نقوس المهدي
كاتب
(… هو وجه صديقتي الذي يُضيءُ جسدها الجميل)
١
المرأة التي لفحني وجهُها هذا الصباح، المريميَّة المجدولة بلا ضفائرَ أو معجزاتٍ، المُنهمِرة المُنسفِكة بلا غموض، كنهر يتدفق من الجنة، وبوميضها المنقشع هامِساً ليحترقَ أكثر، مُشتعلاً في كُلِّ فيضٍ إلهي فائق الوله، هي ككل النيليَّات الجميلات: صبورة وغافية ككنز نبيٍّ مدسوسٍ في ميسم زهرة بريِّة.
٢
أشهى ما في النيليات فوضى الجسد الأرخبيليَّة، الرخاوات الخلوية والشحوب الشابح إلى فجرٍ أسمرَ غافر.
٣
وإذ يُغادر الجسد أرض حاملهُ، فإنهُ يرتحِل طليقاً، يعبُر كل يوم ليتعيَّش في حياته مُتفتِّحَاً وحُرَّاً، لينشب رحاباته الوهيطة في خلاءٍ بدويٍّ كسول.
٤
جسدُ المرأة يخرجُ منذوراً للحياة، ليتشفَّف أكثر، ليعكس شفافيات روحها، لا ليذوي وينطفئ في حُضن كُلِّ رجل.
٥
جسدها للحياة، والحياة جسدها. الرجل يباب.
(كُلنا بعانخي: كلُّ رجل نيلي، في هذه البلاد التي تكنسُ رمادها من القلب إلى الأطراف، لكي تتبوَّلُ على نفسها ليلَ نهار، يعرِفُ ذلك جيداً).
٦
فجرها الضحكة، وإشراقة الإشراق الناضِح النضَّاح هي شمسُ ابتسامتِها.
٧
وخَفَرُ النيلية الذي يتسكَّعُ على وجهها كل صباح، رافلاً بأسرار صلاتهِ على عُمرِها الذي يَزحَفُ حَاذفاً من الجسد ومضيفاً للروح، هو أشبه بنبوءة نهارية تتهادى في كنفِ غيمةٍ شفَّافة، أو أقرب إلى نبوءةٍ حلمٍ يمشي نائماً على سطح ماء.
(لست وحدك يا يسوع من يمشي على الماء).
٨
نهران يتدفقان من خصرٍ واحد، والآخر يميل ليرتوي من ما وراء الغياب.
(لا أرى على خصريها سوى دوار برقٍ جموحٍ وامضٍ حول دغلٍ لامرئي).
٩
وإذ تتوهط روحها مكاناً قصياً، فذلك لكي تدلِقُ الأنهار من جسدها، لتسقي الأرض، لتخضَّر، لتُزهِر أرضُها بعيداً عن قَفْر الرجل وصحرائه. فجسدها هو نبعها، نيلها، سلسبيلها المسكوب من إشفاقها على الشفق.
١٠
جسدُها أشهى من أن يُشتهى، إذ يقتفي شهوة الطائعين كي لا ينام.
١١
(هل رأيتُم في عينيها ما يُضاهي ألق النجاة من انتظار كل رجلٍ، ما يساوم النجاة بالرجاء؟).
١٢
سمومٌ، سمومٌ بيضاء، تُشِّعُ من عيني الأنثى ونظرات الخارق الزرقاء.
١٣
البياضُ الرحيم، والسواد الذي يشفي الموج بالماء.
١٤
تُحييني نظرتُها، تُشجِّرني مخضباً بقشعريرات الخلجان ودفء الغيوم.
١٥
في الحضارة النوبية القديمة، المهزومة في وهادٍ مهجورة تحت هاجراتٍ حائرة، المُتقشفة كليلِ أشباح الجبانات، كان يكفي أي كنداكة: أن تشدُّ العين قوساً، وتُطلق سهام نظرتها وراء شعاعٍ خمري هارب من وحي سُمرتها اللاهبة.
١٦
العينُ، العينُ وحدها، العينُ الملكية، العينُ التي تَسْحرُ الفراغ بطقوس ذوات الريش اللواتي يلهبن الشموس بالعبور من سماءٍ إلى سماء، هي إرثنا الناجي الوحيد من حضارة جفت في النسوغ قبل البزوغ.
١٧
في المرأة العين: شرود الأرخبيل من بروق السكينة.
١٨
حيثما تيمِّم وجهها، تغمُرُ اليمامة العالم بالصفاء والامتلاء.
١٩
وحدهن راهبات ما وراء الجبال، جبليات العذاب، من يُحرِّرن الجمال من وجه الموناليزا الرهين.
٢٠
لتكُن وشيكاً عليها أيها القلبُ، ليأكلك الغمام من غيرة الحمام عليها، لتكُن برداً وسلاماً عليها بين الغمام والحمام.
* شاعر من السودان
١
المرأة التي لفحني وجهُها هذا الصباح، المريميَّة المجدولة بلا ضفائرَ أو معجزاتٍ، المُنهمِرة المُنسفِكة بلا غموض، كنهر يتدفق من الجنة، وبوميضها المنقشع هامِساً ليحترقَ أكثر، مُشتعلاً في كُلِّ فيضٍ إلهي فائق الوله، هي ككل النيليَّات الجميلات: صبورة وغافية ككنز نبيٍّ مدسوسٍ في ميسم زهرة بريِّة.
٢
أشهى ما في النيليات فوضى الجسد الأرخبيليَّة، الرخاوات الخلوية والشحوب الشابح إلى فجرٍ أسمرَ غافر.
٣
وإذ يُغادر الجسد أرض حاملهُ، فإنهُ يرتحِل طليقاً، يعبُر كل يوم ليتعيَّش في حياته مُتفتِّحَاً وحُرَّاً، لينشب رحاباته الوهيطة في خلاءٍ بدويٍّ كسول.
٤
جسدُ المرأة يخرجُ منذوراً للحياة، ليتشفَّف أكثر، ليعكس شفافيات روحها، لا ليذوي وينطفئ في حُضن كُلِّ رجل.
٥
جسدها للحياة، والحياة جسدها. الرجل يباب.
(كُلنا بعانخي: كلُّ رجل نيلي، في هذه البلاد التي تكنسُ رمادها من القلب إلى الأطراف، لكي تتبوَّلُ على نفسها ليلَ نهار، يعرِفُ ذلك جيداً).
٦
فجرها الضحكة، وإشراقة الإشراق الناضِح النضَّاح هي شمسُ ابتسامتِها.
٧
وخَفَرُ النيلية الذي يتسكَّعُ على وجهها كل صباح، رافلاً بأسرار صلاتهِ على عُمرِها الذي يَزحَفُ حَاذفاً من الجسد ومضيفاً للروح، هو أشبه بنبوءة نهارية تتهادى في كنفِ غيمةٍ شفَّافة، أو أقرب إلى نبوءةٍ حلمٍ يمشي نائماً على سطح ماء.
(لست وحدك يا يسوع من يمشي على الماء).
٨
نهران يتدفقان من خصرٍ واحد، والآخر يميل ليرتوي من ما وراء الغياب.
(لا أرى على خصريها سوى دوار برقٍ جموحٍ وامضٍ حول دغلٍ لامرئي).
٩
وإذ تتوهط روحها مكاناً قصياً، فذلك لكي تدلِقُ الأنهار من جسدها، لتسقي الأرض، لتخضَّر، لتُزهِر أرضُها بعيداً عن قَفْر الرجل وصحرائه. فجسدها هو نبعها، نيلها، سلسبيلها المسكوب من إشفاقها على الشفق.
١٠
جسدُها أشهى من أن يُشتهى، إذ يقتفي شهوة الطائعين كي لا ينام.
١١
(هل رأيتُم في عينيها ما يُضاهي ألق النجاة من انتظار كل رجلٍ، ما يساوم النجاة بالرجاء؟).
١٢
سمومٌ، سمومٌ بيضاء، تُشِّعُ من عيني الأنثى ونظرات الخارق الزرقاء.
١٣
البياضُ الرحيم، والسواد الذي يشفي الموج بالماء.
١٤
تُحييني نظرتُها، تُشجِّرني مخضباً بقشعريرات الخلجان ودفء الغيوم.
١٥
في الحضارة النوبية القديمة، المهزومة في وهادٍ مهجورة تحت هاجراتٍ حائرة، المُتقشفة كليلِ أشباح الجبانات، كان يكفي أي كنداكة: أن تشدُّ العين قوساً، وتُطلق سهام نظرتها وراء شعاعٍ خمري هارب من وحي سُمرتها اللاهبة.
١٦
العينُ، العينُ وحدها، العينُ الملكية، العينُ التي تَسْحرُ الفراغ بطقوس ذوات الريش اللواتي يلهبن الشموس بالعبور من سماءٍ إلى سماء، هي إرثنا الناجي الوحيد من حضارة جفت في النسوغ قبل البزوغ.
١٧
في المرأة العين: شرود الأرخبيل من بروق السكينة.
١٨
حيثما تيمِّم وجهها، تغمُرُ اليمامة العالم بالصفاء والامتلاء.
١٩
وحدهن راهبات ما وراء الجبال، جبليات العذاب، من يُحرِّرن الجمال من وجه الموناليزا الرهين.
٢٠
لتكُن وشيكاً عليها أيها القلبُ، ليأكلك الغمام من غيرة الحمام عليها، لتكُن برداً وسلاماً عليها بين الغمام والحمام.
* شاعر من السودان