بن حجر الكندي عن الخنساء ابنة عوف بن محلم جمالاً وكمالاً، فأرسل إليها امرأة من كندة يقال لها عصام وقال لها: إذهبي واعلمي لي علم الجارية، قالت: فأتيت أُمّها فإذا أنا بامرأة كأنّها جازية من الضباء، وحولها بنات لها كأنّهنّ الغزلان، فأعلمتها الذي جئت له، فأرسلت إلى ابنتها: يا بنيّتي هذه خالتك قد أتتك تنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها وجهاً، ولا تخفي عليها خلقاً، وناطقيها إن استنطقتك، فأذنت لها، فلمّا دخلت عليها وتوسّمت خلقها رأيت أحسن الناس وجهاً وجسماً، ثمّ خرجت وهي تقول: تركَ الخداع مَن كشف القناع، حتّى دخلت على الحرث، فقال لها: ما وراءك يا عصام؟ فقالت: أصلح الله الملك، صرّح المخض عن الزّبد، أقول حقّاً وأخبرك صدقاً، رأيت وجهاً كالمرآة الصينيّة الوضيئة، يزينه شعر حالك كأذناب الخيل، إن أرسلته قلت سلاسل، وإن مشطته قلت عناقيد جلاها وابل، لها حاجبان كأنّما خطّا بقلم أو سوّدا بحمم، تقوّسا على مثل عيني الظبية العبهرة التي لم تَرَ قانصاً ولم يذعرها قسورة، تبهتان المتوسّم إن فتحتهما، وتجللان بأشفارهما ما تحتهما، بينهما أنف كحدّ السيف المصقول، لم يخنس به قصر ولم يعبه طول، حفّت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض، كالجمال شقّ فيه فم لذيذ المتبسّم، فيه ثنايا ذات أشر، وأسنان كالدرر، ينطق فيه لسان ذو فصاحة، وبيان يحرّكه عقل وافر بجواب حاضر، تنطبق عليه شفتان حمراوان كأنّهما في اللين الزبد، تحملان ريقاً كالشهد، ركّب ذلك على عنق بيضاء بضّه مثل سبيكة الفضّة، على صدر كصدر التمثال، قدّ منه عضدان مدمجتان ممتليتان لحماً مكسوّتان شحماً، متّصل بينهما ساعدان رقيق قصبهما، لين عصبهما، وافر لحمهما، متّصل بهما كفّان ما فيهما عرق يمس، ولا عظم يجس، تعقد إن شئت منهما الأنامل وتغيب الفصوص في عقد تلك المفاصل، نتأ في ذلك الصدر ثديان كالرمانتين، يخرقان عنها ثيابها، ويمنعانها أن تقلّد سخابها، تحت ذلك كلّه بطن كالقباطي المدمجة، والطوامير المدرّجة، أحاطت تلك العكن بسرّة كمدهن العاج، خلف ذلك ظهرٌ فيه كالجدول ينتهي إلى خصر لطيف، لولا رحمة الله لانبتر لها كفل بنهضها إذا قعدت، ويقعد بها إذا نهضت، كأنّه دعص رمل لبّده سقيط الطل، تحمله فخذان لفّاوان، وإن قلبتا على نضيد جمان، تحملها ساقان خدلجتان فيهما شعر أسود كأنّه حلق الزرد، تحمل ذلك كلّه قدم كحذو اللسان، فتبارك الله مع صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما. قال: فتزوّجها فولدت له الأملاك الأربعة: حجراً وشرجيلاً وسلمة ومعدي كرب.
ونظير ما وصفت به هذه المرأة وصف النابغة الذبياني المتجرّدة زوجة النّعمان بن المنذر، والنابغة هذا اسمه زياد بن معاوية بن ضباب، ينتهي نسبه لذبيان ثمّ لمضر، ويكنّى أبا أمامة، وإنّما سمّي النابغة لقوله: وقد نبغت لهم منّا شؤون، وهو أحد الأشراف الذين غضّ منهم الشعر، وهو من الطبقة الاُولى المتقدّمين على سائر الشعراء، وكان خاصّاً بالنّعمان بن المنذر وكان من ندمائه، فرأى زوجته المتجرّدة يوماً وقد غشيها شيء شبيه بالفجأة فسقط نصيفها واستترت بيدها وذراعها، فكانت ذراعها تستر وجهها لعبالتها وغلظها، فقال:
من آل أُميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوَّد
زعم البوارح أنّ رحلتنا غداً ... وبذاك تنعاب الغراب الأسود
لا مرحباً بغد ولا أهلاً به ... إن كان تفريق الأحبّة في غد
أزف الترحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأنّ قد
في أثر غانية رمتك بسهمها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
بالدرّ والياقوت زيّن نحرها ... ومفصل من لؤلؤ وزبرجد
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
بمخضب رخص كأنّ بنانه ... عنم على أغصانه لم يعقد
وبفاحم رجل أثيث نبته ... كالكرم مال على الدعام المسند
نظرت إليك لحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العوَّد
ومنها:
وإذا لمست لمستَ أختم جاثماً ... متحيّزاً بمكانة ملأ اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن متحصّف ... نزع الحزوَّر بالرشاء المحصد
فملكت أعلاها وأسفلها معاً ... وأخذتها قسراً وقلت لها اقعدي
وهذا البيت الأخير ليس من القصيدة، وكان سبب إلحاقه فيها ما رواه أبو نؤاس قال: رأيت النابغة الذبياني في منامي فقال لي: بماذا حبسك الرشيد؟ فقلت: بقولي:
أهج نزاراً وأفر جلدتها ... وهتك الستر عن مثالبها
فقال لي: أهل ذلك أنت يابن المومسة، فقد استوجبت من كلّ نزاريّ عقوبةً مثلها بما ارتكبت منها، فقلت: وأنت حبسك النّعمان ببيت قلته ستره النّعمان عن الناس، قال: ما هو؟ قلت: قولك:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
فقال: أو كان هذا مستوراً؟ فقلت: بقولك:
وإذ لمست لمست أختم جاثماً ... متحيّزاً بمكانه ملأ اليد
فقال: اللهمّ غفراً، فقلت: فبماذا؟ قال: بقولي:
فملكت أعلاها وأسفلها معاً ... وأخذتها قسراً وقلت لها اقعدي
فحدّث أبو نؤاس بهذا الحديث الزيدي فألحق البيت بقصيدة النابغة.
ويماثل قصيدة النابغة هذه ما قاله بعض العرب وهو القصيدة المشهورة المعروفة بالدّعديّة ولا بأس بذكرها لاشتمالها على نظائر تلك النعوت المارّة في الحكاية السابقة، فمنها:
آه على دعد وما خلقت ... إلاّ لطول بليّتي دعد
بيضاء قد لبس الأديم أديم ... الحسن فهو لجلدها جلد
ويزين فوديها إذا حسرت ... ضافي الغدائر فاحم جعد
فالوجه مثل الصبح منبلج ... والشعر مثل الليل مسودّ
ضدّان لمّا استجمعا حسنا ... والضدّ يظهر حسنه الضدّ
وجبينها صلت وحاجبها ... شحط المخطّ أزجّ ممتدّ
فكأنّها وسنى إذا نظرت ... أو مدنف لمّا يفق بعد
بفتور عين ما بها رمدٌ ... وبها تداوى الأعين الرَّمد
وتريك عرنيناً يزيّنه ... شَمم وخدّ لونه الورد
وتجيل مسواك الأراك على ... ثغر كأنَّ رضابه شهد
والجيد منها جيد جازية ... تعطوا إذا ما طلّها البرد
وامتدّ من أعضادها قصب ... فعم زهته مرافق درد
والمعصمان فما يرى لهما ... من فعمة وبضاضة زند
ولها أنامل لو أرادت لها ... عقداً بكفّك أمكن العقد
فكأنّما سقيت ترائبها ... والوجه ماء الحسن إذ تبدو
وبصدرها حقّان خلتهما ... كافورتين علاهما ندّ
والبطن مطويّ كما طويت ... بيض الرياط تصونها الملد
والتفَّ فخذاها وفوقهما ... كفل يجاذب خصره النهد
وبخصرها هيف يزيّنه ... فإذا تنوء تكاد تنتقد
فقيامها مثنى إذا نهضت ... من لينها وقعودها فرد
ما شأنها طول ولا قِصر ... أزرى بها فقوامها قصد
ولهاهن راب مجسّته ... ضيق المسالك حرَّه وقد
فإذا طعنت طعنت في لبد ... وإذا جذبت يكاد ينسدّ
فكأنّه من كبره قدح ... أكلَ العيال وكبّة العبد
والساق خرعبة منعّمة ... ثملت وطوق الحجل مشتدّ
ومشت على قدمين خصرتا ... والتفّتا فتكامل العقد
إن لم يكن وصل لديك لنا ... يشفي الصبابة فليكن وعد
إن تتهمي فتهامة وطني ... أو تنجدي إنّ الهوى نجد
قد كان أورق وصلكم زمناً ... فذوي الوصال وأورق الصدّ
لله أشواقي إذا نزحت ... دار لكم ونأى بكم بعد
وإذا المحبّ شكى الصدود ولم ... يعطف عليه فقتله عمد
أما ترى طمريَّ بينهما ... رجل ألحَّ بهزله الجدّ
فالسيف يقطع وهو ذو صدء ... والحدَّ يفري الهام لا الغمد
هل ينفعنّ السيف حليته ... يوم الجلاد إذا نبا الحدّ
ويشبه قوله: أما ترى طمريَّ الخ قول بعضهم فيما أخبر به محمّد بن الخطّاب الكلابي: إنّ فتىً من الأعراب خطب ابنة عمٍّ له، فأبى أبوها أن يزوّجه إيّاها لأنّه كان معسراً، فكتب إلى ابنة عمّه بهذه الأبيات:
يا هذه كم يكون اللوم والفند ... لا تعذلي رجلاً أثوابه قِدَد
إن يمس منفرداً فالبدر منفرد ... والليث منفرد والسيف منفرد
أو كنتِ أنكرت طمريه وقد خلقا ... فالبحر من فوقه الأقذار والزَّبد
أو كان صرف الليالي رثَّ بزّته ... فبين ثوبيه منه ضيغم لبد
وإنّما أوردت ذلك المقدار من المقصيدة وإن كان فيه ما هو خارج عمّا نحن فيه لحسنها وجودتها.
ونظير تلك الحكاية أيضاً ما روي في عائشة بنت طلحة. أقول: هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرّة، أبوه ابن عمّ أبي بكر لحّاً، وكانت بارعة في الجمال، تامّة الخلق، موصوفة بحسن المعاشرة، محبّبة إلى الأزواج، وكانوا يتنافسون عليها، وتزوّجها عدّة من الرجال، فكان الثانيى من أزواجها يضاعف لها مهرها عن الأوّل حتّى بلغ مهرها عند الأخير ألوفاً كثيرة من المال، وهذا خلاف العادة، فإنّ العرف يقضي بانحطاط مهر الثيّب عن البكر والثالث عن الثاني وهلمّ جرّا، وما ذاك إلاّ لمعنىً في عائشة دون غيرها، ونحن نذكر شيئاً من أوصافها وبعضاً من أخبارها: حكى أبوالفرج في الأغاني قال: اجتمع مصعب بن الزبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعمرو بن سعيد بن العاص وأتتهم عزّة الميلاء، فقالوا لها: إنّا قد خطبنا وأردنا منك أن تنظري لنا نسائنا، فسألت مصعباً عمّن خطب، قال: عائشة بنت طلحة، وسألت عمرو بن سعيد عمّن خطب، فقال: عائشة بنت عثمان، وسألت عبد الله فقال: أُمّ القاسم بنت زكريّا، فتوجّهت إليهنّ لتنظرهنّ، فبدأت بعائشة بنت طلحة، فدخلت عليها، فأكرمتها عائشة وسُرَّت بها فسألتها عن حاجتها، فقالت لها: إنّي كنت في نسوة من قريش فتذاكرنا جمال النساء وخلقهنّ فذكرناكِ فلم أدرِ كيف أصفكِ، فقالت: ماذا تريدين؟ فقالت لها: فديتك أقبلي وأدبري، فأقبلت وأدبرت، فارتجّ كلّ شيء منها، ثمّ قالت لها عزّه: خذي ثوبك، فأخذته فرأتها من أحسن النساء ثورة وأتمّهنّ محاسن، فعوّذتها وقالت: ما أظنّ أنّ الله تعالى خلق لصورتك هذه شبيهاً في الدّنيا، وودّعتها وانصرفت إلى أُمّ القاسم، فأكرمتها وسُرّت بها وسألتها عن حاجتها، فعرّفتها بمثل ذلك وسألتها أن تقبل فأقبلت وأن تدبر فأدبرت، فرأت منها ما أعجبها فعوّذتها وقالت لها: يا أُم القاسم والله ما رأيت حسناً إلاّ وأنتِ أحسن منه، وودّعتها وانصرفت وفعلت مثل ذلك مع عائشة بنت عثمان، ورجعت إليهم وهم ينتظرونها.
فقالت لمصعب: أمّا عائشة فلا والله ما رأيت مثلها مقبلة ولا مدبرة، مخطوطة المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب، نقيّة الثغر، وضيئة الوجه، فرعاء الشعر، لفّاء الفخذين، يرتجّ ما بين أعلاها إلى أسفلها، وفيها عيبان: اُذنان يحاذيان الخدّ في الكبر، وقدمان كذلك، ولكن الأوّل يواريه الخمار والثاني يواريه الخف. ثمّ قالت لعبد الرحمن: وأمّا أُم القاسم فكأنّها خوطة بان، أو جدول عنان، لو شائت أن تعقد وتعقد أطرافها لفعلت، ولكنّها شحّة الصدر وأنت عريض الصدر وإن قبيحاً لا والله حتّى يملأ كلّ شيء مثله. وقالت لعمرو بن سعيد: أمّا عائشة فوالله ما رأيت خلقتها قط لامرأة لكأنّما أفرغت في قالب الحسن إفراغاً غير أنّ في وجهها ردّة، فوصلوها وتزوّجوهنّ.
قولها: في وجهها ردّة بفتح الراء، تُريد أنّ وجهها ينقص في الحسن عن بدنها.
وذكر أنّ عائشة بنت طلحة كانت تستلقي على قفاها ثمّ تدحرج الاُترجة من تحت ظهرها فتخرج من الناحية الاُخرى لوفور عجيزتها، وقد قال فيها الحارث بن خالد المخزومي:
قرشيّة عبق العبير بها ... عبق الدهان بجانب الحقّ
وتنوء تثقلها عجيزتها ... نهض الضعيف ينوء بالوسق
قال مسلم بن قتيبة: رأيت عايشة بنت طلحة بمنى - أو قال بمسجد الخيف - ومعها امرأتان تنهضانها للقيام فانخزلت عجيزتها لعظمها، فقالت: إنّي لمعناة منكما. قال مسلم: فذكرت قول الحارث بن خالد المخزومي: وتنوء تثقلها عجيزتها، البيتان.
قالت سلافة: زرت مع مولاتي عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة، فرأيت عجيزتها خلفها وهي جالسة كأنّها غيرها، فوضعت يدي عليها لأعلم ما هي، فلمّا وجدت مسّ يدي قالت: من هذه التي تمسّني؟ فقلت: أنا، رأيت هذا الذي خلفك فخلت أنّها امرأة جالسة معك فجئت لأنظر من هي، فضحكت وقالت: ما أكثر ما يعجب ممّا تعجبين منه. قالت سلافة: ولم أر أحسن جسماً من عائشة بنت طلحة.
وحكى أبوالفرج في الأغاني: إنّ رملة بنت عبد الله بن خلف وكانت ضرّة عائشة عند عمرو بن عبيد الله قالت ذات يوم لمولاة عائشة: أريني عائشة إذا كانت متجرّدة ولك عندي ألف، فأخبرت عائشة بذلك، ثمّ قامت عائشة كأنّها تغتسل، فأقبلت رملة ورأتها مقبلة ومدبرة، فلمّا فرغت من ذلك أعطت مولاتها الألف وقالت لها: وددت أنّي أُضاعف لك العدد ولم أكن رأيتها.
وذكر صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا تزوّج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة حمل إليها ألف ألف درهم؛ خمسمائة ألف مهر وخمسمائة ألف هديّة، وقال لمولاتها: لك ألف درهم إن دخلت بها الليلة، فأمر بالمال فحمل إلى عائشة وغطّي بالثياب، فخرجت عائشة فرأته فاستكثرته وظنّته فراشاً وثياباً، فسألت مولاتها فأعلمتها أنّه مال فاستكثرته وتبسّمت، فقالت لها مولاتها: ما جزاء من حمل هذا أن يبيت وحده، فقالت لها: وهو كذلك ولكن لا يجوز الدخول إلاّ بعد أن أتهيّأ وأتزيّن، فقالت لها: والله إنّ وجهك لأحسن من كلّ زينة، ولا تحتاجين إلى شيء من طيب أو حلى إلاّ وهو عندك، وأكبّت على رجليها تقبّلهما وتطلب منها أن يكون دخوله بها تلك الليلة، فقالت لها: ويحك كيف يكون هذا بهذه السرعة؟ فصدّقتها الخبر وأعلمتها بما جعل لها مصعب من المال، فأمرتها أن تأذن له، فسار إليها من ليلته وأدنى إليه طعام فأكله كلّه حتّى أعرى الخوان منه، ثمّ سأل عن المتوضّأ فأُخبر فقام فتوضّأ ثمّ صلّى ثمّ قام فأسبل الستر وأقام معها حتّى نال منها سبعاً تلك الليلة، ولم يكن عند عائشة أحظى منه في أزواجها، وكان ينال ما يشاء منها عفواً من دون مناكرة. وذكر هذه الحكاية أبوالفرج في الأغاني وأنّها جرت لها مع عمرو بن عبد الله بن معمر وكان قد تزوّجها بعد مصعب بن الزبير.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قيل لنعيمان المخنَّث: كيف رأيت عائشة بنت طلحة؟ قال: أحسن البشر، قيل له: صفها، قال: تناصف وجهها في القسامة، وتجزّء معتدلاً في الوسامة.
قوله: تناصف وجهها في الوسامة أي أخذ كلّ موضع منه حظّه من الحسن، لم ينفرد بالحسن موضع دون الآخر فيغبن أحد الموضع حظّه. والقسامة الحسن، وهذا أيضاً معنى الفقرة الثانية أي إنّ وجهها أجزاء متساوية في الحسن لا يزيد جزء على جزء، ولقد وصف فأجز وبالغ.
وحدّث حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها فعاتبها مصعب في ذلك فقالت: إنّ الله تعالى وسمني بميسم الجمال فأحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره. فكان مصعب إذا عزم عليها في الإستتار استترت وإذا سكت عنها أسفرت وباشرت الناس.
وحكى صاحب كتاب نثر الدرر قال: لمّا زفّت عائشة بنت طلحة إلى زوجها مصعب بن الزبير سمعت منها امرأةٌ وهو يجامعها شخيراً وغطيطاً في الجماع لم تسمع مثله، فقالت لها في ذلك، فقالت لها عائشة: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير.
قلت: وقد نظم بعض الشعراء قولها: إنّ الخيل لا تشرب إلاّ بالصفير، فقال:
أدرها بالصغير وبالكبير ... وخذها من يدي قمر منير
ولا تشرب بلا طرب فإنّي ... رأيت الخيل تشرب بالصفير
أقول: والشيء بالشيء يُذكَر حدّث الصولي عن أبي نؤاس قال: حججت مع الفضل بن الربيع حتّى إذا كنّا بأرض بني فزارة أيّام الربيع سرّحت عيني رامقاً في أحسن منظر، واستنشقت من رباها أطيب من المسك الأذفر، فقلت لمن معي: أمضي بنا إلى هذه الخيام فلعلّنا نجد عندها من نؤثر عنه خبراً نرجع به إلى بغداد، فلمّا انتهينا إلى أوائلها فإذا نحن بخباء وعلى بابه جارية مبرقعة ترنو بطرف مريض الجفون، وسنان النظر قد حشي فتوراً وملىء سحراً، وقد مدّت يداً كلسان طائر بأطراف كالمذاري، وخضاب كأنّه عنم، فقلت لصاحبي: والله إنّها لترنوا عن مقلة لا رقية لسليمها ولا برء لسقيمها، فاستنطقها فقال: كيف السبيل؟ فقلت: استسقها، فدنى منها فاستسقاها، فقالت: نعمة عين فإن نزلتما فالرّحب والسعة، ثمّ قامت تتهادى في مشيتها كأنّها خوط بان أو قضيب خيزران تتثنّى، تجرّ خلفها كالعرارتين، فراعني والله ما رأيت، فأتت بالماء فأخذته فشربت منه وصببت باقيه على يدي، ثمّ قلت: وصاحبي أيضاً عطشان، فأخذت بالإناء ودخلت الخباء، فقلت لصاحبي: من الذي يقول:
إذا بارك الله في ملبس ... فلا بارك الله في البرقع
يريك عيون المهى غرَّةً ... ويكشف عن منظر أشنع
فمضت مسرعة فنزعت برقعها وتقنّعت بخمار أسود وجائت وهي تقول:
ألا حيّ ركبي معشر قد أراهما ... أطالا ولمّا يعرفا مبتغاهما
هما استسقيا ماءً على غير ظمأة ... ليستمتعا باللحظ ممّن سقاهما
يذمّان لبّاس البراقع ظلّةً ... كما ذمَّ تجرٌ سلعتين اشتراهما
فشبهت كلامهما عقد درٍّ وهي من سلكه فهو ينتثر بنغمة عذبة رخمة رطبة لو خوطب بها الصمّ الصلاب لانبجست ماءً لرطوبة منطقها وعذوبة ألفاظها، كما قال ذوالرمّة:
ولمّا تلاقينا جرت من عيوننا ... دموعٌ كففنا مائها بالأصابع
ونلنا سقاطاً من حديث كأنّه ... جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع
ولم أتمالك أن خررت ساجداً وأطلت من غير تسبيح، فقالت: ارفع رأسك غير مأجور، وامض لشأنك غير موزور، ولا تذم بعدها برقعاً فربّما يكشف عمّا لا يردّ الكرى، ويحلّ القوى من غير بلوغ إرب، ولا قضاء وطر، وليس إلاّ للحين المجلوب، والأمل المكذوب، فبقيت والله معقول اللسان عن الجواب، فالتفت إليّ صاحبي فقال لمّا رأى هلعي: اَلِلَمْعَةِ وجه برقت منه بارقة حسن لعلّك لا تدري ما تحته، أما سمعت قول ذي الرمة:
على وجه مي مسحةٌ من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
فقلت: اُلامُ كلاّ والله لأنا أشبه بقوله:
منعّمةٌ حوراء يجري وشاحها ... على كشح مرتجًّ الروادف أهضم
لها بشرٌ صاف وعينٌ مريضةٌ ... وأحسن إيماء بأحسن معصم
وكوفية بالحسن قد تمَّ حسنها ... ورومية في اللون ظاهرة الدم
خزاعية الأطراف مريَّة الحشا ... فزارية العينين طائية الفم
فرفعت ثيابها فإذا قضيب فضة قد حُشي بماء الذهب، يهتزّ على مثل قضيب نقي وصدر كالوذيلة، عليه كالرمانتين أو حقيْ عاج يملاءن يد اللامس، وخصر مطويّ الإندماج يهتزّ على كفل رجراج، لو رمت عقده لانعقد، وسرّة مستديرة يقصر فهمي عن بلوغ وصفها، من تحتها أحمّ جاثم كجبهة ليث خادر، وساقان خدلجان يخرسان الحجلين، ثمّ قالت: أَعارٌ نرى؟ فقلت: لا والله ولكن سبب قدر المحتاج وتعجيل همّ يتبعه سقم. فخرجت عجوز من الخباء فقالت: يا هذا امض لشأنك فإنّ قتيلها مطول لا بؤدى، وأسيرها مكبول لا يفدى، فقالت لها: دعيه فمثله مثل عيلان بقوله:
فإنْ لم يكن إلاّ تعلّل ساعة ... قليلاً فإنّي نافع لي قليلها
فولّت العجوز وهي تقول:
فمالك منها غير أنّك ناكح ... بعينيك عينيها فهل ذاك نافع؟
فبينما نحن كذلك وإذا بطبل الرحيل قد ضرب، فانصرفنا مبادرين بكمد قاتل وحسرة كاملة وأنا أقول:
يا ناظراً ما أقلعت لحظاته ... حتّى تشحّط بينهنّ قتيل
أحللت قلبي في هواك محلّةً ... ما حلّها المشروب والمأكول
بكمال صورتك التي في مثلها ... يتحيّر التشبيه والتمثيل
فوق القصيرة والطويلة فوقها ... دون السمان ودونها المهزول
فلمّا قضينا حجّنا وكررنا راجعين، مررنا بذلك الموضع وقد تضاعفت أنواره وكملت بهجته، فقلت لصاحبي: إمض بنا إلى صاحبتنا لعلّنا نجدها، فلمّا أشرفنا على الخيام ونحن دونها نسير في روضة من تلك الرياض وقد طلعت الغزالة وحباب الطل يغازلها كأعين شرقت بدموعها على قضب زبرجد، فصعدنا رَبوة ونزلنا وهْدةً وإذا بها بين خمسة لا نصلح أن تكون خادمة لإحداهنّ يجتنين من كور ذلك الزهر، ويتقلّبن على ما اعتمّ من عشبه، فلمّا رأينا وقفْن، فقلت: السلام عليكم، فقالت من بينهنّ: وعليك السلام، وقصّت عليهنّ قصّتي، فقلن لها: ويحك ألا رحمتيه وزودتيه شيئاً يتعلّل به من جوى البرحاء؟ قالت: نعم زوّدته يأساً حاضراً ورأياً حائراً، فابتدرت أنظرهنّ خدّاً وأرشقهنّ قدّاً وأبرعهنّ طرفاً فقالت: والله ما أحسنتِ بداً، ولا أجملتِ موعداً، ولقد أسأتِ في الردّ، ولا كافيتيه في الودِّ، وإنّي لأحسبه بك وامقاً، وإلى لقائك شائقاً، فما عليك يا سعافة وإنّ المكان لخال، وإنّ معك من لا ينمّ عليك؟ فقالت: والله ما أفعل من ذلك شيئاً أو تفعليه قبلي وتشركيني في حلوه ومرّه. فقالت لها الأُخرى: تلك قسمة ضيزى، تُعْشَقين أنت فتزَهينَ ويذلّ لك فتمنعين الرّفد، ثمّ تأمرين بما يكون منك لذّةً وشهوةً ومنّي سخرة، ما أنصفتِ في القول ولا أجملتِ في الفعل، ثمّ أقبلن عَلَيّ فقلنَ: إلى مَ قصدت؟ فقلت: تبريد غلّة وإطفاء لوعة أحرقت الكبد وأذابت الجسد. قلن: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قلت: نعم، وأنشدتهنّ:
حججت رجاء الفوز بالأجر قاصداً ... لحطّ ذنوب من ركوب الكبائر
فآبت كما آب الشقي بخفّتي ... حنين ولم اوجر بتلك المشاعر
دهتني بعينيها وبهجة وجهها ... فتاةٌ كضوء الشمس وسنى النواظر
فقلن: اقترِعْنَ، فاقترعْنَ فوقعت القرعة على أملحهنّ، فضرب إزار على باب غار، فعدلت إليه وأبطأن عَلَيّ قليلاً، وأنا أتشوّف واحدة منهنّ إذ دخل عَلَيّ أسود كأنّه ساريه، بيده هراوة وهو منعظ بمثل ذراع البكر، فقلت له: ما تريد؟ قال: أفعل بك الفاحشة، فخفت وصحت بصاحبي وكان أيداً، فخلّصني منه، فخرجت من الغار وإذا بهنّ يتعادين إلى الخيام كأنّهنّ اللئالي ينحدرن من سلك، وهنّ يتضاحكن، ومعهنّ نياط قلبي يجذبنه بينهنّ، فانصرفت بأخزى من ذات النحيين.
أقول: وقد أسهبنا في النقل من هذه الحكايات والنوادر، وفيما ذكرناه كفاية.
قال الثعالبي: أحسن الكلام ما كان قالباً لأهواء القلوب، ويشهد بهذا المعنى قول مهيار بن مرزويه الديلمي الكاتب:
إقا قال فاعقد خيوط التميم ... عليك فألفاظه تسحر
وقال أبو عبد الله محمّد بن أحمد الخازن في تهنئة الصاحب بن عباد بمولود ولد له:
وخذْ إليك عروساً بنت ليلتها ... من حازم مخلص ودّاً ومعتقدا
أهديتها عفو طبعي وانتحيت لها ... سحراً وإن كنت لم أنفث له عقدا
وقال مهيار أيضاً:
سحرت جودك فاستخرجت كامنه ... إنّ الكريم ببيت الشعر مسحور
****
فصل في نعت نثره ونظمه
أمّا نثره: فنثار طل تساقطه الأنداء، ووشي زهر ينمنم به الربيع، ديباجة روضة غناء. وأمّا نظمه: فجان سلك تتمنّى الحور لو زانت به نحورها، ووشحت به الهيف خصورها، إن نسب أغرب، وإن شبب أطرب، فنسيبه الحلو الحلال، وتشبيبه العذب الزلال، بل هو في جميع فنون الشعر طويل الباع، غزير الإطلاع، سمح البديهة، حسن الروية، صادق النظرة، ولود الفكرة، رقيق حاشية النظم، موشي ديباجة النثر.
كم مقامات نهىً حرّرها ... ليس فيها للحر يرى مقامه
وأنقياتِ بهى لو شامها ... جوهري الشعر ما سام نظامه
فما أحقّ كلامه بقول القائل:
كلام الإمام إمام الكلام ... وفوه يفوه بحرّ النظام
مزاج معانيه في نظمها ... مزاج المدام بماء الغمام
وهذا من قولهم: كلام الملوك ملوك الكلام، وقولهم: عادات السادات سادات العادات.
رجْعٌ إلى وصف كلامه: أقول: كلامه هو الذي ليس به عثار، ولا عليه غبار، قد ولي الفضل تحبيره، وملك العقل رسمه وتصويره، فهو كما قال القائل:
سمع البديهة ليس يمسك لفظه ... فكأنّما ألفاظه من ماله
هبني وفيت بحمده عن فضله ... من ذا يفي بالشكر عن إفضاله
بل كما قال هذا القائل:
قد أصبحت ألفاظه صور النُّهى ... وقوالب الأسماع والألباب
وإذا حللتَ له جناباً واحداً ... حلَّ المؤمّل منك ألف جناب
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ من الشعر لحكمةً، وإنّ من البيان لسحراً.
وقال علي عليه السلام: خير الشعراء ما كان مَثلاً، وخير الأمثال مالم يكن شعراً.
وقال الخليل بن أحمد: الشعراء أُمراء الكلام، يصرّفونه أنّى شاؤا، جائزٌ لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تفريق اللفظ وتعقيده، ومدّ مقصوره وقصر ممدوحه، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته.
وقال السيّد المرتضى في الدرر في أثناء كلام أملاه ردّاً على الآمدي فيما عاب به البحتري: أنّ الشاعر لا يجب أن يؤخذ عليه في كلامه التحقيق والتحديد، فإنّ ذلك متى اعتبر في الشعر بطل جميعه، وكلام القوم مبنيّ على التوسّع والتجوّز والإشارات الخفيّة والإيماء إلى المعاني تارةً بعد أُخرى من قرب، لأنّهم لم يخاطبوا بشعرهم الفلاسفة وأصحاب المنطق وإنّما خاطبوا من يعرف أوضاعهم ويفهم أغراضهم.
وقال الجاحظ في كتاب البيان: كان الشاعر من العرب يمكث في القصيدة الحول، ويسمّون تلك القصائد: الحوليّات والمنقّحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً وشاعراً مفلقاً، وفي بيوت الشعراء الأوابد والأمثال ومنها الشواهد والشوارد.
طبقات الشعراء والشعراء أربع طبقات: أوّلهم: الفحل الخنذيذ وهو التام، ودون الخنذيذ: الشاعر المفلق، ودون ذلك: الشاعر فقط، والرابع: الشعرور.
وقال بعضهم: طبقات الشعراء ثلاثة: شاعر، وشويعر، وشعرور.
وما أصدق قول القائل:
الشعراء فاعلمنَّ أربعهْ ... فشاعرٌ يجري ولا يجرى معهْ
وشاعرٌ من حقّه أن ترفعهْ ... وشاعرٌ من حقّه أن تسمعهْ
وشاعرٌ من حقّه أن تصفعهْ وذكر شارح الكامل: إنّ الحطيئة دخل على سعيد بن العاص وهو يتغذّى، فأكل أكل جايع، فلمّا فرغ من طعامه وخرج الناس أقام مكانه، فأتاه الحاجب ليخرجه فامتنع وقال: أترغب عن مجالستي، فلمّا سمعه سعيد وكان لا يعرفه قال للحاجب: دعه، ثمّ تذاكروا الشعر، فقال الحطيئة: ما أصبتم جيد الشعر ولو أعطيتم القوس باريها بلغتم ما تريدون. وقيل: إنّه أوّل من قال: أعط القوس باريها، فانتسبوه، فانتسب لهم، وذاكروه فقال لسعيد: اسمع ثمّ أنشد:
الشعراء فاعلمنّ أربعهْ ... فشاعرٌ لا يرتجى لمنفعهْ
وشاعر ينشد وسط المجمعهْ ... وشاعر آخر لا يجرى معهْ
وشاعرٌ يقال خمرٌ في دعهْ ومعنى قوله: خمر في دعه، غطّ وجهك حياءً من قبح ما أتى به، ثمّ أنشد:
الشعر صعبٌ وطويل سلمهْ ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ
زلّت به إلى الحضيض قدمهْ ... يريد أن يعربه فيعجمهْ
أقول: حمل لظة يعجمه على القطع والإستيناف كأنّه قال: فإذا هو يعجمه ولم يحمله على الفعل الذي عملت فيه أن، ولو عطفه عليه لبطل المعنى ولم يكن مستقيماً.
وقيل للمفضَّل الضبيِّ: لِمَ لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ قال: علمي به يمنعني عن قوله، وأنشد:
وإنّما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس إن كيساً وإن حمقا
وإنّ أفضل بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
وقال بعضهم:
والبيت لا يحسن إنشاده ... إلاّ إذا أحسن منْ شادَه
وقال الآخر:
لا تعرضنَّ على الرواة قصيدةً ... مالم تبالغ قبل في تهذيبها
فمتى عرضت الشعر غير مهذّب ... عدَّوه منك وساوساً تهذي بها
وقال أبوالفضل الميكالي:
يا من يقول الشعر غير مهذَّب ... ويسومني التعذيب في تهذيبه
لو أنّ كلّ الناس فيك مساعدي ... لعجزت عن تهذيب ما تهذي به
وما أظرف قول العماد الكاتب في هذا الباب وألطفه:
هي كتبي وليس تصلح من بعدي ... لغير العطّار والإسكاف
فهي إمّا مزاود للعقاقير ... وإمّا بطائن للخفاف
وممّن بالغ في هجاء بعضهم على خطله، وبلغ غاية الجدّ في هزله الحسين بن الحجّاج في قوله:
قيل إنّ الوزير قد قال شعراً ... يجمع الشمل نظمه ويعمهْ
ثمّ أخفاه فهو كالهر يخري ... في زوايا البيوت ثمّ يطمهْ
ومن الكلم النوابغ: العجب ممّن يكثر غلطه ثمّ يكثر لغطه.
ذكرت بقول الحطيئة: الشعراء فاعلمنّ أربعة ما حكاه الثعالبي قال: قال لي سهل بن مرزبان يوماً: إنّ من الشعراء من شلشل، ومنهم من سلسل، ومنهم من قلقل، ومنهم من بلبل. فقلت: أخاف أن أكون رابع الشعراء، وأردت قول الشاعر: وشاعر من حقّه أن تصفعه، الأبيات المتقدّمة. قوله: ومنهم من بلبل أراد قول الثعالبي:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها ... فانف البلابل باحتساء بلابل
والأعشى هو المعني بقوله: ومنهم من شلشل، لقوله:
وقد غدوت على الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول
والمعني بقوله: ومنهم من سلسل، مسلم بن الوليد، لأنّه القائل:
سلت وسلت ثمّ سلّ سليلها ... فأتى سليل سليلها مسلولا
وأبوالطيب المتنبي هو المعني بقوله: ومنهم من قلقل، وذلك حيث يقول:
وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلّهنّ قلاقل
وإنّما عيب عليهم ذلك لتكرير اللفظ الواحد في البيت لغير تجنيس بحيث صار مستثقلاً إلاّ أنّ بيت الثعالبي وإن وقع التجنيس في لفظته المكرّرة إذ المراد بالاُولى جمع بلبل؛ وهو طائر معروف، وبالثانية الهموم، وبالثالثة قناة الكوز التى نصب الماء، والبلبلة الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه، ولكنّه صار مستثقلاً للتكرير الذي فيه ولهذا تراه أخف في الجملة من الأبيات الآخر، وقد تفنّن الشعراء في وصف الشعر، فمنهم من عدّه لنفسه شرفاً وفخراً، واستطال به جلالة وقدراً كأبي الطيب المتنبي في قوله:
لا تحسب الفصحاء تنشد هاهنا ... بيتاً ولكنّي الهزبر الباسل
وقوله:
لا بقومي شرفت بل شرّفوا بي ... وبجدّي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كلّ من طق الضاد ... وعوذ الجاني وغوث الطريد
أنا ترب الندى وربّ القوافي ... وسمام العدى وغيظ الحسود
وقوله:
خليلَيّ مالي لا أرى غير شاعر ... فلمْ منهم الدعوى ومنّي القصائد
وقوله:
أفي كلّ يوم تحت ضبعي شويعرٌ ... ضعيفٌ يقاويني قصير يطاول
وكالبحتري في قوله:
فإذا ما بنيت بيتاً تبخترت ... كأنّي بنيت ذات العماد
وقوله:
ويكسد مثلي وهو تاجر سؤدد ... يبيع ثمينات المكارم والحمد
وتلطّف ما شاء بقوله:
لا تخف عيلتي وهذي القوافي ... بيت مال ما إن أخاف ذهابه
وقول المعرّي:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
وقول مهيار:
وما الشعر إلاّ النسر بُعداً وصورةً ... فلو شاء لم يطمع يداً فيه رافع
وقد أفلَ النجمان منه فلا يفت ... على عين راء ثالث منه طالع
بقيت لكم وحدي وإن قال معشر ... وفي القول ما تنهاك عنه المسامع
ولو شئتُ لي أخفى زهير ثنائه ... على هرم أيّام تجري الصنائع
وكان غبيناً في أُميّة من شرى ... مديح عتاب وهو مغل فبايع
على كلّ حال أنت مُعط وكلّهم ... على سعة الأحوال مُعط ومانع
وقد وهبوا مثل الذي أنت واهب ... فما سمعوا بعض الذي أنت سامع
قوله: ثالث منه طالع يعني نفسه لقوله بعده: بقيت لكم وحدي، ويُشير بقوله: وقد أفل النجمان إلى ابننباته والسيّد الرضي، وكنّى بالاُفول عن موتهما، وكان لا يرى غيرهما متقدّماً في هذا الفن، ورثاهما معاً، قال في رثاء ابن نباته من قصيدة جليلة أوّلها:
حملوكَ لو علموا من المحمول ... فارتاض معتاص وخفَّ ثقيل
واستودعوا بطن الثرى بك هضبةً ... وأقلّها أنّ الثرى لحمول
منها:
يا ناشد الكلم الغرائب أعوصت ... منها فليس لآيها تأويل
قف ناد في النادي هل ابن نباتة ... أُذن فيسمع أو فم فيقول
منها في وصف شعره:
وإذا وسمن على لئيم عرضه ... عاراً فليس لما علطنَ نصول
ويظللن يوماً بالملوك حوالياً ... يحفى لهنّ الشمّ والتقبيل
أبكارهنّ المطمعات نواشز ... وإناثهنّ المغزلات فحول
من كلّ بيت أمره بك نافذ ... وعلى اشتطاطك حكمه مقبول
قال الثعالبي: وهذا ابن نباته هو أبو نصر عبد العزيز بن عمر ابن نباته السعدي، كان من محاسن الدهر، لا يُعاب إلاّ بعدم من لا يعرف قدره.
وقال مهيار أيضاً في رثاء السيّد الرضي، وهو دليل على ما ذكرناه:
* العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل
المؤلف: حيدر بن سليمان بن داود الحلي الحسيني (المتوفى: 1304هـ)
صورة مفقودة