نقوس المهدي
كاتب
الوزير أبو بكر بن عيسى الداني
المعروف بابن اللبانه
بهرت بدائعه، وظهرت روائعه، وطلع من جو الإحسان بدرا، وجل فيه قدرا، راقت ألفاظه ومعانيه،. . . كلامه ومبانيه، فجلا من التوشيح الرائق ما تلي سورا، واجتليت محاسنه صورا، وله شعر أجاده انتقاء وانتحالا، وأطلعه في وجه الزمان خالا، مع تآليف حبر تصنيفها، وأجاد تنظيمها وتكييفها، في أخبار بني عباد شهدت له بالوفاء، وقضت له من مراعاة الذمم بالاستقصاء والاستيفاء، وهاك من رائق توشيحه ما يشهد بسبقه، ويريك في جو الإبداع وميض برقه - فمن ذلك قوله:
على عيون العين ... رعي الدراري من شغف بالحب
وأستعذب العذاب ... والتذّ حاليْه من أسف وكرب
نجل العيون سقت ... نفوسنا كأس الرحيق
أحداقها احدقت ... بكل بستان أنيق
ووجنة شُقّقت ... عن سوسن وعن شقيق
وتحت نور الجبين آس عذارِ ... ينعطف كي ينبي
بان ماء الرضاب حام حواليه ... منصرف عن قربي
لا كان يوم النوى ... من ملبسي ثوب الضنا
ألوى غزال اللوى ... فيه بصبري إذ رنا
وظن أن الهوى ... ذنبا فظنّ بالمنى
فقد أثار الضنين ... نور اصطباري في سدف من نحبي
والقلب خوف العتاب ... رجا حنانيه فأعترف بالذنب
شرّد عني الكرى ... فبتّ أشكو ما أجد
إلى جياد ترى ... متنها بي تطرد
وما حمدت السرى ... حتى رأيت المعتمد
في كل دنيا ودين ... به نباري من سلف فيُربي
وكل من فيه عاب ... يلقى جنابيه في شرف من حب
مؤيد نصره ... لدن القنا عضب الحسام
يندى به دهره ... ندى الرياض بالغمام
كأنما ذكره ... آيات ذكر في الأنام
حالاه شدّ ولين ... فقل حذار أن وقف في حرب
وقل بان السحاب ... لو شام كفيه لم يكف من رعب
وطير حسن نزل ... بمنزلي عند الغروب
حول شباك الحيل ... يلقط حبات القلوب
ما حل حتى رحل ... فكان من شدو الحبيب
لو رأيتم مقلتين ... نزل بداري ووقف لجنبي
لما رأى المحناب ... سوى جناحيه وانصرف بقلبي
كذا يعتاد سنى الكوكب الوقاد ... إلى الجلاس مشعشعة الأكواس
أقم عذري ... فقد آن أن أعكف
على خمر ... يطوف بها أوطف
كما تدري ... هظيم الحشا مخطف
إذا ما ماد في مخضرة الأبراد ... رأيت الآس بأوراقه قد ماس
من الأنس ... وأن زاد في النور
على الشمس ... وبدر الديجور
له نفسي ... وما نفس مهجور؟
غزال صاد ضرغامة الآساد ... بلحظ جاس خلال ديار الناس
ألا دعني ... من الصد والهجر
وخذ عني ... حديثين في الفخر
وقل أني ... أحدث عن بحر
سطا وجاد رشيد بني عباد ... فأنسى الناس رشيد بني العباس
جلا الأحلاك ... فنور الدجى مرآه
فما الأفلاك ... تدير سوى علياه
كذا الأملاك ... عَبيد عُبَيد الله
فمن أراد قياسك بالأمجاد ... فجهلا قاس سنا الفجر بالنبراس
لك الفضلُ ... وأنك من آله
رأى الكل ... بكم نيل آماله
فما يخلو ... من ينشد في حاله
بني عباد بكم نحن في أعياد ... وفي أعراس لا عدمتم للناس
في نرجس الأحداق ... وسوسن الأجياد
نبت الهوى مغروس ... بين القنا الميّاد
وفي نقا الكافور والمندل الرطب ... والهودج المزرور بالوشي والعصب
قضب من البلور حمين بالقضب ... نادى بها المهجور من شدة الحب
أذابت الأشواق ... روحي على الأجساد
أعارها الطاووس ... من ريشه أبراد
كواعب أتراب تشابهت قدا ... عضت على العُنّاب بالبرد الأَندى
أوصت بني الأوصاب وأغرت الوجدا ... وأكثر الأحباب أعدى من الأعدا
تفتّر عن أعلاق ... لآلئ أفراد
فيه اللمى محروس ... بألسن الأغماد
من جوهر الذكرى أعطى ... نحور الحور وقلد الدرا سلالة المنصور
جاوز به البحرا وأخرق حجاب النور ... وقل له شعرا بفضلك المشهور
جمعت في الآفاق ... تنافر الأضداد
فأنت ليث الخيس ... وأنت بدر الناد
خرجت محتالاً أبغي سنا الرزق ... أقطع أميالاً غرباً إلى شرق
مؤمل حالا يكون من وفقي ... فقال من قالا وفاه بالصدق
دع قطعك الآفاق ... يا أيها المرتاد
وأقصد إلى باديس ... خير بني عباد
يا من رجا الطلاّ وأملّ التعريس ... أن شئت أن تحلى بطائل التأنيس
لا تعتمد إلا على علا باديس ... من قومه أعلى قدراً من البرجيس
مواطن الأرزاق ... أولائك الأنجاد
فاحطط رحال العيس ... وانفض بقايا الزاد
ما لاعتساف البيد ... إلا المهاري القود ذرها تخد
يا ناقتي الكوما ... جوبي على اسم الله وأطو اليباب
واستعملي العوما ... فليس من أمواه إلا السراب
لا تطمعي نوما ... مادام من أهواه نائي القباب
لمثلها صيخود ... ذخرت من قيفود لا تتئد
من أسكن الظلفا ... حومانة الدراج في الرقمتين
حتى انتضت حرفا ... يوحي به إلا دلاج عبل اليدين
وعممت وصفا ... من جنح ليل داج غصن اللجين
فأثمر الأملود ... منه على التوريد بدراً يقد
دع ذكرك الأيادي ... والمنزل الطاسم والفدفدا
وأمدح بني عباد ... أعني أبا القاسم محمدا
مؤيد الأجناد ... ملك على الحاكم معقدا
حاز العلا والجود ... عن الجدود الصيد والمعتضد
لا غرو أن بارى ... في الجود والأفضال هوج الرياح
وأقتاد جرارا ... بجيشه إذ قال قف لا براح
ليث إذا سارا ... في حومة الأبطال يوم الكفاح
لم يغن ضرب الجيد ... ما حاكه داوود من الزرد
قد أرخ الرخام ... من ذكر مولانا في المرمر
ما حاكه النظام ... درا ومرجانا وجوهر
يا حبذا الإلهام ... منه وأن كانا لم يشعر
النصر والتأييد ... والمجد والتمهيد للمعتمد
في الكأس والمبسم البرود ... أنس العميد
باكر إلى البكر والدنان ... وأفضض ختامين في أواني
واجن الأماني في أمان ... فقد وصلنا إلى زمان
ينظم فيه شمل السعود ... نظم العقود
ملك تزين العلا حلاه ... وقيمة الشعر من نداه
ولفتة الله من رضاه ... سالت فطابت لنا يداه
فليس ينفك عن وجود ... بأس وجود
يا شاسعا جسعه منيف ... وجنة كلها قطوف
ونيرا ماله كسوف ... أوفى على عبدك المصيف
فصار في ظلك المديد ... تحت برود
طالعني كوكبا سعيدا ... وعاد دهري علي عيدا
مذ لحظت عيني الرشيدا ... أتيته منشدا قصيدا
فلم تخب عنده قصيد ... ولا قصود
لما علوت الملوك شأنا ... وأتضح الأمر واستبانا
وصحح الناضر العيانا ... شدوت لا التوى لسانا
لم يمش على الصعيد ... مثل الرشيد
هم بالخيال ... ودن بالوجد وحث الأدمع
أثر الركاب ... فحال البعد حال التفجيع
ولتطو منك على شجوين ... قلب يعذب من وجهين
بطول صد وطول بين ... ولتسق من عبرات العين
عهد الوصال ... بمثل العهد ذوى فاينع
صنع السحاب ... بروض الورد أبان يهمع
أن كنت مغرى بمن تهواه ... فصل سراك إلى لقياه
وقل له سائلا رحماه ... يا من تضوع من رياه
شذا الغزال ... بمثل الند بالله متع
من الإياب ... رهين الود بالوعد يقنع
برد جوى الشوق من حوبائه ... فالنار تفعل في أحشائه
فعل المؤيد في أعدائه ... وفعل كفيه في نعمائه
بذل النوال ... وصون المجد فيه تجمع
فكل صاب ... وكل شهد منه يجرع
ملك له في العلا آثار ... هي الكواكب والأقمار
جرت على حكمه الأقدار ... أدنى مواهبه الأعمار
في كل حال ... سما عن ند وأن تطلع
من السحاب ... لشمس السعد ظنه يوشع
وغادة أغرت الأشنافا ... بطير حسن هواها عافا
فأمنته الذي خافا ... فكان من شدوها إذ وافى
ميل دلال ... ومعك نهدى طيرا مروع
وأرشف رضاب ... وقبل خدي إياك تجزع
للدموع إذا تقطر في الخد أسطر ... تحفظ الهوى ظاهر منها النواظر
سرّ لوعتي يبديه ... من حوت عبده
ليس لي بما أفديه ... والقلب عنده
لو شملت ريّافيه ... أوشمت خده
كنت أنشق العنبر من ثغر جوهر ... وأرى سنا زاهر من الأزاهر
غصن بانة هزه ... صبا ولين
ينثني على عزه ... لها أهون
لي بخده منزه ... ولي منون
فإذا جلا منظر فالعيش أخضر ... وإذا رنا ناظر فالموت حاضر
رشا من الأنس ... لا يستمال
حل رتبة الشمس ... فما ينال
زارني على يأسي ... منه الخيال
فلو أني أقدر لذلك أقدر ... لاستعرت للزائر جناح طائر
أنا عبد عبد الله ... من آل رزق
فضح الدجى مرآه ... بكل أفق
وسما على الأشباه ... خلقا بخلق
فهو ضيغم قسور والخيل تذعر ... وهو شادن جائر والكأس دائر
وخضيبة الأنمل ... هيفاء رود
أبصرته في جحفل ... بين البنود
فشدته دون الكل ... شدو العميد
الله زانك بالأسمر زين كل عسكر ... قد خرجت يا شاطر في الحرب ظافر
سامروا من أرقا ... وارحموا من عشقا
ليت شعري هل درى من نفى عني الكرى ... أنه لو أمرا لتوخت السرى
أدّرعت الغسقا ... مثل نجم طرقا
ليت دنياي تعير مثل أيام السرور ... وأرى الساقي يدير كأسه نارا ونور
يا له كيف سقى ... بدر تّم شفقا
من شج بالخرد مثل وجد المعتمد ... بالأيادي والصفد بيد تتبع يد
قد أضأن الأفقا ... ومَلأن الطرقا
ملك سام أغر ضيغم بادي الظفر ... غرس الناس شجر عارض هامي مطر
سح فيه ورقا ... فكساها ورقا
رب لميا الشفتين عانقتني بعد بين ... فحكينا الفرقدين ودعونا مخلصين
عاشقين اعتنقا ... رب لا تفترقا
هلا عذولي قد خلعت العذار لا اعتذار ... عن ظبا الأنس وشرب العقار
ما العيش إلا حب ظبي أنيس
مهفهف أحوى وحث الكؤوس
من قهوة تحكي شعاع الشموس
كأنها في كأسها إذ تدار ... شعلة نار يقتلها الإبريق قبل السوار
شيئان قلبي فيهما ذو غرام
القول بالغيد وشرب المدام
فلست أصغي فيهما للوام
لا والذي توج تاج الفخار بحر البحار ... ببحر جدواه وحامي الديار
الملك المأمون ذو المكرمات
الواحد الفرد الجزيل الصفات
كم مادح أحيا وكم قدامات
تنهل يمناه علينا بحار ... ثم اليسار تجلو دجى العسر ببذل اليسار
في اسمه للنصر والفتح قال
قد عم أهل الأرض طرا نوال
أصبح في الجود بغير مثال
أنجد ذكراه الكريم وغار ... في الأمصار حتى حدت فيه حداة القطار
وغادة تشكو بعاد الخليل
غدوها تبكي ويوم الرحيل
بصفة البحر وظلت تقول
أما الفرار ... وليش دمار
طل النجيع وفل الأسر ... غرب مهند وكان من منتضاه الدهر وما تقلد
صبرا على ما قضاه الله ... حط المؤيد من علياه
وعطل الملك من مرآه ... أقول شوقا إلى لقياه
آن الطلوع فلم يا بدر بالجو أربد ... وعد بشارقة يا فجر فالعود أحمد
يا سائلي عن بني عباد ... حدا بهم في ذكرهم حاد
فالبيت بيت بلا عماد ... وما لنا بعدهم من هاد
فلي دموع عليهم حمر تنهل سرمد ... وطيّ ما ضمّ مني الصدر جمر توقّد
أين المؤيد قطب المجد ... أين المؤيد والمعتمد
أين اللذان هما في اللحد ... أين القرابة زين العقد
ولىّ الجميع ووليّ الصبر فليس يوجد ... من ذا وذلك إلاّ ذكر وجد تجدد
أفديهم من أنجاد محض ... تفرقوا بعضهم عن بعض
وصار ما أبرموه للنقض ... كانوا إذا ما مشوا في الأرض
أحيا الربيع وجاء الزهر فيها منضد ... وسال فوق رباها بحر من دون عسجد
جيش كريم محاه الدهر ... أبكيهم ما تراخى العمر
قصر مشيد وروض نضر ... وربما قال فيه الشعر
بكى الربيع وناح القصر على المؤيد ... ولم يبق سرور يأسر بعد محمد
* جيش التوشيح
المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ)
حققه وقدم له وترجم لوشّاحيه: هلال ناجي
.
المعروف بابن اللبانه
بهرت بدائعه، وظهرت روائعه، وطلع من جو الإحسان بدرا، وجل فيه قدرا، راقت ألفاظه ومعانيه،. . . كلامه ومبانيه، فجلا من التوشيح الرائق ما تلي سورا، واجتليت محاسنه صورا، وله شعر أجاده انتقاء وانتحالا، وأطلعه في وجه الزمان خالا، مع تآليف حبر تصنيفها، وأجاد تنظيمها وتكييفها، في أخبار بني عباد شهدت له بالوفاء، وقضت له من مراعاة الذمم بالاستقصاء والاستيفاء، وهاك من رائق توشيحه ما يشهد بسبقه، ويريك في جو الإبداع وميض برقه - فمن ذلك قوله:
على عيون العين ... رعي الدراري من شغف بالحب
وأستعذب العذاب ... والتذّ حاليْه من أسف وكرب
نجل العيون سقت ... نفوسنا كأس الرحيق
أحداقها احدقت ... بكل بستان أنيق
ووجنة شُقّقت ... عن سوسن وعن شقيق
وتحت نور الجبين آس عذارِ ... ينعطف كي ينبي
بان ماء الرضاب حام حواليه ... منصرف عن قربي
لا كان يوم النوى ... من ملبسي ثوب الضنا
ألوى غزال اللوى ... فيه بصبري إذ رنا
وظن أن الهوى ... ذنبا فظنّ بالمنى
فقد أثار الضنين ... نور اصطباري في سدف من نحبي
والقلب خوف العتاب ... رجا حنانيه فأعترف بالذنب
شرّد عني الكرى ... فبتّ أشكو ما أجد
إلى جياد ترى ... متنها بي تطرد
وما حمدت السرى ... حتى رأيت المعتمد
في كل دنيا ودين ... به نباري من سلف فيُربي
وكل من فيه عاب ... يلقى جنابيه في شرف من حب
مؤيد نصره ... لدن القنا عضب الحسام
يندى به دهره ... ندى الرياض بالغمام
كأنما ذكره ... آيات ذكر في الأنام
حالاه شدّ ولين ... فقل حذار أن وقف في حرب
وقل بان السحاب ... لو شام كفيه لم يكف من رعب
وطير حسن نزل ... بمنزلي عند الغروب
حول شباك الحيل ... يلقط حبات القلوب
ما حل حتى رحل ... فكان من شدو الحبيب
لو رأيتم مقلتين ... نزل بداري ووقف لجنبي
لما رأى المحناب ... سوى جناحيه وانصرف بقلبي
كذا يعتاد سنى الكوكب الوقاد ... إلى الجلاس مشعشعة الأكواس
أقم عذري ... فقد آن أن أعكف
على خمر ... يطوف بها أوطف
كما تدري ... هظيم الحشا مخطف
إذا ما ماد في مخضرة الأبراد ... رأيت الآس بأوراقه قد ماس
من الأنس ... وأن زاد في النور
على الشمس ... وبدر الديجور
له نفسي ... وما نفس مهجور؟
غزال صاد ضرغامة الآساد ... بلحظ جاس خلال ديار الناس
ألا دعني ... من الصد والهجر
وخذ عني ... حديثين في الفخر
وقل أني ... أحدث عن بحر
سطا وجاد رشيد بني عباد ... فأنسى الناس رشيد بني العباس
جلا الأحلاك ... فنور الدجى مرآه
فما الأفلاك ... تدير سوى علياه
كذا الأملاك ... عَبيد عُبَيد الله
فمن أراد قياسك بالأمجاد ... فجهلا قاس سنا الفجر بالنبراس
لك الفضلُ ... وأنك من آله
رأى الكل ... بكم نيل آماله
فما يخلو ... من ينشد في حاله
بني عباد بكم نحن في أعياد ... وفي أعراس لا عدمتم للناس
في نرجس الأحداق ... وسوسن الأجياد
نبت الهوى مغروس ... بين القنا الميّاد
وفي نقا الكافور والمندل الرطب ... والهودج المزرور بالوشي والعصب
قضب من البلور حمين بالقضب ... نادى بها المهجور من شدة الحب
أذابت الأشواق ... روحي على الأجساد
أعارها الطاووس ... من ريشه أبراد
كواعب أتراب تشابهت قدا ... عضت على العُنّاب بالبرد الأَندى
أوصت بني الأوصاب وأغرت الوجدا ... وأكثر الأحباب أعدى من الأعدا
تفتّر عن أعلاق ... لآلئ أفراد
فيه اللمى محروس ... بألسن الأغماد
من جوهر الذكرى أعطى ... نحور الحور وقلد الدرا سلالة المنصور
جاوز به البحرا وأخرق حجاب النور ... وقل له شعرا بفضلك المشهور
جمعت في الآفاق ... تنافر الأضداد
فأنت ليث الخيس ... وأنت بدر الناد
خرجت محتالاً أبغي سنا الرزق ... أقطع أميالاً غرباً إلى شرق
مؤمل حالا يكون من وفقي ... فقال من قالا وفاه بالصدق
دع قطعك الآفاق ... يا أيها المرتاد
وأقصد إلى باديس ... خير بني عباد
يا من رجا الطلاّ وأملّ التعريس ... أن شئت أن تحلى بطائل التأنيس
لا تعتمد إلا على علا باديس ... من قومه أعلى قدراً من البرجيس
مواطن الأرزاق ... أولائك الأنجاد
فاحطط رحال العيس ... وانفض بقايا الزاد
ما لاعتساف البيد ... إلا المهاري القود ذرها تخد
يا ناقتي الكوما ... جوبي على اسم الله وأطو اليباب
واستعملي العوما ... فليس من أمواه إلا السراب
لا تطمعي نوما ... مادام من أهواه نائي القباب
لمثلها صيخود ... ذخرت من قيفود لا تتئد
من أسكن الظلفا ... حومانة الدراج في الرقمتين
حتى انتضت حرفا ... يوحي به إلا دلاج عبل اليدين
وعممت وصفا ... من جنح ليل داج غصن اللجين
فأثمر الأملود ... منه على التوريد بدراً يقد
دع ذكرك الأيادي ... والمنزل الطاسم والفدفدا
وأمدح بني عباد ... أعني أبا القاسم محمدا
مؤيد الأجناد ... ملك على الحاكم معقدا
حاز العلا والجود ... عن الجدود الصيد والمعتضد
لا غرو أن بارى ... في الجود والأفضال هوج الرياح
وأقتاد جرارا ... بجيشه إذ قال قف لا براح
ليث إذا سارا ... في حومة الأبطال يوم الكفاح
لم يغن ضرب الجيد ... ما حاكه داوود من الزرد
قد أرخ الرخام ... من ذكر مولانا في المرمر
ما حاكه النظام ... درا ومرجانا وجوهر
يا حبذا الإلهام ... منه وأن كانا لم يشعر
النصر والتأييد ... والمجد والتمهيد للمعتمد
في الكأس والمبسم البرود ... أنس العميد
باكر إلى البكر والدنان ... وأفضض ختامين في أواني
واجن الأماني في أمان ... فقد وصلنا إلى زمان
ينظم فيه شمل السعود ... نظم العقود
ملك تزين العلا حلاه ... وقيمة الشعر من نداه
ولفتة الله من رضاه ... سالت فطابت لنا يداه
فليس ينفك عن وجود ... بأس وجود
يا شاسعا جسعه منيف ... وجنة كلها قطوف
ونيرا ماله كسوف ... أوفى على عبدك المصيف
فصار في ظلك المديد ... تحت برود
طالعني كوكبا سعيدا ... وعاد دهري علي عيدا
مذ لحظت عيني الرشيدا ... أتيته منشدا قصيدا
فلم تخب عنده قصيد ... ولا قصود
لما علوت الملوك شأنا ... وأتضح الأمر واستبانا
وصحح الناضر العيانا ... شدوت لا التوى لسانا
لم يمش على الصعيد ... مثل الرشيد
هم بالخيال ... ودن بالوجد وحث الأدمع
أثر الركاب ... فحال البعد حال التفجيع
ولتطو منك على شجوين ... قلب يعذب من وجهين
بطول صد وطول بين ... ولتسق من عبرات العين
عهد الوصال ... بمثل العهد ذوى فاينع
صنع السحاب ... بروض الورد أبان يهمع
أن كنت مغرى بمن تهواه ... فصل سراك إلى لقياه
وقل له سائلا رحماه ... يا من تضوع من رياه
شذا الغزال ... بمثل الند بالله متع
من الإياب ... رهين الود بالوعد يقنع
برد جوى الشوق من حوبائه ... فالنار تفعل في أحشائه
فعل المؤيد في أعدائه ... وفعل كفيه في نعمائه
بذل النوال ... وصون المجد فيه تجمع
فكل صاب ... وكل شهد منه يجرع
ملك له في العلا آثار ... هي الكواكب والأقمار
جرت على حكمه الأقدار ... أدنى مواهبه الأعمار
في كل حال ... سما عن ند وأن تطلع
من السحاب ... لشمس السعد ظنه يوشع
وغادة أغرت الأشنافا ... بطير حسن هواها عافا
فأمنته الذي خافا ... فكان من شدوها إذ وافى
ميل دلال ... ومعك نهدى طيرا مروع
وأرشف رضاب ... وقبل خدي إياك تجزع
للدموع إذا تقطر في الخد أسطر ... تحفظ الهوى ظاهر منها النواظر
سرّ لوعتي يبديه ... من حوت عبده
ليس لي بما أفديه ... والقلب عنده
لو شملت ريّافيه ... أوشمت خده
كنت أنشق العنبر من ثغر جوهر ... وأرى سنا زاهر من الأزاهر
غصن بانة هزه ... صبا ولين
ينثني على عزه ... لها أهون
لي بخده منزه ... ولي منون
فإذا جلا منظر فالعيش أخضر ... وإذا رنا ناظر فالموت حاضر
رشا من الأنس ... لا يستمال
حل رتبة الشمس ... فما ينال
زارني على يأسي ... منه الخيال
فلو أني أقدر لذلك أقدر ... لاستعرت للزائر جناح طائر
أنا عبد عبد الله ... من آل رزق
فضح الدجى مرآه ... بكل أفق
وسما على الأشباه ... خلقا بخلق
فهو ضيغم قسور والخيل تذعر ... وهو شادن جائر والكأس دائر
وخضيبة الأنمل ... هيفاء رود
أبصرته في جحفل ... بين البنود
فشدته دون الكل ... شدو العميد
الله زانك بالأسمر زين كل عسكر ... قد خرجت يا شاطر في الحرب ظافر
سامروا من أرقا ... وارحموا من عشقا
ليت شعري هل درى من نفى عني الكرى ... أنه لو أمرا لتوخت السرى
أدّرعت الغسقا ... مثل نجم طرقا
ليت دنياي تعير مثل أيام السرور ... وأرى الساقي يدير كأسه نارا ونور
يا له كيف سقى ... بدر تّم شفقا
من شج بالخرد مثل وجد المعتمد ... بالأيادي والصفد بيد تتبع يد
قد أضأن الأفقا ... ومَلأن الطرقا
ملك سام أغر ضيغم بادي الظفر ... غرس الناس شجر عارض هامي مطر
سح فيه ورقا ... فكساها ورقا
رب لميا الشفتين عانقتني بعد بين ... فحكينا الفرقدين ودعونا مخلصين
عاشقين اعتنقا ... رب لا تفترقا
هلا عذولي قد خلعت العذار لا اعتذار ... عن ظبا الأنس وشرب العقار
ما العيش إلا حب ظبي أنيس
مهفهف أحوى وحث الكؤوس
من قهوة تحكي شعاع الشموس
كأنها في كأسها إذ تدار ... شعلة نار يقتلها الإبريق قبل السوار
شيئان قلبي فيهما ذو غرام
القول بالغيد وشرب المدام
فلست أصغي فيهما للوام
لا والذي توج تاج الفخار بحر البحار ... ببحر جدواه وحامي الديار
الملك المأمون ذو المكرمات
الواحد الفرد الجزيل الصفات
كم مادح أحيا وكم قدامات
تنهل يمناه علينا بحار ... ثم اليسار تجلو دجى العسر ببذل اليسار
في اسمه للنصر والفتح قال
قد عم أهل الأرض طرا نوال
أصبح في الجود بغير مثال
أنجد ذكراه الكريم وغار ... في الأمصار حتى حدت فيه حداة القطار
وغادة تشكو بعاد الخليل
غدوها تبكي ويوم الرحيل
بصفة البحر وظلت تقول
أما الفرار ... وليش دمار
طل النجيع وفل الأسر ... غرب مهند وكان من منتضاه الدهر وما تقلد
صبرا على ما قضاه الله ... حط المؤيد من علياه
وعطل الملك من مرآه ... أقول شوقا إلى لقياه
آن الطلوع فلم يا بدر بالجو أربد ... وعد بشارقة يا فجر فالعود أحمد
يا سائلي عن بني عباد ... حدا بهم في ذكرهم حاد
فالبيت بيت بلا عماد ... وما لنا بعدهم من هاد
فلي دموع عليهم حمر تنهل سرمد ... وطيّ ما ضمّ مني الصدر جمر توقّد
أين المؤيد قطب المجد ... أين المؤيد والمعتمد
أين اللذان هما في اللحد ... أين القرابة زين العقد
ولىّ الجميع ووليّ الصبر فليس يوجد ... من ذا وذلك إلاّ ذكر وجد تجدد
أفديهم من أنجاد محض ... تفرقوا بعضهم عن بعض
وصار ما أبرموه للنقض ... كانوا إذا ما مشوا في الأرض
أحيا الربيع وجاء الزهر فيها منضد ... وسال فوق رباها بحر من دون عسجد
جيش كريم محاه الدهر ... أبكيهم ما تراخى العمر
قصر مشيد وروض نضر ... وربما قال فيه الشعر
بكى الربيع وناح القصر على المؤيد ... ولم يبق سرور يأسر بعد محمد
* جيش التوشيح
المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ)
حققه وقدم له وترجم لوشّاحيه: هلال ناجي
.
صورة مفقودة