نقوس المهدي
كاتب
هذه الورقة، هي في الأصل، جزء من محاضرة، كنت ألقيتها في مركز إسلامي أوروبي(تابع للمملكة العربية السعودية) وفي حضرة مجموعة هائلة من المسلمين بالوراثة؛ وبالاكتساب، وكانت المناقشة ثرية وحادة في نفس الوقت، اخترتم لكم بعض النقاط النفيسة من محاضرة استغرقت من الوقت أكثر من مائتي دقيقة، تزيد ولا تنقص .
المرأة والمعاشرة الجنسية:
الكتابات الحديثة التي تناولت موضوع إشكالية المرأة صورت لنا الموروث الفقهي تصويرا بشعا؛ بأنه قد سيطر عليه الفكر الذكوري،وهي مغالطة وجدت فيها الحركات النسوية منفذا للعبور إلى الفقه الإسلامي قصد زعزعته من الداخل، وقد وقفت هذه الأصوات من بين وقفاتها الهشة عند المعاشرة الزوجية أو الزواج، ولكي تتعرفوا على هذه الأصوات لنفسح المجال لهذه السخافات لتعبر عن أصحابها، تقول الدكتورة نوال السعداوي في كتابها " المرأة والجنس": نادرا جدا ما ترفض المرأة الزواج، بل إنها تسعى من خلاله أن تعيش اقتصاديا إذا لم يكن لها عمل أو إيراد، وتحمى اجتماعيا( المرأة غير المتزوجة متهمة دائما) وترضى جنسيا،( لا يسمح للمرأة أن تمارس الجنس خارج الزواج إلا إذا كانت مومسا)،بالإضافة إلى أن الزواج اكتسب نوعا من الحماية الدينية وأصبح شبه مقدس ... ومن المعروف أن القانون الظالم يفسد المظلوم ويفسد الظالم أيضا لأنه يُعود المظلوم على الخنوع والذل ويُعود الظالم القسوة والبطش والعدوان ... وقد أفسد الزواج مفهوم الرجولة كما أفسد مفهوم الأنوثة .
هكذا دائما تكتب الدكتورة السعداوي، تريد أن تطبق المنهج المادي التاريخي على قضية المرأة .
إن الأحكام والقواعد التي وضعتها السنة النبوية الشريفة لصالح المرأة في العلاقة الجنسية لم تكن إلا تطبيقا للآية الكريمة التي تأمر الرجال بحسن معاشرة النساء " وعاشروهن بالمعروف" ، فإذا كانت السنة قد أكدت على تحريم إضرار الزوجة بالزوج إذا امتنعت عنه جنسيا؛ فقد أكدت كذلك على تحريم إضرار الزوج بالزوجة إذا أمتنع عنها جنسيا، وهذا الحق الشرعي جعل بعض النساء يذهبن إلى القاضي للمطالبة به، طبعا ليست كل النساء فعلن ذلك، فمنهن من أقعدها الحياء والحرج؛ لأن الشكوى فضيحة للزوج واتهامه ضمنيا بالعجز، فمثلا قد ذكرت لنا سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة فسمع امرأة من داخل بيتها تقول :
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ** وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه
فوالله لولا الله تخشى عواقبه ** لزحزح من هذا السرير جوانبه
ويسألها سيدنا عمر عما أرادت بقولها، فتقول: إنها قد اشتاقت لزوجها فهو غائب في جيوش الفتح منذ أشهر، ويذهب الخليفة على السريع إلى ابنته حفصة أم المؤمنين ويسألها عن أقصى مدة تستطيع المرأة الصبر عن زوجها فتجيبه أربعة أشهر، فكتب إلى عماله بالغزو أن لا يغيب أحد عن موطنه أكثر من أربعة شهور .
ومرة جاءت امرأة تشكو زوجها لسيدنا عمر في مباعدته إياها عن الفراش؛ لأنه يقوم الليل ويصوم النهار، فاستدعاهما سيدنا عمر وقال : إن الله قد أحل له من النساء أربعة، فله ثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولك يوم وليلة .
شبه سيدنا عمر العبادة بالضرائر ليثبت للزوجة حقها الشرعي .
المرأة تُعلم الفقهاء :
- ابن حزم الأندلسي صاحب كتاب المحلى ، وطوق الحمامة ..، وحامل لواء المذهب الظاهري في الفقه كتب يقول : وهن علمنني القرآن وروينني كثيرا من الأشعار ودربنني في الخط ..
- الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي التي تجاوزت مؤلفاته ستمائة مؤلف قد تتلمذ على يد أكثر من عالمة من عالمات عصره، ومنهن خديجة بنت عبد الرحمن العقيلي، وآسية بنت جار الله بن صالح الطبري، وصفية بنت ياقوت المكية .
- وابن قيم الجوزية أحد أعلام الأمة وهو من أبرز تلاميذ الإمام بن تيمية قد تتلمذ كذلك على يد فاطمة بنت جوهر .
- والعالم الجليل ابن مرزوق من علماء القرن الثامن في المغرب وصاحب المؤلفات العديدة في الفقه والسياسة درس في مصر على يد الشيخة المسندة فاطمة بنت محمد الفيومي الملقبة ب " ست الفقهاء " .
هؤلاء العلماء الذين تتلمذوا على يد المرأة كانوا ينظرون إليها بأنها هي المرأة الإنسان وليست المرأة الأنثى، وكان الرجال يحنون الرؤوس أمامها .
قصة طريفة :
سيدنا عمر رضي الله عنه قال مرة لرجل همّ بطلاق زوجته" لم تطلقها؟" قال: " لا أحبها " فرد عليه سيدنا عمر: أو كل البيوت بنيت على الحب ؟ فأين الرعاية والتذمم ؟
فهو ينبهه على أن الأسرة لا تبنى على الحب فقط وإنما هناك الرعاية والتذمم، وهي إشارة منه رضي الله عنه إلى قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " .
ابن الجوزي رحمة الله عليه في كتابه صيد الخاطر يناقش كره الزوج زوجته بطريقة فلسفية رائعة؛ تدفعه إلى الإفتاء بعدم تطليق الزوج لزوجته يقول على لسان المشتكي : وهذه المرأة تحبني حبا زائدا في الحد، وتبالغ في خدمتي ، غير أن البغض لها مركوز في طبعي .. وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها .
فيجيب ابن الجوزي : إن مشكلة هذا الرجل مع خالقه وليس مع زوجته، فما هي إلاّ أداة لابتلائه فلا ينبغي أن يزيد ذنوبه بتطليقها؛ لهذا يقول له : ... وليس القيد (الزوجة) ذنبا فيُلام، إنما ينبغي التشاغل مع من قيّدك به ( أي الله) ... فينبغي أن تخلو بنفسك فتعلم أنها ( الزوجة) إنما سُلطت عليك بذنوبك فتبالغ في الاعتذار والتوبة فأما التضجر والأذى لها فما ينفع ، واعلم أنك في مقام مُبتلى ولك أجر الصبر .
سؤال :
من بين الأسئلة، كان سؤال مسلمة بالإكتساب : كيف تردون على من يقول : أن الإسلام قد حطّ من كرامة المرأة فجعلها ترث نصف ما يرث الرجل ؟
فكان جوابي: سأقول لهم؛ لو صح أن يعتبر حظ المرأة في الميراث هو مقياس التكريم والدليل القوي الذي ما بعد دليل؛ لصح لنا أن نقول بأفضلية الحيوان على الإنسان مادام الإسلام يعطي الفارس من الغنيمة نصف ما يعطي الفرس وهو حيوان، طبعا تشجيعا وحرصا على العناية بالخيل لا تفضيلا على الإنسان .
والله من وراء القصد
السلام عليكم
المرأة والمعاشرة الجنسية:
الكتابات الحديثة التي تناولت موضوع إشكالية المرأة صورت لنا الموروث الفقهي تصويرا بشعا؛ بأنه قد سيطر عليه الفكر الذكوري،وهي مغالطة وجدت فيها الحركات النسوية منفذا للعبور إلى الفقه الإسلامي قصد زعزعته من الداخل، وقد وقفت هذه الأصوات من بين وقفاتها الهشة عند المعاشرة الزوجية أو الزواج، ولكي تتعرفوا على هذه الأصوات لنفسح المجال لهذه السخافات لتعبر عن أصحابها، تقول الدكتورة نوال السعداوي في كتابها " المرأة والجنس": نادرا جدا ما ترفض المرأة الزواج، بل إنها تسعى من خلاله أن تعيش اقتصاديا إذا لم يكن لها عمل أو إيراد، وتحمى اجتماعيا( المرأة غير المتزوجة متهمة دائما) وترضى جنسيا،( لا يسمح للمرأة أن تمارس الجنس خارج الزواج إلا إذا كانت مومسا)،بالإضافة إلى أن الزواج اكتسب نوعا من الحماية الدينية وأصبح شبه مقدس ... ومن المعروف أن القانون الظالم يفسد المظلوم ويفسد الظالم أيضا لأنه يُعود المظلوم على الخنوع والذل ويُعود الظالم القسوة والبطش والعدوان ... وقد أفسد الزواج مفهوم الرجولة كما أفسد مفهوم الأنوثة .
هكذا دائما تكتب الدكتورة السعداوي، تريد أن تطبق المنهج المادي التاريخي على قضية المرأة .
إن الأحكام والقواعد التي وضعتها السنة النبوية الشريفة لصالح المرأة في العلاقة الجنسية لم تكن إلا تطبيقا للآية الكريمة التي تأمر الرجال بحسن معاشرة النساء " وعاشروهن بالمعروف" ، فإذا كانت السنة قد أكدت على تحريم إضرار الزوجة بالزوج إذا امتنعت عنه جنسيا؛ فقد أكدت كذلك على تحريم إضرار الزوج بالزوجة إذا أمتنع عنها جنسيا، وهذا الحق الشرعي جعل بعض النساء يذهبن إلى القاضي للمطالبة به، طبعا ليست كل النساء فعلن ذلك، فمنهن من أقعدها الحياء والحرج؛ لأن الشكوى فضيحة للزوج واتهامه ضمنيا بالعجز، فمثلا قد ذكرت لنا سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة فسمع امرأة من داخل بيتها تقول :
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ** وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه
فوالله لولا الله تخشى عواقبه ** لزحزح من هذا السرير جوانبه
ويسألها سيدنا عمر عما أرادت بقولها، فتقول: إنها قد اشتاقت لزوجها فهو غائب في جيوش الفتح منذ أشهر، ويذهب الخليفة على السريع إلى ابنته حفصة أم المؤمنين ويسألها عن أقصى مدة تستطيع المرأة الصبر عن زوجها فتجيبه أربعة أشهر، فكتب إلى عماله بالغزو أن لا يغيب أحد عن موطنه أكثر من أربعة شهور .
ومرة جاءت امرأة تشكو زوجها لسيدنا عمر في مباعدته إياها عن الفراش؛ لأنه يقوم الليل ويصوم النهار، فاستدعاهما سيدنا عمر وقال : إن الله قد أحل له من النساء أربعة، فله ثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولك يوم وليلة .
شبه سيدنا عمر العبادة بالضرائر ليثبت للزوجة حقها الشرعي .
المرأة تُعلم الفقهاء :
- ابن حزم الأندلسي صاحب كتاب المحلى ، وطوق الحمامة ..، وحامل لواء المذهب الظاهري في الفقه كتب يقول : وهن علمنني القرآن وروينني كثيرا من الأشعار ودربنني في الخط ..
- الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي التي تجاوزت مؤلفاته ستمائة مؤلف قد تتلمذ على يد أكثر من عالمة من عالمات عصره، ومنهن خديجة بنت عبد الرحمن العقيلي، وآسية بنت جار الله بن صالح الطبري، وصفية بنت ياقوت المكية .
- وابن قيم الجوزية أحد أعلام الأمة وهو من أبرز تلاميذ الإمام بن تيمية قد تتلمذ كذلك على يد فاطمة بنت جوهر .
- والعالم الجليل ابن مرزوق من علماء القرن الثامن في المغرب وصاحب المؤلفات العديدة في الفقه والسياسة درس في مصر على يد الشيخة المسندة فاطمة بنت محمد الفيومي الملقبة ب " ست الفقهاء " .
هؤلاء العلماء الذين تتلمذوا على يد المرأة كانوا ينظرون إليها بأنها هي المرأة الإنسان وليست المرأة الأنثى، وكان الرجال يحنون الرؤوس أمامها .
قصة طريفة :
سيدنا عمر رضي الله عنه قال مرة لرجل همّ بطلاق زوجته" لم تطلقها؟" قال: " لا أحبها " فرد عليه سيدنا عمر: أو كل البيوت بنيت على الحب ؟ فأين الرعاية والتذمم ؟
فهو ينبهه على أن الأسرة لا تبنى على الحب فقط وإنما هناك الرعاية والتذمم، وهي إشارة منه رضي الله عنه إلى قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " .
ابن الجوزي رحمة الله عليه في كتابه صيد الخاطر يناقش كره الزوج زوجته بطريقة فلسفية رائعة؛ تدفعه إلى الإفتاء بعدم تطليق الزوج لزوجته يقول على لسان المشتكي : وهذه المرأة تحبني حبا زائدا في الحد، وتبالغ في خدمتي ، غير أن البغض لها مركوز في طبعي .. وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها .
فيجيب ابن الجوزي : إن مشكلة هذا الرجل مع خالقه وليس مع زوجته، فما هي إلاّ أداة لابتلائه فلا ينبغي أن يزيد ذنوبه بتطليقها؛ لهذا يقول له : ... وليس القيد (الزوجة) ذنبا فيُلام، إنما ينبغي التشاغل مع من قيّدك به ( أي الله) ... فينبغي أن تخلو بنفسك فتعلم أنها ( الزوجة) إنما سُلطت عليك بذنوبك فتبالغ في الاعتذار والتوبة فأما التضجر والأذى لها فما ينفع ، واعلم أنك في مقام مُبتلى ولك أجر الصبر .
سؤال :
من بين الأسئلة، كان سؤال مسلمة بالإكتساب : كيف تردون على من يقول : أن الإسلام قد حطّ من كرامة المرأة فجعلها ترث نصف ما يرث الرجل ؟
فكان جوابي: سأقول لهم؛ لو صح أن يعتبر حظ المرأة في الميراث هو مقياس التكريم والدليل القوي الذي ما بعد دليل؛ لصح لنا أن نقول بأفضلية الحيوان على الإنسان مادام الإسلام يعطي الفارس من الغنيمة نصف ما يعطي الفرس وهو حيوان، طبعا تشجيعا وحرصا على العناية بالخيل لا تفضيلا على الإنسان .
والله من وراء القصد
السلام عليكم