نقوس المهدي
كاتب
لم تختلف جماعة إيطاليا لسيميوطيقا الثقافة عن طروحات مدرسة موسكوتارتو، نظراً لاهتمامها أيضاً بالجانب الثقافي وكيفية اشتغال العلامات داخل الثقافة. ومثل جماعة ايطاليا كلاً من (روسيلاندي Rossi- Landi، وامبرتو إيكو Eco.Umberto)، اللذين اهتما بالظواهر الثقافية. ويعتبر رواد المدرسة الإيطالية أن الثقافة لا تنشأ وتتطور إلا من خلال ثلاثة شروط، وهي:
عندما يسند كائن مفكر وظيفة جديدة للشيء الطبيعي، بمعنى حين تتخذ الأشياء الطبيعية وظائف أخرى، غير وظيفتها الأيقونية داخل المجتمع. وهذه العملية هي نتاج الاشتغال الفكري للفرد.
من خلال استجابة الشيء الطبيعي لوظيفة معينة، عندها نتعرف عليه من خلال تلك الوظيفة، بوصفه ذا تسمية محددة، ولا يشترط استعماله مرة أخرى، بل الاكتفاء بالتعرف عليه.
عندما يسعى ذلك الشيء باعتباره يستخدم في شيء ما، وليس من الضروري قول هذه التسمية بصوت مرتفع، وكذلك لا تشترط أن تقال للغير(الأحمر فيصل، معجم السيميائيات، ص:97 وما بعدها).
تمخضت طروحات لاندي، عن التنظيم والبرمجة اللذين يمثلان عصب الظاهرة الاجتماعية داخل المجتمع، ويختزل عمليات الإنتاج ومجموعاتها. وقد بلور تصوراته السيميوطيقية الخاصة بالتنظيم والبرمجة في ثلاثة أنواع، وهي:
أنماط الإنتاج: وتمثل قوى الإنتاج وشبكة علاقات الإنتاج.
الإيديولوجيات: وتمثل التنظيمات الاجتماعية، التي تؤسس نظاماً اجتماعياً عاماً داخل المجتمع.
برامج التواصل: وهو البرنامج الذي يضم التواصل اللفظي وغير اللفظي(نفسه، ص:97).
وبذلك، ترتبط السيميوطيقا الثقافية عند لاندي بالجانب الإيديولوجي، من خلال علاقته الترابطية بين السلوكات الإنسانية والإيديولوجيا بوصفها نظام تخطيط المجتمعات لنمط الحياة. إن هدف لاندي هو الكشف عن كل الصفات السلوكية لدى الفرد وتعريتها رغم الإيديولوجية التي اختفت تحت عباءتها.
مثلت طروحات إيكو جوهر المشروع السيميوطيقي للثقافة، وحدده في الوظيفة التي تلعبها العلامة داخل المجتمع. فالعلامة توظف "من أجل نقل معلومات، ومن أجل قول شيء ما، أو الإشارة إلى شيء ما يعرفه شخص ما يريد أن يشاطره الآخر هذه المعرفة، إنها بذلك جزء من سيرورة تواصلية من نوع: مصدر باث قناة إرسالية مرسل إليه"( إيكو، امبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ص:47). إن المثير في مشروع إيكو، هو أنه لا ينظر إلى الأشياء بحياديتها واستقلاليتها، بل من خلال ربطها بسلوكات الأشخاص المنظمة، لأن أيّ نسق تواصلي يؤدي وظيفة ما. وبذلك فإن التمثيل الشمولي للشؤون الثقافية والتي تحدد داخل المؤولات، يشترط وجود نسق دلالي شامل يشكل مجمل معارفنا حول العالم، شريطة أن تكون هذه المعارف مستقرة اجتماعياً، لأنها لا تخضع لإجراءات منهجية، بل لخبرة متراكمة أوجدتها الخبرة والممارسة والمشاهدة. فالثقافة "في كليتها يُنظر إليها باعتبارها نسق أنساق العلامات حيث يصبح داخلها مدلولُ دالَّ ما دالاً لمدلول جديد، كيفما كانت طبيعة النسق" كلام، موضوعات، سلع، أفكار، قيم، أحاسيس، إيماءات أو سلوكات". والسيميائيات، استناداً إلى هذا، هي الشكل العلمي الذي تتخذه الأنثروبولوجيا"( نفسه، ص:117.). وبالتالي لامناص من الوحدة الثقافية، وهو المفهوم الذي اقترحه إيكو، وعرفه بأنه "وحدة ملموسة يمكن التحكم فيها، إنها محسوسة لأنها تتجلى، داخل حقل ثقافة ما، من خلال مؤول: كلمات مكتوبة، رسم، تعريف، حركة أو سلوك خاص حوّله العرف إلى كيانات سيميائية الخ"( نفسه، ص:174). إن الوظيفة الرئيسة للوحدة الثقافية، هو فض التشابك العلائقي بين المتناقضات التي يولدها ذلك التشابك، ومنها:
الواقعية الساذجة التي تطابق بين موضوع فيزيقي وبين علامة، وهذا الأمر ليس صحيحاً.
التيار السلوكي الذي يطابق مع سلوك معين.
النزعة الذهنية التي ترى أن العلامة تتطابق باعتبارها مدلولاً، مع وحدة غير قابلة للمعاينة: فكرة أو حالة وعي الخ(نفسه، ص:173).
وعليه، فإن مؤول العلامة، هو وحدة ثقافية، تشكلها ثقافة المؤول الأصلية. ولا تعمل بذات القصدية التأويلية داخل ثقافة أخرى دون معرفة واستقرار تأويلي لعلامات الثقافة الأخرى، لأن الثقافة هي "الطريقة التي يتم بها تفكيك النسق، داخل ظروف تاريخية وأنثروبولوجية بعينها، ضمن حركة تمنح المعرفة بعداً موضوعياً. وهذا التجزئي يتم على كل المستويات بدءاً من الوحدات الإدراكية الأولية وانتهاء بالأنساق الإيديولوجية"( نفسه، ص:177). فإذا كان كل مؤول علامة هو وحدة ثقافية كما يؤكد إيكو "أو وحدة دلالية، وتنتظم هذه الوحدات داخل ثقافة ما وفق نسق من التقابلات"( نفسه، ص:170)، فهذا يعني أن المؤول يمثل ثقافة أخرى حتى لو كان داخل الثقافة الواحدة، لأن الثقافة بمفهومها الواسع مجموعة وحدات وأنساق ثقافية. ومن المؤكد ستختلف طرائق التأويل حسب مرجعية المؤول للعلامة، على اعتبار "إن الوحدة الثقافية يمكن ترجمتها في علامة معينة استناداً إلى وجود سنن أو من خلال وحدة ثقافية تعد هي ذاتها علامة" أو مقطعاً من الوحدات الثقافية التي تشكل تعريفها الماصدقي"( نفسه، ص:170). فليس من السهل قراءة أو ترجمة وحدة ثقافية بدون مؤول قابل للتعرف بواسطة تنوع المؤولات.
لقد نالت اللغة اهتماماً كبيراً في بحوث جماعة ايطاليا، لكن ضمن وجودها الاجتماعي داخل المجتمع، فمن الصعب التعامل معها بمعزل عن وجودها الثقافي، لأننا نتعلم الوحدات اللغوية من الآخرين داخل الكيان الاجتماعي، لما يمثله من جوانب وأنساق ثقافية. ونصطلح على تلك العلاقة بـ(التتابعية)، لأنها تتبع التطبيع اللغوي بين الأفراد وممارستهم لها. وبالتالي فهي تشكل جزءاً من الثقافة الجمعية للمجتمع، فلو تعلم "فرد بعينه وحدتين لغويتين مختلفتين من جماعتين مختلفتين من الناس، تكون كل من هاتين الوحدتين مرتبطتين بمجموعة مختلفة من القيم والمعتقدات الثقافية"( جوديناف، في: هدسن، علم اللغة الاجتماعي، ص:167).
وإذا كان هذا هو الحال في ثقافتين مختلفتين، فماذا عن الثقافة الواحدة التي تضم اختلافات لغوية كثيرة (اللهجات)؟، إن المعرفة الفردية هي نتاج ما يؤمن به الفرد ويمارسه داخل الجماعة. وهذا ما أكده جوديناف، قائلاً إن: "ثقافة مجتمع ما هو كل ما ينبغي أن يعرفه أو يؤمن به الفرد حتى يستطيع التعامل في مجتمعه بأسلوب يقبله الأفراد الآخرون ولما كانت الثقافة هي ما ينبغي على الناس تعلمه، في مقابل سماتهم البيولوجية الموروثة، فلابد أن يكون قوامها هو الحصيلة النهائية للتعلم، وأعني المعرفة بأكثر معانيها عمومية"( نفسه، ص:131).
ومن هنا فإن المجتمع يمثل الحاضنة الحقيقية لكل ممارسة ثقافية، عبر الممارسة والاكتساب والتعلم. وتخضع اللغة للآلية الاشتغالية ذاتها، لأنها ممارسة يومية حياتية تعتمد بالمقام الأول على الاتفاق والمواضعة.
* عن موقع المدى
عندما يسند كائن مفكر وظيفة جديدة للشيء الطبيعي، بمعنى حين تتخذ الأشياء الطبيعية وظائف أخرى، غير وظيفتها الأيقونية داخل المجتمع. وهذه العملية هي نتاج الاشتغال الفكري للفرد.
من خلال استجابة الشيء الطبيعي لوظيفة معينة، عندها نتعرف عليه من خلال تلك الوظيفة، بوصفه ذا تسمية محددة، ولا يشترط استعماله مرة أخرى، بل الاكتفاء بالتعرف عليه.
عندما يسعى ذلك الشيء باعتباره يستخدم في شيء ما، وليس من الضروري قول هذه التسمية بصوت مرتفع، وكذلك لا تشترط أن تقال للغير(الأحمر فيصل، معجم السيميائيات، ص:97 وما بعدها).
تمخضت طروحات لاندي، عن التنظيم والبرمجة اللذين يمثلان عصب الظاهرة الاجتماعية داخل المجتمع، ويختزل عمليات الإنتاج ومجموعاتها. وقد بلور تصوراته السيميوطيقية الخاصة بالتنظيم والبرمجة في ثلاثة أنواع، وهي:
أنماط الإنتاج: وتمثل قوى الإنتاج وشبكة علاقات الإنتاج.
الإيديولوجيات: وتمثل التنظيمات الاجتماعية، التي تؤسس نظاماً اجتماعياً عاماً داخل المجتمع.
برامج التواصل: وهو البرنامج الذي يضم التواصل اللفظي وغير اللفظي(نفسه، ص:97).
وبذلك، ترتبط السيميوطيقا الثقافية عند لاندي بالجانب الإيديولوجي، من خلال علاقته الترابطية بين السلوكات الإنسانية والإيديولوجيا بوصفها نظام تخطيط المجتمعات لنمط الحياة. إن هدف لاندي هو الكشف عن كل الصفات السلوكية لدى الفرد وتعريتها رغم الإيديولوجية التي اختفت تحت عباءتها.
مثلت طروحات إيكو جوهر المشروع السيميوطيقي للثقافة، وحدده في الوظيفة التي تلعبها العلامة داخل المجتمع. فالعلامة توظف "من أجل نقل معلومات، ومن أجل قول شيء ما، أو الإشارة إلى شيء ما يعرفه شخص ما يريد أن يشاطره الآخر هذه المعرفة، إنها بذلك جزء من سيرورة تواصلية من نوع: مصدر باث قناة إرسالية مرسل إليه"( إيكو، امبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ص:47). إن المثير في مشروع إيكو، هو أنه لا ينظر إلى الأشياء بحياديتها واستقلاليتها، بل من خلال ربطها بسلوكات الأشخاص المنظمة، لأن أيّ نسق تواصلي يؤدي وظيفة ما. وبذلك فإن التمثيل الشمولي للشؤون الثقافية والتي تحدد داخل المؤولات، يشترط وجود نسق دلالي شامل يشكل مجمل معارفنا حول العالم، شريطة أن تكون هذه المعارف مستقرة اجتماعياً، لأنها لا تخضع لإجراءات منهجية، بل لخبرة متراكمة أوجدتها الخبرة والممارسة والمشاهدة. فالثقافة "في كليتها يُنظر إليها باعتبارها نسق أنساق العلامات حيث يصبح داخلها مدلولُ دالَّ ما دالاً لمدلول جديد، كيفما كانت طبيعة النسق" كلام، موضوعات، سلع، أفكار، قيم، أحاسيس، إيماءات أو سلوكات". والسيميائيات، استناداً إلى هذا، هي الشكل العلمي الذي تتخذه الأنثروبولوجيا"( نفسه، ص:117.). وبالتالي لامناص من الوحدة الثقافية، وهو المفهوم الذي اقترحه إيكو، وعرفه بأنه "وحدة ملموسة يمكن التحكم فيها، إنها محسوسة لأنها تتجلى، داخل حقل ثقافة ما، من خلال مؤول: كلمات مكتوبة، رسم، تعريف، حركة أو سلوك خاص حوّله العرف إلى كيانات سيميائية الخ"( نفسه، ص:174). إن الوظيفة الرئيسة للوحدة الثقافية، هو فض التشابك العلائقي بين المتناقضات التي يولدها ذلك التشابك، ومنها:
الواقعية الساذجة التي تطابق بين موضوع فيزيقي وبين علامة، وهذا الأمر ليس صحيحاً.
التيار السلوكي الذي يطابق مع سلوك معين.
النزعة الذهنية التي ترى أن العلامة تتطابق باعتبارها مدلولاً، مع وحدة غير قابلة للمعاينة: فكرة أو حالة وعي الخ(نفسه، ص:173).
وعليه، فإن مؤول العلامة، هو وحدة ثقافية، تشكلها ثقافة المؤول الأصلية. ولا تعمل بذات القصدية التأويلية داخل ثقافة أخرى دون معرفة واستقرار تأويلي لعلامات الثقافة الأخرى، لأن الثقافة هي "الطريقة التي يتم بها تفكيك النسق، داخل ظروف تاريخية وأنثروبولوجية بعينها، ضمن حركة تمنح المعرفة بعداً موضوعياً. وهذا التجزئي يتم على كل المستويات بدءاً من الوحدات الإدراكية الأولية وانتهاء بالأنساق الإيديولوجية"( نفسه، ص:177). فإذا كان كل مؤول علامة هو وحدة ثقافية كما يؤكد إيكو "أو وحدة دلالية، وتنتظم هذه الوحدات داخل ثقافة ما وفق نسق من التقابلات"( نفسه، ص:170)، فهذا يعني أن المؤول يمثل ثقافة أخرى حتى لو كان داخل الثقافة الواحدة، لأن الثقافة بمفهومها الواسع مجموعة وحدات وأنساق ثقافية. ومن المؤكد ستختلف طرائق التأويل حسب مرجعية المؤول للعلامة، على اعتبار "إن الوحدة الثقافية يمكن ترجمتها في علامة معينة استناداً إلى وجود سنن أو من خلال وحدة ثقافية تعد هي ذاتها علامة" أو مقطعاً من الوحدات الثقافية التي تشكل تعريفها الماصدقي"( نفسه، ص:170). فليس من السهل قراءة أو ترجمة وحدة ثقافية بدون مؤول قابل للتعرف بواسطة تنوع المؤولات.
لقد نالت اللغة اهتماماً كبيراً في بحوث جماعة ايطاليا، لكن ضمن وجودها الاجتماعي داخل المجتمع، فمن الصعب التعامل معها بمعزل عن وجودها الثقافي، لأننا نتعلم الوحدات اللغوية من الآخرين داخل الكيان الاجتماعي، لما يمثله من جوانب وأنساق ثقافية. ونصطلح على تلك العلاقة بـ(التتابعية)، لأنها تتبع التطبيع اللغوي بين الأفراد وممارستهم لها. وبالتالي فهي تشكل جزءاً من الثقافة الجمعية للمجتمع، فلو تعلم "فرد بعينه وحدتين لغويتين مختلفتين من جماعتين مختلفتين من الناس، تكون كل من هاتين الوحدتين مرتبطتين بمجموعة مختلفة من القيم والمعتقدات الثقافية"( جوديناف، في: هدسن، علم اللغة الاجتماعي، ص:167).
وإذا كان هذا هو الحال في ثقافتين مختلفتين، فماذا عن الثقافة الواحدة التي تضم اختلافات لغوية كثيرة (اللهجات)؟، إن المعرفة الفردية هي نتاج ما يؤمن به الفرد ويمارسه داخل الجماعة. وهذا ما أكده جوديناف، قائلاً إن: "ثقافة مجتمع ما هو كل ما ينبغي أن يعرفه أو يؤمن به الفرد حتى يستطيع التعامل في مجتمعه بأسلوب يقبله الأفراد الآخرون ولما كانت الثقافة هي ما ينبغي على الناس تعلمه، في مقابل سماتهم البيولوجية الموروثة، فلابد أن يكون قوامها هو الحصيلة النهائية للتعلم، وأعني المعرفة بأكثر معانيها عمومية"( نفسه، ص:131).
ومن هنا فإن المجتمع يمثل الحاضنة الحقيقية لكل ممارسة ثقافية، عبر الممارسة والاكتساب والتعلم. وتخضع اللغة للآلية الاشتغالية ذاتها، لأنها ممارسة يومية حياتية تعتمد بالمقام الأول على الاتفاق والمواضعة.
* عن موقع المدى