موسى بن حسين الحسيني الكيذاوي - شاقَتْكَ هِنْدٌ وَأَمْسَى الحَبْـلُ مُنْصَرِمَا

شاقَتْكَ هِنْدٌ وَأَمْسَى الحَبْـلُ مُنْصَرِمَا = وَأَوْقَدَتْ فِي الحَشا مِنْ بَيْنِها ضَرَمَا
بانَـتْ وَلا صافَحَـتْ كَفِّـي أَنامِلُها = وَلا لَثَمْـتُ لَها عِنْـدَ الـوَداعِ فَمَا
وَاللهِ وَاللهِ مـا مِـنْ بَعْـدِ رِحْلَتِها = جَفْنِي اسْتَلَذَّ الكَرَى يَوْماً وَلا طَعِمَا
خَـوْدٌ أَرَى فِي هَواها شِقْوَتِي فَرَحاً = وَالغَيَّ رُشْـداً وَبُؤْسِي عِنْدَها نِعَمَا
إِذا رَمَى طَرْفُها عَنْ قَوْسِ حاجِبِها = أَصْمَى الفُؤادَ بِسَهْمِ اللَّحْظِ حِينَ رَمَى
كأَنَّ مَبْسِمَهـا فِـي حُسْنِـهِ دُرَرٌ = مَنْظُومَـةٌ وَأَقاحٌ راقَ غِـبَّ سَما
كأَنَّ رِيقَتَهـا بَعْـدَ الكَـرَى عَسَـلٌ = أَو الرَّحِيقُ الَّـذِي بِالمِسْكِ قَدْ خُتِمَا
قَدْ غَصَّ خَلْخالُها فِي ساقِهـا وَنَبـا = فِي دِرْعِها رِدْفُها الرَّجْراجُ وَارْتَكَمَا
لَوْ بايَعَتْنِي بِرُوحِي قُبْلَـةً لَغَدَتْ = نَفْسِي بِما فَعَلَـتْ لا تَشْتَكِي نَدَما
بَيْضاءُ أَحْسَنُ مَنْ فِي العالَمِينَ نَشا = وَمَنْ بِأَقْـدامِهِ وَجْـهَ الثَّرَى لَثَما
لَقَدْ بَرانِي هَواهـا مُـذْ كَلِفْتُ بِهـا = كَما بَـرَى لِلكِتـابِ الكَاتِبُ القَلَمَا
غَيْداءُ تَسْتَلِبُ الأَلْبابَ كَـمْ سَلَبَـتْ = عَقْلِي وَكَمْ سَفَكَتْ يَوْمَ الفِراقِ دَمَا
وَكَـمْ غَـدا طَرْفُهـا الفَتَّانُ فاتِرُهُ = يُسَطِّرُ الحُبَّ فِي قَلْبِي وَكَمْ رَسَما
ما رُمْتُ أَكْتِمُ ما قاسَيْـتُ مِنْ أَلَمٍ = إِلاَّ بَدا سِرُّهُ مِنِّي وَما انْكَـتَما
ما خِلْتُ جاحِـمَ نِيرانِ الغَرامِ طُفِي = إِلاَّ تأَجَّـجَ فِي الأَحْشاءِ وَاضْطَرَمَا
فَكُلَّما طالَ بِـي سَقْـمٌ حَنَنْتُ لَهـا = وَقُلْتُ يا هِنْـدُ زِيدِي مُهْجَتِي سَقَمَا
طُوبَى لِمَنْ باتَ يَجْنِي شَهْدَ مَبْسِمِها = وَالـوَرْدَ وَالطَّلْعَ وَالتُّفَّـاحَ وَالعَنَمَا
وَهكَذا الهائِـمُ المُشْتاقُ دَيْـدَنُـهُ = فِي الحُبِّ يَسْتَعْذِبُ التَّعْذِيبَ وَالأَلَما
يا هِنْـدُ ما لَكِ ما قَضَّيْتِ لِي أَرَباً = وَلا وَفَيْـتِ لَنـا عَهْـداً وَلا ذِمَما
وَما لِقَلْبِكِ يا لَعْسا المَراشِـفِ ما = لِي رَقَّ مِمَّـا أُقـاسِيـهِ وَلا رِحِما
يُمْسِي وَيُصْبِـحُ حَرّاناً أَخا كَمَـدٍ = قَلْبِـي وَقَلْبُـكِ يُمْـسِي بارِداً شَبِما
أَتْلَفْتِ عَقْلِي فَهَلْ لِي مِنْكِ مِنْ غَرَمٍ = مَنْ كانَ أَتْلَـفَ شَيْئاً أُلْزِمَ الغَرَما
يا مُخْبِرِي عِدْ وَكَرِّرْ ( فِي ) حَدِيثِكَ عَنْ = مَنْ حَلَّ وادِي الغَضَى وَالسَّفْحَ وَالعَلَمَا
فَكَيْـفَ أَشْجارُها بَـلْ كَيْـفَ سَجْسَجُها = إِذا الرِّيـاحُ اعْتَنَـقْنَ البـانَ وَالسَّلَمَا
مَنـازِلٌ كَـمْ بِهـا غازَلْـتُ غِزْلَتَهـا = وَكَـمْ لَثَمْـتُ بِهِـنَّ الخُـرَّدَ الوُشُمَا
ما لِـي وَلِلدَّهْـرِ ما إِنْ راشَنِي أَبَـداً = إِلاَّ وَأَبْـرَى لِما قَـدْ راشَ وَاخْتَرَما
وَلا بَنَـى لِي بِنـاءً طـالَ سامِكُـهُ = وَقُـلْـتُ قَـدْ تَمَّ إِلاَّ انْهارَ وَانْهَدَما
وَلَـمْ أَجِـدْ أَهْلَـهُ إِلاَّ أُهَيْـلَ خَنـا = يَغَـصُّ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالرِّيقِ مَنْ حَلُمَا
ما إِنْ تَوَهَّمْـتُ فِيهِـمْ قَطُّ مِنْ سِمَنٍ = إِلاَّ وَكـانَ عَلَـى اسْتِحْقاقِـهِ وَرَما
شَحُّوا بِأَمْوالِهِمْ فِي العَيْشِ وَاحْتَرَصُوا = حَتَّى أَقامُـوا لَها مِنْ بُخْلِهِمْ حَرَما
إِنْ فاخَرُوا لَمْ يَكُـنْ فِي الفَخْرِ حَظُّهُمُ = مِنْ غايَةِ الفَخْرِ إِلاَّ أَعْظُماً رِمَما
دَعْهُمْ وَأَخْلاقَهُمْ فَالجُعْلُ يَزْعُمُ أَنْ = لا خَلْـقَ يَعْدِلُـهُ خَلْقـاً كَما زَعَما
وَكَيْفَ يَخْدِمُهُـمْ مـالٌ وَقَـدْ خُلِقُوا = لِلْمالِ فانْقَلَبُـوا فِي يُسْـرِهِمْ خَدَما
رَضِيتُهُـمْ أَصْفِياءً لِـي وَلا عَجَبٌ = مَنْ يَعْدِمُ البَدْرَ لَيْلاً يَرْتَضِي الظُّلَما
إِنْ لَمْ أَجِدْ بَشَراً فِي العَيْشِ أَصْحَبُهُ = صَحِبْـتُ أَكْلُبَـهُ فِي العَيْشِ مُغْتَنِما
مَنْ جَرَّبَ الدَّهْرَ أَغْنَتْـهُ تَجارِبُـهُ = فِيمـا تَوَهَّمَـهُ أَنْ يَعْقِـدَ الـرَّتَما
سَلْنِي تَجِدْنِي امْرَءاً فِي كُـلِّ تَجْرِبَةٍ = مـا عَمِلَـتْ نَفْسُـهُ إِلاَّ بِمـا عَلِما
وَلا تَمَطَّيْتُ فِيمـا نِلْـتُ مِنْ صِلَةٍ = إِلَـى المَـآرِبِ إِلاَّ الصَّبْـرَ وَالهِمَما
إِذا تَعامَتْ عَلَـيَّ البِيضُ مِلْتُ إِلَى = وَصْلِ المَعالِي وَبِعْتُ البِيضَ مُعْتَصِما
وَإِنْ جَفَتْنِيَ أَرْضِي بِعْـتُ مَسْكَنَها = وَلَـوْ تَـراءَتْ عَلَى اسْتِحْسانِها إِرَما
يا صاحِبَيَّ افْقَها لِـي ما نَطَقْتُ بِـهِ = وَما لَفَظْـتُ وَما صَـرَّحْـتُـهُ لَكُمَا
وَاسْتَخْبِرانِي فَإِنِّـي كافِـلٌ لَكُمـا = بِما يُصَرِّحُ مَحْـضُ الصِّدْقِ عِنْدَكُما
لَولا المَلِيكُ أَبُو المَنْصُورِ ما رَجَعَتْ = بَصِيرَةَ اللَّحْظِ عَيْـنُ الدَّهْرِ بَعْدَ عَمَى
وَلا الزَّمانُ انْجَلَتْ عَنْهُ غَياهِبُـهُ = يَـوْماً وَلا بَـشَّ مُفْتَرًّا وَلا ابْتَسَما
مُتَـوَّجٌ فِي أَيـادِيـهِ وَمَفْخَـرِهِ = قَدْ عَقَّبَ العُرْبَ فِي المَيْدانِ وَالعَجَمَا
ما مادِحٌ لِسِواهُ قَـطُّ مِنْ بَشَرٍ = فِي النَّاسِ إِلاَّ كَغاوٍ يَعْبُدُ الصَّنَما
تَهْمِـي سَحائِـبُ كَفَّيْـهِ لَنـا دِيَماً = وُطْفاً مُلِـثُّ حَياهـا يُخْجِلُ الدِّيَمَا
تَلْقـاهُ فِـي شأْنِـهِ بِالحِلْـمِ مُحْتَلِماً = بِالعَـزْمِ مُعْتَـزِماً بِالحَزْمِ مُحْتَزِمَا
بَـدْرٌ إِذا ما بَـدا بَحْـرٌ إِذا سَمَحَتْ = كَفَّـاهُ لِلْمُجْتَـدِي لَيْـثٌ إِذا انْتَـقَمَا
مَلْـكٌ بَنَى كَعْبَـةً لِلزَّائِرِينَ فَكَـمْ = مِنْ زائِرٍ طافَ بِالأَرْكانِ وَاسْتَلَما
ما اغْتَرَّهُ عَرَضٌ عَنْ هَفْوَةٍ طَمَعاً = إِلاَّ تَنَـزَّهَ عَنْ مَرْعـاهُ وَاحْتَشَما
لَـوْ رأْيُـهُ كانَ سَهْماً ثُـمَّ يَمَّمَهُ = سَمَّ الخِياطِ أَصابَ السَّمَّ حِيـنَ رَمَى
قَرْمٌ سَما مَجْدُهُ فَـوْقَ السَّما وَعَـلا = حَتَّى تَكَـوَّنَ مِـنْ فَـوْقِ السَّماءِ سَمَا
-فَما ابْنُ سُعْدَى وَلا القَعْقاعُ أَسْمَـحَ مِنْـ = ـهُ لِلْجَـلِيـسِ وَلِلْعـافِـي إِذا قَـدِمَا
أَدْهَى وَأَحْلَمُ مِمَّنْ كانَ قَـدْ قُـرِعَتْ = لَهُ العَصا حِينَ يَحْوِي المَجْلِسُ الحَشَمَا
لَوْ فَيْضُ كَفَّيْهِ أَضْحَى نَحْوَ سَدِّ سَبا = غَيْثـاً لأَظْهَـرَ مِنْـهُ سَيْلَـهُ العَرِما
يا مَنْ تَسَرْبَلَ سِرْبالَ الثَّنا وَسَعَى = سَعْيـاً يَنـالُ بِـهِ الإِجْـلالَ وَالكَرَمَا
اسْمَـعْ مَقـالَ فَصِيحٍ حاذِقٍ فَطِـنٍ = طَبْنٍ تـأَرَّثَ عَـنْ لُقْمانِـهِ الحِكَمَا
يُغـادِرُ الـدُّرَّ بِالأَلْـفـاظِ مَخْشَلَبـاً = وَيَنْثُـرُ الـدُّرَّ مِـنْ أَلْفاظِـهِ كَلِمَا
يُنْسِيـكَ لَفْـظَ المَعَرِّي فِي غَرائِبِـهِ = وَنَظْـمَ جَرْوَلَ ما وَشَّـى وَما نَظَمَا
قَدْ جاءَ وَالدَّهْرُ ثَوْبَ اليُسْرِ سالِبُـهُ = حَتَّى أَناخَ لَدَيْـكَ اليَوْمَ وَاخْتَصَما
وَحَكَّماكَ جَمِيعـاً فِـي خِصامِهِمـا = فاحْكُمْ بِما شِئْتَ فِي الأَحْكامِ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ تَعاظَمْتَ عَنْ فَصْلِ الخِطابِ لَنا = فاجْعَـلْ نَـوالَكَ فِيمـا بَيْنَنا حَكَما
إِنِّي نَسَخْتُ زُهَيْراً فِي القَرِيضِ فَكُنْ = لِي فِي النَّدَى وَالأَيادِي ناسِخاً هَرِما
وَإِنَّما المَـدْحُ عِـزٌّ بَيْنَ كُلِّ عُـلا = يَـراهُ أَهْـلُ المَعالِي وَالحِجـا شِيَما
 
أعلى