نقوس المهدي
كاتب
لم يبدأ البحث الجاد عن هذا الارث المنسي الا في نهاية القرن السابع عشر عندما عثر المستشرق الفرنسي (انطوان كالان Antinc Galland (1646-1715)) على مخطوط نادر من حكايات (الف ليلة وليلة) في اثناء وجوده سفيراً لفرنسا في استانبول، وبتشجيع من الوزير الفرنسي (كولبرت) قام بترجمتها الى الفرنسية ، الا انه تصرف فيها كثيراً، فقد اقتطع منها الكثير من التفاصيل والشطحات اللذيذة والاستشهادات الشعرية، وجعله السلاطين يتكلمون بلهجة (فرساي)، بقصد تكييفها للذوق الفرنسي انذاك، فاضاف وحذف حتى صارت لاتطابق الاصل كل المطابقة وسماها (Les Mill et une unit) واصدر منها اربعة مجلدات ثم بدأ بترجمة قصة (السندباد البحري) عن مخطوطة غير محققة عرف بانها جزء من مجموعة كبيرة لحكايات اسمها (الف ليلة وليلة)
وقد اسعفه الحظ والتوفيق عندما جاءته من بلاد الشام نسخة خطية لهذا الكتاب في اربعة مجلدات، وهي من اقدم النسخ المعروفة وتشتمل على احسن مابقي من متن الكتاب، ومازالت المجلدات الثلاثة الاولى من هذه المخطوطة محفوظة في المكتبة الاهلية بباريس، اما المجلد الرابع فكان مصيره الضياع، وحدث ان صادف كالان رجلا مارونيا من حلب اسمه (حنا) اخذ يحكي له حكايات عربية.. ثم اعطاه بعض الحكايات مكتوبة، وبهذا اكمل كالان مجلداته الاربعة الاخيرة، ثم ظهرت بعد ذلك سبعة مجلدات وتلاها المجلد الثامن سنة 1790 ، والتاسع والعاشر سنة 1712، والحادي عشر والثاني عشر بعد وفاة كالان بعامين، ثم اختفت مخطوطات (حنا) الاصلية، وظهر مخطوطان لحكاية (علاء الدين) واخر لحكاية (علي بابا) حيث شكلت هذه المخطوطات أصل حكايات الليالي التي عرفتها اوروبا باسم (الليالي العربية) وهي لاتزال محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس تحت رقم (باريس سنة 1887) ج28 عدد (1ص 167 -320) وفيها ايضاً دراسة وافية لمخطوط نادر لكتاب (الف ليلة وليلة) وماكتبه كالان في يومياته الى فكتور شوفان. وقد لاقت هذه الترجمات نجاحاً واسعاً، وانشغل الاوربيون في البحث عن اصول هذه الحكايات ، واختلفت اراؤهم حول مرجعيته وزمن تأليفه.. وأول عالم اسهب في بحث هذا الكتاب هو المستشرق (سلفستر دي ساسي) المتوفى سنة 1838 وتلاه المستشرق الالماني (فون هامر) المتوفي سنة 1856 وهو اول من اشار الى وجود نص تاريخي لذكر كتاب الف ليلة وليلة في كتاب (مروج الذهب) للمسعودي المتوفى سنة 346هـ ، حيث اعطانا هذا التاريخ وجود كتاب الليالي. اما اقدم قطعة لمخطوط من هذا الكتاب، فقد عثرت عليها الباحثة العريية (نبيهة عبود Nabia Abbott) بين اوراق البردي العربية التي اقتناها بعد ذلك المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو سنة 1947، وهي قطعة ذات وجهين، وترقى الى المائة التاسعة للميلاد، وقد وفت هذه الباحثة حق تلك القطعة من الدرس والتحقيق في بحث طويل واول طبعة عربية حديثة لكتاب (الف ليلة وليلة) اصبحت في متناول الجميع جاءت عن مخطوط قديم للكتاب حصل عليه (باتريك رسل) من حلب، وهو في مجلدين ولكنه غير كامل ويشبه مخطوط (كالان) والجزء الاول من هذا المخطوط محفوظ حتى الان في مكتبة (جون ريلاندز) الذي اصدره عام 1794 ونشر عنه مقالاً مطولاً في مجلة (جنتلمان) عدد شباط 1799 ، وهذا المخطوط يعتبر الاساس للنسخة التي تسمى (طبعة كلكتا) الاولى للمائتي ليلة، ثم الحقت بها تتمة من مخطوط (لانجلس Langels.L) اما المحاولة الثانية لطبع الكتاب بالعربية فكانت على يد (مكسيمليان هابشت) اخرجه في (برسلاو) بثمانية مجلدات بين سنة 1825 و1838 ثم اصدر (فليشر) المجلدات الاربعة الباقية بين سنة 1842و1843 وادعى بانه اخذ عن مخطوط تونسي، اما النصوص العربية الاخرى فقد اخذت عن النص المصري الحديث. لكن هناك امر مهم للغاية بشأن الكتاب يقول عنه ليتمان : (اما جميع النصوص العربية الاخرى فقد اخذت عن النص المصري الحديث جداً. والفضل يرجع في تحقيق هذا الى زوتبرغ الذي وصل الى هذا الرأي بعد دراسة جميع المخطوطات التي كانت موجودة، واستطاع الحصول عليها وموازنتها بالمخطوط المصري، وهناك دليل اخر يؤيد هذا الرأي ففي شهر تموز سنة 1807 كان ستزن في القاهرة ، وكتب في يومياته يقول : ان (أسلن) Asselin اكتشف ان مخطوطات الف ليلة وليلة المتداولة في مصر قد جمعها واحد من الشيوخ وان هذا الشيخ توفي منذ 26 عاماً، ولسوء الحظ ترك أسلن في يومياته بياضاً مكان اسم هذا الشيخ.ثم اضاف الى هذا: ان المجموعة الاصلية التي وصلت الى يد هذا الشيخ كانت تشتمل على مئتي ليلة وانه جمع بقية الليالي من حكايات متفرقة معروفة..).
وهناك مخطوط اخر حصل عليه المستشرق الفرنسي (سنت كروز باجو) من الشيخ (رفاعة افندي) مدير مدرسة اللغات في القاهرة ، وذكر له انها كانت محفوظة عند اسرته منذ دهر طويل ، وهي مكتوبة على (الرق) وعنوانها (ماية ليلة وليلة) واطار هذا الجزء كاطار الف ليلة وليلة وهي مغربية.
تعتبر (طبعة بولاق الاولى) المصرية اول طبعة معروفة للمخطوط المصري القديم ، وقد ارسلت نسخة من هذا المخطوط الى الهند وطبعها (منكاتن) W.H.Macnaghten بكلكتة في اربعة مجلدات بين سنة 1838 و1842 وهي التي تولى الشيخ (الشيرواني) العناية بها تحت رعاية كلية (فورت وليام) وهذه الطبعة ناقصة نحو مائتي ليلة ، وتعد من اندر طبعات الكتاب في الشرق. ومن خلال هذا العرض يتبين لنا ان كتاب (الف ليلة وليلة) كان مجزءاً ومشتتا في المكاتب الخاصة، ويرجع السبب الى الخرافة التي يتناقلها بعض الناس عن هذه الكتب، اذ يقول الاستاذ جعفر الخليلي في احد مقالاته: ( وصحب اسم الف ليلة وليلة الشؤم عن بعض المتشائمين كما صحب اسم ابن الرومي، وكما صحب موسوعة الاغاني التي لم يكن يقتنيها المقتنون كاملة وانما ينقص البعض منهم الجزء الاخير او يخرجه من مجموعته ويضمه الى مجموعة اخرى من الكتب في نفس المكتبة او في غرفة اخرى ، تفادياً من حدوث الشر! وما اجتمعت الف ليلة وليلة كاملة في بيت حتى حل الفراق بين الاحباب وتشتت الجمع ايدي سبأ).
زمن تأليف الف ليلة وليلة
ان اول اشارة لقدم هذا الكتاب جاءت في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) لابي علي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة 907 م يقول فيه: (ان هذه اخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب الى الملوك بروايتها. وان سبيلها سبيل الكتب المنقولة الينا والمترجمة من الفارسية والهندية والرومية- وفي رواية اخرى الفهلوية بدل الهندية- مثل كتاب هزار افسان وتفسير ذلك بالفارسية الف خرافة.. والناس يسمون هذا الكتاب الف ليلة وليلة..) وهناك اشارة تاريخية اخرى ذكرها ابن النديم (297 -378 هـ) في كتالبه (الفهرست) يقول فيها : (..فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب هوار افسان ومعناه الف خرافة، وكان السبب في ذلك ان ملكاً من ملوكهم كان اذا تزوج امرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد فتزوج بجارية من اولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما خلت معه ابتدأت تخرقه وتصل الحديث عن انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث، الى ان اتى عليها الف ليلة.. فاستعقلها ومال اليها واستبقاها. وكان للملك قهرمانة يقال لها دينار زاد فكانت موافقة لها على ذلك..) وفي ضوء هذه الاشارات التاريخية نستدل على وجود كتاب الليالي في زمن لايخرج عن (950 و1000م) وهذا ادق تاريخ حتى الان، لاسباب تتعلق بأبي حيان التوحيدي، لانه لم يذكر كتاب الف ليلة ولم يتعرض له بسوء بينما ذكر كتاب هزار افساتة وماشاكله من ضروب الخرافات.
__________________
وقد اسعفه الحظ والتوفيق عندما جاءته من بلاد الشام نسخة خطية لهذا الكتاب في اربعة مجلدات، وهي من اقدم النسخ المعروفة وتشتمل على احسن مابقي من متن الكتاب، ومازالت المجلدات الثلاثة الاولى من هذه المخطوطة محفوظة في المكتبة الاهلية بباريس، اما المجلد الرابع فكان مصيره الضياع، وحدث ان صادف كالان رجلا مارونيا من حلب اسمه (حنا) اخذ يحكي له حكايات عربية.. ثم اعطاه بعض الحكايات مكتوبة، وبهذا اكمل كالان مجلداته الاربعة الاخيرة، ثم ظهرت بعد ذلك سبعة مجلدات وتلاها المجلد الثامن سنة 1790 ، والتاسع والعاشر سنة 1712، والحادي عشر والثاني عشر بعد وفاة كالان بعامين، ثم اختفت مخطوطات (حنا) الاصلية، وظهر مخطوطان لحكاية (علاء الدين) واخر لحكاية (علي بابا) حيث شكلت هذه المخطوطات أصل حكايات الليالي التي عرفتها اوروبا باسم (الليالي العربية) وهي لاتزال محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس تحت رقم (باريس سنة 1887) ج28 عدد (1ص 167 -320) وفيها ايضاً دراسة وافية لمخطوط نادر لكتاب (الف ليلة وليلة) وماكتبه كالان في يومياته الى فكتور شوفان. وقد لاقت هذه الترجمات نجاحاً واسعاً، وانشغل الاوربيون في البحث عن اصول هذه الحكايات ، واختلفت اراؤهم حول مرجعيته وزمن تأليفه.. وأول عالم اسهب في بحث هذا الكتاب هو المستشرق (سلفستر دي ساسي) المتوفى سنة 1838 وتلاه المستشرق الالماني (فون هامر) المتوفي سنة 1856 وهو اول من اشار الى وجود نص تاريخي لذكر كتاب الف ليلة وليلة في كتاب (مروج الذهب) للمسعودي المتوفى سنة 346هـ ، حيث اعطانا هذا التاريخ وجود كتاب الليالي. اما اقدم قطعة لمخطوط من هذا الكتاب، فقد عثرت عليها الباحثة العريية (نبيهة عبود Nabia Abbott) بين اوراق البردي العربية التي اقتناها بعد ذلك المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو سنة 1947، وهي قطعة ذات وجهين، وترقى الى المائة التاسعة للميلاد، وقد وفت هذه الباحثة حق تلك القطعة من الدرس والتحقيق في بحث طويل واول طبعة عربية حديثة لكتاب (الف ليلة وليلة) اصبحت في متناول الجميع جاءت عن مخطوط قديم للكتاب حصل عليه (باتريك رسل) من حلب، وهو في مجلدين ولكنه غير كامل ويشبه مخطوط (كالان) والجزء الاول من هذا المخطوط محفوظ حتى الان في مكتبة (جون ريلاندز) الذي اصدره عام 1794 ونشر عنه مقالاً مطولاً في مجلة (جنتلمان) عدد شباط 1799 ، وهذا المخطوط يعتبر الاساس للنسخة التي تسمى (طبعة كلكتا) الاولى للمائتي ليلة، ثم الحقت بها تتمة من مخطوط (لانجلس Langels.L) اما المحاولة الثانية لطبع الكتاب بالعربية فكانت على يد (مكسيمليان هابشت) اخرجه في (برسلاو) بثمانية مجلدات بين سنة 1825 و1838 ثم اصدر (فليشر) المجلدات الاربعة الباقية بين سنة 1842و1843 وادعى بانه اخذ عن مخطوط تونسي، اما النصوص العربية الاخرى فقد اخذت عن النص المصري الحديث. لكن هناك امر مهم للغاية بشأن الكتاب يقول عنه ليتمان : (اما جميع النصوص العربية الاخرى فقد اخذت عن النص المصري الحديث جداً. والفضل يرجع في تحقيق هذا الى زوتبرغ الذي وصل الى هذا الرأي بعد دراسة جميع المخطوطات التي كانت موجودة، واستطاع الحصول عليها وموازنتها بالمخطوط المصري، وهناك دليل اخر يؤيد هذا الرأي ففي شهر تموز سنة 1807 كان ستزن في القاهرة ، وكتب في يومياته يقول : ان (أسلن) Asselin اكتشف ان مخطوطات الف ليلة وليلة المتداولة في مصر قد جمعها واحد من الشيوخ وان هذا الشيخ توفي منذ 26 عاماً، ولسوء الحظ ترك أسلن في يومياته بياضاً مكان اسم هذا الشيخ.ثم اضاف الى هذا: ان المجموعة الاصلية التي وصلت الى يد هذا الشيخ كانت تشتمل على مئتي ليلة وانه جمع بقية الليالي من حكايات متفرقة معروفة..).
وهناك مخطوط اخر حصل عليه المستشرق الفرنسي (سنت كروز باجو) من الشيخ (رفاعة افندي) مدير مدرسة اللغات في القاهرة ، وذكر له انها كانت محفوظة عند اسرته منذ دهر طويل ، وهي مكتوبة على (الرق) وعنوانها (ماية ليلة وليلة) واطار هذا الجزء كاطار الف ليلة وليلة وهي مغربية.
تعتبر (طبعة بولاق الاولى) المصرية اول طبعة معروفة للمخطوط المصري القديم ، وقد ارسلت نسخة من هذا المخطوط الى الهند وطبعها (منكاتن) W.H.Macnaghten بكلكتة في اربعة مجلدات بين سنة 1838 و1842 وهي التي تولى الشيخ (الشيرواني) العناية بها تحت رعاية كلية (فورت وليام) وهذه الطبعة ناقصة نحو مائتي ليلة ، وتعد من اندر طبعات الكتاب في الشرق. ومن خلال هذا العرض يتبين لنا ان كتاب (الف ليلة وليلة) كان مجزءاً ومشتتا في المكاتب الخاصة، ويرجع السبب الى الخرافة التي يتناقلها بعض الناس عن هذه الكتب، اذ يقول الاستاذ جعفر الخليلي في احد مقالاته: ( وصحب اسم الف ليلة وليلة الشؤم عن بعض المتشائمين كما صحب اسم ابن الرومي، وكما صحب موسوعة الاغاني التي لم يكن يقتنيها المقتنون كاملة وانما ينقص البعض منهم الجزء الاخير او يخرجه من مجموعته ويضمه الى مجموعة اخرى من الكتب في نفس المكتبة او في غرفة اخرى ، تفادياً من حدوث الشر! وما اجتمعت الف ليلة وليلة كاملة في بيت حتى حل الفراق بين الاحباب وتشتت الجمع ايدي سبأ).
زمن تأليف الف ليلة وليلة
ان اول اشارة لقدم هذا الكتاب جاءت في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) لابي علي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة 907 م يقول فيه: (ان هذه اخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب الى الملوك بروايتها. وان سبيلها سبيل الكتب المنقولة الينا والمترجمة من الفارسية والهندية والرومية- وفي رواية اخرى الفهلوية بدل الهندية- مثل كتاب هزار افسان وتفسير ذلك بالفارسية الف خرافة.. والناس يسمون هذا الكتاب الف ليلة وليلة..) وهناك اشارة تاريخية اخرى ذكرها ابن النديم (297 -378 هـ) في كتالبه (الفهرست) يقول فيها : (..فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب هوار افسان ومعناه الف خرافة، وكان السبب في ذلك ان ملكاً من ملوكهم كان اذا تزوج امرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد فتزوج بجارية من اولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما خلت معه ابتدأت تخرقه وتصل الحديث عن انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث، الى ان اتى عليها الف ليلة.. فاستعقلها ومال اليها واستبقاها. وكان للملك قهرمانة يقال لها دينار زاد فكانت موافقة لها على ذلك..) وفي ضوء هذه الاشارات التاريخية نستدل على وجود كتاب الليالي في زمن لايخرج عن (950 و1000م) وهذا ادق تاريخ حتى الان، لاسباب تتعلق بأبي حيان التوحيدي، لانه لم يذكر كتاب الف ليلة ولم يتعرض له بسوء بينما ذكر كتاب هزار افساتة وماشاكله من ضروب الخرافات.
__________________