نقوس المهدي
كاتب
قال أبو عبد الله بن شرف
واستخلانا المعز يوماً وقال: أريد أن تصنعا شعراً تمدحان به الشعر الرقيق الخفيف الذي يكون على سوق بعض النساء، فإني أستحسنته، وقد عاب بعض الضرائر بعضاً به، وكلهن قارئات كاتبات، فأحب أن أريهن هذا، وأدعي أنه قديم لأحتج به على من عابه، وأسر به من عيب عليه؛ فانفرد كل منا، وصنع في الوقت؛ فكان الذي قلت:
وبلقيسيةٍ زينت بشعرٍ ... يسيرٍ مثلما يهب الشحيح
رقيق في خدلجةٍ رداحٍ ... خفيف مثل جسم فيه روح
حكى زغب الخدود كل خد ... به زغب فمعشوق مليح
فإن يك صرح بلقيسٍ زجاجاً ... فمن حدق العيون لها صروح
وكان الذي قال ابن رشيق:
يعيبون بلقيسية أن رأوا بها ... كما قد رأى من تلك من نصب الصرحا
وقد زادها التزغيب ملحاً كمثل ما ... يزيد خدود الغيد تزغيبها ملحا
فنتقد المعز على ابن رشيق قوله: يعيبون، وقال: قد أجدت لخصمها حجة بأن بعض الناس عابه. وهذا نقد ما كنت فطنت له.
وروى ابن بسام في كتاب الذخيرة
وهو روايتي عنه بالإسناد المتقدم قال: حكى أبو صفوان العتكي قال: كان أو إسحاق الحصري يختلف إلى بعض المشيخة من القيروان، وكان ذلك الشيخ كلفاً بالمعذرين، وهو القائل فيهم:
ومعذرين كأن نبت عذارهم ... أقلام مسك تستمد خلوقا
قرنوا البنفسج الشقيق ونظموا ... تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا
قال وكان يختلف إليه غلام من أبناء أعيان أهل القيروان وكان به كلفاً فبينا هو يوماً والحصري جالس عنده
وقد أخذ في الحديث إذا أقبل الغلام:
في صورةٍ كملت تخال بأنها ... بدر السماء لستةٍ وثمان
يعشى العيون ضياؤها فكأنها ... شمس الضحى تعشى بها العينان
فقال له الشيخ: يا أبا إسحاق، ما تقول فيمن هام، في هذا الغلام، وصبا لهذا القد والقوام؟ فقال الحصري: الهيمان به والله غاية الظرف، والصبوة إليه من تمام اللطف؛ لا سيما وقد شاب كافور خده هذا المسك الفتيت، وهجم على صبحه هذا الليل البهيم، والله ما خلت بياضه في سواده إلا بياض الإيمان في سواد الكفر، أو غيهب الظلماء في منير الفجر؛ فقال: صفه يا حصري، فقال: من ملك رق القول حتى ذلت له صعابه، وانقاد له جموحه وسطع له شهابه، أقعد مني بوصفه؛ فقال: صفه فإني معمل فكري في ذلك. ثم أطرق كل منهما لحظة؛ فكان الذي صنعه الحصري:
أورد قلبي الردى ... لام عذارٍ بدا
أسود كالكفر في ... أبيض مثل الهدى
فقال الشيخ: أتراك اطلعت على ضميري، أم خضت بين جوانحي! فقال له: ولم ذلك
أيها الشيخ؟ قال: لأني قلت:
حرك قلبي فطار ... صولج لام العذار
أسود كالليل في ... أبيض مثل النهار
* كتاب: بدائع البدائه
المؤلف: علي بن ظافر بن حسين الأزدي الخزرجي، أبو الحسن جمال الدين (المتوفى: 613هـ)
طبعة: مصر سنة 1861 م
.
واستخلانا المعز يوماً وقال: أريد أن تصنعا شعراً تمدحان به الشعر الرقيق الخفيف الذي يكون على سوق بعض النساء، فإني أستحسنته، وقد عاب بعض الضرائر بعضاً به، وكلهن قارئات كاتبات، فأحب أن أريهن هذا، وأدعي أنه قديم لأحتج به على من عابه، وأسر به من عيب عليه؛ فانفرد كل منا، وصنع في الوقت؛ فكان الذي قلت:
وبلقيسيةٍ زينت بشعرٍ ... يسيرٍ مثلما يهب الشحيح
رقيق في خدلجةٍ رداحٍ ... خفيف مثل جسم فيه روح
حكى زغب الخدود كل خد ... به زغب فمعشوق مليح
فإن يك صرح بلقيسٍ زجاجاً ... فمن حدق العيون لها صروح
وكان الذي قال ابن رشيق:
يعيبون بلقيسية أن رأوا بها ... كما قد رأى من تلك من نصب الصرحا
وقد زادها التزغيب ملحاً كمثل ما ... يزيد خدود الغيد تزغيبها ملحا
فنتقد المعز على ابن رشيق قوله: يعيبون، وقال: قد أجدت لخصمها حجة بأن بعض الناس عابه. وهذا نقد ما كنت فطنت له.
وروى ابن بسام في كتاب الذخيرة
وهو روايتي عنه بالإسناد المتقدم قال: حكى أبو صفوان العتكي قال: كان أو إسحاق الحصري يختلف إلى بعض المشيخة من القيروان، وكان ذلك الشيخ كلفاً بالمعذرين، وهو القائل فيهم:
ومعذرين كأن نبت عذارهم ... أقلام مسك تستمد خلوقا
قرنوا البنفسج الشقيق ونظموا ... تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا
قال وكان يختلف إليه غلام من أبناء أعيان أهل القيروان وكان به كلفاً فبينا هو يوماً والحصري جالس عنده
وقد أخذ في الحديث إذا أقبل الغلام:
في صورةٍ كملت تخال بأنها ... بدر السماء لستةٍ وثمان
يعشى العيون ضياؤها فكأنها ... شمس الضحى تعشى بها العينان
فقال له الشيخ: يا أبا إسحاق، ما تقول فيمن هام، في هذا الغلام، وصبا لهذا القد والقوام؟ فقال الحصري: الهيمان به والله غاية الظرف، والصبوة إليه من تمام اللطف؛ لا سيما وقد شاب كافور خده هذا المسك الفتيت، وهجم على صبحه هذا الليل البهيم، والله ما خلت بياضه في سواده إلا بياض الإيمان في سواد الكفر، أو غيهب الظلماء في منير الفجر؛ فقال: صفه يا حصري، فقال: من ملك رق القول حتى ذلت له صعابه، وانقاد له جموحه وسطع له شهابه، أقعد مني بوصفه؛ فقال: صفه فإني معمل فكري في ذلك. ثم أطرق كل منهما لحظة؛ فكان الذي صنعه الحصري:
أورد قلبي الردى ... لام عذارٍ بدا
أسود كالكفر في ... أبيض مثل الهدى
فقال الشيخ: أتراك اطلعت على ضميري، أم خضت بين جوانحي! فقال له: ولم ذلك
أيها الشيخ؟ قال: لأني قلت:
حرك قلبي فطار ... صولج لام العذار
أسود كالليل في ... أبيض مثل النهار
* كتاب: بدائع البدائه
المؤلف: علي بن ظافر بن حسين الأزدي الخزرجي، أبو الحسن جمال الدين (المتوفى: 613هـ)
طبعة: مصر سنة 1861 م
.