طلعت رضوان - سهير القلماوى وألف ليلة وليلة

من بين الدراسات الموضوعية التى تناولتْ (ألف ليلة وليلة) دراسة د. سهيرالقلماوى فى رسالتها للدكتوراه. ويرجع سبب الموضوعية إلى أنها اعتمدتْ المنهج العلمى فى تحليل الليالى، كما أنها أفردتْ بعض الفصول عن أثر من أضافوا أو تدخلوا فى صياغة الحكايات من ثقافات مختلفة. هذا بخلاف الكشف عن المصادرالرئيسية لليالى (نشرتْ دارالمعارف المصرية الرسالة. وأنا أعتمد على طبعة مكتبة الأسرة- عام97)
تعترف د. سهير فى البداية بدورالمستشرقين الذين كان لهم فضل التنبيه على وجود النص ثم ترجمته (ص16، 19) ولأنّ أصل الحكايات كما ذكر ابن النديم فى (الفهرست) بهلوى اسمه (هزار أفسان) أو (الألف خرافة) ومن بينها قصص لها أصول هندية قديمة، ولأنّ النص الأصلى تمّتْ ترجمته عن الفارسية، لذلك اهتمّتْ المؤلفة بالرد على مزاعم من إدّعوا أنّ الأصل عربى، خاصة وأنّ ظاهرة تحول الحيوان غريبة عن العرب وعن المعتقدات الإسلامية (18، 39) ولكن بعد الترجمة تم التلاعب فى النص الأصلى (26) وهو ما أكده د. حسين فوزى فى كتابه (حديث السندباد القديم - هيئة قصورالثقافة - عام 2001- ص 185) وعن الطبعات العربية أكدتْ د. سهير على أنّ (الليالى التى بين أيدينا قسمان منفصلان: قسم بغدادى يدخل فيه القصص الهندى أو الفارسى زمن العباسيين. وقسم مصرى ما كـُتب فى مصر وسوريا أيام المماليك وتحت حكم الأتراك) (34) وفيما يلى بعض المحاور التى تناولتها فى رسالتها للدكتوراه:

محورالاستبداد:
نظرًا لأنّ الطبعات العربية تمتْ كتابتها وإعادة صياغتها زمن الحكم العربى ثم المماليك والأتراك، لذا تأثر الرواة بما هو سائد، إذْ كان الحكم فى هذه العصور التى عاشتْ فيها الليالى حكمًا مستبدًا. فى عصرالمماليك كان استبدادًا قويًا سجّله التاريخ (ومع ذلك) صوّرته الليالى بصورة عكسية، فأشادتْ بعدل الرشيد وهذه الصورة المخالفة للواقع عن استبداد الحكم ((تخلق فى الشعب نوعًا من الحذر الذى يُفضى إلى الجُبن)) (197)

محورالموقف من المرأة:
الدورالغالب للمرأة فى الليالى هو دور العاشقة. وفى كل شخصيات هذا الدور فهى لابد أنْ تكون جارية (سواء أكانت ملكة أو جارية مُشتراة من السوق) وصور خيانة المرأة لزوجها من أجل الوصول لحبيبها تنتشر فى الليالى ، بل إنّ مقدمة الليالى نفسها بدأتْ بأنْ ضبط الملك زوجته مع أحد (العبيد) فى الفراش. وجاء فى مقدمة الليالى بيتان من الشعر للتأكيد على النظرة الدونية للمرأة
(لاتأمننّ على النساء/ ولاتثق بعهودهن
يورين ودًا كاذبًا/ والغدر حشو ثيابهن)
والجارية (العاشقة) لابد أنْ تكون جميلة. وغلاء سعر الجوارى فى السوق رهنٌ بوفرة الجمال. وظهر تأثر كاتب الليالى بما كان يحدث فى الواقع، فنظرًا لتأثير جمال وفتنة الجارية على الخلفاء المسلمين (كان الخليفة كثيرًا ما ينزل عن جارية اشتراها إذا كانت تستطيع أنْ تؤثر فيه أثرًا يجعلها تطلب ما تريد ، كما فعلتْ تودد مع الرشيد وكما فعلتْ الجوارى الخمس مع المأمون)) وتنتشر ظاهرة (كيد الجوارى) مثلما حدث فى قصة (الوزراء السبعة) حيث زعمتْ جارية الملك أنّ ابنه راودها عن نفسها. وظهر تأثر كاتب الليالى بتراث الدين (العبرى) عن قصة يوسف وامرأة العزيز. لذا تـُمثل الكتب (السماوية) فى هذا الباب نوعيْن من المرأة: حواء التى طـُرد آدم من الجنة بسببها ، وامرأة العزيزالتى سُجن يوسف لامتناعه عنها. والنوعان ممثلان فى الليالى التى ورد فيها بيتان من الشعر للتأكيد على الطابع الدينى هما:
(بحديث يوسف فاعتبر/ مُتحذرًا من كيدهنّ
أوما ترى إبليس/ أخرج آدمًا من أجلهنّ)
وأكثر ما تكيد المرأة فللوصول لحبيبها والتخلص من زوجها مع الإمعان فى الفحش. وصورة أخرى من كيد المرأة للوصول للحبيب، ما نجده فى حب غير المسلمة للمسلم ، ووصولها بالكيد حينـًا وبالقتال حينـًا آخر، فنجد فى قصة (مريم الزناتية) امرأة (نصرانية) تحتال بعد أنْ أعلنتْ إسلامها لتصل لحبيبها ((حتى إنّ ملك الرومان لا يستطيع استخلاص ابنته ، ولا من الرشيد نفسه الذى يضطر لحماية من أسلمتْ) أما النساء المحاربات فهنّ (نصارى يُسلمنَ أو يلدن مسلمًا. وإنْ كنّ من الجنيات فهنّ من الجنيات المؤمنات) والمرأة (النصرانية) بعد أنْ أسلمتْ ((تنضم لجيش المسلمين وتـُحارب البطارقة من أجل المسلمين وتقتلهم. ومريم الزناتية تدخل فى الإسلام وتحارب إخوتها من أجل الإسلام وتقتلهم. وأنّ الرشيد يحميها لإسلامها. فكل هذا (الجهاد) من أجل الإسلام وهذا الاعتناق لدين المسلمين يدل على أنّ القاص أراد أنْ يُدمج هؤلاء البطلات الغريبات أصلا فى محيط حياته الاجتماعية ، فجاء بما يُميزهنّ وهوالدين (المسيحى) فقلَبَه وجعله الإسلام والقتال من أجل الإسلام ومن أجل المسلمين)) وهنا كانت د. سهير على درجة عالية من الشجاعة الأدبية وهى تكتب عن التزوير الوارد فى الليالى وعن الأصولية الإسلامية عند كاتبها. ثم تنتقل المؤلفة إلى صورة أخرى من (تخاريف الليالى) عن (المحاربات من الجن) ولعلّ هذا ما جعل ابن النديم يكتب عن (الليالى) أنه (كتاب غث بارد) (30)

أكدتْ المؤلفة على أنّ صورة سوق العبيد كانت الصورة الحية أمام كاتب الليالى ، حيث كان المُشترى يمتحن الجارية فى كل ما يتعلق بمزاياها المعروضة للبيع. وأنّ الوصف المادى لجسد المرأة، كان من أهم أسباب رواج الليالى، وأنّ هذا الوصف تم حشره حشرًا وأنه ظاهر الافتعال (من ص 304- 319) وعن انتشار ظاهرة العبيد فى الليالى ذكرتْ المؤلفة (إنّ هذه الصورة مستمدة من الواقع الذى عرفته الدولة الإسلامية منذ نشأتْ. فقد دخل الرقيق (العبيد) بنوعيه الدولة الإسلامية بحكم الفتح (الغزو) وكانت الأمتان المغلوبتان (الروم والفرس) أرقى بكثير من الأمة الغالبة (العرب) فكان كل بيت (فى الدولة الإسلامية) لا يخلو من العبيد (286) وعن امتهان البشرالذين أوقعهم سوء حظهم فى منظومة العبودية، وصل الأمر لدرجة تأليف العديد من الكتب التى تتعرّض (لآليات وقواعد بيع العبيد) للتأكد من المواصفات المطلوبة، فكان هؤلاء البشر (نساء ورجال) يقفون عرايا لاختبار مقاييس القوة أو الجمال. ومن بين هذه الكتب كتاب (رسالة جامعة لفنون نافعة فى شراء الرقيق وتقليب العبيد) تأليف أبى الحسن بن عبدون البغدادى وكتاب (القول السديد فى تقليب الإماء والعبيد) تأليف أبى الثناء محمود العينتابى وقد اعتمد فيها كما ذكر فى المقدمة على ورقات لابن الأكفانى اسمها (النظر والتحقيق فى تقليب الرقيق) وأنّ عملية بيع العبيد كان يشهدها جمهور من المتفرجين بخلاف البائع (النخاس) والمشترى (290)

محور الموقف من غيرالمسلمين:
احترمتْ المؤلفة لغة العلم عندما لاحظتْ سيطرة الدين الإسلامى على كاتب الليالى (فجعل المسلمين فى القصص إخوة على غيرهم، فالنصارى واليهود والمجوس كل هؤلاء مثلوا الشر كثيرًا فى الليالى، ولا يكاد يوجد غير مسلم فى القصة إلاّ وهو عنصرالشر فيها. بل إنّا لا نكاد نجد الخيرممثلا من غيردين المسلمين) (98) فمثلا نجد المجوسية أوالنصرانيه أواليهودية التى تـُعلن إسلامها من أجل حبيبها المسلم وتقتل أباها الذى رفض الإسلام) (120) وأنّ (كل بطل محبوب من أبطال القصص إما غير مذكور دينه وإما هو مسلم. أما النصارى فمكروهون وظفروا بجزء عظيم من الليالى كمعادين للمسلمين ومحاربين لهم. ويصل تعصب كاتب الليالى لدرجة لصق كل الأوصاف القبيحة بالنصارى بل والدخول فى العقائد والقول بأنّ إنجيل لوقا محرف دون أى سبب درامى. وأنّ النصارى هم أصحاب الملة الكافرة ويُعظمون الصليب ويعبدون الأصنام. وترتفع الخرافة لدرجة أنّ فتاة نصرانية رأتْ فى الحلم أنها تقضم تفاح الجنة فتـُعلن إسلامها، لذا كتبتْ المؤلفة أنّ كاتب الليالى عندما يتعرّض للأديان، فإنّ الحجج التى يسوقها (ساذجة والإيمان كله ساذج) (من 167- 181) وأنّ كاتب الليالى (أظهر تعصبه للإسلام فقلما يجتمع مسلم ونصرانى إلا ّوالمسلم مثال الصدق والنصرانى مثال للخداع والغش) والتحريض على قتل المجوس والنصارى لأنهم عنصر الشر (وكما انقسم عالم الإنس إلى مسلمين خيّرين وإلى غير مسلمين أشرار، فقد انقسم عالم الجن إلى جن مؤمنة (مسلمة) خاضعة لأمير المؤمنين الرشيد)) (203، 204) وذكرتْ أنّ شعور التعصب (العرقى والدينى) طغى على الحقائق، فالمعروف أنّ المسلمين ارتدوا عن القسطنطينية تاريخيًا. ويطغى الشعور الدينى حتى يزج فى التصوير أدق التفاصيل. فالنصارى يذبحون بعضهم إذا سكروا. وفى قصة (عمرالنعمان) أصداء بعيدة مشوهة لبعض أحداث التاريخ وبعض نزعات (تعصب) قوية فى تاريخ المسلمين ضد النصارى. وأخفقتْ فى إمدادنا بشخصيات تاريخية حقيقية. وبأحداث تاريخية لها ما يؤيدها فى الواقع (278)

محور الخصوصية الثقافية لكل شعب:
عن الفرق بين النص المصرى والنص البغدادى ردّتْ على الذين يدّعون أنّ الشعوب تتشابه فى ثقافتها القومية فكتبتْ (من قال أنّ ذوق العامة فى العراق هو ذوفهم فى الشام أومصر؟) (26) وعن النص المصرى كتبتْ (لقد أصبح ككتب المصريين التى لخصتْ العلم فردّته إلى الأقطار العربية متأثرًا بشخصيتها "المصرية") (90) وذكرتْ أنه إذا كان المصريون قد تأثروا بالعرب فإنّ هذا لم يمح مزاجهم الذى توارثوه ، فأى بذورعربية (وافدة) ما لبث المصريون أنْ صبغوها بصبغتهم (101) لقد أحبّتْ عزيزة عزيزًا وهو ابن عمها، ولكنه حب على نحو مصرى حديث بعيد كل البعد عن حب العربى لابنة عمه فهو أقرب إلى جو الجوارى منه إلى جو الأحرار) (124) والبطل المصرى إذا دخل العراق أخذ بيئته المصرية معه (235) والحياة الخاصة للتجار فى الليالى سواء فى منازلهم أو بين زوجاتهم وأولادهم فهى مصرية صميمة (242) ولوعيها بالخصوصية الثقافية لكل شعب كتبتْ (فأغانينا الشعبية وقصصنا الشعبية بل حياتنا الشعبية بكل ما فيها من مظاهر الفن، مواد وفيرة يتجلى فيها الروح المصرى وتبرز فيها الشخصية المصرية الحية التى طاولتْ الزمن ) (327)

محور تأثر ألف ليلة بالأدب المصرى القديم:
من خلال دراستها المقارنة بين الأدب المصرى القديم وقصص الليالى اكتشفت د. سهير الأصل المصرى وأنّ تلك الأصول المصرية واضحة فى بعض القصص مثل قصة (على الزيبق) وأشار العالم (نولدكيه) إلى أنها وُجدتْ فى القصة المصرية القديمة (كنز رامبسينت) كذلك التشابه بين قصة (القرد الكاتب) المصرية وقصة (الصعلوق) فى الليالى . وأشار العالم (شبيجلبرج) إلى أنها تذكرنا ب (توت) الإله المصرى الذى يُصوّر فى صورة قرد. أما رواية الحكاية أمام أحد الملوك فنجدها كثيرًا فى الأدب المصرى القديم (36) وإذا كانت الليالى تناولتْ دورالحيوانات فى بعض قصصها، فإنّ الأدب المصرى سبق الليالى بآلاف السنين، كما ورد فى قصة (الأخويْن) عن غواية المرأة حيث نجد البقرة تحذر(بيتو) من العودة للبيت لأنّ أخاه سيقتله. وكذلك يفعل التمساح فى قصة (الأمير) وفى الأساطيرالمصرية نجد الأسد يحرس ممر الشمس. وتوجد بردية محفوظة فى المتحف البريطانى يرجع تاريخها إلى سنة1200ق. م عن قصة (الأسد والفأر) والتى تهدف إلى أنّ كل كائن حى له مزاياه وقوته (205، 206)

الدكتورة سهير القلماوى وهى تعد رسالتها عن (الليالى) جمعتْ بين لغة العلم ومعرفتها بتراث جدودنا وكذا وعيها بالتعريف العلمى لمفهوم (الثقافة القومية) التى يُنتجها الأميون قبل المُتعلمين، ومن هنا كان تفريقها بين (الشخصية المصرية) و(الشخصية العربية) وذاك الوعى جاء نتيجة إدراكها للفرق بين الثقافتيْن القوميتيْن (المصرية والعربية) لذا كانت كتاباتها أهم وأعمق من الذى كتب المجلدات (جمال حمدان) عن (شخصية مصر) وإذا به يُهاجم الحضارة المصرية ويُدافع عن العروبة والإسلام.

***
 
أعلى