جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي - نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

(296 - بَاب النِّكَاح)

قَالَ الْمفضل: أصل النِّكَاح: الْجِمَاع. ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى قيل للْعقد: النِّكَاح. وَقَالَ أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب: الَّذِي حصلناه عَن ثَعْلَب عَن الْكُوفِيّين والمبرد عَن الْبَصرِيين أَن النِّكَاح فِي أصل اللُّغَة اسْم للْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ وَقد سموا الْوَطْء نَفسه نِكَاحا من غير عقد قَالَ الْأَعْشَى: -
(ومنكوحة غير ممهورة ... وَأُخْرَى يُقَال لَهُ فادها)

يَعْنِي: المسبية الْمَوْطُوءَة بِغَيْر مهر وَلَا عقد. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: وَقد يُطلق اسْم النِّكَاح على العقد قَالَ الله تَعَالَى: {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} ، وَالْمرَاد بِهِ العقد دون الْوَطْء إِلَّا أَنه حَقِيقَة فِي الْوَطْء، مجَاز فِي العقد. وَإِنَّمَا سمي العقد نِكَاحا لِأَنَّهُ سَبَب يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْوَطْء. وَقد يُسمى الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مجاورا لَهُ أَو بَينهمَا سَبَب. كَمَا تسمى الشَّاة الَّتِي تذبح عَن الصَّبِي عقيقة وَإِنَّمَا الْعَقِيقَة اسْم الشّعْر الَّذِي على رَأسه. وَتسَمى المزادة راوية وَإِنَّمَا الراوية الْجمل. وَمَا يكون من الْإِنْسَان غائطا وَإِنَّمَا الْغَائِط الْمَكَان المطمئن.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن النِّكَاح فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: العقد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} ، وفيهَا: {فانكحوهن بِإِذن أهلهن} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} .
وَالثَّانِي: الْوَطْء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (128 / أ) فِي الْبَقَرَة: {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} .
وَالثَّالِث: العقد وَالْوَطْء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} .
وَالرَّابِع: الْحلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاء: {وابتلوا الينامى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} .
وَالْخَامِس: الْمهْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا} . وَقد ألحق بَعضهم وَجها سادسا. فَقَالَ: وَالنِّكَاح: الْقبُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} .



* نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: محمد عبد الكريم كاظم الراضي


17155172_1706239549392042_8979545324241907706_n.jpg
 
أعلى