نقوس المهدي
كاتب
و كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴿105﴾ سورة يوسف
تقديم :
يحدث أن يطرح المسلم التساؤل التالي : إذا كان القادر ماديا هو الذي يحق له ممارسة الجنس عن طريق الزواج و غير القادر لا يحق له ذلك حسب الآية التالية :" و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله " سورة النور 33 فأين العدل في ذلك ؟ إذا كان الله يخلق أقلية مقتدرة و أغلبية فقيرة فكيف يبيح للأقلية أن تستمتع بالجنس و يحرم الأغلبية من ذلك ؟ هذا يعني أن ملايين الشباب العربي و المسلم العاطل عن العمل عليهم أن يموتوا كمدا من البطالة و الكبت الجنسي معا . هذا و نحن نعلم أن الإسلام دين مبني على العدل و منحاز لطبقة المستضعفين . هل فعلا هذا ما أمر به الإسلام أم أن في الأمر لبسا لم ندركه بعد ؟هذا ما سنراه في معالجتنا لهذا الموضوع .
الحذف في القرآن :
الحذف لمن لا يعرفه هو أسلوب معهود في كلام العرب و هم يعمدون إليه لتحقيق أغراض بلاغية معينة تفيد تقوية الكلام و إخراجه على الأسلوب الأمثل . و قد جاء القرآن وفق نهج العرب في الكلام ، فاعتمد الحذف أسلوبا من جملة أساليبه البلاغية و المراد منه إسقاط شطر من الكلام أو كله لدليل يدل عليه . و قد قال الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) : " هو باب دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به الذكر أفصح من الذكر ، و الصمت عن الإفادة أزيد في الإفادة ، و تجدك انطق ما تكون إذا لم تبن ". و من أسبابه التي أوضحها علماء اللغة ، الاختصار و الإيجاز و التخفيف الخ.. من متطلبات البلاغة ، و من شروطه أن يكون في الكلام دلالة على المحذوف إما من لفظه أو من سياقه ، و إلا لم يتمكن من معرفته فيصير اللفظ مخلا بالفهم فيبعد عن الفصاحة .
لماذا إذن سردنا هذه الفقرة عن الحذف ؟ الجواب هو أن هناك آيات اخطأ المفسرون في تفسيرها لتغافلهم عن قاعدة الحذف فالزمخشري مثلا في كشافه فسر آية : " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" 16 سورة الإسراء كالآتي :" ( وَإِذَا أَرَدْنَا ) وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم ( فَفَسَقُواْ ) أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز: لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازاً، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و إتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه " أي انه اعتبر أن الله أمر المترفين بالفسق ! و لو انه دقق جيدا في الآية لأدرك أن هناك حذفا فيها و أن الله في الآية 90 سورة النحل يقول :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" إذن الآية السابقة تصبح كالتالي : " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها / بالعدل و الإحسان / ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " و لكن الزمخشري تغافل عن هذه القاعدة فمنح الآية تفسيرا ما أنزل الله به من سلطان. و بخصوص موضوعنا حول الحرية الجنسية في الإسلام فإن هناك أية تعالج هذا الموضوع لكنها عانت من نفس الشيء ، أي تجاهل المفسرين لها لقاعدة الحذف . و هو ما سنراه بعد قليل .
الزواج في القرآن :
بخصوص الزواج فإن القرآن قسم طالبي الزواج إلى ثلاثة أصناف : المقتدرون و الفقراء و المعدمون . بالنسبة للمقتدر ماديا فإن له ان يتزوج من المحصنات المومنات أما الفقير و لأنه لا يستطيع أن يدفع مهر المسلمة الحرة فله أن يتزوج الجارية العفيفة أما المعدم الذي لا يستطيع بتاتا أن يفتح بيتا فطلب منه القرآن أن يستعفف كما هو مذكور في الآية التالية :" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " 25 سورة النساء . أي أن هناك المقتدر ماديا و هو من يستطيع أن يتزوج من المحصنات المومنات (المسلمات الحرات) و هناك الفقير (من لم يستطع طولا) فله أن يختار زوجة من ملك اليمين بشرط أن تكون عفيفة و لا تمارس البغاء ( يرجى العودة إلى مقالي المنشور بموقع الحوار المتمدن بعنوان البغاء في الإسلام و هو يوضح أن البغاء في الإسلام كان يمارس بشروط و ضوابط ) أما الذين لا يستطيعون بتاتا فتح بيت الزوجية لفقرهم الشديد فالقرآن طلب منهم الاستعفاف حتى تتحسن حالتهم المادية كما جاء في الآية التالية : " و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله " سورة النور 33 . إذن المقتدر ماديا يتزوج الحرة و الفقير يتزوج الجارية و المعدم يستعفف و ينتظر . لكن هل انتهت القصة ؟ ماذا لو عاش المعدم طوال حياته في الفقر المدقع ؟ ماذا لو عجز عن الاستعفاف و استبدت به الشهوة ؟ هل هذا عدل ؟ هذا ما سنراه في الفقرة الموالية .
الاستعفاف :
للإجابة عن الأسئلة أعلاه نبحث في مسألة الاستعفاف ، هل هو أمر مطلق أم مقيد ؟ هل هو أمر واجب تنفيذه في كل الحالات أم انه مقصور على حالة أو حالات بعينها ؟
حينما نبحث عن الاستعفاف في القرآن نجد الآتي :" وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" النساء 5،6. أي ان الغني مأمور بالاستعفاف عن أكل مال اليتيم لأنه قادر ماديا على ذلك أما الفقير فمرخص له بالتخلي عن الاستعفاف بشرط ألا يسرف في استعمال رخصته (يأكل بالمعروف) . إذن نستنبط من الآيتين أن الاستعفاف أمر مطلق مقيد بالقدرة فإذا كان المسلم قادرا يطبقه و إذا كان غير قادر فله أن يخرق هذا الأمر حسب حاجته .
نعود الآن إلى الفقير المعدم المأمور بالاستعفاف . إذن حسب ما اتضح مما سبق فإنه يحق له إذا شعر انه عاجز عن ضبط شهوته أن يتخلى عن الاستعفاف و يذهب عند المومس و يفرغ عندها كبته الجنسي أما إذا كان قادرا على ضبط نفسه في هذه الحالة يستعفف . إذن الأمر بالاستعفاف الجنسي مقيد بقدرة المسلم على ضبط نفسه أما إذا عجز فله الحق أن يذهب عند الجارية التي تمارس البغاء . و لتوضيح هذه النقطة أكثر نعود إلى الآية التالية :" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " 25 سورة النساء . بقراءة متأنية سنجد أن جملة (ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم و الله غفور رحيم ) لا تتسق مع باقي الآية و إلا صار الله ظالما لان معناها انه من الخير لنا أن نصبر و لا نتزوج من الفتيات المومنات رغم أنهن حافظن على عفتهن و لم يسافحن أحدا ، بل و تتمة الآية (و الله غفور رحيم ) تعني أن الزواج بهن هو ذنب لكن الله سيغفره . فهل هذا معقول ؟ هل يعقل أن جارية عفيفة لم تسافح أحدا و لم تتخذ خدنا و مع ذلك يقول الله لمن يرغب في الزواج بها : و أن تصبر خير لك و لو اقترفت ذنب الزواج بها فأنا غفور رحيم ؟ !
إذن كما نلاحظ فإن جملة (ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم و الله غفور رحيم ) لا تتسق مع ما سبقها و هو ما يعني وجود حذف في هاته الآية و إلا صار الله ظالما في حق الجواري العفيفات . إذن الآية بدون حذف تصبح كالتالي : (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب / و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المومنات فله أن يذهب إلى القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا المسافحات و المتخدات للأخدان /ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم )
العنت :
لمزيد من الشرح نوضح أن كلمة العنت في الآية أعلاه تعني المعاناة الشديدة و هي حسب موضوعنا تأتي بسبب استبداد الغريزة الجنسية بالرجل خصوصا إذا كان شابا ، و هذا الاستبداد أو العنت يمكن أن يدفع الشاب إلى ارتكاب أعمال شريرة كالاغتصاب مثلا إذا لم يجد وسيلة لتفريغ كبته . و قد تحدث عنه القرآن في سورة الفلق : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) . فهذه السورة توضح لنا الشرور التي يمكن أن تتهدد الإنسان و هي كالتالي : المخلوقات الشريرة (من شر ما خلق) خطر الاغتصاب ( شر غاسق إذا وقب ) هذه الآية يفسرها المفسرون حاليا بأنها تعني شر الليل إذا اظلم لكن بالعودة إلى المصادر القديمة ك : إحياء علوم الدين ـ الجزء الثاني ـ كتاب آداب النكاح ـ الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه الصفحة 18 لصاحبه حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي الطوسي الشافعي و القاموس المحيط و القابوس الوسيط لما ذهب من كلام العرب شماميط ـ حرف الباء ـ فصل الواو لصاحبه الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي و الإتقان في علوم القرآن ـ النوع التاسع والسبعون في غرائب التفسير الصفحة 2324 لصاحبه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين ، الخضيري ، المعروف بـ جلال الدين السيوطي نجد أن شر غاسق إذا وقب تعني العضو الذكري إذا قام و عليه يصبح معنى الآية هو أن الرجل إذا قام عضوه و لم يجد سبيلا إلى تفريغ كبته الجنسي فانه يصبح مستعدا لارتكاب عمل شرير الذي هو جريمة الاغتصاب ثم باقي السورة حيث يتحدث القران عن شر السحر و شر الحسد .
إذن في الإسلام لكي لا يقع شر غاسق إذا وقب أباح القرآن لمن خشي العنت أن يذهب لدور البغاء و يفرغ هناك شهوته الجنسية و يكفي المجتمع شره و هو ما عبر عنه القرآن ب " ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم " لكن إن لم يصبر و ذهب عند الباغية فإنه معذور و عمله مغفور كما جاء في تتمة الآية " و الله غفور رحيم "
خلاصة :
نفهم مما جاء أن الحرية الجنسية في الإسلام مشروطة بعدم القدرة على فتح بيت الزوجية بسبب الفقر و عدم القدرة على الاستعفاف و أن الفقير يستطيع الذهاب إلى دور البغاء لتفريغ شهوته و كف المجتمع شره دون أن يعترض احد سبيله .
تقديم :
يحدث أن يطرح المسلم التساؤل التالي : إذا كان القادر ماديا هو الذي يحق له ممارسة الجنس عن طريق الزواج و غير القادر لا يحق له ذلك حسب الآية التالية :" و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله " سورة النور 33 فأين العدل في ذلك ؟ إذا كان الله يخلق أقلية مقتدرة و أغلبية فقيرة فكيف يبيح للأقلية أن تستمتع بالجنس و يحرم الأغلبية من ذلك ؟ هذا يعني أن ملايين الشباب العربي و المسلم العاطل عن العمل عليهم أن يموتوا كمدا من البطالة و الكبت الجنسي معا . هذا و نحن نعلم أن الإسلام دين مبني على العدل و منحاز لطبقة المستضعفين . هل فعلا هذا ما أمر به الإسلام أم أن في الأمر لبسا لم ندركه بعد ؟هذا ما سنراه في معالجتنا لهذا الموضوع .
الحذف في القرآن :
الحذف لمن لا يعرفه هو أسلوب معهود في كلام العرب و هم يعمدون إليه لتحقيق أغراض بلاغية معينة تفيد تقوية الكلام و إخراجه على الأسلوب الأمثل . و قد جاء القرآن وفق نهج العرب في الكلام ، فاعتمد الحذف أسلوبا من جملة أساليبه البلاغية و المراد منه إسقاط شطر من الكلام أو كله لدليل يدل عليه . و قد قال الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) : " هو باب دقيق المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسحر ، فإنك ترى به الذكر أفصح من الذكر ، و الصمت عن الإفادة أزيد في الإفادة ، و تجدك انطق ما تكون إذا لم تبن ". و من أسبابه التي أوضحها علماء اللغة ، الاختصار و الإيجاز و التخفيف الخ.. من متطلبات البلاغة ، و من شروطه أن يكون في الكلام دلالة على المحذوف إما من لفظه أو من سياقه ، و إلا لم يتمكن من معرفته فيصير اللفظ مخلا بالفهم فيبعد عن الفصاحة .
لماذا إذن سردنا هذه الفقرة عن الحذف ؟ الجواب هو أن هناك آيات اخطأ المفسرون في تفسيرها لتغافلهم عن قاعدة الحذف فالزمخشري مثلا في كشافه فسر آية : " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" 16 سورة الإسراء كالآتي :" ( وَإِذَا أَرَدْنَا ) وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم ( فَفَسَقُواْ ) أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز: لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازاً، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي و إتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه " أي انه اعتبر أن الله أمر المترفين بالفسق ! و لو انه دقق جيدا في الآية لأدرك أن هناك حذفا فيها و أن الله في الآية 90 سورة النحل يقول :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" إذن الآية السابقة تصبح كالتالي : " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها / بالعدل و الإحسان / ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " و لكن الزمخشري تغافل عن هذه القاعدة فمنح الآية تفسيرا ما أنزل الله به من سلطان. و بخصوص موضوعنا حول الحرية الجنسية في الإسلام فإن هناك أية تعالج هذا الموضوع لكنها عانت من نفس الشيء ، أي تجاهل المفسرين لها لقاعدة الحذف . و هو ما سنراه بعد قليل .
الزواج في القرآن :
بخصوص الزواج فإن القرآن قسم طالبي الزواج إلى ثلاثة أصناف : المقتدرون و الفقراء و المعدمون . بالنسبة للمقتدر ماديا فإن له ان يتزوج من المحصنات المومنات أما الفقير و لأنه لا يستطيع أن يدفع مهر المسلمة الحرة فله أن يتزوج الجارية العفيفة أما المعدم الذي لا يستطيع بتاتا أن يفتح بيتا فطلب منه القرآن أن يستعفف كما هو مذكور في الآية التالية :" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " 25 سورة النساء . أي أن هناك المقتدر ماديا و هو من يستطيع أن يتزوج من المحصنات المومنات (المسلمات الحرات) و هناك الفقير (من لم يستطع طولا) فله أن يختار زوجة من ملك اليمين بشرط أن تكون عفيفة و لا تمارس البغاء ( يرجى العودة إلى مقالي المنشور بموقع الحوار المتمدن بعنوان البغاء في الإسلام و هو يوضح أن البغاء في الإسلام كان يمارس بشروط و ضوابط ) أما الذين لا يستطيعون بتاتا فتح بيت الزوجية لفقرهم الشديد فالقرآن طلب منهم الاستعفاف حتى تتحسن حالتهم المادية كما جاء في الآية التالية : " و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله " سورة النور 33 . إذن المقتدر ماديا يتزوج الحرة و الفقير يتزوج الجارية و المعدم يستعفف و ينتظر . لكن هل انتهت القصة ؟ ماذا لو عاش المعدم طوال حياته في الفقر المدقع ؟ ماذا لو عجز عن الاستعفاف و استبدت به الشهوة ؟ هل هذا عدل ؟ هذا ما سنراه في الفقرة الموالية .
الاستعفاف :
للإجابة عن الأسئلة أعلاه نبحث في مسألة الاستعفاف ، هل هو أمر مطلق أم مقيد ؟ هل هو أمر واجب تنفيذه في كل الحالات أم انه مقصور على حالة أو حالات بعينها ؟
حينما نبحث عن الاستعفاف في القرآن نجد الآتي :" وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" النساء 5،6. أي ان الغني مأمور بالاستعفاف عن أكل مال اليتيم لأنه قادر ماديا على ذلك أما الفقير فمرخص له بالتخلي عن الاستعفاف بشرط ألا يسرف في استعمال رخصته (يأكل بالمعروف) . إذن نستنبط من الآيتين أن الاستعفاف أمر مطلق مقيد بالقدرة فإذا كان المسلم قادرا يطبقه و إذا كان غير قادر فله أن يخرق هذا الأمر حسب حاجته .
نعود الآن إلى الفقير المعدم المأمور بالاستعفاف . إذن حسب ما اتضح مما سبق فإنه يحق له إذا شعر انه عاجز عن ضبط شهوته أن يتخلى عن الاستعفاف و يذهب عند المومس و يفرغ عندها كبته الجنسي أما إذا كان قادرا على ضبط نفسه في هذه الحالة يستعفف . إذن الأمر بالاستعفاف الجنسي مقيد بقدرة المسلم على ضبط نفسه أما إذا عجز فله الحق أن يذهب عند الجارية التي تمارس البغاء . و لتوضيح هذه النقطة أكثر نعود إلى الآية التالية :" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم " 25 سورة النساء . بقراءة متأنية سنجد أن جملة (ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم و الله غفور رحيم ) لا تتسق مع باقي الآية و إلا صار الله ظالما لان معناها انه من الخير لنا أن نصبر و لا نتزوج من الفتيات المومنات رغم أنهن حافظن على عفتهن و لم يسافحن أحدا ، بل و تتمة الآية (و الله غفور رحيم ) تعني أن الزواج بهن هو ذنب لكن الله سيغفره . فهل هذا معقول ؟ هل يعقل أن جارية عفيفة لم تسافح أحدا و لم تتخذ خدنا و مع ذلك يقول الله لمن يرغب في الزواج بها : و أن تصبر خير لك و لو اقترفت ذنب الزواج بها فأنا غفور رحيم ؟ !
إذن كما نلاحظ فإن جملة (ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم و الله غفور رحيم ) لا تتسق مع ما سبقها و هو ما يعني وجود حذف في هاته الآية و إلا صار الله ظالما في حق الجواري العفيفات . إذن الآية بدون حذف تصبح كالتالي : (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب / و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المومنات فله أن يذهب إلى القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا المسافحات و المتخدات للأخدان /ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم )
العنت :
لمزيد من الشرح نوضح أن كلمة العنت في الآية أعلاه تعني المعاناة الشديدة و هي حسب موضوعنا تأتي بسبب استبداد الغريزة الجنسية بالرجل خصوصا إذا كان شابا ، و هذا الاستبداد أو العنت يمكن أن يدفع الشاب إلى ارتكاب أعمال شريرة كالاغتصاب مثلا إذا لم يجد وسيلة لتفريغ كبته . و قد تحدث عنه القرآن في سورة الفلق : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) . فهذه السورة توضح لنا الشرور التي يمكن أن تتهدد الإنسان و هي كالتالي : المخلوقات الشريرة (من شر ما خلق) خطر الاغتصاب ( شر غاسق إذا وقب ) هذه الآية يفسرها المفسرون حاليا بأنها تعني شر الليل إذا اظلم لكن بالعودة إلى المصادر القديمة ك : إحياء علوم الدين ـ الجزء الثاني ـ كتاب آداب النكاح ـ الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه الصفحة 18 لصاحبه حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي الطوسي الشافعي و القاموس المحيط و القابوس الوسيط لما ذهب من كلام العرب شماميط ـ حرف الباء ـ فصل الواو لصاحبه الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي و الإتقان في علوم القرآن ـ النوع التاسع والسبعون في غرائب التفسير الصفحة 2324 لصاحبه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين ، الخضيري ، المعروف بـ جلال الدين السيوطي نجد أن شر غاسق إذا وقب تعني العضو الذكري إذا قام و عليه يصبح معنى الآية هو أن الرجل إذا قام عضوه و لم يجد سبيلا إلى تفريغ كبته الجنسي فانه يصبح مستعدا لارتكاب عمل شرير الذي هو جريمة الاغتصاب ثم باقي السورة حيث يتحدث القران عن شر السحر و شر الحسد .
إذن في الإسلام لكي لا يقع شر غاسق إذا وقب أباح القرآن لمن خشي العنت أن يذهب لدور البغاء و يفرغ هناك شهوته الجنسية و يكفي المجتمع شره و هو ما عبر عنه القرآن ب " ذلك لمن خشي العنت منكم و أن تصبروا خير لكم " لكن إن لم يصبر و ذهب عند الباغية فإنه معذور و عمله مغفور كما جاء في تتمة الآية " و الله غفور رحيم "
خلاصة :
نفهم مما جاء أن الحرية الجنسية في الإسلام مشروطة بعدم القدرة على فتح بيت الزوجية بسبب الفقر و عدم القدرة على الاستعفاف و أن الفقير يستطيع الذهاب إلى دور البغاء لتفريغ شهوته و كف المجتمع شره دون أن يعترض احد سبيله .