محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

القَاضِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بالغزال الأديب الشَّاعِر ولد وَنَشَأ بصالحية دمشق وَقَرَأَ ودأب وَأخذ الحَدِيث عَن الشهَاب أَحْمد الوفائي وتأدب بالشيخ أَيُّوب الخلوتي قَرَأَ عَلَيْهِ ديوَان ابْن الفارض وَأخذ عَن غَيرهمَا وتعانى كِتَابَة الصكوك فِي محكمَة الصالحية ثمَّ ترك الْكِتَابَة وناب فِي الْقَضَاء بمحكمة الصالحية والعونية والميدان وَكَانَ شَاعِرًا حسن المطارحة لذيذ المصاحبة كثير المجون والمداعبة صَاحب نَوَادِر عَجِيبَة وحكايات مطربة وَلم يكن فِي عصره أَكثر رِوَايَة مِنْهُ للشعر وَلَا أحفظ مِنْهُ للوقائع وَقد وَصفته فَقلت فِي حَقه فَتى مداعبة ومجون طبعه بالخلاعة معجون إِذا تكلم ينت شفة فَهِيَ فِي حَقه سفه لَا يستفزه قيل وَقَالَ وكل عَثْرَة مِنْهُ تقال وَله جامعية بنان وَبَيَان هُوَ فِيهَا سفينة نوح أَو جَامع سُفْيَان إِلَّا أَنه كَانَ فِي شعره متكلفاً وَعَن أهل طبقته مُتَخَلِّفًا لِأَنَّهُ ينبو عَن السهل الْقَرِيب وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا المتنافر الْغَرِيب وَرُبمَا ندرت لَهُ أَبْيَات فِي مدام فَكَانَت كرمية من غير رام أسْتَغْفر الله نعم هُوَ فِي هجائه مجيد وَلَو بازدراء حجائه لعوب حَتَّى بيأسه ورجائه يطلع هزله جدّاً ويرهف حديدته حدّاً فمما استخرجته من حلوه وحامضه وألمعت فِيهِ بِأَمْر واضحه وغامضه قَوْله
(أضحى التصبر حبله مَقْطُوعًا ... لما رَأَيْت معذبي مَمْنُوعًا)
(وَحَدِيث وجدي مُسْندًا ومعنعناً ... أضحى لَدَيْهِ مُعَللا مَوْضُوعا)
(وفقدت قلبِي عِنْده وَأَظنهُ ... لبليتي قد سَاءَ فِيهِ صنيعا)
(فَغَدَوْت أنْشد واللهيب بمهجتي ... والبين جرّعني الأسى تجريعا)
(بِاللَّه يَا أهل الْهوى وبحقه ... لَا زَالَ قدركم بِهِ مَرْفُوعا)
(قُولُوا لمن سلب الْفُؤَاد مصحمحاً ... يمنن عليّ بردّه مصدوعا)
وَقَوله من الرباعيات
(يَا من ملكوا جوانحي مَعَ لبي ... مَا اعْتدت شكاية فحالي ينبي)
(لَا زلت مشاهداً بحالي تلفا ... إِن كَانَ سواكم ثوى فِي قلبِي)
وَقَوله أَيْضا
(الْقلب إِلَى سواكم مَا مَالا ... والدمع لغير بعدكم مَا سالا)
(إِن كَانَ حسودنا أَتَاكُم ووشى ... بِاللَّه بلطفكم دعوا مَا قَالَا)
وَمن أهاجيه الَّتِي هِيَ فروع أفاعيه قَوْله فِي إِسْمَاعِيل بن الجرشِي
(بِاللَّه قل لغليظ الطَّبْع مني مَا ... أنكرته من فلَان كي ترى عجبا)
(فَلم تَجِد غير أَنِّي لم أنكه لما ... قد عفته مِنْهُ قدماً كَانَ ذَا سَببا)
(وَلَو أجشمه أيري وأمنحه ... إِيَّاه مَا عدّ لي ذَنبا وَمَا رفبا)
(لكنني الْآن أكوي قرح فقحته ... بِنَار أيري وأرقى عِنْده الرتبا)
(أكلف النَّفس تغييراً لمذهبها ... قبلي كثير لهَذَا الْأَمر قد ذَهَبا)
(لَا سامح الله مأبوناً يكلفني ... بِغَيْر طبعي ويبغي غاسقاً وقبا)
(يَا أير قُمْ وادّرع وادخل حشاشته ... غازٍ وهات لنا أمعاءه سلبا)
(أوسعه رهزاً وإرجافاً بباطنه ... وَإِن عجزت فعوّض غَيْرك الخشبا)
(وَاحْذَرْ يفاجيك من جعص لَهُ بخر ... والطخه فِي وَجهه إِن دَار وانقلبا)
(فَعَنْهُ قد حدّثونا أَن عَادَته ... يخرى على الأير لَا حييى وَلَا ندبا)
وَأنْشد لَهُ بعض الأدباء قَوْله فِي إِسْمَاعِيل هَذَا
(يزْعم أَنِّي بالهجو أذكرهُ ... تعصباً مِنْهُ سَاعَة الْغَضَب)
(لكنني وَالطَّلَاق يلْزَمنِي ... مَا ملت فِيهِ يَوْمًا إِلَى اكذب)
(نكت ابْنه وَأُخْته وخالته ... ونكت قدماً أَخَاهُ وَهُوَ صبي)
(ناك أبي أمه وجدّته ... وعمتيه لله درّ أبي)
(فَنحْن فِي بَيت على دعة ... النيك مَا بَيْننَا إِلَى الركب)
ثمَّ ظَفرت بِهَذِهِ الأبيات فِي مَجْمُوع منسوبة لِابْنِ أبي الْأصْبع وَالظَّاهِر أَن الْغَزالِيّ كَانَ
يتَمَثَّل بهَا فنسبوها إِلَيْهِ وَقَالَ يهجو إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَكَانَ مُؤذنًا
(إِن الْجمال الجرشِي ... مثل الْمُغنِي الْقرشِي)
(يودّ من يسمعهُ ... لَو ابتلى بالطرش)
الْمُغنِي الْقرشِي مَعْرُوف يضْرب بِهِ الْمثل فِي رداءة الصَّوْت وَفِيه يَقُول المهلبي
(إِذا غناني الْقرشِي ... دَعَوْت الله بالطرش)
(وان أَبْصرت طلعته ... فيالهفي على العمش)
وَلابْن العميد فِيهِ
(اذا غناني الْقرشِي يَوْمًا ... وعناني بِرُؤْيَتِهِ وضربه)
(وددت لَو أَن أُذُنِي مثل عَيْني ... هُنَاكَ وَأَنِّي عَيْني مثل قلبه)
ولبعضهم فِي مُؤذن اسْمه قَاسم قَبِيح الصَّوْت هُوَ معنى جيد
(إِذا مَا صَاح قَاسم فِي الْمنَار ... بِصَوْت مُنكر شبه الْحمار)
(فكم سبابة فِي كل أذن ... وَكم سبابة فِي كل دَار)
وَكَانَت ولادَة الْغَزالِيّ فِي سنة ثَمَان بعد الْألف وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالسفح

***

الأديب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالمهتار الْمَكِّيّ الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور فِي الْحجاز
ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي تَرْجَمته شويعر بِذِي اللِّسَان كثير لاساءة قَلِيل الْإِحْسَان شعر وَمَا شعر فهذر وَلم يذر سمينه غث وجديده رث لَا يلتقي من مختاره طرفاه وَلَا يسمع رويته سامع إِلَّا قَالَ فض الله فَاه لم يزل يقذف الْأَعْرَاض بهجوه ويلفظ فوه بِمثل مَا تلفظ وجفاؤه من نجوه حَتَّى ألبسهُ الردى رِدَاءَهُ وطهر الله الْوُجُود من تِلْكَ الخباثة والرداءة وَلما هلك بَقِي يَوْمَيْنِ فِي بَيته لَا يعلم أحد بِمَوْتِهِ حَتَّى دلّ عَلَيْهِ نَتن رِيحه وَهُوَ جيفة فِي ضريحه وَلَقَد تصفحت ديوانه الَّذِي جمعه وليت من واراه التُّرَاب وَأرَاهُ مَعَه فَلم أر فِيهِ إِلَّا مَا تمجه الأسماع وتحقر أَلْفَاظه ومعانيه عَن السماع إِلَّا كَلِمَات كَادَت أَن تصفو من الشوائب وَمَعَ الخواطىء سهم صائب فَمِنْهُ قَوْله من قصيدة
(قف بالمعاهد من بشاء ملحوب ... شقي كاظمة فالجذع فاللوب)

(واستملح الْبَرْق أَن تخفى لوامعه ... على النقا إِن سقى حَيّ الأعاريب)

(يَا حبذا إِذْ بدا يفتر مُبْتَسِمًا ... أَعلَى التَّثْنِيَة من شم الشناخيب)

(والجو مضطرم الأحشاء تحسبه ... بردا أُصِيبَت حَوَاشِيه بألهوب)

(يَا بارقاً لَاحَ وَهنا من دِيَارهمْ ... كَأَنَّهُ حِين يلهو قلب مرعوب)

(أذكرتني معهداً كُنَّا بجيرته ... نستقصر الدَّهْر من حسن وَمن طيب)

(لم أنس بالنلعات الجون موقفنا ... وألحى مَا بَين تقويض وتطنييب)

(وَقد بدا الْعُيُون الصحب سرب ظبا ... حفت بظبى ببيض الْهِنْد مَحْجُوب)

(لم تبد تِلْكَ الدمى إِلَّا لسفك دمي ... وَلَا الْعَذَاب اللمى إِلَّا لتعذيبي)
وَقَوله من أُخْرَى
(أذكى بقلبي لاعج الأشجان ... برق أَضَاء على ربى نعْمَان)

(أجْرى مدامع مقلتي أورى زناد ... صبابتي أشجى فُؤَادِي العاني)

(مَا شاقتي إِلَّا لكَون وميضه ... بربى الْهوى ومعاهد الخلان)

(يَا برق جد بالدمع فِي أطلالهم ... عني فسح الدمع قد أعياني)

(لم أسأَل الأجفان سقى ربوعهم ... إِلَّا وجادت لي بأحمر قاني)

(واهالأيام العذيب إِذْ اللوى ... وطني وسكان الْحَيّ جيراني)

(اذ كنت طَوْعًا للهوى واللهوفى ... ظلّ الشبيبة ساحب الأردان)

(تشجيني الورقاء إِن صدحت على ... تِلْكَ الغصون بنغمة الألحان)

(ويشوقني بِأَن النقا وحلول واديه ... وَحسن الدَّار بالسكان)
وخمرياته مِنْهَا قَوْله
(أرح فُؤَادِي من الْعَذَاب ... بِالرَّاحِ والخرد الْعَذَاب)

(وعاطنيها عروس دن ... كالنار والعسجد الْمُذَاب)

(من كف لمياء إِن تبدت ... تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب)

(دعجاء بلجاء ذَات حسن ... لكل أهل الْعُقُول سابى)

(على رياض مدبجات ... حاكت رداها يَد السَّحَاب)

(بهَا القمارى مغردات ... على الأفانين والروابي)

(فبادر الْأنس يَا نديمي ... وقم إِلَى اللَّهْو والتصابي)

(أعْط رمان الشَّبَاب حظا ... فلذة الْعَيْش فِي الشَّبَاب)

(واجسر وَلَا تيأسن يَوْمًا ... من رَحْمَة الله فِي الْحساب)
وَقَوله
(قُم إِلَى بنت الكروم ... واسقنيها يَا نديمي)

(مَا ترى اللَّيْل تولى ... وانطفى ضوء النُّجُوم)

(وأضاء الصُّبْح مَا بَين ... تصاريف الغيوم)

(وبدا الطل على الأغصان ... كالعقد النظيم)

(وشدت قمرية الايك ... على الْغُصْن القويم)

(وسرت ريح الخزامى ... من ربى ظَبْي الصريم)

(فأدرها خمرة تنبي ... عَن الْعَصْر الْقَدِيم)

(واسقنيها لنزيل الْيَوْم ... عَن قلبِي همومي)

(هَاتِهَا إِلَى قهوة من ... عهد لُقْمَان الْحَكِيم)

(واملأ الكاسات إِنِّي ... فِي الصِّبَا غير ملوم)

(أَيهَا النَّفس تصابى ... ثمَّ فِي الْعِصْيَان هيمي)

(وَعَن الذل تولى ... ولى الْعِزّ أقيمى)

(واكثري الذَّنب فربي ... غَافِر الذَّنب الْعَظِيم)
وَله موجهاً بأسماء الْأَنْغَام
(سَلام الله من صب مشوق ... جريح الْقلب باكي المقلتين)

(على من حل قلبِي السويدا ... لعزته وَحل سَواد عَيْني)

(نأى بِالصبرِ لما بَان عني ... وخلفني سمير الفرقدين)

(فليت الركب قد وقفُوا قَلِيلا ... على العشاق يَوْم نوى الْحُسَيْن)
وَله من مقطوعاته قَوْله
(طِفْل من الْعَرَب أحوى ... خدن الصِّبَا والبطالة)

(بدا بِوَجْه كبدر ... فِي جيده الطوق هاله)
وَله مقتبسا فِي مليح فَقير الْحَال
(تصد وَكم تصدى مِنْك كف ... لمن لم يدر قدرك يَا مفدى)

(وصدك عَن أولى أدب وَأما ... من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى)
وَله قَوْله
(أسأَل الرَّحْمَن ذَا الْفضل ... لَهُ الْعَرْش رَبِّي)

(حسن نظم الأرجاني ... ثمَّ حَظّ المتنبي)
وَقَالَ مؤرخا أَيَّام ولَايَة الشريف نامي بن عبد الْمطلب
(تَأمل لدنياك الَّتِي بصروفها ... أبادت على ملك توطد سامي)

(بدا فأضا ثمَّ اعْتدى الْحق فانقضي ... فمده نامي مثل مُدَّة نامي)
قلت ونامي هَذَا ولي شرافة مَكَّة بالتغلب وَلم يقم إِلَّا مِقْدَار عدد حُرُوف اسْمه مائَة يَوْم وَيَوْم وشنق عصر يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَسَتَأْتِي تَرْجَمته وواقعته مفصلة وَله
(أَلا لَا تصحبن لمن تَعَالَى ... وَلَا تبد الوداد لمن جفاكا)

(وَلَا تَرَ للرِّجَال عَلَيْك حَقًا ... إِذا هم لم يرَوا لَك مثل ذاكا)
وَله
(كم ذَا أغمض عَيْني ثمَّ أفتحها ... والدهر مَا زَالَ وَالدُّنْيَا بحالتها)

(فليت شعري مَا معنى مقالتهم ... مَا بَين غمضة عين وانتباهتها)
وَله مضمنا
(وظبي رماني عَن قسى حواجب ... بأسهم لحظ جرحها فِي الْهوى غنم)

(على نَفسه فليبك من ضَاعَ عمره ... وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا نصيب وَلَا سهم)
قلت وشعره كَمَا رَأَيْت إِلَى الْإِحْسَان أقرب فَمَا أدرى أَي شَيْء أبعده وَلَيْسَ الدَّاعِي إِلَى مَا قَالَه ابْن مَعْصُوم إِلَّا التحامل وَالْغَرَض وَنحن نَنْظُر إِلَى الْجَوْهَر ونترك الْعرض وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ أَكثر المكيين شعرًا وَكَانَ مطلعا على أَمْثَال وأخبار كَثِيرَة وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مجاميع كَثِيرَة تدل على وفرة معلوماته وَكَانَ أدباء الْحجاز دَائِما يداعبونه ويمازحونه وَسبب خمول قدره فِيمَا بَينهم كَون أَبِيه مَمْلُوكا وَمِمَّا يستظرف فِي هَذَا المعرض

مَا حكى إِنَّه كَانَ فِي بعض الْمجَالِس فَدخل بعض الشُّعَرَاء الْكِبَار فَقَالَ المهتار جَاءَ امْرُؤ الْقَيْس بن حجر الْكِنْدِيّ فَقَالَ ذَلِك الشَّاعِر بديهة يلثم أَيدي طرفَة بن العَبْد وَمِمَّا رَأَيْته بِخَطِّهِ وَقد نسبه إِلَى نَفسه فِي تَشْبِيه الْحجر الْأسود قَوْله
(الْحجر الْأسود شبهته ... خالاً نجد الْبَيْت زَاد سناه)

(أَو أَنه بعض موَالِي بني الْعَبَّاس ... بواب لباب الْإِلَه)
وَله فِي قناديل المطاف
(تراءت قناديل المطاف لنا ظرى ... على الْبعد والظلماء ذَات تناهى)

(كدائرة من خَالص التبر وَسطهَا ... فتيتة مسك وَهِي بَيت الهي)
وَله فِي المناير فِي ليَالِي رَمَضَان
(كَأَن المناير إِذْ أسرجت ... قناديلها فِي دياجي الظلام)

(عرائس قَامَت عَلَيْهَا الحلى ... لتنظر بَيت إِلَه الْأَنَام)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الْأَرْبَعين وَألف بِقَلِيل وَالله تَعَالَى أعلم
إِبْرَاهِيم باشا الْمَعْرُوف بدالي إِبْرَاهِيم أحد وزراء دولة السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ذكره الْحسن البوريني فِي تَارِيخه فَقَالَ فِي تَرْجَمته هُوَ على مَا بَلغنِي فِي الأَصْل من طَائِفَة الأرمن وَدخل هُوَ وَأَخُوهُ وَأُخْته إِلَى دَار السلطنة فخدموا وَأَخُوهُ اسْمه مَحْمُود وَلم يزل إِبْرَاهِيم من لدن دُخُوله فِي خدمَة السلطنة يتقلب فِي الولايات حَتَّى صَار أَمِير الْأُمَرَاء فِي ديار بكر بأسرها ففتك فِيهَا وظلم أَهلهَا وَأظْهر من أَنْوَاع الظُّلم أَشْيَاء مستكرهة جدا مِنْهَا أَنه كلما سمع بِامْرَأَة حسناء اجْتهد على الِاجْتِمَاع بهَا بِأَيّ طَرِيق أمكن وَكَانَ لَهُ فِي ديار بكر رجل يُقَال لَهُ رَجَب وَكَانَ من التُّجَّار كثير الْأَمْوَال إِلَى الْغَايَة فَجعله أَبَاهُ وَهُوَ ابْنه فَبَيْنَمَا رَجَب فِي بَيته إِذْ بقائل يَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم باشا على الْبَاب يُرِيد الدُّخُول وَكَانَ ذَلِك لَيْلًا فارتعدت فرائصه لذَلِك فَخرج إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قد اقتحم الْبَيْت فبهت رَجَب لذَلِك فَقَالَ يَا أَبَت أُرِيد أَن أنظر أخواتي يَعْنِي بَنَاته وَأُرِيد أَن تجْعَل لي حِصَّة من مَالك كَمَا جعلت لبَقيَّة إخوتي فَلم يزل يلاطفه حَتَّى أرضاه بِنَحْوِ خَمْسَة آلَاف من الذَّهَب الْأَحْمَر وَلم يزل بِهِ بعد ذَلِك حَتَّى قَتله وقطعه أَربع قطع وَفعل فِي ديار بكر الأفاعيل الْعَظِيمَة فَذهب غَالب أعيانها واشتكوا عَلَيْهِ للسُّلْطَان مُرَاد فَأمر أَن يُؤْتى بِهِ مُقَيّدا فَأتوا بِهِ كَذَلِك وَلما حضر إِلَى السدّة السُّلْطَانِيَّة أَمر السُّلْطَان أخصامه أَن يقفوا مَعَه فِي مجْلِس الشَّرْع فَمَا أطَاق أحد




* الكتاب: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
المؤلف: محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي الأصل، الدمشقي (المتوفى: 1111هـ)
 
أعلى