محمد مهدي الجواهري - النزغة ! أو ليلة من ليالي الشباب

كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه = سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه
وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ = الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه
ما لضعفٍ شكوايَ دهري = فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه
غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً = صحيحاً فلم أجدْ مقياسه!
وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً = وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه
اِِِستغلَّتْ شعورَها شعراءٌ = لم تُنشني ظرافةً وكيَاسه
وارتمت ْ بيْ لإلى المَطاوحِ نفسٌ = غمرتها انقباضةٌ واحتراسه
عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ = من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه
كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ = والصدقِ عاودتْها انتكاسه
تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ = اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه
اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ = انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه
لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ = اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه
فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن = إبساسةً لها ، إسلاسه
مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ = حلَبوها درّارةً بسَّاسه
كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي = من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه
ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد = غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه
ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس = وتُرضي مشاعراً حسَّاسه
من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ ، إنَّ = لياليَّ جُلّها عبَّاسه
ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه = كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه
أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه = عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه
خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر = في هذه الحياةِ انغماسه
عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى = =المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه
ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ = الليالي فما ذممتُ مَساسه
كان مقهى " رشيد " موعدنا عصراً = وكنَّا من سابقٍ أحلاسه
مجلسٌ زانَهُ الشبابُ ، وأخلوا = " للزهاويِّ" صدرَه والرياسه
هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ = وإن شتتَ معهدٌ للدراسه
ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ = كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه
وافترقنا نُريد" مَهَرانَ" نبغي = وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه
تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي = وأنا تارةً أُصفِّق كاسه
وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ = نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه
قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه = فتُعري من الصِّبا أفراسه
أتُراه على حياةٍ قديراً = بعدَ ما يُودِعونه أرماسه
فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ = سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه
وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ = وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه
لا " الحسينُ الخليعُ " يبلغُ شأوينا = ولا " مسلمٌ " ولا ذو " النُواسه"
قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ = ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه :
أين غادرتَ " عِمَّةً " واحتفاظاً = قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه
ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته = كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه
حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ = بالزهرِ عطرتْ أنفاسه
ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً = ولُطفاً للكهرباء انعكاسه
ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ = اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه
وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى = كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه
خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ = خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه
أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً = تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة
ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ = وطوراً مرَّجفاً أعجاسه
وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ = الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه!!
حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي = لامساً باليدينِ منه لباسه!!
ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ = الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه
وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ = وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه
ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ = تشكو أحياؤها إخراسه
واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق = في الليلِ خُلسةً أحلاسه
وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ = رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه
لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني = الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه!
قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا = خذلتني عنها يدٌ فرّاسه:
لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء = بعنفٍ ، عن أخذهِ بالسياسه
ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ = فارتخاءٌ . فلذةٌ .! =فانغماسه !!
وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً ! = ناتئَ الجنبتَينِ .! حلوَ المداسه!
لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه ! = لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه!
وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ =يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..!
وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ = والصدرِ .. يستطيبُ مراسه
وكأنّ " البديعَ " في روعة الأسلوب ! = يُملي " طِباقه ! " و" جِناسه"
واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ = =كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه
عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا = أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه
بسَمَ الدهرُ وتجافى = بعدَها كاشِراً لنا أضراسه
صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر = " كم نفوسٍ حسَّاسه"
 
أعلى