نقوس المهدي
كاتب
ألف ليلة وليلة قيمة كبيرة جدا في التراث الأدبي الإنساني كله، وتتجلى فيها قدرة المؤلف الشعبي المجهول على أن يستبطن معلومات وقيم عصره أو عدة عصور ويعيد إنتاجها بشكل يعكس ذائقته الخاصة، وفي الكتاب أمور كثيرة شديدة الإمتاع وأخرى تصلح مجالاً لدراسات علمية، خاصة الجانب اللغوي، فلغة ألف ليلة وليلة تعكس تطوراً تاريخياً للغة العربية ولبعض تجليات العامية التاريخية المصرية وغيرها.
وبعد أن أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة -في مصر- الطبعة الكاملة لهذا العمل الأدبي الكبير الذي حققته الدكتورة الراحلة سهير القلماوي ونالت عنه رسالة الدكتوراه بأشراف عميد الأدب العربي طه حسين في سلسلة الذخائر التي تعنى بكتب التراث ظهرت موجة قانونية ضده انتهت بالحكم بالتداول باعتباره رائدا لا يزال يجذب الاهتمام لقيمته الكبيرة، ويعد أحد آثارنا الخالدة وقد قال عنه نجيب محفوظ أنه "موسوعة الحضارة العربية الحقيقية"، بينما قال طه حسين عن رسالة الدكتوراه التي قدمتها سهير القلماوى حوله أنها من الرسائل البارعة وتأتى براعتها من مؤلفتها ومن موضوعها "ألف ليلة وليلة" الذي خلب عقول الشباب على مر الأجيال، وبفضل دراسة سهير القلماوى انتقلت "ألف ليلة وليلة" من منطقة السحر إلى منطقة الوعي ومن أفق الغموض إلى اكتشاف الدلالات واكتشاف جوانب كثيرة كانت مجهولة منها، ويوصى بعض العلماء بأنه هناك عملان في تراثنا العربي يجب أن يقررا على طلبة المدارس هما " ألف ليلة وليلة"، و"مقدمة ابن خلدون". لبناء حقيقي للنهضة حيث اهتمت من خلالها بتراثنا الشعبي المهمل، ومؤكدين أنه إذا أردنا تحقيق نهضة فعلية فيجب أن نبدأ بتراثنا الشعبي.
ليس فارسياً ولا هندياً!!
ترى سهير القلماوي في دراستها الرائدة أن كتاب ألف ليلة وليلة اكتمل في مصر بعد أن تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية ومن ثم أصبحت تفيض بالروح المصرية وأن النص الشعبي عندما تكتمل صيغته الأدبية في زمان ومكان يخلّد لقيمته التاريخية ويظل مؤثرا في هذا الزمان والمكان ويمتد أثره عبر العصور.
ويحمل الباب الأول من الكتاب عنوان (ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب) ويدرس أبحاث المستشرقين حول اصل الكتاب حيث كان للمستشرقين دور كبير في حفظ هذا الكتاب من الضياع مشيرة إلى أن أهم طبعة للكتاب هي طبعة بولاق التي طبعت بمصر وقام أنطوان جالان بترجمة الكتاب للفرنسية وبسبب النجاح الذي لاقته هذه الترجمة قام جالان بطباعتها أكثر من مرة بمعاونة (جوتيه، برسفال، درلاكروا) ثم ترجمت تلك النسخة للعديد من اللغات.
وبحسب رأي القلماوي فان هناك أقاويل تشير إلي إن اصل الكتاب فارسي أو هندي، وبفضل قراءات سهير القلماوي المتعمقة في الأدب الشعبي استطاعت الرد علي تلك الأقاويل مؤكدة أن حكايات ألف ليلة وليلة من صميم القصص الشعبي العربي بالرغم من وجود بعض القصص الهندية والفارسية لكن هذا النوع من القصص كان معروفاً عند العرب وبعد انتقال هذا الكتاب للغرب بدأ الغربيون الاهتمام بجمع ودراسة هذا الأدب الشعبي لمعرفة هذه الشعوب بالرغم من إن هذا الاهتمام كان تجاريا في البداية وبفضل السياسة اقترب المجتمع الشرقي بالغربي مما أثر في الأدب الغربي عامة والفرنسي خاصة.
وتقول سهير القلماوي إن ألف ليلة وليلة مرت بثلاث مراحل أولها كانت مرحلة الحكي فكانت الحكايات تلقى على ألسنة العامة وثانيها مرحلة التدوين اي أن يقوم المدونون بالاستفادة من تلك النصوص الشفاهية ويدونوها أما المرحلة الثالثة فجاءت مع استقرار تلك الحكايات في مجاميع تتفق أو تختلف مع بعضها البعض.
ولاحظت سهير القلماوي خضوع قصص الليالي لعاملين هما عامل التدوين وعامل رقي الطبقة المستمعه إليه وهذا ما يميزها عن القصص الشعبي بالرغم من احتفاظها بكل مميزات هذا القصص الشعبي كالأسلوب والموضوع.
ورأت الناقدة الراحلة - التي كانت نائبة في البرلمان المصري لسنوات- إن كتاب ألف ليلة وليلة تميز بأنه صرف الملك شهريار عن ارتكاب الشرور بواسطة تلهيته بالحديث حيث كانت شهر زاد تقطع الحديث عند موقف مُشوِّق، مما يجعل الملك ينتظر الليلة التالية لسماع باقي القصة.
روح إسلامية
تستعرض سهير القلماوي في الكتاب الموضوعات التي وردت في ألف ليلة وليلة لصعوبة دراسة كل قصة بصورة منفردة وترى أن من أهم تلك الموضوعات الخوارق في الليالي حيث إن الإنسان يبدأ في التفكير في الخوارق بسبب خوفه من المجهول- مثل الموت- حيث ينشأ الخوف من قوة لا يعلمها، ومن هنا يبدأ في الاعتقاد بالجن والسحر، لكن الإنسان المسلم يخشي تلك الأفعال لذلك جمع الكتاب بين المعتقدات الشعبية والروح الإسلامية القوية.
أما الحياة الدينية في تلك الليالي فنجدها تقترب نوعا ما من موضوع الخوارق لكن تم الفصل بينهما حيث إن الموضوعات الدينية تُركز على الأديان السماوية الثلاثة بالإضافة إلى الدين المجوسي وتحكي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
أما الموضوعات التاريخية فقد تناولت تاريخ عصور وشخصيات معروفة والمواضيع التعليمية كانت توضح سواء لقارئها أو سامعها الحياة وطبيعة الأشياء من حوله ولجأ الشعب للشعر التعليمي وهذا النوع من الشعر كان عند اليونان سواء كان يتحدث عن قواعد الدين والأخلاق أو عن التاريخ والحروب مثل الألياذة والأوديسة.
وللمرأة في تلك الليالي صورتان: صورة استمدها القاص من حياته داخل الطبقة الوسطي وصورة استمدها من خياله.. وصورت تلك الليالي أنماطا من المرأة وليست شخصية بعينها مثل الجارية والعالمة والعجوز الماكرة.
ومن الأدوار المهمة التي لعبتها المرأة دور العاشقة ودور الكائدة صاحبة السحر وهناك أدوار ثانوية لها وهي المرأة المحاربة والمرأة العالمة والمرأة الجنية وهذه الأدوار من خيال القاص وبعيدة عن حياته في تلك الطبقة.
نص بلا مؤلف
تقول سهير القلماوى إن ألف ليلة وليلة مثال لنصوص شعبية تشَّكلت في صورة كتاب، وهو نص بلا مؤلف، صدر عن الخيال الشعبي ثم تبلور ليتخذ صورته الحالية التي صدرت في كتاب يتداول بعد عمليات إضافة وحذف وإعادة ترتيب للحكايات تمت عن طريق ناقلي حكايات ألف ليلة وليلة لا الرواة فحسب وإنما لعبت الترجمة دورا من اللغات الأخرى من بعضها البعض والى العربية حيث شهدت ألف ليلة وليلة رحلة من الشرق إلى الغرب.. فكانت الترجمة الأولى من الفرنسية من خلال جالان الذي لم يعتمد على نص كامل للكتاب ولذلك أضاف نصوصا لم تكن في الحكايات الشفهية، خاصة العربية حيث نقل عن اللغات الفارسية والهندية لتناسب الذوق والعقلية الأوروبية.
وتقول الدكتورة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة: »لسنا نبالغ إذا قلنا إن ألف ليلة وليلة كانت الحافز الأهم لعناية الغرب بالشرق عناية تتعدى النواحي الاستعمارية والتجارية والسياسية«.
أما الكاتب خيري شلبي فيقول: »من الواضح أننا لو استرشدنا بكلام الدكتورة سهير القلماوى وبحثنا في جوهر الليالي وموضوعاتها وما تضمنه من أبعاد اجتماعية وسياسية وتاريخية فسوف نضع أيدينا علي حقيقة جوهرية مهمة للغاية، تلك هي عروبة هذا العمل الفني حتى ولو كانت فكرته الأساسية مستقاة من آداب شعوب أخرى، فالمعروف أن معظم الأفكار الفنية تنبت في بيئة لتكتمل في بيئة أخرى. وبعض الأفكار الفنية قد تنسلخ من بيئتها الأصلية لتحمل جنسية البيئة التي اكتملت فيها«.
شهريار عربي
وأبرز مثل على ذلك هو كتاب ألف ليلة وليلة. وسواء كانت بعض الحكايات من أصول هندية أو فارسية فإن الصياغة الفنية النهائية لليالي تعتبر صياغة عربية صرفة ما في ذلك شك. إن شخصيات الليالي كلها - وإن حمل بعضها أسماء أعجمية - تعتبر عربية المحتوى والملامح الخارجية. ولو بحثنا في شخصية شهرزاد نفسها لوجدنا أن تكوينها النفسي عربي محض، كما أن محتواها الثقافي نابع من أدبيات عربية قديمة. لقد صيغت هذه الليالي من وجدان عربي، وبروح سردية من موهبة الحكي العربي. إن عظمة الصياغة العربية هي في شعبيتها وجرأتها في تسمية الأشياء بأسمائها، وفي كونها صياغة استوعبت كل التراث الثقافي للشرق، وجعلت منه سبيكة درامية إنسانية تنطق بأصالة الشخصية المصرية العربية، أو العربية المصرية.
ضجة مفتعلة
ويسأل الدكتور عبد المنعم الجميعي - أستاذ التاريخ - هل الضجة التي أثيرت حول ألف ليلة وليلة بأن بها عبارات تخدش الحياء وكيف قامت الدكتورة سهير بقراءتها عند الإعداد فيرد قائلا إن ألف ليلة وليلة كنز ولا نستطيع أن نسلب حقه في الوجود والنور من خلال النشر بدليل تأثر الكثير به وانتقل إلى الإذاعة من خلال طاهر أبو فاشا الذي استوحى الكثير من نصوصه وأيضا التلفزيون وعلينا أن نتخلص من الوهم وان نعيش الواقع الإنساني المعاصر وأوضح أننا لا نريد أن نخرج عن القيم أو تشاع بينا الأخلاق المبتذلة ولكن ما نبغيه أن نضع الأمور في نصابها وان نعرف كيف نتعامل مع التراث وكيف تكون هناك انطلاقة صحيحة من الأصالة إلى المعاصرة وهنا ندرك الصباح كما أدرك شهريار هذا الصباح..
وبعد أن أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة -في مصر- الطبعة الكاملة لهذا العمل الأدبي الكبير الذي حققته الدكتورة الراحلة سهير القلماوي ونالت عنه رسالة الدكتوراه بأشراف عميد الأدب العربي طه حسين في سلسلة الذخائر التي تعنى بكتب التراث ظهرت موجة قانونية ضده انتهت بالحكم بالتداول باعتباره رائدا لا يزال يجذب الاهتمام لقيمته الكبيرة، ويعد أحد آثارنا الخالدة وقد قال عنه نجيب محفوظ أنه "موسوعة الحضارة العربية الحقيقية"، بينما قال طه حسين عن رسالة الدكتوراه التي قدمتها سهير القلماوى حوله أنها من الرسائل البارعة وتأتى براعتها من مؤلفتها ومن موضوعها "ألف ليلة وليلة" الذي خلب عقول الشباب على مر الأجيال، وبفضل دراسة سهير القلماوى انتقلت "ألف ليلة وليلة" من منطقة السحر إلى منطقة الوعي ومن أفق الغموض إلى اكتشاف الدلالات واكتشاف جوانب كثيرة كانت مجهولة منها، ويوصى بعض العلماء بأنه هناك عملان في تراثنا العربي يجب أن يقررا على طلبة المدارس هما " ألف ليلة وليلة"، و"مقدمة ابن خلدون". لبناء حقيقي للنهضة حيث اهتمت من خلالها بتراثنا الشعبي المهمل، ومؤكدين أنه إذا أردنا تحقيق نهضة فعلية فيجب أن نبدأ بتراثنا الشعبي.
ليس فارسياً ولا هندياً!!
ترى سهير القلماوي في دراستها الرائدة أن كتاب ألف ليلة وليلة اكتمل في مصر بعد أن تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية ومن ثم أصبحت تفيض بالروح المصرية وأن النص الشعبي عندما تكتمل صيغته الأدبية في زمان ومكان يخلّد لقيمته التاريخية ويظل مؤثرا في هذا الزمان والمكان ويمتد أثره عبر العصور.
ويحمل الباب الأول من الكتاب عنوان (ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب) ويدرس أبحاث المستشرقين حول اصل الكتاب حيث كان للمستشرقين دور كبير في حفظ هذا الكتاب من الضياع مشيرة إلى أن أهم طبعة للكتاب هي طبعة بولاق التي طبعت بمصر وقام أنطوان جالان بترجمة الكتاب للفرنسية وبسبب النجاح الذي لاقته هذه الترجمة قام جالان بطباعتها أكثر من مرة بمعاونة (جوتيه، برسفال، درلاكروا) ثم ترجمت تلك النسخة للعديد من اللغات.
وبحسب رأي القلماوي فان هناك أقاويل تشير إلي إن اصل الكتاب فارسي أو هندي، وبفضل قراءات سهير القلماوي المتعمقة في الأدب الشعبي استطاعت الرد علي تلك الأقاويل مؤكدة أن حكايات ألف ليلة وليلة من صميم القصص الشعبي العربي بالرغم من وجود بعض القصص الهندية والفارسية لكن هذا النوع من القصص كان معروفاً عند العرب وبعد انتقال هذا الكتاب للغرب بدأ الغربيون الاهتمام بجمع ودراسة هذا الأدب الشعبي لمعرفة هذه الشعوب بالرغم من إن هذا الاهتمام كان تجاريا في البداية وبفضل السياسة اقترب المجتمع الشرقي بالغربي مما أثر في الأدب الغربي عامة والفرنسي خاصة.
وتقول سهير القلماوي إن ألف ليلة وليلة مرت بثلاث مراحل أولها كانت مرحلة الحكي فكانت الحكايات تلقى على ألسنة العامة وثانيها مرحلة التدوين اي أن يقوم المدونون بالاستفادة من تلك النصوص الشفاهية ويدونوها أما المرحلة الثالثة فجاءت مع استقرار تلك الحكايات في مجاميع تتفق أو تختلف مع بعضها البعض.
ولاحظت سهير القلماوي خضوع قصص الليالي لعاملين هما عامل التدوين وعامل رقي الطبقة المستمعه إليه وهذا ما يميزها عن القصص الشعبي بالرغم من احتفاظها بكل مميزات هذا القصص الشعبي كالأسلوب والموضوع.
ورأت الناقدة الراحلة - التي كانت نائبة في البرلمان المصري لسنوات- إن كتاب ألف ليلة وليلة تميز بأنه صرف الملك شهريار عن ارتكاب الشرور بواسطة تلهيته بالحديث حيث كانت شهر زاد تقطع الحديث عند موقف مُشوِّق، مما يجعل الملك ينتظر الليلة التالية لسماع باقي القصة.
روح إسلامية
تستعرض سهير القلماوي في الكتاب الموضوعات التي وردت في ألف ليلة وليلة لصعوبة دراسة كل قصة بصورة منفردة وترى أن من أهم تلك الموضوعات الخوارق في الليالي حيث إن الإنسان يبدأ في التفكير في الخوارق بسبب خوفه من المجهول- مثل الموت- حيث ينشأ الخوف من قوة لا يعلمها، ومن هنا يبدأ في الاعتقاد بالجن والسحر، لكن الإنسان المسلم يخشي تلك الأفعال لذلك جمع الكتاب بين المعتقدات الشعبية والروح الإسلامية القوية.
أما الحياة الدينية في تلك الليالي فنجدها تقترب نوعا ما من موضوع الخوارق لكن تم الفصل بينهما حيث إن الموضوعات الدينية تُركز على الأديان السماوية الثلاثة بالإضافة إلى الدين المجوسي وتحكي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
أما الموضوعات التاريخية فقد تناولت تاريخ عصور وشخصيات معروفة والمواضيع التعليمية كانت توضح سواء لقارئها أو سامعها الحياة وطبيعة الأشياء من حوله ولجأ الشعب للشعر التعليمي وهذا النوع من الشعر كان عند اليونان سواء كان يتحدث عن قواعد الدين والأخلاق أو عن التاريخ والحروب مثل الألياذة والأوديسة.
وللمرأة في تلك الليالي صورتان: صورة استمدها القاص من حياته داخل الطبقة الوسطي وصورة استمدها من خياله.. وصورت تلك الليالي أنماطا من المرأة وليست شخصية بعينها مثل الجارية والعالمة والعجوز الماكرة.
ومن الأدوار المهمة التي لعبتها المرأة دور العاشقة ودور الكائدة صاحبة السحر وهناك أدوار ثانوية لها وهي المرأة المحاربة والمرأة العالمة والمرأة الجنية وهذه الأدوار من خيال القاص وبعيدة عن حياته في تلك الطبقة.
نص بلا مؤلف
تقول سهير القلماوى إن ألف ليلة وليلة مثال لنصوص شعبية تشَّكلت في صورة كتاب، وهو نص بلا مؤلف، صدر عن الخيال الشعبي ثم تبلور ليتخذ صورته الحالية التي صدرت في كتاب يتداول بعد عمليات إضافة وحذف وإعادة ترتيب للحكايات تمت عن طريق ناقلي حكايات ألف ليلة وليلة لا الرواة فحسب وإنما لعبت الترجمة دورا من اللغات الأخرى من بعضها البعض والى العربية حيث شهدت ألف ليلة وليلة رحلة من الشرق إلى الغرب.. فكانت الترجمة الأولى من الفرنسية من خلال جالان الذي لم يعتمد على نص كامل للكتاب ولذلك أضاف نصوصا لم تكن في الحكايات الشفهية، خاصة العربية حيث نقل عن اللغات الفارسية والهندية لتناسب الذوق والعقلية الأوروبية.
وتقول الدكتورة سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة: »لسنا نبالغ إذا قلنا إن ألف ليلة وليلة كانت الحافز الأهم لعناية الغرب بالشرق عناية تتعدى النواحي الاستعمارية والتجارية والسياسية«.
أما الكاتب خيري شلبي فيقول: »من الواضح أننا لو استرشدنا بكلام الدكتورة سهير القلماوى وبحثنا في جوهر الليالي وموضوعاتها وما تضمنه من أبعاد اجتماعية وسياسية وتاريخية فسوف نضع أيدينا علي حقيقة جوهرية مهمة للغاية، تلك هي عروبة هذا العمل الفني حتى ولو كانت فكرته الأساسية مستقاة من آداب شعوب أخرى، فالمعروف أن معظم الأفكار الفنية تنبت في بيئة لتكتمل في بيئة أخرى. وبعض الأفكار الفنية قد تنسلخ من بيئتها الأصلية لتحمل جنسية البيئة التي اكتملت فيها«.
شهريار عربي
وأبرز مثل على ذلك هو كتاب ألف ليلة وليلة. وسواء كانت بعض الحكايات من أصول هندية أو فارسية فإن الصياغة الفنية النهائية لليالي تعتبر صياغة عربية صرفة ما في ذلك شك. إن شخصيات الليالي كلها - وإن حمل بعضها أسماء أعجمية - تعتبر عربية المحتوى والملامح الخارجية. ولو بحثنا في شخصية شهرزاد نفسها لوجدنا أن تكوينها النفسي عربي محض، كما أن محتواها الثقافي نابع من أدبيات عربية قديمة. لقد صيغت هذه الليالي من وجدان عربي، وبروح سردية من موهبة الحكي العربي. إن عظمة الصياغة العربية هي في شعبيتها وجرأتها في تسمية الأشياء بأسمائها، وفي كونها صياغة استوعبت كل التراث الثقافي للشرق، وجعلت منه سبيكة درامية إنسانية تنطق بأصالة الشخصية المصرية العربية، أو العربية المصرية.
ضجة مفتعلة
ويسأل الدكتور عبد المنعم الجميعي - أستاذ التاريخ - هل الضجة التي أثيرت حول ألف ليلة وليلة بأن بها عبارات تخدش الحياء وكيف قامت الدكتورة سهير بقراءتها عند الإعداد فيرد قائلا إن ألف ليلة وليلة كنز ولا نستطيع أن نسلب حقه في الوجود والنور من خلال النشر بدليل تأثر الكثير به وانتقل إلى الإذاعة من خلال طاهر أبو فاشا الذي استوحى الكثير من نصوصه وأيضا التلفزيون وعلينا أن نتخلص من الوهم وان نعيش الواقع الإنساني المعاصر وأوضح أننا لا نريد أن نخرج عن القيم أو تشاع بينا الأخلاق المبتذلة ولكن ما نبغيه أن نضع الأمور في نصابها وان نعرف كيف نتعامل مع التراث وكيف تكون هناك انطلاقة صحيحة من الأصالة إلى المعاصرة وهنا ندرك الصباح كما أدرك شهريار هذا الصباح..