محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي، أبو علي - حلية المحاضرة

أحسن ما قيل في حسن المحبوب في عين محبه

1486 أجمع فرسان الشعر، والعلماء بسرائر الكلام، أن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول عمر بن أبي ربيعة [خفيف] :

زعموها سألت جاراتها ... وتعرت يوم حر شديد
أكما ينعتني تبصرنني ... عمركن الله، أم لا يقتصد
فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين من تود
حسداً حملنه من أجلها ... وقديما كان في الناس الحسد

1487 وقد ردد عمر هذا المعنى في أبيات تشكك فيها شكاً، هو أصح عنده من اليقين. فقال [طويل] :

خرجت غداة النفر أعترض الدمى ... فلم أر أحلى منك في العين والقلب
فو الله ما أدري أحسن رزقته ... أم الحب أعمى كالذي قيل في الحب

1488 ثم تبعه مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري فقال [خفيف] :

أمغطى مني على بصري في ال ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا
أيها العاذل الذي لام فيها ... لو سلمت الذي بنا لم تلمنا

1489 ومن ترجيح الشك في هذا المعنى قول بشر بن عقبة الفزاري [طوزيل] :

رأيتك فقت الناس يا أم مالك ... يجمله حسن أخرست من يعينها
فو الله ما أدري أأنت كما أرى ... أم العين مزهو إليها حبيبها

1490 ومن ترجيح الشك في هذا المعنى قول الآخر [طويل] :

وما الشمس يوم الدجن لا حت فأشرقت ... ولا البدر وافى أسعدا ليلة البدر
بأحسن منها، بل تزيد ملاحة ... على ذاك ور أي المحب؟! فلا أدري

1491 وقد رجح الشك رجل من قيس ترجيحة زاد فيها عمن تقدمه، فقال [طويل] :

حفت بصحراء الحجون وناقتي ... لها بين قاع الأحثيين حنين
غموساً لقد فضلت في الحسن غبطة ... على الناس أوفى من هواك جنون
وهذا معنى يستملح بعض الناس، ويأباه آخرون.

1492 فأما المكروه عند كل أحد من هذا النوع فقول ابن ميادة [طويل] :

تساهم ثوباها ففي الدرع رأدة ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل
فو الله ما أدري أزيدت ملاحة ... على سائر النسوان أم ليس لي عقل
فهذه عبارة جافية.

1493 وقد أحسن إبراهيم بن المهدي في هذا المعنى، وإن كان في غير هذه الطريقة. فقال [بسيط] :

مالي رأيتك تحبوني وتبعدني ... وأنت مني مكان السمع والبصر
والله ما نظرت عيني شبيهك في ... حسن وظرف، وما حانيت بالنظر

1494 وأحسن ابن أبي الزوائد كل الإحسان بقوله [منسرح] :
فضلها الحسن في العيون فما ... تصرف عنها اللحاظ والنظر
وتخشع الشمس في النهار لها ... حين تراها ويخشع القمر
معرفة أنها تفوقهما ... في الحسن في عين من له بصر
أحسن ما قيل في حب الكبار

1495 فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدينه محمد بن يحيى قال أنشدنا تعلب [طويل] :

أبى القلب إلا أم عمرو وحبها ... عجوزاً، ومن يحبب عجوزاً يفند
كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورفعته ما شئت في العين واليد

1496 وأنشدنا، قال أنشدنا علي بن الصباح قال أنشدنا أبو ملحم المرار بن سعد [بسيط] :

قصرت يومكما ببيض بدن ... نجل العيون نواعم لم تبئس
يوم ارتمت قلبي بأسهم لحظها ... أم الوليد في فناء عنس
من بعد ما لبست ملياً حسنها ... وكأن روع جمالها لم يلبس
بيضاء مطعمة الملاحة مثلها ... لهو الجليس ومنية المتفرس

1497وأول من نطق بحب الكبار، امرؤ القيس. بقوله [طويل] :

ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
إذا ما بكى من خلفها قدمت له ... بشق وتحتي شقها لم يحول

1498 وكان شاب من الأعراب مفلساً [ومتزوجاً] بامرأة شابة، ولا يجد-لفقره- فتزوج موسرة فقال [طويل] :

إذا فاتك.... فانتقل ... برحلك واخلطه برحل عجوز
عجوز لها مال تعيش بفضله ... وألوان وشي فاخر وحزوز

1499 وملح الآخر في هذا المعنى بقوله [وافر] :

رأيت البيض قد أعرضن عني ... فخير لي أن تساعدني عجوز
كأن مجامع اللحيين منها ... إذا حركت عن العرنين كوز

1500 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا الحسن بن إسحاق قال "عشقت عجوز شاباً، وعشق الشاب شابة. وكان يداري العجوز، ليأخذ منها ما ينفقه على الشابة. فيقول [وافر] :

صبرت على المساءة طول يومي ... لأقضي في غد حق السرور
أعالج قبل حلو العيش مراً ... ليسلمني العسير إلى اليسير
وطلبته العجوز يوماً، وكان عند الشابة، فلما جاءه رسولها، قال له: قل لها [خفيف] :
ليس بيني وبين تيس عتاب ... غير طعن الكلا وضرب الرقاب
قال: "فلما بلغها الرسول قوله. قالت: قل له: (يا أرعن! فهل يريد تيس إلا طعن الكلا؟ فصر إليها!) ".

1501 ومن الغلو في وصف الكبيرة بالحسن. والزيادة في الجمال على تقادم السن قول ذي الرمة [طويل] :

لقد أرسلت خرقاء نحوي جريتها ... لتجعلني خرقاء فيمن أضلت
وخرقاء لا تزداد إلا ملاحة ... وإن عمرت تعمير نوح وملت
كأن الحميا خالطتها سلافة ... على شفتي خرقاء باتت وظلت

1502 ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى ما أنشدنيه محمد بن يحيى قال أنشدني ميمون بن هرون عن إسحاق [طويل] :

وعلقت ليلى وهي ذات موصد ... ترد علينا بالعشي المراميا
فشب بنو ليلى وشب بنو ابنها ... وهاذي دواعي حب ليلى كماهيا

1503 أخذ هذا البيت الثاني ابن المعتز، فقال [مجزؤ الخفيف] :

من معيني على السهر ... وعلى الحب والفكر
وابلاي من شادن ... كبر الحب إذ كبر
أحسن ما قيل في حب الصغار

1504 أول من تنازع هذا المعنى كثر، و (نصيبا) ما كثير، فقال [طويل] :

وعلقتها بين الجواري صغيرة ... وما حليت إلا الجمان المنظما
إلى أن دعت بالدرع قبل لداتها ... وكانت إلى مثليه أبهى وأعظما
وأما نصيب فملح بقوله [وافر] :
ولولا أن يقال: صبا نصيب ... لقلت لنفسي: النساء الصغار
بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار

1505 وقال الآخر وملح، فأنشد، وهو من المشهور أيضاً [طويل] :

ولقت ليلى وهي ذات موصد ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم، يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

1506 وقال أعرابي في صغيرة، وعده أبوها أبوها أن يزوجها منه. وملح ما شاء [رجز] :

أعلقني بعشقها أبوها ... مليحة العينين عذب فوها
قليلة الأيام إن عدوها ... لا تحسن السب إذا سبوها

1507 ومما يجري هذا المجرى، في عذوبة اللفظ، وحلاوة التغزل قول الآخر [مجزؤ كامل] :

إني بليت بطفلة ... هيفاء جائلة الوشاح
ومليحة، يا ويلتا ... ماذا لقيت من الملاح
ما جاز عشراً سنها ... بيضاء كالقمر اللياح

1508 ومن البديع قول عوف بن ملحم الخزاعي [مجزؤ كامل] :

وصغيرة علقها ... كانت من الفتن الكبار
كالر إلا أنها ... تبقي على ضوء النهار

1509 وأنشدني علي بن هرون قال أنشدني أبي، لبشار بن برد، في اعابيثه [رمل] :

عجبت فطمة من نعتي لها ... هل يجيد النعت مكفوف البصر
بنت عشر وثلاث قسمت ... بين غصن وكثيب وقمر
أذرت الدمع وصاحت ويلتا ... من ولوع الكف ركاب الخطر
إخوتي، بدد هذا، لعبي ... ووشاحي حله حتى انتثر
بأبي، والله ما أحسنه ... دمع عيني يغسل الكحل قطر
أيها النوام هبوا ويحكم ... وسلوني اليوم ما طعم السهر

1510 فاحتذى هذه الأبيات محمد بن مناذر الصبيتري فقال [مجزؤ رجز] :

قد جد بي، في لعب ... ذو راحة من تعب
جسم من الفضة، قد ... أشرب ماء الذهب
جارية صغيرة ... مشغولة باللعب
صاحت وقد روعتها ... بقبلة واحرربي
أنت وربي يا فتى ... تريد أن تصنع بي
إياك لا يدعو عليا ... ك الله أمي، وأبي
فلم أزل أختلها ... حتى علوت مركبي
وهي كغصن الر ... يح به، مضطرب
تجود عيناها بجا ... ري دمعها المنسكب

1511 أنشدني أبو بكر أحمد بن محمد السرخسي قال أنشدني أحمد بن يوسف قال أنشدني أبي، قال أنشدني أبو نواس لنفسه [خفيف] :

حين أوفى على ثلاث وعشر ... لم يطل عهد أذنه بالشنوف
فيه غنت الصبا تعتليها ... بحة الاحتلام للتزييف
حين رام النساء منه بعين ... وطوى أختها من التخويف

1512 أنشدني محمد بن يحيى قال أنشدني عبيد الله بن الحسين لنفسه [سريع] :

جارية أشغلها اللعب ... عما يلاقي الهائم الصب
شكوت ما ألقاه من حبيا ... ها، فأقبلت تسأل ما الحب

1513 ومن مليح ما قاله المحثون قول عبد الله بن المعتز [بسيط] :

آلان زاد علي عشر بواحدة ... وزاد أخرى، وشاب الحب بالخدع
وجاوب اللحظ منه لحظ عاشقه ... وجرر الوعد بين اليأس والطمع
قد كان غراً بقتلي ليس يهنأه ... فاليوم يبدع في قتلي على البدع

الفصل التاسع في السابق والمصلي

1514 ومما سبق إليه امرؤ القيس، ولتبعه الناس فيه، قوله [طويل] :

ظللت ردائي فوق رأس قاعداً ... أعد الحصى ما تنقضي عبراتي
1515- فأخذه النابغة فقال [طويل] :

يخططن بالعيدان في كل موضع ... ويخبأن رمان الثدي النواهد

1516 فقال الآخر [طويل] :

عشية مالي قصة غير أنني ... بلفظ الحصى والخط في الدار مولع
أخط وأمحو تارة وأعيده ... بكفي والغربان في الدار وقع

1517 وينظر إلى هذا قول كعب بن جعيل [كامل] :

لا ينكثون الأرض عند شؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يبسطون جوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان

1518 وقال أبو عبيدة: "هو أول من (قيد الأوابد) ومن شبه الثغر بشوك السيال فقال [طويل] :

منابه مثل السدوس ولونه ... كشوك السيال وهو عذب يفيض
وهو أول من قال (وعادى عداء) فاتبعه الناس. وأول من شبه الحمار، وشبه الطلل بوحي الزبور.

1519 "ومما انفرد به قوله في العقاب [طويل] :

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

1520 وقوله [طويل] :

له أيطلا ظبي، وساقاً نعامة ... وارجل سرحان وتقريب تتفل
وقد تبعه الناس في هذا الوصف، واحتذوه. ولم يجمع لهم ما اجتمع له.

1521 فمن أشدهم إخفاء لسرقه المعذل في قوله [طويل] :
له قصر يا ريم وشد نعامة ... وسابقتا هين من الربد أربدا
فلم يصنع شيئاً. وتكف من القول ما كان غنياً عنه. ونقص أحد الأربعة المعاني

1522 قال ابن قتيبة: "النابغة الذبياني سبق الناس جميعاً في وصفه الثور إلى معنى لم يحسن فيه. وأحسن غيره فيه. فقال يذكره [بسيط] :

من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوى المصير كسيف الصقل الفرد

1523 فأخذه الطرماح. فأحسن وقال [كامل] :

يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على سيف يسل ويغمد
وكان الأصمعي يستحسن هذا البيت ويقدمه على ما قيل في معناه.

1524 وسبق الناس إلى قوله [طويل] :

على أن حجليها قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق
1525 ومما سبق إليه قوله في امرأة [كامل] :

لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الأله صرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشداً وإن لم يرشد

1526 فأخذه ربيعة بن مقروم فقال وأساء [كامل] :

لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة متتبل
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهم من تاموره بتنزل

1527 ومما سبق إليه فأخذ منه قوله في صفة المرأة. ونعتها بالطول [طويل] :

إذا ارتعشت خاف الجبان رعاثها ... ومن يتعلق حيث علق يفرق

1528 فأخذه ذو الرمة فقال [بسيط] :

والقرط في حرة الفرى معلقة ... تباعد الحبل منه فهو يضطرب

1529 قال أبو عبيدة: "ومما سبق إليه زهير بن أبي سلمى ولم ينازع فيه قوله [وافر] :

فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
يريد أن الحقوق إنما تصح بواحدة من هذه الثلاث: يمين، أو محاكمة، أو حجة واضحة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا أنشد هذا، تعجب من معرفته بمقاطع الحقوق.

1530ومما سبق إليه زهير، فأخذ منه قوله [بسيط] :

هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحياناً فيظلم
يقول: يسأل مالا يقدر عليه، فيتحمله.

1531 فأخذه كثير فقال [طويل] :

رأيت ليلى ابن ليلى يعترى صلب ماله ... مسائل شتى من غني ومصرم
مسائل إن توجد لديك تجدبها ... يداك، وإن تظلم بها تتظلم

1532 ومما سبق إليه زهير [طويل] :

فلما وردن الماء زرقا جمامة ... وضعن عصى الحاضر المتخيم

1533 فأخذه الطرماح فقال [طويل] :

فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عينا بالاياب المسافر

1534 فأخذه الآخر فقال [طويل] :

فألقت عصى التسيار عنها وخيمت ... بأرجاء عذب الماء بيض محافره

1535 وأحسن من هذا كله قول جرير [طويل] :

ولما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
1536 ومثل قوله "مات الهوى" قول ذي الرمة [طويل] :

كأن لم يكنها إذ أنت مرة ... بها ميت الأهواء مجتمع الشمل

1437 فقال مسلم بن الوليد [طويل] :

وليلة مات الشوق إلا بقية ... تداركها طيف ألم مسلما
جمعنا معاذير العتاب بزفرة ... مشت بيننا، نطوي الحديث المكتما

1538 ومما سبق إليه الأعشى فأخذ منه قوله [طويل] :

كأن نعام الدو، باض عليهم ... إذا ريع يوماً للصريخ المندد

1539 فأخذه زيد الخيل وقال [طويل] :

كأن نعام الدو، باض عليهم ... وأعينهم تحت الحديد خوازر

1540 فأخذه سلامة بن جندل فقال [طويل] :

كأن نعام الدو باض عليهم ... بنهى القذاف أو بنهى مخفق

1541 قال أبو عبيدة "ومما سبق إليه الأعشى قوله [طويل] :

وفي كل عام أنت جاشم غزوة ... تشد لأقصاها عزيم عزائكما
مؤرثة مالا وفي الأصل رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا"

1542 قال أبو عبيدة: "وأخذ النابغة وشرحه فقال [كامل] :

شعب العلافيات بين فروجهم ... والمحصنات عوازب الأطهار
1543 أخذه خداش بن زهير فقال [كامل] :

أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار

1544 فأخذه الأخطل فقال [بسيط] :

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار

1545 فأخذه الأخطل فقال [بسيط] :
إذا هم بالأعداء لم يثن عزمه ... حصان عليها لؤلؤ وشنوف

1546 فأخذه أشجع السلمي فقال [متقارب] :

إذا هم بالأمر لم يثنه ... هجوع ولا شادن أفرع

1547 فأخذه الحطيئة فقال-ويعزى لكثير-[طويل] :

إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... كعاب عليها نظم در يزينها

1548 ومما سبق إليه طرفة بن العبد فأخذ منه بعده، قوله [كامل] :

قد يبعث الأمر الكبير صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبب

1549 فأخذه بعضهم فقال [بسيط] :

والشر يبدؤه في الأصل أصغره ... وليس بصلى بنار الحرب جانيها

1550 فأخذه عدي بن زيد فقال [خفيف] :

شط وصل الذي تريدين مني ... وصغير الأمور يجني الكبيرا

1551 فأخذه الفرزدق فقال [طويل] :

قوارض تأتيني وتحتقرونها ... وقد تملأ القطر الإناء فيفعم

1552 فأخذه القطامي فقال [مجزؤ كامل] :

ولقد رأيت الشر بي ... ن القوم يبعثه صغاره
فلو أنهم يأسونه ... تنهنهت عنه كباره

1553 فقال شبيب بن البرصاء [طويل] :

وإني لتراك الضغينة قد أرى ... ثراها من المولى فلا أستثيرها

1554 فقال عبد اله بن معاوية [وافر] :

وإن محقرات القول تنمي ... فتحمل ذكرها القلص النواجي

1555 وقال يزيد بن الحكم [مجزؤ الكامل] :

إن الأمور دقيقها ... مما يهيج له العظيم

1556 وقال عقيل بن هشام [بسيط] :

فبينما الشر تزجيه أصاغره ... إذ شمرت فخمة شهباء تستعر
نعباً على من يداويها مطالعها ... عمياء ليس لها شمس، ولا قمر

1557 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال لم يسبق أحد طرفة إلى قوله [طويل] :

ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد

1558 قال: وقد قاربه مزاحم العقلبي في قوله [طويل] :

وجوه لو أن المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي
1559 ومما سبق إليه طرفة قوله [طويل] :

يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المغايل باليد
1560 فأخذه لبيد فقال [وافر] :

تشق خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال
1561 فأخذه الطرماح فقال [كامل] :

وغدا تشق يداه أوساط الربا ... قسم الفيال تشق أوسطه اليد
1562 ومما سبق إليه أيضاً قوله [رمل] :

ومكان زعل ظلمانه ... كالمخاض الجرب في اليوم الخصر
قد تبطنت وتحتي سرح ... تتقي الأرض بملثوم قعر
1563فأخذه عدي بن زيد فقال [رمل] :

ومكان زعل ظلمانه ... كرجال الحبش تمشي بالعمد
تبطنت وتحتي جسرة ... عبر أسفار كمخراق وحد
1564 فأخذه لبيد فقال [رمل] :

ومكان زعل ظلمانه ... كخريق الحبشين الزجل
قد تبطنت وتحتي جسرة ... حرج في مرفقيها كالفتل
1565 ومما سبق إليه أيضاً قوله [طويل] :

ولولا ثلاث هن من عشية الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكرى إذا نادى المضاف محنباً ... كسيد الغضى ذي الطخية المتورد
وتقصير يوم الضغن والدجن معجب ... ببهنكة تحت الطراف المعمد
1566 فأخذ هذه الأبيات عبد الله بن نهيك الأنصاري فقال [طويل] :

فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام رامس
فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كأن أخاها مطلع الشمس ناعس
ومنهن تجريد الكواعب كالدمى ... إذا ابتز عن أكفالهن الملابس
ومنهن تقريط الجواد عنانه ... إذا استبق الشخص الخفي الفوارس
1567 ومما سبق إليه قوله-وهو أول من طرد الخيال فقال-[طويل] :

فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
1568 أخذه جرير فقال [كامل] :

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... خير الزيارة فارجعي بسلام
1569 وطرفة أول من ذكر الأدرة بقوله [طويل] :

فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشراً أدرا
إذا جلسوا خيلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضعيب لها نذرا

1570 تبعه الجعدي في وصفها فقال [وافر] :

كذي داء بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجع من سقام
يضم ثيابه من غير برء ... على شعراء تنقض بالبهام
1571 علقمة بن عبدة. وله قصيدتان يقال لهما "سمطا الؤلؤ".
إحداهما قوله [بسيط] :
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... [أم حبلها إذ بأتك اليوم مصروم]
والأخرى قوله [طويل] :
طحا بك قلب في الحسان طروب ... [بعيد الشباب عصر حين مشيب]
1572 فمما سبق إليه قوله [مجزؤ البسيط] :

لو وصل الغيث أبنين امرءاً ... كانت له قبة سحق بجاد
يقول: لو وصل المطر، ووجدنا المياه، غزونا. قوله "أبنين امرءاً" يعني الخيل يقول: نغار عليه، فيؤخذ، فلا يجد إلا سحق بجاد. وهو الكساء يتخذه بيتا بعد أن كان ذاقبة. والسحق: الخلق.

1573 فأخذه النابغة فقال [طويل] :

فكانت له ربيعة يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السماء القبائل
1574 فأخذه الآخر فقال [طويل] :

وفي البقل إن لم يدفع الله سره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض
1575 وقال آخر [كامل] :

قوم إذا اخضرت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر
1576 ومثله [بسيط] :

تناهقون إذا اخضرت نعالكم ... وفي الحفيظة أبرام مضاجير
1577 ومثله قول الآخر [طويل] :

وقد جعل الوسمي ينبت بيننا ... وبين بني ردفان غيلاً وتوحصا
1578 أوس بن حجر. فمما سبق إليه قوله [منسرح] :

الألمعي الذي يظن بك الظن ... ن كأن قد رأى وقد سمعا
1579 فأخذه عدي بن الرقاع فقال [طويل] :

بصير بأعقاب الأمور برأيه ... كأن له في اليوم عيباً على غد
1580 فأخذه عروة بن الورد فقال [طويل] :

يبيت على خلق الرجال بأعظم ... خفاف تثنى تحتهن المفاصل
وقلب جلا عنه الشؤون فإن تشأ ... يخبرك بالأمر الذي أنت فاعل
1581 فأخذه الآخر فقال [طويل] :

وأبقى صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش سهم المرء طاشت مقادره
1582 فأخذه الآخر فقال [طويل] :

بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه
1583 ومما سبق إليه قوله في صفة جيش [طويل] :

ترى الأرض منا بالفضاء مريضة ... معضلة منا بجمع عرمرم
1584 فأخذه النابغة فجاء بمعناه في بيت واحد، وأحسن وزاد [كامل] :

جيش يظل له الفضاء معضلا ... يدر الاكام كأنهن صحارى
1585 وقالت الشعراء في نفار الناقة، فأكثرت، ولم تعد ذكر المهر المقرون بها، وابن آوى. فقال أوس بن حجر وزاد زيادة سبق إليها [بسيط] :

كأن هراً جنيبا عند غرضتها ... والتف ديك برجليها وخنزير
1586 الأفوه الأودي. فمما سبق إليه وأخذ منه قوله [رمل] :

وترى الطير على آثارنا ... رأى عين ثقة أن ستمار
1587 فأخذه النابغة فقال [طويل] :

جوانح قد أيقن أن قبيلة ... إذا لم التقى الجمعان أول غالب
1588 فأخذه حميد بن ثور فقال يصف ذئباً [طويل] :

إذا ما عدا يوما رأيت غيابة ... من الطير ينظرن الذي هو صانع
1589 فأخذه أبو نواس فقال [مديد] :

تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
1590 فأخذه مسلم فقال [بسيط] :
قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل
1591 المسيب بن علس. ومما سبق إليه فأخذ منه قوله [طويل] :
إذا حاجة ولتك لا تستطيعها ... فخذ طرفا من غيرها حين تسبق
فذلك أحرى أن تنال جسيمها ... وللقصد أبقى في المسير والحق
وقد روي هذان البيتان للأعشى في قصيدته القافية. فإن كانت الرواية صحيحة، فقد استلحقها الأعشى من المسبب.

1592 فأخذه عمرو بن معدي كرب فقال [وافر] :
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع

1593 فأخذه هدبة العذري فقال [طويل] :

إذا خفت شك الأمر فارم بعزمة ... غيابته يركب بك العزم مركبا
وإن حاجة سدت عليك وجوهها ... فإنك لاق لا محالة مذهبا

1594 فأخذ هذا الكميت فقال [طويل] :

إذا حاجة عزتك لا تستطيعها ... فدعها لأخرى لين لك بابها
1595 فاتبعه يحيى بن زياد فقال [كامل] :
وإذا توعر بعض ما تسعى له ... فاركب من الأمر الذي هو أسهل
1596 ومما سبق إليه قوله في صفة الناقة [كامل] :

مرحت يداها للنجاء كأنما ... تكرو بكفي لاعب في قاع
ويروى "تكرو بكفي ما قط في قاع". تكرو: تلعب بالكرة. والماقط: الذي يضرب بالكرة الحائط ثم يأخذها.

1597 فأخذ هذا الشماخ فقال وقصر، أتى به في بيتين [بسيط] :

كأن أوب يديها حين عاودها ... أوب المراح وقد هموا بترحال
مقط الكرين على مكنوسة زلف ... في ظهر حنانة النيرين معذال
1598 ومما سبق إليه فأخذ منه قوله [كامل] :

تامت فؤادك إذ عرضت لها ... حسن بعين الرأي ما تمق
بانت وصدع في الفؤاد بها ... صدع الزجاجة ليس يتفق
1599 فأخذ البيت الأول عمر بن أبي ربيعة فقال [رمل] :

فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين من تود

1600 وأخذ البيت الثاني الأعشى وجاء بالمعنى في بيتين [متقارب] :
فباتت وقد أوردت في الفؤا ... د، صدعا على نأيها مستطيرا
كصدع الزجاجة ما تستطيع ... كف الصناع له أن تحيرا


* حلية المحاضرة
المؤلف: محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي، أبو علي (المتوفى: 388هـ)



17308980_1723605500988780_5134132258419313806_n.jpg
 

المرفقات

  • boukeba.jpg
    boukeba.jpg
    4.8 KB · المشاهدات: 331
أعلى