نقوس المهدي
كاتب
كان أخر لقاء لهما قريبا من الفندق الذي تقيم به , في احد الصباحات الباردة من موجات فبراير القار سه .. لم يشعر لحظتئذ بالبرد , فيده المحاطة بكفيها الناعمتين , تدفئانه وتزرعان فيه أحاسيسا لا أول لها ولا آخر ..... كان قد اتصل بها من محمولة وجلس ينتظرها على احد "البنشات" المطلة على مشتل ناهض عند شفة النيل .... ما أن جاءت وجلست قربه حتى تشتتت أفكارهما , وضاع كل ما أعداه من كلام , ليبقى الصمت فقط معبأ بالدلالات و محاصرا بالرموز التي تفوق احتمال المكان ! .. وعندما ابتعدا في اتجاهين متعاكسين .. توقف بتابعها ببصره وهى تنأى حتى غابت عند مدخل الفندق دون أن تلتفت ... في التليفون قال لها الحكمة الاميريكية : go on فهمست بما تسرب إلى رئة المكان ليتنفس أشجانه في زفرة ملتهبة ! ...
وهو في الطريق إلى شقته الصغيرة في الجيزة , اتصل بها في المطار .. لم يتمكن من الوصول إليها .. كانت طائرتها قد أقلعت , تحملها إلى منفاها البعيد , مخلفة وراءها رائحتها وملامحها في كل شيء حوله ......
كانت ميمي قد جاءت بعد حنين طال , محملة بالبشارات كأنشودات خريفية يانعة , وكوعد خصبه زمن غامض . فخص به مكانا اشد غموضا ... بحث عنها في الزحام حيث تنتظره عند محطة المترو , يتفاعل فيها الشوق والحنين والترقب , ليعطى انتظارها معنى كونيا عبقا ومتحفزا .. طعما متوترا برائحة القلق الخرافي , فلا تستشعر القادمين والذاهبين .. المارة والباعة المتجولين ... رغم تفرسها في الوجوه الموسومة بالضجيج والفوضى والارتباك ... تبحث في هذا الركام عن وجهه الأليف .. وجهه الذي تركته خلفها في الخطابات والصور والرسائل الاليكترونية ... وجهه الخارج من الصمت إلى الصمت ... أمامها . .. حمله طيفها . عله يخرج من الزحام فجاه مبتلا بالوعد والمواعيد ........
في غرفتها بالفندق تلمست ذكرياتها القادمة .. تحسست مشاعرها وهى تلقى ببصرها على النيل المتململ أقصى حدود الشتاء , نافذة لحب يحيا في الأزل , نافذة تدخل فيها عروس النيل إلى عرش الخصوبة . يحملها الملائكة الكروبيين . لتدفىء الجنة بالشجن . وتأخذ من عذوبتها .... تنسج على الكورنيش الممتد كأفعوان وأفعى للربيع جلدا جديدا لهما وهما يمارسان لعبة الحياة ة الموت :الخصوبة ..........
نضت عنها ترقبها وهى تضغط أزرار هاتفها الانثوى الصغير :
- لقد وصلت بطائرة المساء.
- واحشانى موت..
القاهرة مدينه غريبة عليها , لأول مرة تطأها ........غامضة ومجهولة كما تخيلتها .. حية ومربكة ومرتبكة كما تراها الآن !..يربكها انتظارها له بهذه المحطة . تربكها معاكسات المراهقين , ونظراتهم المتسللة إلى كنوزها .. كنوزه .. يربكها دفئه الذي يحاصر كل ذرة بكيانها ... تربكها كل التفاصيل : الترقب . الحذر . !..... كانت اشد توترا منه , عندما اتصل بها أكثر من ثلاث مرات على الموبايل يسألها أن تحدد موقعها بالضبط .." في أى مدخل من مداخل المترو يا ميمي ؟ " هرول بين المداخل المتباعدة لمحطة السادات عدة مرات
لم ينم اثر مها تفتها له .... ظل منتظرا هذه اللحظة التي اشتاقها منذ وقت طويل , وهو يستعيد المكالمات الطويلة منذ الصيف لماضي , عن الذي جرى معها ومعه ..عن الغربة وحكايا الليالي الطويلة .. عن الحنين إلى و طن في الدفء .. عن دف في ليال الشتاء الباردة..
في السادسة صباحا بالضبط أزال لحيته , وغسل عنه اثر الخمر والنيكوتين .. اعد لنفسه قهوة ثقيلة . ارتشفها بتوتر وهو يلاحق عقارب الساعة التي تمضى في اتئاد . وينقل بصره بينها وبين سماعة الهاتف إلى أن جاءه صوتها في الجانب الأخر :
- أنا مستعدة للخروج .
- انتظريني في السادات .
تعطر بعطره المميز وخرج .....
أحبها كما لم يحب من قبل حاصرته بدفئها وعذوبتها وهدت كل القلاع التي يحتمي بها ... دهمته خارجة من تلا فيف ماض حميم , التقيا فيه بهدوء وعلى مفترقه مضيا في صمت جارح ..... لكنهما ظلا موسومين , بذاكرة الجروح الحية . المتجددة كشجن ممتد وحنين لا يطويه الزمان ولا المكان .....كالمطلق خارج التحولات ...........خارج التغيير ......ففي المنتهى يتبديا كروح نبي زاهد , يرتقى مدا رج المحبة والسلام وهو يحبهما في حميمية وتؤدة ..
اقتنصتها عيناه من بعيد عند مدخل المترو .. كآلهة يونانية تبدت ميمي عن سحرها العميق ذاته, وكاثنين محملين بحنين الأرض لأشواق السماء . احتضنها بقوة دون أن يأبها للزحام !.. كانا حاضرين في الغياب غائبين في الحضور..وكالمغيبين في إغماء طويل , لم يستشعرا النظرات الدهشة للناس الذين التفوا حولهما ..........
سحبها من يدها إلى داخل المترو .. كادت المحطة تفوتهما ..........كانا هائمين في .. في فضاء هيولى شفاف , يؤدى إلى الأرخبيل الذي بداخلهما ...
بشقته الصغيرة في الأندلس أجلسها على حجره.. ناما بعد ذلك متصالبين ..يصلبان حرمانهما .. عجف الزمن .. جور الناس , وقسوة الحياة .. خواء الغربة وألم الذكريات... يصلبان أوجاعهما المقيمة في وجدانيهما المنهكين ..... اوجاعهما الثاوية إلى عمق سحيق في الخلايا والعصب : ذاكرة لشجن أزلى وحنين مقيم كأسرار إلهية ومواجد نبوية راحلة في الأبدية " طوبى للغرباء ! " .. همس ... فتأوهت .. كانت نيرانهما تزداد اشتعالا ولا تخبو .. وكان ترقبهما لميقات رحيلها يشعل في القلب أشواقا لا تنضب , كالأتون .. اشتعلت الغرفة بالحميمية , بالتوتر , بالقلق . بالانصهار ..... لتتناثر بقايا صور فوتوغرافية توقف فيها الزمان عند لحظات نابضة بالوجد والمواجد .....................
* القاهرة / الجيزة
10..2. 2004
* أحمد محمد ضحية أحمد-السودان
وهو في الطريق إلى شقته الصغيرة في الجيزة , اتصل بها في المطار .. لم يتمكن من الوصول إليها .. كانت طائرتها قد أقلعت , تحملها إلى منفاها البعيد , مخلفة وراءها رائحتها وملامحها في كل شيء حوله ......
كانت ميمي قد جاءت بعد حنين طال , محملة بالبشارات كأنشودات خريفية يانعة , وكوعد خصبه زمن غامض . فخص به مكانا اشد غموضا ... بحث عنها في الزحام حيث تنتظره عند محطة المترو , يتفاعل فيها الشوق والحنين والترقب , ليعطى انتظارها معنى كونيا عبقا ومتحفزا .. طعما متوترا برائحة القلق الخرافي , فلا تستشعر القادمين والذاهبين .. المارة والباعة المتجولين ... رغم تفرسها في الوجوه الموسومة بالضجيج والفوضى والارتباك ... تبحث في هذا الركام عن وجهه الأليف .. وجهه الذي تركته خلفها في الخطابات والصور والرسائل الاليكترونية ... وجهه الخارج من الصمت إلى الصمت ... أمامها . .. حمله طيفها . عله يخرج من الزحام فجاه مبتلا بالوعد والمواعيد ........
في غرفتها بالفندق تلمست ذكرياتها القادمة .. تحسست مشاعرها وهى تلقى ببصرها على النيل المتململ أقصى حدود الشتاء , نافذة لحب يحيا في الأزل , نافذة تدخل فيها عروس النيل إلى عرش الخصوبة . يحملها الملائكة الكروبيين . لتدفىء الجنة بالشجن . وتأخذ من عذوبتها .... تنسج على الكورنيش الممتد كأفعوان وأفعى للربيع جلدا جديدا لهما وهما يمارسان لعبة الحياة ة الموت :الخصوبة ..........
نضت عنها ترقبها وهى تضغط أزرار هاتفها الانثوى الصغير :
- لقد وصلت بطائرة المساء.
- واحشانى موت..
القاهرة مدينه غريبة عليها , لأول مرة تطأها ........غامضة ومجهولة كما تخيلتها .. حية ومربكة ومرتبكة كما تراها الآن !..يربكها انتظارها له بهذه المحطة . تربكها معاكسات المراهقين , ونظراتهم المتسللة إلى كنوزها .. كنوزه .. يربكها دفئه الذي يحاصر كل ذرة بكيانها ... تربكها كل التفاصيل : الترقب . الحذر . !..... كانت اشد توترا منه , عندما اتصل بها أكثر من ثلاث مرات على الموبايل يسألها أن تحدد موقعها بالضبط .." في أى مدخل من مداخل المترو يا ميمي ؟ " هرول بين المداخل المتباعدة لمحطة السادات عدة مرات
لم ينم اثر مها تفتها له .... ظل منتظرا هذه اللحظة التي اشتاقها منذ وقت طويل , وهو يستعيد المكالمات الطويلة منذ الصيف لماضي , عن الذي جرى معها ومعه ..عن الغربة وحكايا الليالي الطويلة .. عن الحنين إلى و طن في الدفء .. عن دف في ليال الشتاء الباردة..
في السادسة صباحا بالضبط أزال لحيته , وغسل عنه اثر الخمر والنيكوتين .. اعد لنفسه قهوة ثقيلة . ارتشفها بتوتر وهو يلاحق عقارب الساعة التي تمضى في اتئاد . وينقل بصره بينها وبين سماعة الهاتف إلى أن جاءه صوتها في الجانب الأخر :
- أنا مستعدة للخروج .
- انتظريني في السادات .
تعطر بعطره المميز وخرج .....
أحبها كما لم يحب من قبل حاصرته بدفئها وعذوبتها وهدت كل القلاع التي يحتمي بها ... دهمته خارجة من تلا فيف ماض حميم , التقيا فيه بهدوء وعلى مفترقه مضيا في صمت جارح ..... لكنهما ظلا موسومين , بذاكرة الجروح الحية . المتجددة كشجن ممتد وحنين لا يطويه الزمان ولا المكان .....كالمطلق خارج التحولات ...........خارج التغيير ......ففي المنتهى يتبديا كروح نبي زاهد , يرتقى مدا رج المحبة والسلام وهو يحبهما في حميمية وتؤدة ..
اقتنصتها عيناه من بعيد عند مدخل المترو .. كآلهة يونانية تبدت ميمي عن سحرها العميق ذاته, وكاثنين محملين بحنين الأرض لأشواق السماء . احتضنها بقوة دون أن يأبها للزحام !.. كانا حاضرين في الغياب غائبين في الحضور..وكالمغيبين في إغماء طويل , لم يستشعرا النظرات الدهشة للناس الذين التفوا حولهما ..........
سحبها من يدها إلى داخل المترو .. كادت المحطة تفوتهما ..........كانا هائمين في .. في فضاء هيولى شفاف , يؤدى إلى الأرخبيل الذي بداخلهما ...
بشقته الصغيرة في الأندلس أجلسها على حجره.. ناما بعد ذلك متصالبين ..يصلبان حرمانهما .. عجف الزمن .. جور الناس , وقسوة الحياة .. خواء الغربة وألم الذكريات... يصلبان أوجاعهما المقيمة في وجدانيهما المنهكين ..... اوجاعهما الثاوية إلى عمق سحيق في الخلايا والعصب : ذاكرة لشجن أزلى وحنين مقيم كأسرار إلهية ومواجد نبوية راحلة في الأبدية " طوبى للغرباء ! " .. همس ... فتأوهت .. كانت نيرانهما تزداد اشتعالا ولا تخبو .. وكان ترقبهما لميقات رحيلها يشعل في القلب أشواقا لا تنضب , كالأتون .. اشتعلت الغرفة بالحميمية , بالتوتر , بالقلق . بالانصهار ..... لتتناثر بقايا صور فوتوغرافية توقف فيها الزمان عند لحظات نابضة بالوجد والمواجد .....................
* القاهرة / الجيزة
10..2. 2004
* أحمد محمد ضحية أحمد-السودان