نقوس المهدي
كاتب
كنت أسمع علي بن الحسين الواعظ يقول على المنبر: [ والله لقد بكيت البارحة من يدي نفسي ]. فبقيت أنا أتفكر وأقول: أي شيء قد فعلت نفس هذا حتى يبكي؟ هذا رجل متنعم له الجواري التركيات. وقد بلغني أنه تزوج في السر بجملة من النساء ولا يطعم إلا الغاية من الدجاج والحلوى. وله الدخل الكثير، والمال الوافر، والجاه العريض والأفضال على الناس. وقد حصل طرفا من العلم، واستعبد كثيرا من العلماء بمعروفه، وراحته دائمة الندى. فما الذي يبكيه؟ فتفكرت فعلمت أن النفس لا تقف عند حد بل تروم من اللذات ما لا منتهى له، كلما حصل لها غرض برد عندها وطلبت سواه، فيفنى العمر، ويضعف البدن، ويقع النقص، ويرق الجاه، ولا يحصل المراد. وليس في الدنيا أبله ممن يطلب النهاية في لذات الدنيا، وليس في الدنيا، على الحقيقة لذة، إنما هي راحة من مؤلم. فالسعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها ومالت إليه، وعلم سترها ودينها، أن يعقد الخنصر على صحبتها. وأكثر أسباب دوام محبتها ألا يطلق بصره، فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه في غيرها، فإن الطمع في الجديد ينغص الخلق وينقص المخالطة، ويستر عيوب الخارج، فتميل النفس إلى المشاهد الغريب، ويتكدر العيش مع الحاضر القريب، كما قال الشاعر:
والمرء ما دام ذا عين يقلبها = في أعين الحور موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته = لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
ثم تصير الثانية كالأولى، وتطلب النفس ثالثة وليس لهذا آخر، بل الغض عن المشتهيات، ويأس النفوس من طلب المستحسنات، يطيب العيش مع المعاشر. ومن لم يقبل هذا النصح تعثر في طرق الهوى وهلك على البارد، وربما سعى لنفسه في الهلاك العاجل، أو في العار الحاضر، فإن كثيرا من المستحسنات لسن بصينات ولا يفي التمتع بهن بالعار الحاصل. ومنهن المبذرات في المال، ومنهن المبغضة للزوج وهو يحبها كعابد صنم. وأبله البله الشيخ الذي يطلب صبيه... ولعمري إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا، كما قال القائل: فقلت بنفسي النساء الصغار ومتى تكن الصبية بالغة لم يكمل الاستمتاع، فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع، والشيخ لا يقدر. فإن حمل على نفسه لم يبلغ مرادها، وهلك سريعا. ولا ينبغي أن يغتر بشهوته الجماع، فإن شهوته كالفجر الكاذب. وقد رأينا شيخنا اشترى جارية فبات معها فانقلب عنها ميتا. وكان في المارستان شاب قد بقى شهرين بالقيام، فدخلت عليه زوجته فوطئها فانقلب عنها ميتا. فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم، والمنى، فإذا فرغا ولم تجد ما تعتمد عليه ذهبت. وإن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطء فهي لا تقنع فتصير كالعدو له. فربما غلبها الهوى ففجرت أو احتالت على قتله، خصوصا الجواري اللواتي أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك، ففيهن قسوة القلب. وقبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء، فإن اتفق معه صاحبة دين قبل ذلك فليرع لها معاشرتها وليتم نقصه عندها تارة بالإنفاق، وتارة بحسن الخلق. وليزد في تعريفها أحوال الصالحات والزهدات، وليكثر من ذكر القيامة وذم الدنيا وليعرض بذكر محبة العرب، فإنهم كانوا يعشقون ولا يرون وطء المعشوق، كما قال قائلهم:
إنما الحب قبلة وغمز كف وعضد
إنما العشق هكذا إن نكبح الحب فسد
فإن قدر أن يشغلها بحمل، أو ولد عرقلها به، فاستبقى قوته في مدة اشتغالتها بذلك. فإن وطىء فليصبر عن الإنزال حفظا لقوته وقضاء لحقها. وقد قيل لبشر: لم لم تتزوج؟ فقال: على ماذا أغر مسلمة، وقد قال الله عز وجل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. والمسكين من دخل في أمر لم يتلمح عواقبه قبل الدخول، ورأى حبة الفخ فبادر طالبا لها ناسيا تعرقل الجناح والذبح. مجموع ما قد بسطته حفظ البصر عن الإطلاق، ويأس النفس عن التحصيل، قنوعا بالحاصل، خصوصا من قد علت سنه، وعلم أن الصبية عدوة له متمنية هلاكه، وهو يربيها لغيره. وفي بعض ما ذكرته ما يردع العاقل عن التعرض لهذه الآفات. نسأل الله عز وجل توفيقا من فضله وعملا بمقتضى العقل والشرع، إنه مجيب قريب.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها = في أعين الحور موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته = لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
ثم تصير الثانية كالأولى، وتطلب النفس ثالثة وليس لهذا آخر، بل الغض عن المشتهيات، ويأس النفوس من طلب المستحسنات، يطيب العيش مع المعاشر. ومن لم يقبل هذا النصح تعثر في طرق الهوى وهلك على البارد، وربما سعى لنفسه في الهلاك العاجل، أو في العار الحاضر، فإن كثيرا من المستحسنات لسن بصينات ولا يفي التمتع بهن بالعار الحاصل. ومنهن المبذرات في المال، ومنهن المبغضة للزوج وهو يحبها كعابد صنم. وأبله البله الشيخ الذي يطلب صبيه... ولعمري إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا، كما قال القائل: فقلت بنفسي النساء الصغار ومتى تكن الصبية بالغة لم يكمل الاستمتاع، فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع، والشيخ لا يقدر. فإن حمل على نفسه لم يبلغ مرادها، وهلك سريعا. ولا ينبغي أن يغتر بشهوته الجماع، فإن شهوته كالفجر الكاذب. وقد رأينا شيخنا اشترى جارية فبات معها فانقلب عنها ميتا. وكان في المارستان شاب قد بقى شهرين بالقيام، فدخلت عليه زوجته فوطئها فانقلب عنها ميتا. فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم، والمنى، فإذا فرغا ولم تجد ما تعتمد عليه ذهبت. وإن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطء فهي لا تقنع فتصير كالعدو له. فربما غلبها الهوى ففجرت أو احتالت على قتله، خصوصا الجواري اللواتي أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك، ففيهن قسوة القلب. وقبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء، فإن اتفق معه صاحبة دين قبل ذلك فليرع لها معاشرتها وليتم نقصه عندها تارة بالإنفاق، وتارة بحسن الخلق. وليزد في تعريفها أحوال الصالحات والزهدات، وليكثر من ذكر القيامة وذم الدنيا وليعرض بذكر محبة العرب، فإنهم كانوا يعشقون ولا يرون وطء المعشوق، كما قال قائلهم:
إنما الحب قبلة وغمز كف وعضد
إنما العشق هكذا إن نكبح الحب فسد
فإن قدر أن يشغلها بحمل، أو ولد عرقلها به، فاستبقى قوته في مدة اشتغالتها بذلك. فإن وطىء فليصبر عن الإنزال حفظا لقوته وقضاء لحقها. وقد قيل لبشر: لم لم تتزوج؟ فقال: على ماذا أغر مسلمة، وقد قال الله عز وجل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. والمسكين من دخل في أمر لم يتلمح عواقبه قبل الدخول، ورأى حبة الفخ فبادر طالبا لها ناسيا تعرقل الجناح والذبح. مجموع ما قد بسطته حفظ البصر عن الإطلاق، ويأس النفس عن التحصيل، قنوعا بالحاصل، خصوصا من قد علت سنه، وعلم أن الصبية عدوة له متمنية هلاكه، وهو يربيها لغيره. وفي بعض ما ذكرته ما يردع العاقل عن التعرض لهذه الآفات. نسأل الله عز وجل توفيقا من فضله وعملا بمقتضى العقل والشرع، إنه مجيب قريب.