علي الشدوي - شهر زاد تحل في ابن منظور .. ألف ليلة ولسان العرب

ننظر إلى لسان العرب (1) على أنه "كتاب" يتناول معاني المفردات ، فعندما يشكل على أحدنا معنى مفردة ما ينصحه الآخر بالبحث عن معناها في "لسان العرب" . بالفعل "لسان العرب" من أكبر المدونات العربية(2) التي تحوى المفردات و معانيها ، و جمال الدين محمد بن مكرم عندما أخذ على عاتقه جمع هذا "الكتاب" كان يقصد من جمعه أن يكون واسعا لا يشاركه كتاب آخر في فضله ، فجمع فيه ما تفرق ، وقرن فيه بين ما غرب و شرق (ص8) فأصبح أصلا يعتمد عليه ، وما قام به فرعا لا يعول عليه.
يبدو أن "العلامة" ابن منظور وقف عند فضيلة الجمع حتى عندما وشح كتابه بجليل الأخبار و جميل الآثار إضافة إلى ما فيه من آيات القرآن الكريم و الكلام على معجزات الذكر الحكيم (ص8) لتكون هذه الإضافة بمثابة توشيح العقد في جيد الغانية ، فخرج " لسان العرب" جميلا و مشهورا ، الأمر الذي جعل البلغاء – كما يقول أحمد فارس – يغازلونه كما يغازل ندمان الصفا عيون المها (ص6) .
من يقرأ مقدمة "لسان العرب" سيكون على علم بحكايته ؛ إذ سيجد نفسه أمام حكاية يقوم سردها على الجمع والترتيب ، ومعجم لسان العرب يمثل حكاية أخيرة من حكايات الإغراء التي استولت على "ابن منظور" وهى حكاية جميلة من المستحسن سردها.
تبدأ الحكاية بطفل صغير يجلس في مجلس أبيه(3) . كان عامرا بالفضلاء و الأدباء و المؤلفين ، لكن أحدهم يستولي على ذهن الطفل عندما سمعه يذكر لأبيه كتابا أفنى عمره في تصنيفه و استغرق منه دهره كله . مضت الأيام وسرعان ما كبر الطفل و شوق كبير يحدوه لمطالعة ذلك الكتاب . توفى أبوه بعده بمدة مؤلف الكتاب . بقي الطفل الذي شب كما بقي الكتاب أثراً من آثار العلامة " التيفاشي " الخالدة .
بعد مشاغل ينشغل بها الشاب اجتمعا مرة ثانية ، الطفل الذي شب و أصبح كاتبا في ديوان الإنشاء و كتاب " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب " كتاب العلامة شرف الدين أحمد بن يوسف التيفاشي " . اجتمعا في حكاية إغراء و افتتان طويلتين كانت خاتمتهما "لسان العرب " .
حكاية الإغراء بدأت بهواية نضج بها الشباب ، قال عنها "الصفدي" في " أعيان العصر " " لا أعرف في الأدب وغيره كتابا بطوله إلا و قد اختصره وروق عنقوده و اعتصره (4) .
هذه الهواية تحولت إلى عشق و غرام لا يمل "ابن منظور " من ممارستها حتى جعلت مؤلفاً كبيرا مثل " ابن حجر " يقول عنه " كان مغرما باختصار كتب الأدب المطولة و التواريخ و كان لا يمل من ذلك (5) و كانت خاتمة هذا الغرام خمسمائة مجلد مكتوبة بخطه(6) من اشهرها مختصرات " الأغاني" و "زهر الآداب" و " يتيمة الدهر" وكتب أخرى تمتد إلى التاريخ و علم الأدوية.
نحن-إذن- أمام تجل لحدث. تجل لصدمة طفولية أولى تختزل التجارب الإنسانية إلى حدث يكون له تأثير قوي يشتغل في ذاكرة الطفل إلى الحد الذي يتحول فيه الحدث إلى مخفر لا شعوري لـ"تأليف ما لا يؤلف " .
هذا " التأليف " يحتاج إلى خطوة أولى هي التخلص من تجربة الرعب و الخوف من هذه الكتب . الرعب و الخوف هما المحفزان للتلخيص. ضخامة الكتب تمثل حالة "رهاب" بينها و بين قارئها ، ومن ثم يصبح تقزيمها وتصغيرها حالة مفروضة حتى يستطيع أن يحتويها . "
إن ابن منظور" عندما يلخص يعط الكتب هيئة أخرى حتى لا يخاف منها ، و بذلك فهو ينفخ ذاته بمعارفها في الوقت الذي يسعى فيه إلى تقزيمها ، ومن هنا فهو" كالحرباء التي تنفخ نفسها لكي تخوف الآخرين وتقزمهم أمامها .
يوجد حكاية أخرى تفنن " ابن منظور" في إيرادها ضمن المقدمة التي كتبها للسان العرب ، فالطفل الذي شب و نضج على هواية الكتب شب - أيضا- مفتونا بمطالعة كتب اللغات و الإطلاع على تصنيفها و علل تصاريفها (ص7).
لكن في هذه المرة ، نما معه موقف واضح ، يتمثل في الحكم و التقدير و الموازنة ، فما طالعه من كتب اللغات لا تغريه بالاختصار ، مثلما أغرته الكتب الأخرى ؛ لأن موقفه من مؤلفي الكتب اللغوية يتأرجح بين "مؤلف" يحسن الجمع لكنه لا يحسن الوضع ، و مؤلف آخر يحسن الوضع لكنه لا يحسن الجمع ، و كلا الموقفين عبر عنهما تعبيرا صريحا وواضحا عندما قال " فلم يفد حسن الجمع مع إساءة الوضع ، و لا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع " (ص7).
تشير العبارة إلى موقف يقوم على نية معبأة للتجاوز ، وفق ظاهرها موقف التلخيص لا يحتمل التجاوز ، لأن التلخيص يحمل صدى الأول و محاكاته ، و من ثم فالتلخيص موقف تعليمي أكثر منه موقفا " تأليفيا" .
فإن نلخص ما كتبه الآخر يعني – أولا - إيماننا بجدوى ما كتبه كما يعنى – ثانيا - إيصاله إلى أكبر قدر ممكن من الناس ، و بإمكاننا إضافة - ثالثا - تسهيل درسه و تحصيله لتسليم الملخِّص بأهمية الملخَّص . و السؤال الذي نود عرضه هنا هو : أهذا هو فعلا موقف الملخص و التلخيص؟
مبدئيا هناك إطار عام ينبغي أن ننظر للتلخيص ضمنه فعصر " ابن منظور" عصر ركام من المعرفة ، وكانت المشكلة المعروضة على المهتمين بالثقافة هي : كيفية التعامل و السيطرة (مع/على) هذه المعرفة المتراكمة .
لا يمكنني ألا أفكر في " الشرط الاقتصادي" على مستوى المكان و مستوى الذاكرة ، المستوى المكاني عندما تشغل هذه الكتب الضخمة حيزا مكانيا كبيرا مع إمكانية الاستغناء عن ضخامتها بملخصات تمثل حلا مقبولا يستجيب لشرط الذاكرة ، هنا لم يعدالمكان مشكلة الفضاء الخارجي و لكنه أصبح مشكلة الفضاء الداخلي أعني : فضاء الذاكرة البشرية ، لقد تبلور الشرط الاقتصادي على المستويين ( المكان والذاكرة ) في سؤال جوهري هو : كيف يمكن استيعاب هذه المعرفة الهائلة ؟
من هذه السؤال ولد الملخص واسطة بين القارئ و بين المعرفة ، ولد وهو يحمل معه عملا مريبا ، فعند مستوى ما تبدو الرغبة في تلخيص كتاب ما رغبة في تجاوزه ، إذ الكتاب هوية لا تقبل الاختراق مادام يحمل توقيع آخر و كل تعديل له سواء كان تلخيصا أم شرحا أم تفصيلا ، تجاوز ينطوي على إدانة بالجهل و القصور .
فالملخص إذ يتوسط بين الكاتب ( صاحب المؤلف الملخص) و بين القارئ إنما يعتبر ذاته أعلم منهما معا ، فالقارئ قاصر لأنه لا يستطيع أن يقرأ و يستوعب كل الكتاب ، والمؤلف ( الكاتب) قاصر لأنه عجز أن يقدر المعرفة باللفظ الذي يناسبها .
إن التلخيص بهذا المنظور اتهام مبطن بالثرثرة و الهذر ، و الملخصون إذ يقيمون بين( المؤلف) و (القارئ) – من حيث هم وسطاء – يزعمون إنقاذ المؤلف من تشوهات و انحرافات ، ولذلك لا يخلو عملهم من عنف مشروع لم تكن المؤسسة الثقافية – حينئذ – تجرمه أو تدينه .
التلخيص و الجمع من حيث هما ممارستان معرفيتان تطبقان على متون نمطان شائعان من نمط " الإنتاج " الثقافي" في سياق الثقافة العربية لا سيما في عصر " ابن منظور " عصر انحطاط في الفكر و الثقافة ، فالمبدعون نادرون وعندما لا يتبقى للمثقف إلا الجمع و التلخيص ، فان الثقافة تتحول إلى اجترار و إعادة و تكرار من جهة ، و ريبة و اختراق مثقلتين بنية حسنة من جهة أخرى ، وكلا الجهتين معلقتان بالجمع و التلخيص .
التلخيص عملية جمع معكوسة إذ كل تلخيص يستند إلى إجراءين : أولهما جمع الأساسي من مادة أصلية وفيرة جمعا لا يخلو من انتقاء و تصفية و إقصاء قد لا تحتكم فيها في غالب الأحيان إلا إلى الأمزجة و الحدوس ، و وثانيهما: ضبط هذه المادة المجمعة المنتقاة و تنظيمها و إعطاؤها هيئة يراد لها أن تحاكى هيئة المادة الأصلية ، أما الجمع فهو عملية تلخيص معكوسة من حيث إن الجامع لا يستطيع تقديم كل ما جمعه ، ولذلك فهو يعمد إلى تلخيصه استنادا إلى حيل و طرائق أسلوبية و خطابية .
لسان العرب يمكن إعادته إلى مصادره و مراجعه الأساسية ، و هي ليست بالقليلة لذلك كان على ابن منظور كي ينجز اللسان أن يسلك مسارين متكاملين أولهما : جمع المادة الغزيرة والوفيرة ذات الأصول المتعددة ، و وثانيهما : تلخيص هذه المادة المجموعة التي توهم طريقة تقديمها بأنها مفصلة ، ولو حاول ابن منظور أن يقدم في لسان العرب كل المادة الأصلية التي استند إليها لفاضت هذه المادة عن أجزاء مصنفة كلها .
هكذا إذن فلسان العرب طبقات من التلاخيص مجموعة إلى بعضها ، و من شأن هذه الطبقات الملخصة أن تودي به إلى الموسوعية ، فخلف العنوان ، والمقدمة ثمة إحالات إلى كتب ونصوص في الشعر و الأمثال و الحكم و النوادر والأخبار و الآيات والأحاديث ، ومسائل حيث يحتوي على النحو و الصرف ، إنه معجم المعاجم ، و من شأن هذه الصفة أن تكشف لنا عن نزعته التسلطية .
عندما بدأ ابن منظور حياته ملخصا ، كان هاجسه الأساسي هو السؤال المتعلق بكيفية تأسيس سلطة المعرفة ، وبالرغم إحساسه بشرط الخدمة ( من الخادم ) إلا أنه آمن أن المعرفة تنتج نوعا من السلطة رآها في مجلس أبيه كما أحسها في نفسه و ما كان عليه إلا أن يلخص ليتموضع ضمن خط السابقين ، ويتأمل في كيفية ممارستهم السلطة ثم تشويهها ، فالتلخيص يتضمن قدرا من التشويه كما عرفنا أعلاه .
قرار جمع لسان وصول إلى امتلاك المعرفة ، و من ثم امتلاك الحقيقة ، إن الحقيقة عبارة عن صيغة من صيغ السلطة (7) وتحول ابن منظور من ملخص إلى جامع لمتفرق العلماء تحول من الخوف و الفزع الذي ينتاب الخادم إلى الاطمئنان الذي ينتاب السيد و يقدم نفسه بوصفه سلطة ، و يصر على هدم سلطة من قبله عندما يحذر من الاحتكام إليهم .
لقد اعترف بأنه لم يجد أجمل من تهذيب اللغة ، و لا أكمل من المحكم ، و لا أجمل من النهاية في غريب الحديث ، ولا أحسن ترتيبا من الصحاح ، و لا مخرجا للسقطات مثل ابن بري ، غير أن وراء هذا الثناء الجميل و العلاقة الحميمة توترا خفيا ، فالأزهري و ابن سيده كادا أن يعربا فأعجما (ص7) و الجوهري فيما كتبه في جو اللغة كالذرة و في بحرها كالقطرة (ص7) و ابن الأثير " لم يضع الكلمات في محلها و لا راعى زائد حروفها من اصلها (ص8) . خطأ فاحش من معجمي لا يراعي الحرف الزائد و الحرف الأصلي فكيف يكون سلطة يحتكم إليها القارئ .
وراء الكلام الجميل و المبادئ المثالية و النزعات الخيرة التي يثيرها ابن منظور في مقدمة لسان العرب ، تظهر سلطة لسان العرب الموسوعية ، فمثلما ابن منظور علامة ، فاللسان سلطة عندما يمثل شبكة أخطبوطية يشمل كل شي فالنحو موجود فيه ( نظام مراقبة الحديث و ضبطه ) ، والشعر موجود ( النثر كلام و الشعر نظام ) و الآيات والأحاديث يتوشح بها لكي تكون ذاكرة ضابطة للسلوك و التصرفات .
لسان العرب بحر للعلوم مثلما هي المعرفة عند العرب بحر و العالم حبر ، و عندما تختلط أصول الحبر والبحر الاشتقاقية يتحول أحدهما إلى الآخر ، و لكل منهما نشاطا يقوم على القمع و الافتراس .
في البحر كائنات كثيرة منها ما هو طبي و منها ما هو فلكي و منها ما هو أدبي ، و الصراع موجود فأحدهم يأكل الآخر ، في مقابل ذلك الحبر الذي يجمع و يلخص و ينقل و لا يشير إلا في النادر إلى أصوله و مصادره ، عراك مستمر يمارسه الحبر بالحبر في البحر و في هذا العراك كل الطرق مشروعة من أجل تدمير الآخر ، و إلغاء اسمه وتوقيعه.
خلف لسان العرب وحدة أصلية أرادها ابن منظور عندما قال " وصار هذا أي لسان العرب بمنزلة الأصل و أولئك ( سنعرفهم فيم بعد ) بمنزلة الفرع ( ص8 ) ، إن لسان العرب كما أراده ابن منظور جمعا لشتات شئ ما من أجل استرداد حالة صفاء أصلية لم تعد موجودة " فقد أصبح اللحن في الكلام لم يعد لحنا مردودا و صار النطق بالعربية من المعايب معدودا ( ص8 ) ..
هناك حالة شوب تعكر حالة الصفاء عندما بدأ الناس " في تصانيف الترجمان في اللغة الأعجمية ، و تفاصحوا في غير اللغة العربية ( ص8 ) ، إن امتزاج لغتين أو لغات في المجتمع يمثل الشوب و الخلط اللذين هما على النقيض من الصفاء (8) ، الشوب يقلق ابن منظور ، و المجتمع يحتاج إلى وقاية من خطر يجب تجنبه .
ابن منظور بإمكانه القيام بعمل ما يعيد المجتمع إلى حالة الصفاء التي ينشدها يقول " فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون ، و صنعته كما صنع نوح الفلك و قومه منه يسخرون : ( ص 8 ) . لنقف - قليلا - عند هذا التشبيه .
أرسل الله نوحا إلى قوم اشتغلوا بالملاهي عن طاعة الله ، و مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، و مع ذلك "تمادوا في المعصية ، و عظمت في الأرض منهم الخطيئة و تطاول عليهم الشأن و اشتد عليه منهم البلاء و انتظر النجل بعد النجل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله " (9) .
في وضع مؤسف كهذا شكا نوح إلى ربه فعلهم ، و عندما بلغ السيل الزبى دعا عليهم (10) ، أمره الله بصنع الفلك ، كان قومه يسخرون منه و يقولون " يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة " (11) ، كان صنع السفينة محاولة شاقة و مؤلمة لنوح لجمع شتات المؤمنين ، كما كانت محاولة أخيرة لإنجاز مجتمع مثالي من جديد .
حمل في السفينة من كل زوجين اثنين (12) ، الزوجان بداية لحياة جديدة ، وفيما يتصل بزوجي سفينة نوح فسيصبحان النواة الأولى لمجتمع صاف ينشغل بطاعة الله ، وهو الأمر الذي ينشده و يسعى إليه نوح ، فكرة ثابتة وراء هذه الأحداث مجتمعة ، هذه الفكرة يمكن حكايتها على النحو التالي :
في يوم ما كان مجتمع مثالي ، ثم حلت الكارثة بمجتمع يتمادى في المعصية و تتعاظم منه الخطيئة ، و منهم أشرار يستهزؤن بالنبوة و يظهرون القول بالصابئة من أمثال "بيوراسب" (13) ، فحل بذلك المجتمع الطوفان من أجل بناء مجتمع مثال خال مما يشوبه ، و سفينة نوح هي الأداة كما أنها هي النواة الأولى.
في المقابل نجد لسان العرب يمارس الدور الذي مارسته سفينة نوح من قبل ، فهو محاولة شاقة و مؤلمة لا يتوانى ابن منظور عن إعلانها في المقدمة لجميع نثار الكلمات المتناثر التي كانت بداية المجتمع العربي الصافي من الدخيل والأعجمي ، ومن ثم فلسان العرب محاولة لاسترجاع حاله الصفاء تلك .
الفكرة الرئيسة وراء عمل ابن منظور يمكن حكايتها على النحو التالي : في يوم ما كان مجتمع صاف يتكلم العربية بزهو ويحافظ عليها فحلت به الكارثة ، إذ شرع المجتمع يتفاصح بلغة أخرى غير لغته . هنا الحاجة ماسة إلى إعادة ذلك الصفا ، و لسان العرب هو الأداة مثلما كانت السفينة .
باعتزاز يقول ابن منظور عن لسان العرب " صنعته كما صنع نوح الفلك ( ص8 ) ابن منظور يشبه نفسه بنوح والتشبيه مغرض و إلا لماذا اختار نوحا على غيره ؟ اختيار ابن منظور لنوح ليس لأن قومهما سخرا منهما ، بل لأن صنيع كليهما متشابهان في المحتوى و الوظيفة .
في المحتوى سفينة نوح بذرة العالم و بها تم إنقاذه من الفناء .و ابن منظور عندما صنع لسان العرب كان يتصور العالم مشرفا على النهاية عندما يتحدث بتعصب ضد أجناس أخرى (14) اقتحمت لغته ، ابن منظور نازي لأنه يهاجم من يهتم بلغة الآخر، و يتحدث عن حالة الصفاء التي ينشدها ، وعن الخطر المهدد للهوية الخالصة و الصافية ، متناسيا أن اللغة و الصفاء لا يجتمعان ، إذ لابد لكل لغة من الاختراق من لغات أخرى مجاورة . إن في حالة الصفاء التي ينشدها ابن منظور يوجد كم هائل في لسان العرب من لغات مختلفة . في الوظيفة : سفينة نوح حققت الخلاص من كارثة متوقعة هي الطوفان ، لقد أنقذت للعالم من نهاية محتومة ، و ابن منظور يزعم لكتابه الوظيفة نفسها . باختصار شديد : يريدابن منظور أن يقول معجم لسان العرب سينقذ العنصر العربي و يحقق له الخلاص مثلما أنقذته سفينة نوح قبل ذلك.
بقي في هذه الفكرة أن نسأل ابن منظور عن حالة الصفاء اللغوي في عبارته " أصبح اللحن في الكلام لم يعد لحنا مردودا و صار النطق بالعربية من المعايب معدودا ( ص 8 ) و لنلاحظ الخلاص الذي ينشده ابن منظور !! عبارة ابن منظور مرتبكة ، و فعله الذي تسامى به إلى منزلة فعل نوح لم يبلغ ذلك .
يريد ابن منظور أن يؤسطر فعله ، وهو يقول عن نفسه متنبي المعاجم اللغوية مثلما كان " احمد بن الحسين متنبي الشعر لا أدري هل أذكر ببيتي المتنبي :
أنا ترب الندى ورب القوافي وسمام العدا و غيظ الحسود
أنا في أمة تداركـــها الله غريب كصالح في ثمود (15)
لقد كان الهدف من الملاحظات السابقة إبراز جانب مهم من الخلفية التي تدعم عمل ابن منظور و هي خلفية خفية تفرض نفسها بقوة ، و الآن : من مؤلف لسان العرب ؟
لم ينسب ابن منظور الكتاب إلى نفسه ، و إنما نسبه إلى آخرين سبقوه . فقد تبرأ من الخلل و الخطأ الواردين في الكتاب إذ إن عهدتهما على المصنف الأول ، فإن كان حمدا فلذلك المصنف وإن كان قدحا فعليه ، ابن منظور لم يفعل شيئا و عمله مجرد نقل يؤكد على أمانته بصفة دائمة . لنقرأ ما يقول:
" و ليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها و لا وسيلة أتمسك بسببها سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم ، و بسطت القول فيه و لم أشبع باليسير ، و طالب العلم منهوم ، فمن وقف فيه على صواب أو زلل ، أو صحة أو خلل ، فعهدته على المصنف الأول ، و حمده و ذمه لأصله الذي عليه المعول ، لأنني نقلت من كل أصل مضمونه ، و لم أبدل منه شيئا فيقال ، فإنما أثمه على الذين يبدلونه ، بل أديت الأمانة في نقل الأصول بالفعل ، و ما تصرفت فيه بكلام غير ما فيها من النص ، فليعتد من ينقل عن كتابي هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة (16) .
لماذا لم ينسب ابن منظور لسان العرب إلى نفسه ؟ مرة أخرى أتدرج في عرض الأسئلة ، في كل ثقافة نصوص مجهولة المؤلف و عادة ما تكون هذه النصوص ذات أصول شفهية ، تمتاز بأنها نصوص مترحلة من جيل إلى جيل ، و من ثقافة إلى ثقافة يضيفان إليها .
إننا أمام طبقات من المعنى بحكم الترحل (17) ، و المعجم يتشكل من مفردات مترحلة ، و مجهولة القائل فنحن لا نعرف الإنسان الذي رأى حيوانا و نص عليه بالمها أو الغزال ، و المعجمي جامع ألفاظ لا خالق لها و كل معجمي لا حق يغدو طفلا على من قبله .
لا يكفي أن نقول إن ابن منظور طفل لمن سبقه ، ذلك أن المعجمي ( الطفل) ينزع نحو التدمير و المعجمي اللاحق يحاول ابتلاع المعجمي السابق ، وعناوين المعاجم التي وصلتنا ( تهذيب اللغة" ) ( المجمل في اللغة ) ( القاموس المحيط ) (كتاب المحيط ) ( المحكم الأعظم ) ( تاج اللغة و صحاح العربية ) تضيء هذا الجانب (18) .
يبدو ابن منظور واعيا لمسالة " تأليف المعاجم في الثقافة العربية إذ تحتاج إلى مؤهلات خاصة ، فهناك شروط يتشدد الجميع في تطبيقها . مثلا : الأزهري جمع تهذيب اللغة معتمدا على السماع من العرب و الرواية من الثقات ، وأخيرا يأتي النقل عن خطوط العلماء ، نقل الأزهري يأتي مشروطا و يبدو متشددا في التطبيق فلا ينقل عن خطوط العلماء إلا ما اتفق مع ما يعرف (19) .
في مقابل هذا يأتي ابن منظور ناقلا عن خطوط العلماء و مفرغا تماما من المؤهلات الأهم ، فهو لم يسمع ، و لم يرحل إلى البادية و لم ينقل عن العرب العرباء . لنقرأ ماذا يقول :" و أنا مع ذلك لا أدعي فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت أو شددت أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت ( ص8) .
يفرغ ابن منظور نفسه من المؤهلات الأساسية ، لكنه يثبتها بإعجاب فريد للأزهري و ابن سيدة ، فهما لم يتركا لقائل مقالاً . إعجاب ابن منظور واضح عندما يقول" لعمري لقد جمعا فأوعيا ، وأتيا بالمقاصد ووفيا ( ص8 ).
نسبة ابن منظور الكتاب لمن سبقوه يهدف إلى تقديم الكتاب إلى القارئ المتعود على ذلك المنهج في التأليف ، فهو يسلم لمن سبقوه ، ويمتدح مؤهلاتهم والقارئ لن يجد أفضل من التسليم بأهمية اللسان .لقد توافرت في أصول لسان العرب المشافهة و الرحلة و النقل عن العرب العرباء .
لماذا اختار ابن منظور لسان العرب عنوانا لما جمعه؟ لا يوجد في مقدمة لسان العرب تبرير لهذا الاسم وعلى حد علمي لم يعرض أحد هذا السؤال على الأقل فيما يخص الدلالة التي يريد تمريرها من خلال العنوان ، إننا نعرف الآن مسألة أخرى تتصل باللسان الأصلي و قد تعرض لها لغويون سابقون لا سيما عند التحدث عن الأبيات التي نسبت إلى آدم وابن منظور يقف عند هذه المسالة بتدقيقين هامين(20) .
يبدو أن التأمل الذي لمسنا طرفا منه أثناء تناولنا إنصات ابن منظور لمن سبقوه قد أفضى إلى إنصات آخر ، هو الإنصات إلى الحياة اليومية ، حيث لاحظ عدم الانسجام بحكم اللغات الدخيلة ، إن الصراع مع اللغات الدخيلة مشهد يومي يعيدنا إلى المشهد المفضل عند ابن منظور أعني قوم نوح .
خطيئة قوم نوح انتهت بكارثة الطوفان و ابن منظور لا يريد الكارثة على المستوى اللغوي ؛ لذلك اعتقد أن لسان العرب هو الخلاص . هنا من اللازم العودة إلى لسان العرب نفسه لكي نقرأ البيانات التي يقدمها عن نفسه بصيغة أخرى : كيف يقدم لسان العرب ذاته إلى القارئ ؟
مادة ( لسن ) مادة مليئة بالوعود و مثقلة بالتفاؤل ، فـ"جارحة الكلام" (22) التي تفتتح الكلام الخاص باللسان تعنى أن اللسان هو الداء في الوقت الذي يمكن أن يكون هو الدواء أي أن اللسان هو أداة ( بمعنى جارحة ) للعودة إلى حالة الصفاء التي ينشدها ابن منظور .
حالة الصفاء تعني مجتمعا تام الانسجام ، ينغمس في حالة من الطمأنينة تبعد الريبة النابعة من ازدواج اللسان وما يسببه من صراع و شقاق ، إن المجتمع الذي راقبه ابن منظور مجروح من لسان آخر ، و لسان العرب رسالة مثقلة بالتفاؤل في أن يكون مرجعا في التقاضي (24) يعيد الحق إلى نصابه ، و مقالة (25) نارية تقرأ فتزيل الخبث فيعود الحديد صافيا و نقيا (26) .
لسان العرب ناقة متلسنة (27) دائمة اللبن و حجر (28) يسد الباب أمام كل ما يمكن أن يهدد الداخل أو يفسده . إن لسان العرب لا يقدم نفسه بوصفه سلطة آنية لا غير و إنما يطمح إلى ثناء حسن (29) باق إلى آخر الدهر فيمد سلطته مستقبلا و بهذا يقدم نفسه بوصفه سلطة في الماضي و الحاضر و المستقبل .
على الخلفية التي قدمناها إلى الآن ، تلمع نقاط مضيئة يمكن أن تهدينا إلى العنوان الذي اقترحناه ، فابن منظور لم يبتكر لسان العرب لا منهجا و تأليفا ، فعمله لم يكن كعمل الخليل بن أحمد الذي "ابتكر" معجم العين إذ رتب مواده اللغوية و فق مخارج الحروف ، كما أن عمله ليس كعمل الجوهري عندما " ابتكر" ترتيبا جديدا يقوم على جعل آخر حرف من المفردة بابا ومقسماً كل باب إلى فصول و فقا للحرف الأول من الكلمة .
لم يكن عمل ابن منظور كعمل ابن الأثير الذي رتب مواد معجمه على حروف الهجاء (32) و لم يجمع مواد لسان العرب عن طريق الرواية ، فهو لم يشافه و لم يسمع كما أنه لم يشد الرحال ، كل ما فعله الجمع من الكتب طامعا أن يكون جمعه حلا لعقدة الألفاظ .
ابن منظور قبل كل شئ شخص قرأ كثيرا (33) و لا يمكن أن يتقلص ما قرأه إلى دور هامشي (34) ، هنا تبرز الكتب من حيث هي أساتذته العظام ، يمكننا أن نحدس أنهم تجاوزوا ألفا ، لكننا سنؤكد على ستة عشر (35) تمثل ذاكرة لسان العرب .
ابن منظور راو بذاكرة مكتوبة ومسلحة بأمانة نميل إليها بثقة ، غير أننا لا ينبغي أن نركز في كون ابن منظور راويا، إذ أنه جمع بين إجراءين ثقافيين مختلفين هما الرواية و الكتابة اللتان تحددهما شروط ثقافية شفهية ( 36) إذ لا رواية مع الكتابة و ابن منظور بذاكرته المكتوبة (37) لا ينتج رواية و إنما ينتج قراءة و نسخا ، إنه ناسخ للذاكرة.
لسان العرب من الكتب التي تصاحب الإنسان معظم فترات حياته يقرؤه متعلما كما يقرؤه باحثا ، أحيانا يقرؤه مستمتعا ( 38 ) و في كل هذه القراءات يجد بغيته ، فهو كتاب " بلاغة و نحو و صرف و فقه و أدب و شرح للحديث الشريف و تفسير للقران الكريم ( ص6 ) حتى أن كاتب مقدمة الطبعة الأولى يصر على أن الله قد أودع فيه سرا (39) ومن ثم لا يخفى فرحته إذا انتشر بين الناس "بعد أن كان دهرا طويلا كالكنز المدفون و الدر المكنون ( ص6)
الكنوز المدفونة ينشأ حولها صراع تملك ، ابن منظور يزعم أنه صاحب الكنز الأصلي الذي أودعه لسان العرب فبفضله صار أصلا حتى أنه يصرح بزهو " فجاء بحمد الله وفق البغية ، و فق المنية ، بديع الإتقان ، صحيح الأركان ، سليما من لفظة لو كان ، حللت بوضعه ذروة الحفاظ و حللت بجمعه عقدة الألفاظ ( ص8 ) .
صراع التملك ينفجر عندما يزعم الجوهري و الأزهري و ابن سيدة" و ابن الأثير و ابن بري أن كل واحد منهم صاحب الكنز إذ أودعوا فيه ما جلبوه بعد أسر في بادية (41) أو سماع من أعراب نائين ، و لا يعدم هؤلاء الخمسة من شهود يثبتون حقهم (42) .
نحن –أيضا- (القراء) نزعم أننا و حدنا الذين اكتشفنا الكنز الموجود فيه ، ف لسان العرب " الكتاب" العربي الأشهر بين المتعلمين و الباحثين و حتى بين الشباب (43) فإذا طلبت من شخص ما أن يدلك على أكثر معجم يمكن الحصول على كنوزه سيقول " لسان العرب " .
الآن هل نجد ناقلا يشبه ابن منظور ؟ و من ثم : هل نجد " كتابا " يشبه لسان العرب ؟ أعتقد أنه آن الأوان للإجابة عن السؤالين ، فابن منظور يشبه شهرزاد ، وكتاب لسان العرب يشبه كتاب ألف ليلة وليلة ترى كيف جازت لي المشابهة بين جامع يقرؤه " النخبة وبين جامع يقرؤه " العامة ؟ (44) . كيفما كان الحال و رغم ردة فعل القارئ تستوقفني هذه المشابهة .
فشهرزاد لم تبتكر حكايات ألف ليلة و ليلة و إنما قامت بدور الناقل لا غير (45) ، و لم تجمع حكاياتها عن طريق الرواية الشفهية بل جمعتها من الكتب و من ثم فأساتذتها الكتب (46) البالغ عددها ألف أستاذ . لقد استمدت حكايتها من الذاكرة المكتوبة و نهلت من هذه الذاكرة مادة العبرة التي قدمتها لشهريار ليلة بعد ليلة (47) .
بدأت شهرزاد حياتها قارئة نهمة فقد " قرأت الكتب و التواريخ و سير الملوك المتقدمين و أخبار الأمم الماضية حتى قيل أنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السابقة و الملوك الخالية و الشعراء (48) . بعد هذه القراءة انتهت ناقلة يستمع إليها شهريار كما انتهت مروية يتناقل الناس حكاياتها .
ابن منظور أيضا ابتدأ حياته قارئا نهما وملخصا (49) " و قبل أن يخرج من حياته (يموت) خرج عنه بصره ( عمى) فعاش عمرا لا يقرأ ، بل يسمع و يُسَمع منه " ( 50) . أليس الأمر شبيها بشهرزاد التي انتهت مسموعة ؟
يتعدى تشابه شهرزاد و ابن منظور إلى تشابه ألف ليلة و ليلة و لسان العرب ، فألف ليلة و ليلة لا تُقرأ من أولها إلى آخرها ، عموما لا نعرف سوى بعض حكايات الكتاب و نعد أنفسنا بقراءة الأخريات . لن ننتهي أبدا من قراءة الليالي ، قد نقول الشيء نفسه عن المؤلفات الكبرى في الأدب العالمي ، دون كيخوتي ، والكوميديا الإلهية ، الإلياذة ، الفردوس المفقود . لا نقرأ هذه الروائع إنما نعيد قراءتها لما تكون بين أيدينا ، نادرا ما نقرؤها من البداية إلى النهاية ، نقرأ هذا الفصل و ذلك المقطع لا بإحساس الاكتشاف و التجربة الأولى ، بل بإحساس من يعيد ربط صلة ، و يجدد علاقة انقطعت مرات في الماضي " (51) .
كذلك لسان العرب فنحن نعرف بعض مواده اللغوية ، و نعد أنفسنا بقراءة المواد اللغوية الأخرى . أحيانا نعيد قراءة بعض مواده اللغوية لكن نادرا ما قرأه أحد من البداية إلى النهاية . لسان العرب مثله مثل " ألف ليلة و ليلة " من الكتب التي أثرت في الحضارة الإنسانية ، إنه مثل " الكوميديا الإلهية" و " الإلياذة" و " الفردوس المفقود" (52) .
لقد جرت العادة في المعاجم اللغوية أن تضم أكبر قدر ممكن من المواد اللغوية ، لكنها لم تعتد ضمن مادة لغوية أن يسرد جامع المعجم نسبه . ابن منظور فعل ما لم يفعله أحد من المعجميين فعندما وصل إلى المادة اللغوية " جرب " (53) و بالتحديد إلى "جربة" (54) عرفها ثم استطرد ذاكرا نسبه عائدا به إلى جده الأعلى " رويفع بن ثابت " و مده إلى " شيث بن آدم " .
حكاية أنساب مؤلفي المعاجم اللغوية لا تتوافر عليها معاجمهم ، و ابن منظور يخرق هذا و يحكى نسبه و ينسى إيراد الحديث الذي رواه جده(55) . إن مثله مثل شهرزاد " فحسب بورخيس حدث في الليلة الثانية بعد الستمائة أن استمع الملك شهريار إلى الملكة شهرزاد و هي تروي حكايته ، لقد استمع شهريار إلى الحكاية البدئية التي تضم سائر الحكايات(56) .
يعيد بورخيس هذا الأمر إلى أخطاء أحد النساخ ، و هو أمر وارد في كتاب ما فتئ يغتني و يتعدل، و يكمل عبر العصور ، كتاب أساسا غير مكتمل ، لا منتهي ، و لا يلغي أية إمكانية أخرى " (57) .
لسان العرب أيضا كتاب لا نهائي ، يمكن إغناؤه بالمواد اللغوية الجديدة ، يحتاج إلى جرأة ليضاف إليه فهو كتاب غير مكتمل مثلما المعاجم لا يمكن أن تكون مكتملة (58). إن مخطوطات لسان العرب متعددة مثلها مثل مخطوطات ألف ليلة و ليلة ، فقد ذكر صاحب " كشف الظنون " أن الكتاب يقع في ستة مجلدات ، و الإبياري يشير إلى أن المخطوط سبعة و عشرون جزءا ، وحين طبع خرج في عشرين جزءا بعد أن ضُمت نسخة " راغب باشا" إلى النسخة الموقوفة في وقف " السلطان الأشرف" (59) .
تعدد المخطوطات يتضمن تعدد النساخ هنا ألا يمكن أن يكون إثبات نسب ابن منظور - في مادة جرب - فعلا من أفعال بعض النساخ ؟ . سؤال لا املك إجابته و اتركها للباحثين ، إنما أقول : إن هناك أمورا يقينية تأتى بعد شك .
لكي تكتمل المشابهة بين لسان العرب و ألف ليلة و ليلة يلزم أن يتضمن لسان العرب مجموعة من الحكايات ، و مثلما لا يكتمل الكنز المدفون و لا يكتسب هويته إلا بالعثور عليه كذلك لا تكمل الحكاية إلا بالتأويل (60) .
الباحثون يؤولون كنوز ألف ليلة و ليلة (61) ، و لسان العرب يشبه الكنز المدفون ( ص6 ) و لكي يكتمل هذا الكنز ويظهر و يكتسب هويته تحتاج مواده اللغوية إلى الاكتشاف ، مؤكد أنني لا أستطيع كشف الكنز الموجود خلف جميع مواد لسان العرب اللغوية ، مثلما لا يمكن اكتشاف الكنز الموجود خلف حكايات ألف ليلة و ليلة لكن سأحاول خلف مفردة لغوية واحدة(62).
يبدو لي أن ابن منظور عندما يضع مفردة ما - لكي يحدد معناها - فإنه يحكي حكاية وراء ذلك المعنى ، هناك العديد من المواد اللغوية تؤيد ما أذهب إليه ؛ لكن الأمر يحتاج إلى توطئة تخص المباني الصرفية .
ابن منظور لا يعرض للقارئ سببا واضحا و كافيا للانصراف عن رأس المبنى الصرفي مادام القارئ يعرف تلك الرؤوس المشهورة (63) ، فقد وضعت من اجله إذ عند الانصراف عنه ، و عندما ( ينحرف – يتجاهل ) ( عنها / ها) ابن منظور فإن القارئ تلتبس عليه الأمور .
وراء الانحراف و التجاهل خدعة يجهلها القارئ وتظل خافية عليه ما لم يحاول التدقيق و التحايل للإعلان عن تلك الخدعة ، سأحاول الإعلان عن الخدعة وراء المادة اللغوية ( بدا ) . يقول ابن منظور " بدا القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم مثل قتل قتلا " (64) ، و لتبديد قلق القارئ سأرجوه أن يتدرج معي .
في علم الصرف هنالك باب اسمه " أبنية الفعل الثلاثي المجرد " (65) ، يتضمن رأسا للمبنى الصرفي الذي تنتمي إليه المادة اللغوية . مثلا ( جلس ) تنتمي إلى ( ضرب ) و هكذا نلجأ إلى قياس كلمة أخرى أشهر منها في الاستعمال فنجعل الكلمة الشهيرة كالميزان الصرفي للكلمة المشروحة " (66) .
و فق هذا ( بدا ) تنتمي إلى ( نصر) فبدا القوم بدوا أي خرجوا إلى باديتهم مثل نصر نصرا" ، إن ( نصر ) هي رأس المبنى الصرفي " ( فعل _ يفعُل ) (67) الذي تنتمي إليه "بدا" .
إذن : لماذا انحرف ابن منظور عن ( نصر ) إلى ( قتل ) ؟ علما أن هناك كلمات أشهر من " قتل " وتصنف مع ( بدا) في ( المعتل الناقص ) (68) كـ( غزا _ يغزو " (69) ؟
في الحقيقة لا يبدى ابن منظور تعاطفا مع البدو حتى يجعلنا نحسن الظن ، فهو حضري المولد و النشأة (70) يصفُّ الأحاديث في جفاء من نزل البادية ، إن البدو عند ابن منظور جافون مرة ، و جاهلون بأحكام الشرع مرة أخرى ، ومبتعدون عن ضبط الشهادة مرة ثالثة ( 71) و يقدم لذلك مبررات ينسبها لـ " ابن الأثير" بل يعطيها بعدا أعمق عندما ينسب بعضها لـ " مالك " ( 72) .
أحيانا أخرى عند ذكر بعض الأحاديث يعيد القارئ إلى المادة اللغوية " حضر" (73) و حجته في ذلك أن الأمر مستوفى هناك ، فعندما و صل إلى الحديث " لا يبيع حاضر لباد " أعادنا إلى "حضر" (74) و عندما يعود القارئ سرعان ما يعود إلى بدا محتنقا ، فالأمر لم يتغير ، و التعصب و اضح . لنقرأ " جاء عن ابن عباس أنه سئل لا يبيع حاضر لباد قال : لا يكون سمسارا له " (75) .
هل الأمر يتعلق بطبقية ما ؟ يبدو الأمر كذلك ، فوجهة النظر التي يعرضها ابن منظور تصب في صالح الحضر ؛ فهو يبدو حريصا على مستوى معيشتهم إذا تعلق الأمر بعموم الحاجة كالأقوات ، مأزق ابن منظور جاء من كونه لم يكن بدويا ، و ثقافته اللغوية لم تستمد مباشرة من البادية ، بل جاءت من الكتب ، إن الكتابة حضرية ، و لسان العرب كتاب حضري توفرت مادته اللغوية في الحاضرة .
كذلك ألف ليلة و ليلة كتاب حضري بفضل ثقافة الكتب(76) و بفضل المدينة الأولى خراسان و مدن أخرى كالبصرة و بغداد و الإسكندرية و دمشق و غيرها (77) إن " المدينة – الوطن صيغة واضحة في حكايات ألف ليلة و ليلة بما يجعل مدينة هذه الحكايات تتماس و تتداخل مع مفهوم " (المدينة – الدولة ) بمعناها التاريخي القديم " (78).
هل تخبئ شهرزاد موقفا من البدو مثلما فعل ابن منظور ؟ يمكن أن نقول من دون أن نحمل موقفها أكثر مما يحتمل أن موقفها من البدو واضح إلى الحد الذي يمكن اعتبار موقفها تعليقا على المادة اللغوية " بدا " ، فعندما يتعلق الأمر بسلوك البدوي فهو " قاطع الطريق ، و خائن الرفيق "( مج 1/79) و لا يرجى من ورائه الخير لأنه " جلف : ( مج1/307) " يابس الرأس (مج 1/307 ) .
وعلى عكس البدوي تبدو فراسة الحضري محققة فعندما تكلم بدوي أمام تاجر عرف على وجه السرعة أنه " قليل العقل ( مج1/ 307 ) " مجنون لا يعرف قيمة ما يملك ( مج1 / 308 ) . البدوي خائن لا يؤمن جانبه حتى لو حلف أغلظ الأيمان ، فالبدوي حماد الفزاري حلف لشاب حضري ألفا و خمسمائة يمين بألا يخونه و أن يكون معينا له و بالرغم من العدد الضخم من الأيمان غدر البدوي و خان ، فعندما استغرق الشاب الحضري في النوم جذب البدوي السيف و ضربه ضربة فصلت رأسه عن جثته ( مج2/ 35 ).
إن أولى الوصايا التي تقال للمسافر : احذر من البدو ، ففي حكاية " علاء الدين أبو الشامات " ؛ يصمم علاء الدين على السفر ، فأوصاه أبوه بالحذر من بدوي قاطع للطريق يقال له " عجلان( مج2/250 ).
إن " وظيفة السرد هي إعادة التوازن لعلاقة مختلة "(80) لا نعني اختزال وظائف السرد إلى هذه ، إنما نود الإشارة إلى أن السرد في ألف ليلة و ليلة و سيلة للخروج من ورطة أو موقف صعب .
العادة " هناك قوي و هناك ضعيف و لا يجد هذا الأخير خلاصه إلا بسرد حكايته أو حكاية أشخاص آخرين" ، بعد انتهائه ( الضعيف) يملس على رأسه و يخرج (82) . هذه العادة حدثت مع ( التاجر مجـ1/169) و مع ( الصعلوك مجـ1 /64) حدثت أيضا مع ( العبد : مجـ1/ 93) و مع ( المباشر : مجـ1/ 138) و مع ( النصراني: مجـ1/ 128) . كل واحد من هؤلاء يقع في مأزق و تنجيه الحكاية . الغريب أن هذا لم يحدث مع البدوي حماد الفزاري (جـ2/36) .
يتضح موقف شهرزاد من البدو عندما لا تشفع الحكاية لبدوي مثلما تشفع الحكاية لكل شخصيات ألف ليلة و ليلة من القتل ، لقد بالغت شهرزاد من الحط من قيمة البدوي ، فما أسوا أن يعرف البدوي أن خاتمته ستكون بيد امرأة . اعتقد أنها حكاية جديرة بالسرد بعد التوقف عند فكرة مهمة للغاية .
البدوي حماد وقع أسيرا لثلاثة ملوك "رومزان" و " حوقل" و " كان ما كان" و بعد ثلاثة أيام عُرض على الملوك الثلاثة فقالوا له " احك لنا أعجب ما رأيت من خطفك للصغار و البنات ( مجـ2/28 ) حكى لهم حكايته مع " نزهة الزمان " أخت الملك الحاضر للسرد " روزمان" .
عرفته " نزهة الزمان" فقامت إليه لتقتله فصاح البدوي حماد " لا تدعوها تقتلني حتى احكي ما جرى لي من العجائب ( جـ2 /29) . الحكاية مرادفة للتوسل و الرجاء ، إنها القربان الذي يذبح لتهدئة غضب الشخص (83) .
تدخل ابن أخيها " كان ما كان " و هدأها ، تشجع البدوي حماد و قال " ياملوك الزمان إن حكيت لكم حكاية عجيبة تعفون عني ؟ قالوا نعم (جـ2 /29) حكى لهم حكاية ، و بناء على العرف القائم بين القارئ وبين الحكاية سيتوقع القارئ العفو ، فالبدوي حماد ليس أقل شأنا من " العبد" و من "المباشر " و من " الصعلوك" و من النصراني " ثم إن الملوك لا يخلفون الوعد.
لكن توقع القارئ يخيب عندما " جردت نزهة الزمان السيف و ضربت عنق البدوي - حماد- على عاتقه ، فأطلعته من علائقه ، فقال لها الحاضرون لأي شيء استعجلت على قتله ؟ فقالت : أحمد لله الذي فسح في أجلي حتى أخذت ثأري بيدي ، ثم أمرت العبيد أن يجروه من رجليه و يرموه للكلاب (جـ2/36 ) ، أعتقد أنه أمر مؤسف ألا يدفن البدوي و يقدم بدلا من ذلك زادا للكلاب (84) .




ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، الطبعة الأولى ( 1374 - 1412 ) ، وإذا تعلق الأمر بإحالة إلى المقدمة ، فسأشير إلى رقم الصفحة في المتن .
2 - عبد السلام هارون ، تحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الأولى ، 1399 ، ص 3 .
3 - إبراهيم الإبياري ، لسان العرب لابن منظور ، دراسة منشورة ضمن كتاب " تراث الإنسانية " وهي سلسلة تتناول بالتعريف والبحث والتحليل روائع الكتب التي أثرت في الحضارة الإنسانية ، وعند الإحالة إلى هذه الدراسة سأكتفي بـ " تراث الإنسانية ، والدراسة موجودة في الجزء الأول من هذه السلسلة من صفحة 353 إلى 367 .
4 - تراث الإنسانية ، جـ 1 / 354 .
5 - نفسه ، جـ 1 / 358 .
6 - نفسه ، جـ 1 / 358 ، والرواية منقولة عن ولد ابن منظور .
7 - هذه العبارة ( الحقيقة صيغة من صيغ السلطة ) نقلتها من مجلة الكرمل ، مجلة فصلية يصدرها الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، العدد ( 13 ، 1984 ) من دون أن أسجل مع الأسف قائلها ورقم والصفحة التي وردت فيها ، ولأني بعيد عن مكتبتي فيرجى قبولها مع التحفظ .
8 - عبد الفتاح كيليطو ، الغائب ، دراسة في مقامة الحريري ، دار توبقال للنشر ، الطبعة الأولى 1987 ص 29 .
9 - محمد بن جرير الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، دار الكتب العلمية جـ1 / 114 .
10 - سورة نوح ، آية 5 " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " .
11 - تاريخ الأمم والملوك ، سابق جـ 1 / 114 .
12 - سورة هود ، آية 40 " حتى إذا جاء أمرنا قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " والسخرية واضحة في الآية 38 من السورة نفسها " كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " .
13 - تاريخ الأمم والملوك ، جـ / 114 .
14 - لا يتعصب ضد الأجناس الأخرى وحدها ، إنما يتعصب أيضا ضد البدو كما سنعرف لاحقا .
15 - ينظر أمثال أبي الطيب المتنبي التي جمعها الصاحب بن عباد لفخر الدولة بن بويه ، وما ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر من محاسن أمثاله وحكمه ، وما ذكره العكبري من إعجاز أبياته التي ذهبت مثلا ، أعاد ترتيب هذه الأمثال طبقا لقوافيها محمد إبراهيم سليم ، دار الطلائع للنشر والتوزيع ، والبيتان اللذان استشهدنا بهما وردا صفحة 9 .
16 - الأصول الخمسة التي نقل عنها ابن منظور هي " تاج اللغة وصحاح العربية " للجوهري ، " وتهذيب اللغة " للأزهري ، " والمحكم " لابن سيدة .
17 - جمع تهذيب اللغة من " عرب يشتون في الدهناء ، ويرتبعون في الصمان ، ويقيضون في الستارين " ذلك أن الأزهري حج سنة 311 هجرية ، وحينما عاد عارضت القرامطة الحجيج فوقع في سهم هؤلاء العرب ، جمع الأزهري اللغة منهم ، وحينما بلغ السبعين من عمره صنف تهذيب اللغة من الألفاظ التي جمعها ، انظر : كارل بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، نقله إلى العربية : عبد الحليم النجار ، دار المعارف ، ط 4 جـ 2 / 263 - 264 .
18 - عناوين المعاجم من حيث نزوعها إلى التدمير فكرة قيد الدراسة إن شاء الله .
19 - تراث الإنسانية جـ1 / 362 .
20 - لسان العرب : مادة بلل ، وانظر الدراسة الممتازة لـعبد الفتاح كيليطو " بلبلات " في كتابه " لسان آدم " دار توبقال للنشر 1995 .
21 - لسان العرب ، مادة لسن ، جـ 13 / 358 .
22 - نفسه .
23 - في مادة لسن : اللسان هو الرسالة جـ 13 / 386 ، وهو المقالة جـ 13 / 385 .
24 - يشرح ابن منظور حديث الرسول " لصاحب الحق اليد واللسان " بقوله : اليد : اللزوم أما اللسان فهو التقاضي " جـ 13 / 387 .
25 - في مادة لسن : اللسان المقالة جـ 13 / 386 .
26 - لسان النار : ما يتشكل منها على شكل لسان ، جـ 13 / 378 .
27 - الخلية من الإبل يقال لها المتلسنة ، والخلية أن تلد الناقة فينحر ولدها عمدا ليدوم لبنها ، ويستدر بحوار غيرها فإذا أدرها أبعدوه و احتلبوها ، جـ 13 / 386 .
28 - الملسن حجر يجعلونه في أعلى باب بيت يبنونه من الحجارة ، ويجعلون قطعة لحم في المؤخرة ، فإذا دخل السبع وتناول اللحمة سقط الحجر على الباب وسده ، جـ 13 / 386 .
29 - يفسر ابن منظور قوله تعالى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " بقوله " اجعل لي ثناء حسنا باقيا إلى آخر الدهر ، جـ 13 / 386 .
30 - معجم العين أول المعاجم العربية ، ابتدأ الخليل تصنيفه وهو في خراسان ، ولهذا المعجم حكاية تشبه حكاية مخطوط ألف ليلة وليلة ومخطوطات الحكاية فيه التي دائما ما تكتب وتحفظ في خزائن الملك ، حدث مثل هذا لمعجم العين ، فبالرغم من أن الخليل توفى - على اختلاف - عام 175 من الهجرة إلا أن معجمه العين لم يخرج من خزائن آل طاهر إلى بغداد إلا سنة 248 من الهجرة ، انظر تاريخ الأدب العربي ، سابق جـ 2 / 133 .
31 - المعجم هو " تاج اللغة وصحاح العربية " وقد كتب الجوهري إلى حرف الضاد وأتمه تلميذه الوراق ، وفيما يتصل بالترتيب يقال أنه أخذه عن ديوان الأدب لخاله الفارابي ، انظر تاريخ الأدب العربي ، سابق جـ 2 / 259 .
32 - تراث الإنسانية ، جـ 1 / 362 .
33 - تتضح قراءاته من الكتب التي اختصرها ، فبالإضافة إلى الكتب اللغوية الخمسة التي تكون مادة لسان العرب ، اختصر " الأغاني " للأصبهاني ، و " زهر الآداب وثمار الألباب " للقيرواني ، و " يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر" للثعالبي ، و" نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة " للتنوخي ، و "تاريخ مدينة دمشق " لابن عساكر ، و " تاريخ بغداد" للسمعاني ، و " صفوة الصفوة " لابن الجوزي ، و " فصل الخطاب " للتيفاشي ، و " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " لابن بسام ، و " الحيوان " للجاحظ ، انظر تراث الإنسانية جـ 1 / 360 وما قبلها .
34 - يحظى العنصر الكتبي في التأليف المعجمي بدور ثانوي ، فالأزهري وضع معجمه معتمدا على السماع من العرب ثم الرواية من الثقات وأخيرا النقل عن خطوط العلماء ، هكذا تأتي الكتابة في الرتبة الثالثة بعد " السماع " و" الرواية " اللتين تقتضيان الاتصال المباشر ، انظر : الغائب ، سابق ص 67 .
35 - أساتذة ابن منظور هم الكتب ، راجع هامش رقم 33 أعلاه .
36 - يتبرأ ابن منظور من شروط الرواية لا سيما المشافهة عندما يقول " وأنا مع ذلك لا أدعي فأقول شافهت " ص 8
37 - يعترف ابن منظور قائلا " وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها ، ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أنني جمعت فيه ما تفرق " ص 8 .
38 - سجلت من حوار أجري مع الشاعر محمود درويش في جريدة الحياة استمتاعه بالقراءة في معجم لسان العرب ، للأسف لم أسجل رقم العدد والتاريخ فيرجى قبوله مع التحفظ .
39 - يقول أحمد فارس في المقدمة التي كتبها للسان العرب " ولولا أن الله تبارك وتعالى أودع فيه سرا مخصوصا لما بقي إلى الآن " ص 6 .
40 - سعيد الغانمي ، الكنز والتأويل ، قراءات في الحكاية العربية ، المركز الثقافي العربي ط1 ص 5 .
41 - أسر القرامطة الأزهري أثناء عودته من الحج ، راجع الهامش رقم 17 أعلاه .
42 - أحد الشهود اسمه العلامة " أثير الدين " الذي قرظ لسان العرب ونسب كنوزه إلى ثلاثة من المعجميين ، يقول :
فحاز لسان العرب أجمع فاغتدى نهاية مرتاد ومطلب باحث
به أزهرت للأزهري رياضة فأنوارها تجلو دياجي الحوادث
وصحت به للجوهري صحاحه فلا كسر يعروها ولا نقد عابث
وسار به بين الأنام ابن سيدة فمحكمه ما فيه عيث لعائث .
43 - هذا الحكم يحتاج إلى تمحيص ، وإيراده هنا مجرد حدس ليس غير .
44 - إجابة هذا السؤال قيد الدراسة ، ونقطة الانطلاق هي كتاب " القصاص والمذكرين لابن الجوزي ، ومقدمة كتاب " الأمالي " لأبي على القالي ، من حيث مواثيق سرد " الخاصة " ومقارنة ذلك بمواثيق سرد " العامة " في كتاب ألف ليلة وليلة .
45 - عبد الفتاح كيليطو ، العين والإبرة ، دراسة في ألف ليلة وليلة ، ترجمة مصطفى النحال ، مراجعة : محمد براده ، دار شرقيات ، ط1 ص 17 .
46 - نفسه ، ص 17 .
47 - نفسه ، ص 17 .
48 - ألف ليلة وليلة ، المكتبة الثقافية ، بيروت ، جـ 1 / 10 .
49 - التلخيص يحيل إلى القراءة ؛ فأن ألخص كتابا ما يعني أن أقرؤه أولا .
50 - تراث الإنسانية ، جـ 1 / 367 .
51 - لسان آدم ، سابق ، ص 83 .
52 - لسان العرب من الكتب التي وردت ضمن كتاب " تراث الإنسانية " الذي يتألف من ثمانية مجلدات تتناول بالبحث والتعريف والتحليل روائع الكتب السردية والعلمية والمعجمية التي أثرت في الحضارة الإنسانية ، و إلى جانب "لسان العرب يرد كتاب " ألف ليلة وليلة " وكتاب " الفردوس المفقود " وغيرهما .
53 - لسان العرب ، جـ 1 / 367 .
54 - نفسه ، جـ 1 / 263 .
55 - يقول ابن منظور : " أما جربه بالهاء فقرية بالمغرب ، لها ذكر في حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه " ثم يعرف برويفع ، لكنه لم يثبت الحديث ، جـ 1 / 263 .
56 - العين والإبرة ، سابق ص 17 .
57 - نفسه ، ص 17 .
58 - من يقرأ الفصول الخاصة باللغويين في كتاب " تاريخ الأدب العربي " لكارل بروكلمان ، يدهش من مخطوطات المعاجم ومختصراتها وتكملتها ، فمعجم تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري أتمه تلميذه الوراق ، ومعجم العين للخليل بن أحمد استدرك عليه بعض المتأخرين ، كما أن الخارزنجي وضع تكملة لكتاب العين ، والزبيدي اختصره .
59 - تراث الإنسانية ، جـ 1 / 364 .
60 - الكنز والتأويل ، سابق ص 5 .
61 - من الباحثين محسن مهدي ، وجمال الدين بن الشيخ ، وعبد الفتاح كيليطو ، وهذا الأخير لا تخلو دراسات أي كتاب من كتبه من إشارة إلى ألف ليلة وليلة أو إحالة إليها ، بل إنه خصص كتابا كاملا لها عنوانه " العين والإبرة " كما أن مجلة فصول أصدرت عددين خاصين عن ألف ليلة وليلة .
62 - أتمنى أن أنجز حكايات جذور لغوية كـ " فضل " و " عجب " و " غرب " و " علم " و ولي " .
63 - يقصد بالرؤوس المشهورة : كلمات مشهورة يقيس عليها القارئ كلمات أقل شهرة ، أو غريبة لمعرفة ضبطها في الماضي والمضارع ، انظر الهامش رقم 66 أدناه .
64 - لسان العرب ، جـ 14 / 67 .
65 - يوجد هذا الباب في أغلب كتب النحو التي تضم أبوابا صرفية على سبيل المثال : النحو الوافي ، لعباس حسن ، دار المعارف جـ 4 / 749 وموجود في كل كتب الصرف ، على سبيل المثال : شذا العرف في فن الصرف وهذا الباب من الأبواب الأولى .
66 - تمام حسان ، اللغة العربية معناها ومبناها ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1985 ، ط 3 ص 326 .
67 - شذا العرف في فن الصرف ، سابق ، ص 29 .
68 - الفعل المعتل ما كان أحد حروفه حرف علة ( بدا ، غزا ) والناقص ما كان حرفه الأخير حرف عله ( رمى ) وتقسيم الأفعال إلى صحيح ومعتل من الأبواب الصرفية الأولى .
69 - لم تعد ذاكرة الجذر اللغوي ( غزا ) تشير إلى هجوم قبيلة على أخرى ، بل أصبحت مشحونة بالدين ، وذروة سنام الدين الجهاد ويقف على قمة السنام غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم .
70 - يوجد اختلاف بين الباحثين على مكان مولده ، ما بين " تونس " و " مصر " تراث الإنسانية : جـ 1 / 356 .
71 - لسان العرب ، مادة بدا ، جـ 14 / 67 .
72 - لا أدري هل يتعلق الأمر بمالك بن أنس " المدني " الطبع والولادة والمنتسب إلى ملوك حمير ، من جهة أخرى يحتاج موقف مالك الصارم من الحكي إلى دراسة في ضوء مدنيته .
73 - لم يستوف الأمر في مادة ( بدا ) علما أن هناك مبررا لغويا لإيراده فالحديث اشتمل على كلمة ( حاضر ) كما اشتمل على كلمة ( باد ) .
74 - لسان العرب ، جـ 4 / 196 .
75 - نفسه ، جـ 2 / 197 .
76 - العين والإبرة ، سابق ص 17 .
77 - بلغ عدد المدن ، وما يشير إليها كالحي والباب والقاعة في المجلد الأول من ألف ليلة وليلة ( طبعة بولاق ) ستا وخمسين ومائة ، مقابل مكان بدوي واحد هو ( ديار بكر ) ، وقد اعتمدت في هذه الإحصائية على فهرس أنجزته للآيات والأحاديث والحكم والأمثال والشعر والأعلام والشخصيات والحكايات والطيور والحيوانات والأمكنة التي تضمنها المجلد الأول .
78 - حسين حمودة ، مدينة الجغرافيا والخيال ، دراسة منشورة في مجلة فصول القاهرية ، المجلد 12 ، العدد 4 ، شتاء 1994 ، ص 172 .
79 - ألف ليلة وليلة ، المكتبة الثقافية ، وسأشير إلى الجزء والصفحة داخل المتن .
80 - عبد الفتاح كيليطو ، الأدب والغرابة ، دراسات بنيوية في الأدب العربي ، دار الطليعة 1982 ، ط1 / 103 .
81 - نفسه ، ص 103 .
82 - هذه العبارة قالتها كبيرة الصبايا في حكاية الحمال والبنات .
83 - الأدب والغرابة ، سابق ، ص : 103 .
84 - التفكير في هذه الخاتمة يجعلنا نفكر في تصرفات البدوي حماد ، من المعلوم أنه كان قاطعا للطريق ، ولكونه بدويا فهو يحمل تصورا مضادا للحضر ، ومن ثم فهو ليس بريئا من السخرية من الحضر ، فهو يدعو نزهة الزمان ( يا مدنية ) ويا ( قطعة حضرية ) ، إن البدوي حماد لم يفلت من مصيره الذي قرره سلفا ، فمن أمثال ألف ليلة وليلة " لو عاير أحدكم أخاه برضاع كلبه لارتضعها ( جـ 1 / 312 ) .



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
* ورقة ألقيت في نادي جدة الأدبي ، ونشرت في مجلة جذور المعنية بالتراث العربي ، وكذلك في كتاب ضحايا التأويل .
 
أعلى