لوسيان الدبيسي - ربة القداسة.. أنثى

يوم أفني كلَّ ما خلقتٌ

ستعود الأرض محيطآ بلا نهاية

مثلما كانت في البدء

وحدي ..أنا سابقى

وأصير كما كنتٌ قبلآ

..أفعى خفية عن الأفهام...هه الكلمات هي

(ترنيمة أيزيت حسب المصريين القدامى وهي مسجلة لدى الفراعنة قبل أن تتشّوه صورة الافعى في الأذهان

إتخذت فيه الرّبة الأولى رمزها الأول وهو الأقرب الى طبيعتها .فقد كانت الأفعى رمز الربّات "إانانا وعشتار وإيزيس وارتميس"...ورمزا لكل الآلهات على اختلاف مواطن عبادتهنًّ,وو صارت الأفعى من بعدهنَّ شعارآ لآلهة ذكورية مصطنعة..لأله مزعوم "هرمس" مثلث العظمة ولاله الطب عند اليونان "إسكليبوس"..

لطالما كانت الأفعى رمزآ وشعار الملكات العظيمات (كليوباترا, نفرتيتي,سميراميس حتشتبوت... )في زمن الأنسانية الأولى التى لا ترى بأسآ بأن تحكم النساء...وأن تأخذ الافعى شعارآ ففي فجر الحضارات كانت النساء حاكمات وقاضيات حتى إنقضاء النصف الأول من حضارة

مصر وسومر..ثم جاءت اليهودية لتحرّم على المرأة بأن تكون حاكمة أو قاضية ,دنّست كتب التوراة المرأة والافعى معآ فأفرغ شعار الربّات والملكات العظيمات من مضمونه القديم المتوارث...

وتبجّح الناس كفاية لتستعير من الأفعى" الزحف " المأخوذ من حركة الأفعى غير مدركين بأن الأفعى أكثر حكمة من الجيوش الفارغة من الحكمة التي تنتظر الأوامر من قائد خارجي..عكس الأفعى وحكمتها في الدفاع عن نفسها..

التي لا يقودها الّا روحها وحسّها الباطن,فهي لا تقاتل الّا للدفاع ..كانت البشر قديما تقدّس الأفعى ويعرفون قدرها بأعتبارها رمزآ وتجليّآ وصورة للربّة الخالقة و..

للأنثى المقدسة

كان الناس في مصر القديمة يؤمنون بأن الإله "آتوم" يتحد في الأرض بصورة أفعى ..وآتوم نفسه هو صورة آلهية متأخرةولأنها متأخرة فهي ذكورية..أما الصورة المصرية القديمة الأصلية الأولى المعروفة بأسم"وازيت" فهي صورة الربّة الأنثى ,الخالقة التي إتحذث قبلآ ومنذ زمن ماقبل الأسرات ,صورة الأفعى المحيطة بالوجود,كان أهل الأزمنة القديمة يبنون للأفعى المعابد ,والعجيب أن أكبر عدد من هذه المعابد بنيت في فلسطين التي شهدت كتابة ا سفار العهد القديم "التوراة" وهو أول كتاب طمس صورة الأفعى وجعلها مرتبطة بالشيطان وبالمرأة وبالشر..!!

في عام 1903 أكتشف في فلسطين أكبر هيكل مخصص لتقديس الأفعى.وجد فيه آلاف الأفاعي المحنطة وتمثالآ ضخمآ لأفعى الكوبرا..هذه الأفعى التي إرتبط معناها بالتجدد

والولادة والخلود...والانبثاق , ويقال بأن الأنثى "تلد" وهي صفة الافعى الام" والدة "وما يوصف به الرجل بانه والد تسمية خاطئة فالولادة فعل الانثى ..

من أشهر مترادفات الأفعى في اللغة العربية ..لفظ.."حيّة" لفظ اختاره من ترجم التوراة الى العربية

الافعى في متون لفة العربية نوع من الحيّات وسميت كذلك لانها تلتف ولا تبرح مكانها..

وتمتاز الحية في العربية بأنها مشتقة من "الحياة"ومنها سميت أمٌّ البشر..وللحية والحياة معانٍ كثيرة المعنى الأول الالصق بالمرأة وهو ""فرج المرأة" والحيا فرج الناقة.والحيَّ فرج المرأة,وحية وحواء وحيا ألفاظ أشتقت من واقتربت من رمز الربّة والخالقة ألانثى الأولى..

والحيا أيضا في اللغة ..المطر والخصب والأرض المخصبة وكلاهم حياة..والحية عكس الميتة أي التجدد والخلود..والأنبعاث ,وهناك قول لغوي شهير لأبن المنظور..إن الألهة هي الحية العظيمةوالاهة هي الحية ,والات صنم مشهور عند العرب قبيل الإسلام و يكتب بالتاء "الات"وبالهاء"اللاه ..

وأصله لاهه أي الحية,,

فأما ما يرتبط بطبيعة ألانثى فهي كثيرة منها "الإستدارة,والحيض والولادة" ومنها "التعهّد في ارتباطها بالوعي الانساني الفطري فمنذ وعي الأنسان لذاته وللعالم .قد إرتبطت فكرة الوجود الحي "بالدم,هذا السائل الأحمر هو " سر الحياة "في الأنسان والحيوان فما دام الدم يجري فهو "حيّ" وإذا جرى منه ونزف بالكامل مات..فالدم سر الحياة والدم في الأنثى يفيض كلِّ شهر..وكأنه إعلان دوري لإمتلاكها سر الحياة..إن شهور الحمل هي شهور الإستدارة الكبرى للمرأة الإستدارة المتنبئة باللحظة الأشد رهبة أي لحظة الولادة....

والدم في الأزمنة القديمة كان السائل المقدّس الذي يرقى لأن يُراق على مذابح الآلهة..ولئن كانت الأنثى تُريقه من باطنها بإنتظام,كل شهر فهي مرتبطة دومآ بهذا الفعل المقدّس..ومن ناحية أخرى الأنثى إذا راهقت البلوغ استدار ثدييها ليصير موردآ لسائل آخرمرتبط بالحياة وهو "اللبنة" وقديما كان من دواعي تقديس الأنثى ..دمُ الحيض,,استدارة الثديين والبطن..الولادة ..درٌّ اللبن و تعهّد المولود..وهكذا أدرك الرجل أن دوره في إتمام دائرة الوجود هو دور ثانوي..لايتم الّا في لحظةإطفائه الشبق,ولا يدوم الّا لحظات.يفرغ فيها قطرات من جسده دون أن يدري كهنها لانشغاله بالرعدة السحرية في باطن المرأة..

الأنثى هي الأصل في الكون,,وهي الربّة والألهة...

والقداسة فعل الجماعة لا الافراد,,فلا يوجد مقدّس بذاته..والقداسة هي الإعلاء والتبجيل..وهي غير الإيمان.فالايمان في أساسه ديني,يقوم على الغيب والعقل عقال له,,أما التقديس فأساسه تأملي يقوم على التحقق من عمق ورفعة المقدّس ...لكن الانسانية خلطت بين القداسةوالدين فرفعت المقدس الى مرتبة الإيمان,,فألغت حكم العقل فيها..خاصة بعد استسلام مصرللانهيار..وأجتاح العالم القديم فكر اليهود الذين وصفوا مكانهم بأنه"قدس الأقداس"..

ان النصوص المصرية والنقوش السومرية المتأخرة والكتابات التوراتية الأولى رفعت "المقدس" الذي هو الموضع والكائن الأرضي الى مرتبة الالهي الذي يستوجب الأيمان فكانت بذلك تسير بالأنسانية في عكس الطريق الذي كانت تسير فيه..ففي البدء انتقل الوعي الانساني من الاعلى "الربة .الالهة" الى الادنى"الانثى المقدسة .المرأة" على نحو تأملي مرهون بالتعقل ,,فظل الامر سائدا لزمن أمتد مابين ثلاثين الى خمسين الف سنة وقد دلت الاكتشافات الأثرية على أن أولى مظاهر الدين كانت مرتبطة باعلاء الأنوثة..وأولى التماثيل التي صنعها الأنسان قبل ثلاثين ألف سنة كانت دمى "لإمرأة حبلى" ومن بعد ها صار الوعي الانساني ينتقل الى المعاكس من الأرضي الأدنى"الرجل..السيّد" الى السماوي الأعلى"الرب .الأله" ومن هنا جاءت فكرة الملك إبن الاله وأن الحاكم ظل الأله وأن الله خلق آدم(لا حواء)على صورة الرحمن...!!


ربة القداسة..أنثى /د. لوسيان الدبيسي /سوريا
 
أعلى