نقوس المهدي
كاتب
قصة السندباد البحرى الواردة فى ألف ليلة وليلة هى الأكثر شهرة عن الإنسان المُغامر الذى وصل إلى جزيرة مهجورة، وتعرّض لبعض المخاطر، سواء من قسوة الطبيعة أو من شراسة بعض الحيوانات المتوحشة. بينما ما كتبه هوميروس ( القرن التاسع ق. م) فى الأوديسه لم يقرأه غير المُتخصصين والأدباء لذا كانتْ الأوديسة أقل شعبية من ألف ليلة وليلة. وصف هوميروس الرحلات التى غامر فيها أبطال قصصه بالذهاب إلى مناطق وبحار مجهولة للمغامرين، فكان الرعب يسيطر عليهم من شدة الأهوال والمخاطر، وذلك من أجل اكتشاف مناطق جديدة. ثم يأتى الأدب المصرى القديم الذى تناول رحلة المغامرات والمخاطر فى المرتبة الثالثة من الشهرة (على صعيد الثقافة المصرية السائدة وليس على الصعيد العالمى) وهو الأمر الذى أكدته عالمة المصريات (كلير لالويت) فى كتابها (نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة- المجلد الثانى- الأساطير والقصص والشعر) حيث ذكرتْ تأثر الأدب اليونانى بالأدب المصرى ، خصوصًا ما كتبه هوميروس فى الإلياذة والأوديسه. وأنّ البرديات المصرية سبقتْ ما كتبه هوميروس عن أدب الرحلات والمغامرات فكتبتْ أنّ ((مصر عرفت العديد من الروايات من هذا النوع. روايات شاعتْ وانتشرتْ فى جزيرة (فاروس) التى كان قد انقضى زمن طويل والإغريق يتردّدون عليها (وقت) تأليف وتجميع مختلف قصص الأوديسة... وإذا كانت وقائع جزء بأكمله من الأوديسة تدور على أرض مصر، ولو بطريقة غير مباشرة على الأقل ، فلا شكّ أنّ الأمر لم يكن صدفة)) (ص 14، 15)
سبق ما كتبه هوميروس فى الأوديسه، وما جاء فى ألف ليلة وليلة، ما ورد فى البرديات المصرية من قصص وأساطير، ومن بينها قصة (الملاح التائه) أو قصة (الغريق) وفق ترجمة سليم حسن. وهى موجودة فى متحف ليننجراد.
فى مقدمة البردية يقول بطل القصة بعد أنْ عاد إلى أرض الوطن: (إنّ فم الإنسان هو الذى يُنجيه) ثم بدأ القصة بوصف السفينة التى يبلغ طولها مائة وعشرون ذراعًا وعرضها أربعون ذراعًا، يقودها مائة وعشرون ملاحًا من أمهر ملاحى مصر. وذكر كاتب البردية أنهم كانوا يعرفون من أين تهب العاصفة قبل وصولها إلى مكان السفينة، إذْ كانوا ينظرون إلى قبة السماء ليعرفوا طريق مسيرتهم. ثم هبّتْ عاصفة ونحن مازلنا فى البحر. غرقتْ السفينة وغرق البحارة الذين كانوا معى. بقيتُ لمدة ثلاثة أيام وحيدًا ولم يكن لى رفيق غير قلبى. وأنا مـُتعلق بلوح خشبى مما بقى سليمًا من بقايا السفينة. أخذتْ الأمواج تتقاذفنى إلى أنْ ألقتْ بى إلى شاطىء مهجور. لم يكن أمامى إلاّ أنْ أنام فى ظلمات الوحشة فوق رمال الشاطىء. وعندما أشرقتْ الشمس ملأ ضياؤها وجهى فاستيقظتُ. شعرتُ بالجوع فبدأتُ أبحث عن أى ثمار تؤكل. كان الشاطىء يمتلىء بأشجار التين وعناقيد العنب كأنها تتدلى من السماء ، وأشجار عالية كثيفة مـُتشابكة الأغصان وغريبة الشكل. أكلتُ وشبعتُ. سمعتُ صوتـًا مُدويًا كصوت الرعد ورأيتُ الأشجار تهتز وأوراقها ترتعش. ثم غطتنى سحابة معتمة حجبتْ عنى ضوء الشمس. وعندما رفعتُ رأسى رأيتُ أمامى ثعبانــًا طوله يقترب من الثلاثين ذراعًا. وجسمه فضى به نقوش ذهبية.
سألنى الثعبان (من أنت أيها الصغير؟ وكيف وصلتَ إلى هنا؟ ومن أتى بك إلى جزيرتى؟) لم أستطع أنْ أرد عليه. كان لسانى كالمقيد بالحبال. فتح الثعبان فمه وحملنى بين فكيه وزحف بى إلى كهفه. وألقانى فى ركن من الكهف ولم يُصبنى بأى سوء. تكوّرالثعبان وتشكل على هيئة الهرم المُدرّج وسألنى (أيها الصغير. من أنت؟ وكيف وصلتَ إلى مملكتى؟) أخبرته أننى كنتُ القائد لسفينة ملك مصرللبحث عن مناجم الذهب والأحجار الكريمة. وحكيتُ له ما حدث من غرق السفينة. كنتُ أقول الحق ووجهتى الإله (رع) الذى يُشرق على الكون. عندئذ قال لى الثعبان (لا تخف أيها الصغير. ولا تدع وجهك يصفر ما دمتَ قد جئتَ إلىّ. أنظر لقد حفظك الإله حيًا ليُحضرك إلى جزيرة الطعام الوفير)
كان الثعبان أحد الآلهة ولكنه تمرّد على كلام الإله وعصى أمره وخرج عن طاعته. إذْ ظنّ أنه أقوى من الإله بسبب قوته. لذلك حوّله الإله الأعظم إلى ثعبان قوى كرمز للشر، وتركه يتحكم فى مصير الكائنات الموجودة فى مملكته وكل من آمن به من الذين عصوا الإله الأعظم.
الثعبان العملاق لديه قدرة التعرف على الغيب ، وبالتالى عرف مصيره ومصير مملكته، وعرف أنّ نهاية مملكته مكتوبة فى لوحة القدر وتحدد موعدها ولن يستطيع الثعبان أنْ يفلت من قدره. فقال الثعبان: (لأننى أعلم الغيب وأرى ما سيحدث لى ولمملكتى، وما يخبئه المستقبل، وقد عرفتُ أنك ستصل إلى أرض مملكتى فى ذلك اليوم وعلمتُ بمصير من كانوا معك ، وأنك لم تقل غير الصدق. وعندما سألتك: من أنت وكيف جئت فلكى أعرف هل ستكون صادقا فى كلامك أم لا. ثم قال له: سوف تعيش معى بين أخوتى وأبنائى وعددهم خمسة وسبعون ثعبانا وفتاة واحدة جميلة. وسوف تجد فى جزيرتى كل ما يشتهيه قلبك. وسوف تأتى سفينة تائهة بعد أربعة شهور لتحملك إلى أرض مصر. ثم قال له: (ما أشد فرحة الذى يقص ما جرى له بعد أنْ تمر الكارثة. وهكذا سأقص عليك شيئـًا مماثلا. ذلك أننى كنتُ مع إخوتى وأطفالى، هذا غير بنت امرأة مسكينة. ثم انقضّ شهاب فماتوا جميعًا. وأنا نفسى كدتُ أموت معهم. فإذا كنتَ شجاعًا فاكبح جماح قلبك. على أنك ستضم أطفالك وتـُقبّل زوجتك وترى منزلك. وهذا أحسن من كل شىء. وستصل إلى مقر الملك وتسكن هناك وسط أولادك)
فقلتُ للثعبان (سأحكى للملك عن قوتك وأخبره بعظمتك. وسأعمل على أنْ يجلب إليك كل خيرات مصر خصوصًا بخور المعابد التى يسر لها كل إله. وسأقص ما حدث لى وما شاهدته) فضحك الثعبان وقال لى: (إنك لن ترى هذه الجزيرة بعد سفرك لأنها ستصير ماءً)
بعد ذلك أتتْ سفينة كما تنبأ الثعبان. ذهبتُ وتسلقتُ شجرة طويلة ورأيتُ أولئك الذين كانوا فيها. وذهبتُ لأخبر الثعبان ، فقال لى (إذهب بسلام للوطن أيها الصغير، وشاهد أطفالك واجعل لى اسمًا حسنـًا فى مدينتك. وهذا كل ما أبغى) ثم أعطانى الكثير من الهدايا.
فى الفقرات الأخيرة من البردية قال الثعبان وهو يودع البطل ( لا تأتى إلى هنا مرة ثانية. لأنك لو عدتَ فلن تجدنى ، ولن يكون لجزيرتى أى وجود))
كتب بعض العلماء المُتخصصين أنه من السياق العام للبردية، توجد بعض الاشارات عن علاقة البطل بالفتاة الجميلة التى قدّمها الثعبان إليه. وأنّ تلك الاشارات أدّتْ دورًا مهما فى تعميق تلك العلاقة، مثلما حدث فى قصة السندباد البحرى وبعض قصص المغامرات المماثلة مثل قصة الجزيرة المسحورة فى ألف ليلة وليلة ورحلات (مارك بولو) وغيرها من الأدب العالمى.
ترجم عالم المصريات الكبير سليم حسن تلك البردية عن اللغة المصرية القديمة إلى اللغتيْن العربية والإنجليزية. وصحّح الكثير من الأخطاء الموجودة فى بعض الترجمات الإنجليزية.
وبعد أنْ تم العثور على البردية التى عثر عليها عالم الآثار الروسى (جاونيشف) أشار بعض العلماء عن أوجه التشابه بينها وبين (قارة أطلنتس المفقودة) من حيث الكثير من التشابه فى وقائعها وما ورد بها من أوصاف ومقارنتها بما جاء فى برديات كهنة هيليوبوليس ومتون (أهرام المايا والأوزتيك فى أميركا) وكذلك ما جاء فى كتاب أفلاطون (التيمابوس) ووثائق قدماء الفينيقيين ، وأنّ (قارة الأطلنتس) الواردة فى تلك الوثائق كان يُطلق عليها (جزيرة الثعبان) كما جاء فى البردية المصرية. وكما انتهتْ القصة المصرية بقول الثعبان للبطل (لا تعد إلى هنا مرة ثانية) كذلك انتهت قصة السندباد البحرى بالتنبيه على عدم العودة.
وعن هذه القصة كتب سليم حسن (تـُعد هذه القصة من القصص النادرة التى وصلتْ إلينا كاملة غير منقوصة. فقد جاء فى نهايتها (لقد كـُتب هذا الكتاب (البردية) من البداية إلى النهاية) على عادة الكتاب المصريين.. ولكننا لاحظنا أنّ استهلالها كان نسيج وحده ، وليس له نظائر سابقة فى القصص، فقد جاء فيها: " يقول خادم حاذق كنْ فرحًا أيها الأمير. لقد وصلنا إلى مقر الملك" وليس ببعيد أنْ تكون هذه القصة واحدة من سلسلة قصص متصلة الحلقات لم تصل إلينا على مثال ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة. وقصة (الغريق) هى قطعة أدبية ذات أسلوب رشيق ترمى إلى أهداف سامية. وتعبر عن عواطف مختلفة، فنرى كاتب البردية (على لسان البطل) يتألم لغرق سفينة بركابها وعدم نجاة أحد سواه. ويتألم لوصوله إلى جزيرة لا إنسان فيها. ويعبر عن خوفه وهلعه عند ظهور حاكم الجزيرة الروحانى (وهو ثعبان عظيم الجسم له رأس إنسان) واطمئنانه بعد أنْ حادثه ووجد منه عطفا عليه. فالدمعة الأولى والابتسامة الأخيرة وردتا متتابعتيْن فى عبارة موجزة. كما أنّ بطل القصة والثعبان طرح كل منهما ما أصابه فى حياته. وجاءتْ على لسان الثعبان حكمة ليس لها علاقة مباشرة بموضوع القصة وهى: " ما أشد فرح الإنسان الذى يقص ما ذاقه بعد زوال الكارثة" ثم نبأ الشهاب الذى انقضّ من السماء وأهلك أهله. وفى القصة إيجاز حول الغرض منها وهى أنّ الثعبان أراد أنْ يقول: " لقد حدث لى أفجع مما حدث لك ومع ذلك فقد خرجتُ سالمًا وما زلتُ سائرًا فى حياتى.. أنظر إلى الأمور ببسالة وثقة فى نفسك. وإذا كانت لديك شجاعة فعليك أنْ تكبح جماح قلبك" وهنا يثب إلى أذهاننا ما جاء فى قصة ألف ليلة وليلة مشابهًا لما ورد (فى البردية المصرية) إذْ نسمع الرسول يقول عند خروج السلطان: " هذا هو سلطان الهند العظيم، وهذا السلطان العظيم لابد أنْ يموت " لأنّ البردية المصرية جاء فى نهايتها أنّ الجزيرة سيغمرها الماء، أى ستختفى وتزول. وأنا (الثعبان) سأختفى وأزول معها وينتهى أمرى بالموت. والسؤال الذى يرتسم أمام الباحثين هو: أترى قد عنيتْ الأساطير المصرية بالثعبان فجعلته بطلا (بجانب البطل الإنسان) يدور حوله كثير من القصص كما كان الثعبان (الدراجون) فى عالم الخرافات اليونانية؟ أم اكتفتْ الأساطير المصرية بتقديمه لنا فى قصة الغريق وحدها؟ ولكن (المؤكد) ميل المصريين القدماء ونزوعهم إلى هذا النوع من الخيال . وكلنا يعلم أنّ اليونان أخذوا كثيرًا عن المصريين فى آدابهم))
سبق ما كتبه هوميروس فى الأوديسه، وما جاء فى ألف ليلة وليلة، ما ورد فى البرديات المصرية من قصص وأساطير، ومن بينها قصة (الملاح التائه) أو قصة (الغريق) وفق ترجمة سليم حسن. وهى موجودة فى متحف ليننجراد.
فى مقدمة البردية يقول بطل القصة بعد أنْ عاد إلى أرض الوطن: (إنّ فم الإنسان هو الذى يُنجيه) ثم بدأ القصة بوصف السفينة التى يبلغ طولها مائة وعشرون ذراعًا وعرضها أربعون ذراعًا، يقودها مائة وعشرون ملاحًا من أمهر ملاحى مصر. وذكر كاتب البردية أنهم كانوا يعرفون من أين تهب العاصفة قبل وصولها إلى مكان السفينة، إذْ كانوا ينظرون إلى قبة السماء ليعرفوا طريق مسيرتهم. ثم هبّتْ عاصفة ونحن مازلنا فى البحر. غرقتْ السفينة وغرق البحارة الذين كانوا معى. بقيتُ لمدة ثلاثة أيام وحيدًا ولم يكن لى رفيق غير قلبى. وأنا مـُتعلق بلوح خشبى مما بقى سليمًا من بقايا السفينة. أخذتْ الأمواج تتقاذفنى إلى أنْ ألقتْ بى إلى شاطىء مهجور. لم يكن أمامى إلاّ أنْ أنام فى ظلمات الوحشة فوق رمال الشاطىء. وعندما أشرقتْ الشمس ملأ ضياؤها وجهى فاستيقظتُ. شعرتُ بالجوع فبدأتُ أبحث عن أى ثمار تؤكل. كان الشاطىء يمتلىء بأشجار التين وعناقيد العنب كأنها تتدلى من السماء ، وأشجار عالية كثيفة مـُتشابكة الأغصان وغريبة الشكل. أكلتُ وشبعتُ. سمعتُ صوتـًا مُدويًا كصوت الرعد ورأيتُ الأشجار تهتز وأوراقها ترتعش. ثم غطتنى سحابة معتمة حجبتْ عنى ضوء الشمس. وعندما رفعتُ رأسى رأيتُ أمامى ثعبانــًا طوله يقترب من الثلاثين ذراعًا. وجسمه فضى به نقوش ذهبية.
سألنى الثعبان (من أنت أيها الصغير؟ وكيف وصلتَ إلى هنا؟ ومن أتى بك إلى جزيرتى؟) لم أستطع أنْ أرد عليه. كان لسانى كالمقيد بالحبال. فتح الثعبان فمه وحملنى بين فكيه وزحف بى إلى كهفه. وألقانى فى ركن من الكهف ولم يُصبنى بأى سوء. تكوّرالثعبان وتشكل على هيئة الهرم المُدرّج وسألنى (أيها الصغير. من أنت؟ وكيف وصلتَ إلى مملكتى؟) أخبرته أننى كنتُ القائد لسفينة ملك مصرللبحث عن مناجم الذهب والأحجار الكريمة. وحكيتُ له ما حدث من غرق السفينة. كنتُ أقول الحق ووجهتى الإله (رع) الذى يُشرق على الكون. عندئذ قال لى الثعبان (لا تخف أيها الصغير. ولا تدع وجهك يصفر ما دمتَ قد جئتَ إلىّ. أنظر لقد حفظك الإله حيًا ليُحضرك إلى جزيرة الطعام الوفير)
كان الثعبان أحد الآلهة ولكنه تمرّد على كلام الإله وعصى أمره وخرج عن طاعته. إذْ ظنّ أنه أقوى من الإله بسبب قوته. لذلك حوّله الإله الأعظم إلى ثعبان قوى كرمز للشر، وتركه يتحكم فى مصير الكائنات الموجودة فى مملكته وكل من آمن به من الذين عصوا الإله الأعظم.
الثعبان العملاق لديه قدرة التعرف على الغيب ، وبالتالى عرف مصيره ومصير مملكته، وعرف أنّ نهاية مملكته مكتوبة فى لوحة القدر وتحدد موعدها ولن يستطيع الثعبان أنْ يفلت من قدره. فقال الثعبان: (لأننى أعلم الغيب وأرى ما سيحدث لى ولمملكتى، وما يخبئه المستقبل، وقد عرفتُ أنك ستصل إلى أرض مملكتى فى ذلك اليوم وعلمتُ بمصير من كانوا معك ، وأنك لم تقل غير الصدق. وعندما سألتك: من أنت وكيف جئت فلكى أعرف هل ستكون صادقا فى كلامك أم لا. ثم قال له: سوف تعيش معى بين أخوتى وأبنائى وعددهم خمسة وسبعون ثعبانا وفتاة واحدة جميلة. وسوف تجد فى جزيرتى كل ما يشتهيه قلبك. وسوف تأتى سفينة تائهة بعد أربعة شهور لتحملك إلى أرض مصر. ثم قال له: (ما أشد فرحة الذى يقص ما جرى له بعد أنْ تمر الكارثة. وهكذا سأقص عليك شيئـًا مماثلا. ذلك أننى كنتُ مع إخوتى وأطفالى، هذا غير بنت امرأة مسكينة. ثم انقضّ شهاب فماتوا جميعًا. وأنا نفسى كدتُ أموت معهم. فإذا كنتَ شجاعًا فاكبح جماح قلبك. على أنك ستضم أطفالك وتـُقبّل زوجتك وترى منزلك. وهذا أحسن من كل شىء. وستصل إلى مقر الملك وتسكن هناك وسط أولادك)
فقلتُ للثعبان (سأحكى للملك عن قوتك وأخبره بعظمتك. وسأعمل على أنْ يجلب إليك كل خيرات مصر خصوصًا بخور المعابد التى يسر لها كل إله. وسأقص ما حدث لى وما شاهدته) فضحك الثعبان وقال لى: (إنك لن ترى هذه الجزيرة بعد سفرك لأنها ستصير ماءً)
بعد ذلك أتتْ سفينة كما تنبأ الثعبان. ذهبتُ وتسلقتُ شجرة طويلة ورأيتُ أولئك الذين كانوا فيها. وذهبتُ لأخبر الثعبان ، فقال لى (إذهب بسلام للوطن أيها الصغير، وشاهد أطفالك واجعل لى اسمًا حسنـًا فى مدينتك. وهذا كل ما أبغى) ثم أعطانى الكثير من الهدايا.
فى الفقرات الأخيرة من البردية قال الثعبان وهو يودع البطل ( لا تأتى إلى هنا مرة ثانية. لأنك لو عدتَ فلن تجدنى ، ولن يكون لجزيرتى أى وجود))
كتب بعض العلماء المُتخصصين أنه من السياق العام للبردية، توجد بعض الاشارات عن علاقة البطل بالفتاة الجميلة التى قدّمها الثعبان إليه. وأنّ تلك الاشارات أدّتْ دورًا مهما فى تعميق تلك العلاقة، مثلما حدث فى قصة السندباد البحرى وبعض قصص المغامرات المماثلة مثل قصة الجزيرة المسحورة فى ألف ليلة وليلة ورحلات (مارك بولو) وغيرها من الأدب العالمى.
ترجم عالم المصريات الكبير سليم حسن تلك البردية عن اللغة المصرية القديمة إلى اللغتيْن العربية والإنجليزية. وصحّح الكثير من الأخطاء الموجودة فى بعض الترجمات الإنجليزية.
وبعد أنْ تم العثور على البردية التى عثر عليها عالم الآثار الروسى (جاونيشف) أشار بعض العلماء عن أوجه التشابه بينها وبين (قارة أطلنتس المفقودة) من حيث الكثير من التشابه فى وقائعها وما ورد بها من أوصاف ومقارنتها بما جاء فى برديات كهنة هيليوبوليس ومتون (أهرام المايا والأوزتيك فى أميركا) وكذلك ما جاء فى كتاب أفلاطون (التيمابوس) ووثائق قدماء الفينيقيين ، وأنّ (قارة الأطلنتس) الواردة فى تلك الوثائق كان يُطلق عليها (جزيرة الثعبان) كما جاء فى البردية المصرية. وكما انتهتْ القصة المصرية بقول الثعبان للبطل (لا تعد إلى هنا مرة ثانية) كذلك انتهت قصة السندباد البحرى بالتنبيه على عدم العودة.
وعن هذه القصة كتب سليم حسن (تـُعد هذه القصة من القصص النادرة التى وصلتْ إلينا كاملة غير منقوصة. فقد جاء فى نهايتها (لقد كـُتب هذا الكتاب (البردية) من البداية إلى النهاية) على عادة الكتاب المصريين.. ولكننا لاحظنا أنّ استهلالها كان نسيج وحده ، وليس له نظائر سابقة فى القصص، فقد جاء فيها: " يقول خادم حاذق كنْ فرحًا أيها الأمير. لقد وصلنا إلى مقر الملك" وليس ببعيد أنْ تكون هذه القصة واحدة من سلسلة قصص متصلة الحلقات لم تصل إلينا على مثال ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة. وقصة (الغريق) هى قطعة أدبية ذات أسلوب رشيق ترمى إلى أهداف سامية. وتعبر عن عواطف مختلفة، فنرى كاتب البردية (على لسان البطل) يتألم لغرق سفينة بركابها وعدم نجاة أحد سواه. ويتألم لوصوله إلى جزيرة لا إنسان فيها. ويعبر عن خوفه وهلعه عند ظهور حاكم الجزيرة الروحانى (وهو ثعبان عظيم الجسم له رأس إنسان) واطمئنانه بعد أنْ حادثه ووجد منه عطفا عليه. فالدمعة الأولى والابتسامة الأخيرة وردتا متتابعتيْن فى عبارة موجزة. كما أنّ بطل القصة والثعبان طرح كل منهما ما أصابه فى حياته. وجاءتْ على لسان الثعبان حكمة ليس لها علاقة مباشرة بموضوع القصة وهى: " ما أشد فرح الإنسان الذى يقص ما ذاقه بعد زوال الكارثة" ثم نبأ الشهاب الذى انقضّ من السماء وأهلك أهله. وفى القصة إيجاز حول الغرض منها وهى أنّ الثعبان أراد أنْ يقول: " لقد حدث لى أفجع مما حدث لك ومع ذلك فقد خرجتُ سالمًا وما زلتُ سائرًا فى حياتى.. أنظر إلى الأمور ببسالة وثقة فى نفسك. وإذا كانت لديك شجاعة فعليك أنْ تكبح جماح قلبك" وهنا يثب إلى أذهاننا ما جاء فى قصة ألف ليلة وليلة مشابهًا لما ورد (فى البردية المصرية) إذْ نسمع الرسول يقول عند خروج السلطان: " هذا هو سلطان الهند العظيم، وهذا السلطان العظيم لابد أنْ يموت " لأنّ البردية المصرية جاء فى نهايتها أنّ الجزيرة سيغمرها الماء، أى ستختفى وتزول. وأنا (الثعبان) سأختفى وأزول معها وينتهى أمرى بالموت. والسؤال الذى يرتسم أمام الباحثين هو: أترى قد عنيتْ الأساطير المصرية بالثعبان فجعلته بطلا (بجانب البطل الإنسان) يدور حوله كثير من القصص كما كان الثعبان (الدراجون) فى عالم الخرافات اليونانية؟ أم اكتفتْ الأساطير المصرية بتقديمه لنا فى قصة الغريق وحدها؟ ولكن (المؤكد) ميل المصريين القدماء ونزوعهم إلى هذا النوع من الخيال . وكلنا يعلم أنّ اليونان أخذوا كثيرًا عن المصريين فى آدابهم))