نقوس المهدي
كاتب
تعتمد الكتب الخالدة في التاريخ على مضامين متعالية تكرس دلالات انسانية عميقة تمتد جذورها الى اعماق سحيقة تتجدد بمرور الزمن ولاتقف عند حد معين بل هي في حالة صيرورة دائمة تشكل عوامل نموها من داخل اروقتها الفكرية المتوهجة ، ولعل كتاب الف ليلة وليلة هو احد الكتب المهمة التي اعتمدت على الادب الشعبي والاثارة والتسلية والحكمة ((هذا الكتاب الذي خلب عقول الاجيال في الشرق والغرب قرونا طوالآ والذي نظرالشرق اليه على انه متعة ولهو وتسلية ونظر الغرب اليه على انه كذلك متعة ولهو وتسلية ولكن على انه ابعد من ذلك خليق ان يكون موضوعآ صالحآ للبحث المنتج والدرس الخصب )) كما يقول د طه حسين ..
وتعد حكايات الف ليلة وليلة من اهم الحكايات التي حفظها لنا التاريخ تناولت الادب الشعبي وارتقت به الى مراتب عليا وتضم القصص والاشعار والحكم والعبر والتسلية, لذا فأن النظر اليها يكون مغايراً، وتناولها في الدرس والبحث هو الاخر يكون بشكل اكثر دقة وشمولية لاحتوائها على تفاصيل دقيقة على المتتبع ملاحقتها بتأن وترو وامعان .
وحكايات الف ليلة وليلة لم تؤثر في الادب العربي حسب وانما تعدى تأثيرها الى الآداب الأخرى لاسيما الاداب الاوربية بشكل ملحوظ. مأخوذين بسحرها وحيويتها ودفقها فتعددت الترجمات وكثرت الدراسات والاقبال عليها يزداد يومآ بعد آخر قراءة وبحثآ واستنتاجآ واذا ماكانت بعض الدراسات والآراء تشكك في مرجعية الحكايات العربية هذه فان كتاب د سهير القلماوي الموسوم (الف ليلة وليلة)كرسته الباحثة للتدليل على ان اصول هذا الكتاب عربية ولم تؤثر بعض المفردات والحكايا التي تسربت اليها في الغاء هويتها العربية .
فالمناخ العربي الاسلامي واضح فيها اشد الوضوح من خلال تناول الشخصيات في الحكايات آيات القرآن الكريم وذكره والتوكل عليه في كل نائبة والتمثل للدين الاسلامي والسعي وراء الحق ونبذالباطل . لذلك لم تكن حكايات الف ليلة وليلة مجرد حكايات يحتدم فيها الصراع بين الخير المطلق والشر المطلق وانما تتخلل عوالمها روح المغامرة والاجواء السحرية وجزر السندباد متجلياً فيها سحر القوة وسحر الضعف وسحر المرأة والخيال الجامح الذي لايلغي الواقع بقدر مايحيله الىحلم او تصور مثالي فالف ليلة وليلة هي المدينة الفاضلة بكل ملائكتها وشياطينها وكائناتها الغريبة أسست على مدى الاجيال مرجعية تمثل المرتكز الاساس للعقل والشعور الجمعي العربي .
وباعتقادنا ان الف ليلة وليلة وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها انها على الرغم من كل هذا الحضور الضاج في الذاكرة والتداول فانها لم تأخذ الحيز الذي يناسب حجمها وتأثيرها في دائرة التفكير العربي ابداعاً وموروثاً .
ولايتعلق الامر بقلة ماكتب عنها من دراسات واضاءات متباينة وانما الامر يرتبط اساسآ بمدونة سردية تمتلك كل هذا المناخ العميق والمتشابك من الشخصيات والعوالم والقصص وتبدو عصية على ان تمنح نفسها كليا وتاسسيسيا على هذا التصور ستظل الف ليلة وليلة حكايات تشبه نصاً مفتوحاً ولغزاً عميقاً وشفافاً يتشكل معناه في كل زمن وفي كل عقل وترسم منحنيات تاثيرها في كل ذائقة تتفاعل معها ونجد ان تاثير هذه المدونة السردية الكبيرة امتد الى خارج نطاق العرب ليؤسس مثابات تناصية واضحة الآثار والمعالم في نتاج وابداع الغرب لاسيما في فن الرواية والقصة القصيرة وحتى قبل ان يتبلور الفن الروائي في شكله التعبيري الناضج او ما يعرف بالشكل البلزاكي لقد تسللت روح الف ليلة وليلة في جحيم دانتي واستمر هذه التأثير واتسعت دائرته ونجد روح التأثير تلك متوهجة اكثر وموظفة بصورة ادق في اعمال خورخي لويس بورخس الكاتب الارجنتيني المعروف والروائي الايطالي امبرتو ايكو اللذين ولم يخفيا تاثرهما بهذه المرجعية الخالدة وانما يوكدان ذلك في المناسبات التي تتاح لهما للحديث عن اعمالهم ونجد ايضا ملامح الف ليلة وليلة في عدد كبير من القصص والقصائد والروايات التي تحتل موقعا مهما في ابداع الغرب لاسيما وان الاماكن التي وصل اليها العرب استطاعت ان تصدر ممتلكاتها الادبية ونتاجها الفكري والأدبي فقد كانت اسبانيا مرتكزا لذلك الارسال الابداعي العربي وتزداد اهمية هذا الراي حين ندرك ان اللغة والثقافة الاسبانية قد اكتسحت اوربا ووصلت الى كل بقاع العالم ونقلت معها مبثوثات الليالي وغيرها ما ترسخ في ذاكرة الغرب مثل حي بن يقظان لابن طفيل حيث اخرج ابن طفيل الحكاية من سرديتها الخيالية الى تأويلها الفلسفي والوجدوي.
واذا ما كانت رواية اسم الوردة للايطالي امبرتوايكو المشتغل في حقل السيميولوجيا قد مثلت ذروة السرد الغربي الحداثوي واشتغالاتها على المبثوث السردي العلاماتي فان هذا العمل الهائل والمعقد في بنيته يدين في تشكلاته المتباينة لمتجهات وانساق الليالي الالف وقد كان في جوهره يعكس مغامرة لاكتشاف عالم غامض والدخول الى الكنائس والاديرة والتاريخ المسيحي في القرون الوسطى.
مجسدا الجدل اللاهوتي والوجودي المشتبك في تلك المرحلة التي تمثل ووفقا لرؤية تأويلية الخميرة التي لم تتخلق بعد لتنتج هذا الانزياح الحضاري والصناعي والتكنولوجي الذي يحتفي به الغرب اليوم.. وكان ارتكاز الرواية على حكاية الكتاب المسموم، احدى حكايات الف ليلة وليلة حيث وظفها ايكو ضمن روايته هذه، وعبر بها الافاق وسجل لنفسه عملاً كبيراً، اعتبره الكثير من النقاد من اهم الاعمال الروائية التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيما مترجم الرواية من الايطالية الى العربية الاستاذ احمد الصمعي اذ يقول في مقدمة الرواية:
هذا الكتاب اذن يهمنا يهمنا كقراء متطلعين الى ما يجد على الساحة الادبية والفنية من اعمال تستحق ان تترجم وان يقع التعريف بها كعرب ومسلمين لانه بانتشاره عبر انحاء الدنيا ينشر صورة للحضارة الاسلامية الماضية تتسم بتقدم العلوم والمعارف وبروح التسامح والتفتح . هذا فيما يخص تأثر الرواية بالمصادر الاسلامية التي هي عربية اساساً وبالعلوم والمعارف اما ما يخص الف ليلة وليلة بالذات فيقول في احدى حكايات الف ليلة وليلة نجد ايضا كتابا مسموعا تروي الحكاية قصة حكيم استطاع ان يشفي ملكا من داء اصاب جلده واستعصى على كل اطباء وعلماء مملكته الى ان تملك الحسد وزيره فسعى لهلاكه لدى الملك موعزا اليه انه بأمكان الطبيب الذي شفاه بدون دواء ان يقتله ايضا بدون مرهم او سلاح لو اراد..
وعمل بكل جهده الى ان اقتنع الملك بذلك واستدعى الطبيب معلنا له القرار الذي اتخذه باعدامه للسبب الذي ذكره وزيره.. ولما رأى الطبيب ان لافائدة من اقناع الملك بالعدول عن قراره استسمحه في الذهاب الى بيته للتصرف في كتبه النفيسة بتوزيعها على تلاميذه وزملائه كي ينتفعوا منها معلناً للملك ان يريد اهداءه كتابا عتيقا .
فسمح له الملك بذلك ولما جاءه الحكيم بالكتاب فتحه الملك فوجده ملصقاً فحط اصبعه في فمه وبله بريقه وفتح اول ورقة والثانية والثالثة والورق لا ينفتح الا بجهد ففتح الملك ست ورقات ونظر فلم يجد كتابة فقال الملك ايها الحكيم ما فيه شيء مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن الا قليل من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته (الليلة الخامسة)ثم يضيف الاستاذ الصمعي :
لقد اعاد ايكو توظيف هذه الحيلة بذكاء كبير .ونجد استثمارا ناضجا وراقيا كهذا وغيره في مختلف الانواع الادبية الغربية وتحدث بورخس في اكثر من مناسبة عن تاثير حكايات الف ليلة وليلة في قصصه وكيفية استلهامه لطريقة السرد وتوظيف المضامين التي جاءت فيها في اعماله . وكان هذا واضحا في المجموعة القصصية التي ترجمتها الشاعرة اللبنانية نهاد الحايك الى العربية تحت عنوان (تقرير برودي وقصص اخرى) وصدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في عام 1988وفي قصصه الاخرى التي كانت تنحى ذات المنحى دون تردد او وجل اذ يقول بورخس في مقدمة المجموعة) تهدف حكاياتي كحكايات الف ليلة وليلة الى التسلية والاثارة ولاتبغي الاقناع اطلاقاً ولعل هدفاً كهذا. يمنع الافتراض بأنني ابحث عن سجن نفسي في برج عاجي لاستعادة الصور السينمائية) .
ونحيل القارىء الى قصة الدخيلة اولى قصص المجموعة المذكورة اذ تبدأ بهذه العبارة التي تشبه بدايات حكايات الف ليلة وليلة (يقولون وهذا بعيد الاحتمال ان هذه الحكاية رواها ادواردو، صغير الاخوة نيلسون، خلال سهرة مأتم الاخ الاكبر كريستيان الذي مات ميتة طبيعية في نحو عام 1890 في بلدة كورون) فضلآ عن مضمون القصة الذي يتشكل من حب وخيانة وقتل .
لكننا لانجد مثل هذا التوظيف والاستثمار في الادب العربي الحديث لاسيما في الرواية كونها الاقرب الى فن الحكايات وان كانت هنالك محاولات هنا وهناك فانها لاترقى الى تقنية الاستثمار الغربي وتجذير الحكاية ومنحها ابعاداً جديدة وتحويل انساقها من حكاية تعتمد الخيال الى شفرة سردية التأويل والايحاء .
فالذين كتبوا الليالي في عصرنا هذا هم الذين عشقوا اجواءها وتماثلوا معها لكنهم لم يسقطوا في منزلق التقليد او التبعية السلبية بقدر توهجهم بها ومعها باتجاه المغايرة واستثمار طاقاتها التأويلية.
وتعد حكايات الف ليلة وليلة من اهم الحكايات التي حفظها لنا التاريخ تناولت الادب الشعبي وارتقت به الى مراتب عليا وتضم القصص والاشعار والحكم والعبر والتسلية, لذا فأن النظر اليها يكون مغايراً، وتناولها في الدرس والبحث هو الاخر يكون بشكل اكثر دقة وشمولية لاحتوائها على تفاصيل دقيقة على المتتبع ملاحقتها بتأن وترو وامعان .
وحكايات الف ليلة وليلة لم تؤثر في الادب العربي حسب وانما تعدى تأثيرها الى الآداب الأخرى لاسيما الاداب الاوربية بشكل ملحوظ. مأخوذين بسحرها وحيويتها ودفقها فتعددت الترجمات وكثرت الدراسات والاقبال عليها يزداد يومآ بعد آخر قراءة وبحثآ واستنتاجآ واذا ماكانت بعض الدراسات والآراء تشكك في مرجعية الحكايات العربية هذه فان كتاب د سهير القلماوي الموسوم (الف ليلة وليلة)كرسته الباحثة للتدليل على ان اصول هذا الكتاب عربية ولم تؤثر بعض المفردات والحكايا التي تسربت اليها في الغاء هويتها العربية .
فالمناخ العربي الاسلامي واضح فيها اشد الوضوح من خلال تناول الشخصيات في الحكايات آيات القرآن الكريم وذكره والتوكل عليه في كل نائبة والتمثل للدين الاسلامي والسعي وراء الحق ونبذالباطل . لذلك لم تكن حكايات الف ليلة وليلة مجرد حكايات يحتدم فيها الصراع بين الخير المطلق والشر المطلق وانما تتخلل عوالمها روح المغامرة والاجواء السحرية وجزر السندباد متجلياً فيها سحر القوة وسحر الضعف وسحر المرأة والخيال الجامح الذي لايلغي الواقع بقدر مايحيله الىحلم او تصور مثالي فالف ليلة وليلة هي المدينة الفاضلة بكل ملائكتها وشياطينها وكائناتها الغريبة أسست على مدى الاجيال مرجعية تمثل المرتكز الاساس للعقل والشعور الجمعي العربي .
وباعتقادنا ان الف ليلة وليلة وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها انها على الرغم من كل هذا الحضور الضاج في الذاكرة والتداول فانها لم تأخذ الحيز الذي يناسب حجمها وتأثيرها في دائرة التفكير العربي ابداعاً وموروثاً .
ولايتعلق الامر بقلة ماكتب عنها من دراسات واضاءات متباينة وانما الامر يرتبط اساسآ بمدونة سردية تمتلك كل هذا المناخ العميق والمتشابك من الشخصيات والعوالم والقصص وتبدو عصية على ان تمنح نفسها كليا وتاسسيسيا على هذا التصور ستظل الف ليلة وليلة حكايات تشبه نصاً مفتوحاً ولغزاً عميقاً وشفافاً يتشكل معناه في كل زمن وفي كل عقل وترسم منحنيات تاثيرها في كل ذائقة تتفاعل معها ونجد ان تاثير هذه المدونة السردية الكبيرة امتد الى خارج نطاق العرب ليؤسس مثابات تناصية واضحة الآثار والمعالم في نتاج وابداع الغرب لاسيما في فن الرواية والقصة القصيرة وحتى قبل ان يتبلور الفن الروائي في شكله التعبيري الناضج او ما يعرف بالشكل البلزاكي لقد تسللت روح الف ليلة وليلة في جحيم دانتي واستمر هذه التأثير واتسعت دائرته ونجد روح التأثير تلك متوهجة اكثر وموظفة بصورة ادق في اعمال خورخي لويس بورخس الكاتب الارجنتيني المعروف والروائي الايطالي امبرتو ايكو اللذين ولم يخفيا تاثرهما بهذه المرجعية الخالدة وانما يوكدان ذلك في المناسبات التي تتاح لهما للحديث عن اعمالهم ونجد ايضا ملامح الف ليلة وليلة في عدد كبير من القصص والقصائد والروايات التي تحتل موقعا مهما في ابداع الغرب لاسيما وان الاماكن التي وصل اليها العرب استطاعت ان تصدر ممتلكاتها الادبية ونتاجها الفكري والأدبي فقد كانت اسبانيا مرتكزا لذلك الارسال الابداعي العربي وتزداد اهمية هذا الراي حين ندرك ان اللغة والثقافة الاسبانية قد اكتسحت اوربا ووصلت الى كل بقاع العالم ونقلت معها مبثوثات الليالي وغيرها ما ترسخ في ذاكرة الغرب مثل حي بن يقظان لابن طفيل حيث اخرج ابن طفيل الحكاية من سرديتها الخيالية الى تأويلها الفلسفي والوجدوي.
واذا ما كانت رواية اسم الوردة للايطالي امبرتوايكو المشتغل في حقل السيميولوجيا قد مثلت ذروة السرد الغربي الحداثوي واشتغالاتها على المبثوث السردي العلاماتي فان هذا العمل الهائل والمعقد في بنيته يدين في تشكلاته المتباينة لمتجهات وانساق الليالي الالف وقد كان في جوهره يعكس مغامرة لاكتشاف عالم غامض والدخول الى الكنائس والاديرة والتاريخ المسيحي في القرون الوسطى.
مجسدا الجدل اللاهوتي والوجودي المشتبك في تلك المرحلة التي تمثل ووفقا لرؤية تأويلية الخميرة التي لم تتخلق بعد لتنتج هذا الانزياح الحضاري والصناعي والتكنولوجي الذي يحتفي به الغرب اليوم.. وكان ارتكاز الرواية على حكاية الكتاب المسموم، احدى حكايات الف ليلة وليلة حيث وظفها ايكو ضمن روايته هذه، وعبر بها الافاق وسجل لنفسه عملاً كبيراً، اعتبره الكثير من النقاد من اهم الاعمال الروائية التي صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيما مترجم الرواية من الايطالية الى العربية الاستاذ احمد الصمعي اذ يقول في مقدمة الرواية:
هذا الكتاب اذن يهمنا يهمنا كقراء متطلعين الى ما يجد على الساحة الادبية والفنية من اعمال تستحق ان تترجم وان يقع التعريف بها كعرب ومسلمين لانه بانتشاره عبر انحاء الدنيا ينشر صورة للحضارة الاسلامية الماضية تتسم بتقدم العلوم والمعارف وبروح التسامح والتفتح . هذا فيما يخص تأثر الرواية بالمصادر الاسلامية التي هي عربية اساساً وبالعلوم والمعارف اما ما يخص الف ليلة وليلة بالذات فيقول في احدى حكايات الف ليلة وليلة نجد ايضا كتابا مسموعا تروي الحكاية قصة حكيم استطاع ان يشفي ملكا من داء اصاب جلده واستعصى على كل اطباء وعلماء مملكته الى ان تملك الحسد وزيره فسعى لهلاكه لدى الملك موعزا اليه انه بأمكان الطبيب الذي شفاه بدون دواء ان يقتله ايضا بدون مرهم او سلاح لو اراد..
وعمل بكل جهده الى ان اقتنع الملك بذلك واستدعى الطبيب معلنا له القرار الذي اتخذه باعدامه للسبب الذي ذكره وزيره.. ولما رأى الطبيب ان لافائدة من اقناع الملك بالعدول عن قراره استسمحه في الذهاب الى بيته للتصرف في كتبه النفيسة بتوزيعها على تلاميذه وزملائه كي ينتفعوا منها معلناً للملك ان يريد اهداءه كتابا عتيقا .
فسمح له الملك بذلك ولما جاءه الحكيم بالكتاب فتحه الملك فوجده ملصقاً فحط اصبعه في فمه وبله بريقه وفتح اول ورقة والثانية والثالثة والورق لا ينفتح الا بجهد ففتح الملك ست ورقات ونظر فلم يجد كتابة فقال الملك ايها الحكيم ما فيه شيء مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن الا قليل من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته (الليلة الخامسة)ثم يضيف الاستاذ الصمعي :
لقد اعاد ايكو توظيف هذه الحيلة بذكاء كبير .ونجد استثمارا ناضجا وراقيا كهذا وغيره في مختلف الانواع الادبية الغربية وتحدث بورخس في اكثر من مناسبة عن تاثير حكايات الف ليلة وليلة في قصصه وكيفية استلهامه لطريقة السرد وتوظيف المضامين التي جاءت فيها في اعماله . وكان هذا واضحا في المجموعة القصصية التي ترجمتها الشاعرة اللبنانية نهاد الحايك الى العربية تحت عنوان (تقرير برودي وقصص اخرى) وصدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في عام 1988وفي قصصه الاخرى التي كانت تنحى ذات المنحى دون تردد او وجل اذ يقول بورخس في مقدمة المجموعة) تهدف حكاياتي كحكايات الف ليلة وليلة الى التسلية والاثارة ولاتبغي الاقناع اطلاقاً ولعل هدفاً كهذا. يمنع الافتراض بأنني ابحث عن سجن نفسي في برج عاجي لاستعادة الصور السينمائية) .
ونحيل القارىء الى قصة الدخيلة اولى قصص المجموعة المذكورة اذ تبدأ بهذه العبارة التي تشبه بدايات حكايات الف ليلة وليلة (يقولون وهذا بعيد الاحتمال ان هذه الحكاية رواها ادواردو، صغير الاخوة نيلسون، خلال سهرة مأتم الاخ الاكبر كريستيان الذي مات ميتة طبيعية في نحو عام 1890 في بلدة كورون) فضلآ عن مضمون القصة الذي يتشكل من حب وخيانة وقتل .
لكننا لانجد مثل هذا التوظيف والاستثمار في الادب العربي الحديث لاسيما في الرواية كونها الاقرب الى فن الحكايات وان كانت هنالك محاولات هنا وهناك فانها لاترقى الى تقنية الاستثمار الغربي وتجذير الحكاية ومنحها ابعاداً جديدة وتحويل انساقها من حكاية تعتمد الخيال الى شفرة سردية التأويل والايحاء .
فالذين كتبوا الليالي في عصرنا هذا هم الذين عشقوا اجواءها وتماثلوا معها لكنهم لم يسقطوا في منزلق التقليد او التبعية السلبية بقدر توهجهم بها ومعها باتجاه المغايرة واستثمار طاقاتها التأويلية.