نقوس المهدي
كاتب
بعد مضيِّ عدَّة سنواتٍ علي التَّقسيم رأت حكومتا باكستان والهند ضرورة تبادل المجانين أيضًا، كما حدث مع المساجين. أَي إرسال المجانين المسلمين من مستشفيات الهند إلي باكستان، وتسليم مجانين الهندوس والسِّيخ الموجودين في مستشفيات باكستان إلي الهند.
لَمْ يكن معروفًا هَلْ كان هذا الأمر معقولًا أَمْ لا. وعلي أَيَّة حالٍ فإِنَّه طبقًا لقرارات الحكماء تَمَّ عقد المؤتمرات هنا وهناك علي مستويً عالٍ، وفي النِّهاية تحدَّد يومٌ لتبادل المجانين. تَمَّ الحصر بشكلٍ جيِّدٍ. فالمجنون المسلم الَّذي كان أقاربه موجودين بالفعل في الهند، سُمح له بالمكوث في الهند. ومَنْ تبقَّوا تَمَّ ترحيلهم صوب الحدود. ولأَنَّ جميع الهندوس والسِّيخ تقريبًا كانوا قَدْ رحلوا عن باكستان؛ لَمْ يخطر بالبال ترك أَيَّ شخصٍ. فتمَّ إرسال جميع المجانين من الهندوس والسِّيخ إلي الحدود في حراسة الشُّرطة. لا أعرف ما حدث هناك. ولكنْ هنا، عندما وصل خبر التَّبادل إلي مستشفي الأمراض العقليَّة في لاهور حدثت مفارقاتٌ عجيبةُ للغاية:
مجنونٌ مسلمٌ كان يقرأ يوميًا وبانتظام مجلة زميندار منذ اثني عشر عامًا عندما سأله أحد أصدقائه: " مولبي ساب الشَّيخ! ماذا تكون باكستان هذه؟" فأجاب بعد تفكيرٍ عميقٍ: "إِنَّها ذلك المكان في الهند، الَّذي تصنع فيه شفرات الحلاقة!" فاقتنع صديقه بعد سماعه الإجابة!!
وبالمثل سأل مجنونٌ سيخيٌ مجنونًا سيخيًّا آخر: " سردار جي ، لماذا يرسلوننا إلي الهند؟ فنحن لا نعرف لغتهم؟" فضحك الآخر: "أنا أعرف لغة الهندوس هؤلاء، إنهم يمشون في تكبُّرٍ بطريقةٍ شيطانيَّةٍ."
ذات يومٍ هتف أحد المجانين المسلمين وهو يستحمُّ: "تحيا باكستان." فسقط علي الأرض فاقدًا الوعي من قوَّة الهتاف!
كان يوجد أيضًا بعض المجانين الَّذين لَمْ يكونوا مختلِّين، إِنَّما كان أكثرهم من القتلة الَّذين أرسلهم أقاربهم إلي المستشفي بعد رشوة المسؤولين، حتَّي ينقذوهم من حبل المشنقة. وكان هؤلاء يفهمون قليلًا لماذا قسِّمت الهند، وما باكستان هذه. لكنَّهم لَمْ يكونوا علي علمٍ بحقيقة الأحداث. فلا يمكن معرفة شيءٍ من الصُّحف، أَوْ من الحرَّاس فقَدْ كانوا أُمِّيِّين جهلاء، لا يمكن أَنْ يصلوا إلي نتيجةٍ بالحديث معهم. كانوا يعلمون فقط أَنَّ هناك رجلاً اسمه محمد علي جناح، ويطلق عليه اسم القائد الأعظم. جعل للمسلمين دولةً مستقلَّة اسمها باكستان.
أين هي؟ وما مكانها؟ لم يكونوا يعرفون أَيَّ شيءٍ عنها. وهذا هو السَّبب في أَنَّ جميع المجانين في المستشفي، الَّذين لَمْ يفقدوا عقولهم تمامًا، كانوا أسري لهذا الاضطراب والتَّشويش، هَلْ هم في باكستان أَمْ في الهند؟! إِنْ كانوا في الهند فأين باكستان؟ وإِنْ كانوا في باكستان فكيف يمكن هذا؟ وهم قبل فترةٍ قصيرةٍ كانوا يعيشون ها هنا في الهند.
أحد المجانين وقع أسيرًا في دائرة باكستان والهند، والهند وباكستان هذه حتَّي ازداد جنونه، وفي يومٍ كان يكنس المكان، فصعد علي شجرةٍ، وجلس علي فرعٍ منها، وظلَّ يتحدَّث لمدَّة ساعتين متواصلتين عن قضيَّة الهند وباكستان الحسَّاسة هذه. وكُلَّما أمره الحراس بالنُّزول، صعد إلي أعلي أكثر. وعندما أخافوه وزجروه قال: "لا أريد العيش في الهند ولا في باكستان. سأظلُّ هنا علي هذه الشجرة!!"
وبصعوبةٍ كبيرةٍ، عندما هدأت النَّوبة الَّتي أصابته، نزل من علي الشجرة، وأخذ يعانق أصدقائه من الهندوس والسِّيخ ويبكي. فقد جال في مخيِّلته وأُلقي في روعه أَنَّهم سيرحلون إلي الهند ويتركونه!!
مجنونٌ مسلمٌ كان مهندسًا إذاعيًّا حاصلًا علي الماجستير، كان يسير صامتًا بأسلوبٍ خاصٍّ في الحديقة طوال اليوم، بعيدًا تمامًا عن المجانين الآخرين. عندما حدثت تلك الواقعة، خلع جميع ملابسه وأعطاها لقائد الحرس وبدأ يسير في الحديقة عاريًا تمامًا.
مجنونٌ مسلمٌ بدينٌ من مدينة جنيوت كان عضوًا نشطًا في حزب الرَّابطة الإسلاميَّة، وكان معتادًا علي الاستحمام في اليوم مرَّاتٍ عديدةٍ، فجأَةً تخلَّي عن تلك العادة، وكان اسمه محمد علي، وذات يوم أعلن من وراء السِّياج الحديديِّ للعنبر أَنَّه هو القائد الأعظم محمد علي جناح. فجعل أحد السِّيخ من نفسه السَّيِّد تارا سنج، وكادت المعارك تنشب في العنبر، فاعتُبرا من المجانين الخطرين وتَمَّ عزلهما كُلٌّ علي حده.
مجنونٌ هندوسيٌّ شابٌّ من لاهور، كان محاميًا، جنّ بعد أَنْ فشل في حبِّه. عندما سمع أَنَّ امرتسر ستذهب للهند تألَّم كثيرًا. فقد كان يحبُّ فتاةً هندوسيَّةً من تلك المدينة. مع أَنَّ هذه الفتاة قَدْ رفضته، إِلَّا أَنَّه لَمْ ينسها حتَّي في حالة الجنون هذه. لهذا فَقَدْ كان يسبُّ كُلَّ الزُّعماء من الهندوس والمسلمين، الَّذين قسموا الهند إلي جزءين! فصارت محبوبته هنديَّةً وهو باكستانيًّا.
عندما بدأ الحديث عن عملية التَّبادل أفهمه العديد من المجانين أَلَّا يحزن، فسوف يرسل إلي الهند، تلك الهند حيث تعيش محبوبته. ولكنَّه لَمْ يكن يريد أَنْ يترك لاهور، لأَنَّه رأي أَنَّ عمله لَنْ يروج في امرتسر.
في العنبر الأوروبِّيِّ كان هناك مجنونان هندو أوروبِّيَّان. عندما علما أَنَّ الهند تحررت وأَنَّ الإنجليز قَدْ رحلوا عنها، أصيبا بصدمةٍ كبيرةٍ. وكانا يتناقشان سرًّا لساعاتٍ في هذه القضيَّة. إلي أَيِّ فئةٍ سينضمَّان؟ هَلْ سيبقي العنبر الإنجليزيُّ أَمْ سيُلغي؟! هَلْ سيحصلان علي "بريكفاست" أَمْ لا؟! وهَلْ سيضطرَّان إلي تناول الخبز الهنديِّ اللَّعين بدلاً من الخبز الإفرنجيِّ؟!
أحد المجانين السِّيخ أمضي خمسة عشر عامًا في المستشفي، كان دائمًا يتحدَّث بألفاظٍ عجيبةٍ وغريبة: "ابتلاءٌ. سقوطٌ. غضبٌ. لا مبالاةٍ. عدسٌ. فانوسٌ." وكان لا ينام ليلًا أَوْ نهارًا. كان الحرَّاس يقولون إِنَّه لَمْ ينم ولو للحظةٍ طيلة الخمسة عشر عامًا الماضية. بَلْ إِنَّه لَمْ يستلق أيضًا. إِلَّا أَنَّه كان يقف في بعض الأحيان مستندًا إلي الحائط. فتورَّمت قدماه من كثرة الوقوف، وتورَّمت ساقاه أيضًا. وعلي الرَّغم من هذا الإرهاق الجسدي لَمْ يستلق ولَمْ يسترح. وعندما يتحدَّثون في المستشفي عن الهند وباكستان وتبادل المجانين كان يسمع بإنصاتٍ. وعندما يسأله أحد عن رأيه، كان يجيب بجدِّيَّةٍ: "ابتلاء. سقوط. غضب. لامبالاة. عدس. حكومة باكستان."
بمرور الوقت حلَّ تعبير "حكومة توبه تيك سنج" بدلاً من "حكومة باكستان"، وبدأ يسأل المجانين الآخرين: أين توبه تيك سنج؟! وأين هي؟! ولكنْ لَمْ يكن أحد يعرف أهي في باكستان أَمْ في الهند؟! كان يحاول أَنْ يخبرهم أَنَّه أسيرٌ لهذا التَّعقيد فقَدْ كانت سيالكوت من قبل في الهند، ولكنَّه سمع الآن أَنَّها في باكستان.
مَنْ يدري، رُبَّما تنتقل لاهور من باكستان إلي الهند غدًا، أَوْ تصير الهند كُلُّها باكستان!! بَلْ مَنْ يستطيع أَنْ يؤكِّد أنَّ الهند وباكستان لَنْ تختفيا تمامًا في يومٍ ما؟!
لقَدْ تساقط شعر هذا المجنون السِّيخيِّ ولَمْ يبق منه إِلَّا القليل، ولأَنَّه كان يستحمُّ قليلًا، فقَدْ تشابك شعر لحيته مع شعر رأسه، فصار شكله مفزعًا، ولكنَّه كان غير مؤذٍ بالمرَّة. فلَمْ يتشاجر مع أحدٍ طيلة الخمسة عشر عامًا. ولا يعرف قدامي الموظَّفين بالمستشفي عنه سوي أَنَّه كان أحد إقطاعيِّي مدينة توبه تيك سنج، وأَنَّه كان ميسور الحال، فَقَدَ عقله فجأةً، فقيَّده أقاربه بسلاسل حديديَّةٍ ثقيلةٍ، وأدخلوه المستشفي.
كانوا يأتون مرَّةً في الشَّهر لزيارته. ويذهبون بعد الاطمئنان عليه. واستمرُّوا علي هذا النَّحو لفترةٍ. لكنْ عندما بدأت المصادمات الطَّائفيَّة بين الهند وباكستان توقفوا عن المجيء.
كان اسمه بشن بيشن سنج، ولكنَّ الجميع كانوا ينادونه بـ توبه تيك سنج. لَمْ يكن يعرف في أَيِّ يومٍ هو أَوْ في أَيِّ شهرٍ، أَوْ كَمْ سنةٍ مرَّت عليه. ولكنَّه كان - من تلقاء نفسه- يعرف الموعد الَّذي يأتي أقاربه فيه لزيارته كُلَّ شهرٍ. فكان يقول لقائد الحرس، إِنَّهم قادمون لزيارتي. وكان يستحمُّ في هذا اليوم جيِّدًا، ويغسل جسمه بالصَّابون، ويضع زيتًا علي شعره، ويصفِّفه جيدًا، ويخرج ملابسه الَّتي لا يستعملها مطلقًا، ويرتديها، وبعد أَنْ يتزيَّن يذهب لمقابلتهم، فإذا سألوه عن شيءٍ صمت، و كان أحيانًا يقول: "ابتلاء. سقوط. غضب. لا مبالاة. عدس. فانوس."
كانت لبيشن سنج ابنةٌ ظلَّت تكبر حتَّي صارت شابَّة بعد خمسة عشر عامًا. ولَمْ يكن يستطيع التَّعرُّف عليها، كانت تبكي وهي صغيرةٌ عندما تري والدها، ومازالت عيناها تفيض بالدَّمع وهي شابَّة.
بدأت قصَّة الهند وباكستان، وبدأ يسأل المجانين الآخرين: أين توبه تيك سنج؟ وعندما لا يجد إجابةً تطمئنه يزداد بحثه يومًا بعد يومٍ. الآن لا يأتي أحدٌ للزِّيارة. في السَّابق كان يعرف بنفسه أَنَّ زواره قادمون، ولكن الآن وكأنَّ صوت قلبه احتبس أيضًا، ذلك الصُّوت الَّذي كان يخبره دائمًا بقدومهم.
كانت أعظم أمانيه أَنْ يأتي أولئك النَّاس الَّذين يواسونه، وكانوا يحضرون له الملابس والفاكهة والحلوي. حتَّي إذا سألهم: أين هي توبه تيك سنج؟ فإِنَّهم سيخبرونه بالتَّأكيد أهي في باكستان أَمْ في الهند. لأَنَّه كان متأكدًا من أَنَّهم سيأتون من توبه تيك سنج مباشرةً، حيث توجد أرضه.
ادَّعي أحد المجانين في المستشفي أَنَّه إله. وعندما سأله بيشن سنج أين توبه تيك سنج؟ في الهند أَمْ في باكستان؟ قهقه كعادته وقال: اليست في الهند، ولا في باكستان، فأنا لم أصدر حكمًا بشأنها حتَّي الآن.
توسل بيشن سنج إلي هذا الإله عدَّة مرَّاتٍ لكَيْ يصدر حكمه بشأنها، حتَّي تنتهي هذه القضية، إِلَّا أَنَّه كان مشغولًا جدًّا، فقَدْ كان يصدر أحكامًا أخري لا حصر لها!! وذات يوم فاض الكيل ببيشن سنج وانفجر قائلًا: اابتلاء. سقوط. غضب. لا مبالاة. عدس. إله السيخ. انتصار. فليحيا الإله. ربَّما كان يقصد أَنْ يقول: إِنَّك إله المسلمين، فلو كنت إله السِّيخ لحقَّقت طلبي بالتَّأكيد.
قبل التَّبادل بعدَّة أَيَّامٍ أتي أحد أصدقائه المسلمين لزيارته من توبه تيك سنج، لَمْ يأت من قبل. عندما رآه بيشن سنج، أعرض عنه وبدأ في الرُّجوع، إِلَّا أَنَّ الحرَّاس أوقفوه، وقالوا له: القَدْ أتي لزيارتك. إِنَّه صديقك فضل الدِّين.
نظر بيشن سنج إلي فضل الدِّين، وأخذ يهذي بكلماتٍ، فتقدَّم فضل الدِّين منه ووضع يده علي كتفه وقال: افكَّرت من أيامٍ كثيرةٍ أَنْ أزورك، ولكن لَمْ أجد الفرصة. أهلك جميعًا بخيرٍ، لقَدْ رحلوا إلي الهند. قدَّمت لهم كُلَّ ما أستطيع من مساعدةٍ. وابنتك روب كور... وهنا صمت. بدأ بيشن سنج يتذكر أشياء: »ابنتي روب كور»!
قال فضل الدِّين متلعثمًا: انعم، هي. هي أيضًا بخير. رحلت معهم كذلك.
ظلَّ بيشن سنج صامتًا، وواصل فضل الدِّين حديثه: اطلبوا منِّي أَنْ أطمئنَّ عليك. الآن سمعت أَنَّك ذاهبٌ إلي الهند، فأبلغ سلامي للأخ بلبير سنج، وللأخ ودهاوا سنج، وللأخت امرت كور أيضًا. وقل للأخ بلبير سنج إِنَّ فضل الدِّين راضٍ وسعيدٌ. وإِنَّ إحدي الجاموسة الَّتي تركها قد ولدت عجْلًا، والأخري ولدت عِجْلةً، لكنَّها ماتت بعد ستَّة أَيَّامٍ. و... وأنا مستعدٌّ لخدمتك في أَيِّ وقتٍ. وهذه الحلوي أحضرتها لك.
أخذ بيشن سنج علبة الحلوي وأعطاها للحارس الواقف بجانبه، وسأل فضل الدِّين: أين توبه تيك سنج؟
قال فضل الدِّين متحيِّرًا: أين؟! هي حيث كانت؟
سأله بيشن سنج: أهي في الهند أَمْ في باكستان؟
افي الهند! لا، لا، هي في باكستان. وعلت الحيرة وجه فضل الدِّين.
قال بيشن سنج وهو يتمتم: ابتلاء. سقوط. غضب. لا مبالاة. عدس الهند وباكستان. اللعنة.
اكتملت الاستعدادات للتبادل. وأعدَّت القوائم بأسماء المجانين من هنا ومن هناك وتحدَّد يوم التَّبادل. كان الجوُّ شديد البرودة، عندما خرجت الشَّاحنات المحمَّلة بالمجانين الهندوس والسِّيخ من مستشفي لاهور للأمراض العقليَّة في حراسةٍ مشدَّدةٍ من رجال الشُّرطة. وكان معهم أيضًا المسؤولون المختصُّون. وعند حدود واگه التقي رجال الإشراف من الطَّرفين، وبعد الانتهاء من الإجراءات الأوليَّة، بدأ التَّبادل والَّذي استمرَّ طوال الليل.
كانت عملية إخراج المجانين من العربات وتسليمهم للمسؤولين أمرًا شاقًّا للغاية. فبعضهم لَمْ يكن يريد الخروج، وكانت هناك صعوبة في السيطرة علي من رضوا بالخروج، لأَنَّهم كانوا يجرون في كُلِّ مكانٍ، وبعضهم كان عاريًا. وكلَّما حاولوا إلباسه مزَّق الملابس من علي جسده، والبعض كان يسبُّ ويشتم، والبعض يغنِّي، والبعض يتشاجرون فيما بينهم، والبعض يبكي، والبعض يهذي، فلا يستطيع أحدٌ أَنْ يفهم ألفاظهم. أَمَّا الضَّجَّة التي أحدثتها النِّساء فهي قضيَّة أخري. وازدادت برودة الجوِّ حتَّي أَنَّ الأسنان كانت تصطكُّ بشدَّةٍ.
كان معظم المجانين ضدَّ عمليَّة التَّبادل هذه. لأَنَّهم لَمْ يفهموا لماذا يتمُّ اقتلاعهم من مكانٍ ليلقي بهم في مكانٍ آخر!! والبعض الَّذين فهموا قليلًا كانوا يهتفون: «تحيا باكستان». حتَّي كادت المعارك تنشب بينهم أكثر من مرَّةٍ، فَقَدْ جُنَّ جنون بعض المسلمين والسِّيخ عندما سمعوا هذه الهتافات.
عندما جاء دور بيشن سنج. وبدأ مسؤول الحدود في واگه في تدوين اسمه سأله بيشن سنج: أين توبه تيك سنج؟ في باكستان أم في الهند؟
ضحك المسؤول قائلاً: في باكستان.
وبمجرَّد أَنْ سمع بيشن سنج هذا، قفز بعيدًا وظلَّ يجري حتَّي وصل إلي زملائه الباقين، فأمسك الحرَّاس الباكستانيون به، وحاولوا أخذه إلي الجانب الآخر، ولكنَّه رفض السَّير معهم وقال: «توبه تيك سنج هنا». وبدأ يصرخ بشدة ويقول: ابتلاء. سقوط. غضب. لا مبالاة. عدس. باكستان.
حاولوا كثيرًا إفهامه أَنَّ توبه تيك سنج انتقلت إلي الهند. فإن لَمْ تكن قَدْ وصلت، فسوف نرسلها علي الفور، ولكنَّه لَمْ يقتنع. وعندما حاولوا اصطحابه إلي النَّاحية الأخري بالقوَّة، سمّر قدميه المتورمتين في مكانه، وكأَنَّه يقول لهم: لا تستطيع أَيُّ قوَّةٍ أنْ تزحزحني من هنا.
ولأَنَّه كان مسالمًا لَمْ يستخدموا العنف معه. وتركوه واقفًا في مكانه، واستأنفوا عمليَّة التَّبادل. وقبل طلوع الشَّمس أخرج بيشن سنج الصَّامت صرخةً من حلقه شقَّت عنان السَّماء. فهرول إليه المسؤولون من كُلِّ ناحيةٍ، ووجدوا أنَّ ذلك الرَّجل الَّذي ظلَّ واقفًا طيلة خمسة عشر عامًا ليلًا ونهارًا، ملقي علي وجهه!
كانت الهند خلف الأسلاك الشائكة، وفي الناحية الأخري باكستان، وعلي قطعة الأرض بينهما، والَّتي لَمْ يكن لها اسم، سقط توبه تيك سنج.
* عن جريدة اخبار الادب
التعديل الأخير: