نقوس المهدي
كاتب
هناك أنواع كثيرة من السلطة مستخدمة وغير مستخدمة، معترف بها أو خلاف ذلك. الإيروتيكية تعد موردًا داخل كل واحد منا تختبئ في مستوى أنثوي وروحاني عميق، ومتجذر بحزم في قوة شعورنا غير المظهر أو المعروف. من أجل إدامة نفسه، كل ظلم لا بد أن يفسد أو يشوه تلك المصادر المختلفة للقوة داخل ثقافة القهر التي يمكن أن توفر الطاقة من أجل التغيير. بالنسبة للنساء، هذا يعني قمع الإيروتيكية كمصدر معتبر للقوة والمعلومات في حياتنا.
لقد تعلمنا الشك في هذا المورد، المذموم، المساء إليه، والمنخفض القيمة داخل المجتمع الغربي. فمن ناحية، تم تشجيع الإيروتيكية السطحية باعتبارها علامة على الدونية للأنثى؛ ومن ناحية أخرى، بُذلت النساء ليكابدن ويشعرن بالوضاعة والارتياب بحكم وجودهن.
إنها خطوة قصيرة من هناك نحو الاعتقاد الخاطئ أنه فقط من خلال قمع الإيروتيكية داخل حياتنا ووعينا يمكن للنساء أن يكن قويات حقًا. إلا أن القوة وهمية، لأنه تم تصميمها في إطار النماذج الذكورية للسلطة.
كنساء، لقد وصلنا إلى عدم الثقة في القوة التي ترتفع من معرفتنا العميقة والعاطفية. لقد تم تحذيرنا منها طوال حياتنا من قبل عالم الذكور، الذين يقدرون عمق الشعور هذا بقدر يكفي لإبقاء النساء قريبات من أجل ممارسة هذا الحق في خدمة الرجال، والذين يخشون دراسة الاحتمالات هذا العمق نفسه داخل أنفسهم. لذلك يتم إبقاء النساء في وضع أدنى/أبعد ليتم استنزافهن نفسيًا، بنفس الطريقة التي يحفظ بها النمل مستعمرات المن لتوفير المادة الواهبة للحياة لأسيادهم.
ولكن الإيروتيكية توفر مورد قوة متجددة واستفزازية للمرأة التي لا تخشى إيحاءها، ولا تستسلم للاعتقاد بأن الإحساس كافٍ.
كثيرًا ما منحت الإيروتيكية اسمًا مغلوطًا من قبل الرجال واستخدمت ضد المرأة. وتم تحويلها إلى إحساس مختلط، تافه، ذهاني وبلاستيكي. لهذا السبب، تحولنا بعيدًا عن التنقيب والنظر في الإيروتيكية كمصدر للطاقة والمعلومات، وخلطناها مع الإباحية. لكن الإباحية هي إنكار مباشر للقوة الإيروتيكية، لأنها تمثل قمع الشعور الحقيقي. فالإباحية تمثل الإحساس دون شعور.
الإيروتيكية هي مقياس بين إحساسنا بالذات وفوضى مشاعرنا الأكثر قوة. إنها شعور داخلي من الارتياح الذي، بمجرد أن نختبره، نعلم أننا نستطيع أن نطمح. ولأننا اختبرنا ملء هذا الشعور العميق واعترفنا بقوته، بعزة واحترام للذات لا يمكننا أن نطالب بما هو أقل من أنفسنا.
ليس سهلًا أبدًا أن نطالب بما هو أكثر من أنفسنا، من حياتنا، من عملنا. أن نشجع التميز هو أن نتجاوز تشجيع الرداءة في مجتمعنا. ولكن الاستسلام للخوف من الشعور والعمل على القدرة هو ترف يستطيع العرضيين1 فقط تحمله، والعرضيين هم أولئك الذين لا يرغبون في توجيه مصائرهم.
هذا الضرورة الداخلية تجاه التميز التي نتعلمها من الإيروتيكية يجب ألا تفسر كطلب للمستحيل من أنفسنا ولا من الآخرين. لأن مثل هذا الطلب يعطل قدرة الجميع في العملية. لأن الإيروتيكية ليست سؤالًا عما نفعله فقط؛ إنها سؤال حول كيف لنا أن نحس حقًا وبشكل كامل أثناء الفعل. بمجرد أن نعرف إلى أي مدى نحن قادرون على الشعور بإحساس بالرضا والإنجاز، يمكننا حينها أن نلاحظ أي من مساعينا المختلفة في الحياة تجعلنا أقرب إلى ذلك الامتلاء.
الهدف من كل شيء نقوم به هو جعل حياتنا وحياة أطفالنا أكثر ثراء وأكثر احتمالًا. في إطار الاحتفال بالإيروتيكية في جميع مساعينا، يصبح عملي قرارًا واعيًا - توق إلى السرير الذي أدخل إليه بامتنان والذي استفيق منه مُمَكنة.
بالطبع، النساء المُمَكنات خطرات. لذلك يعلموننا فصل الإيروتيكية عن المجالات الأكثر حيوية في حيواتنا بخلاف الجنس. وضعف الاهتمام بجذر الإيروتيكية والرضا عن عملنا يمكن الشعور به في سخطنا للكثير مما نقوم به. على سبيل المثال، كم مرة أحببنا حقًا عملنا حتى في أصعب مراحله؟
الرعب الرئيسي في أي نظام يُعرف الخير بشروط الربح وليس بحاجة الإنسان، أو يعرف حاجة الإنسان باستبعاد العناصر النفسية والعاطفية لتلك الحاجة - الرعب الرئيسي لهذا النظام هو أنه يسلب عن عملنا قيمته الإيروتيكية، قوته الإيروتيكية ونداء الحياة والإنجاز. مثل هذا النظام يحد العمل لضروريات مزيفة، واجب يمكننا من خلاله كسب الخبز أو نسيان أنفسنا ومن نحب. ولكن هذا بمثابة تعمية رسامة ثم إخبارها بأن تحسن عملها، وأن تستمتع بفعل الرسم. ليس هذا أقرب إلى المستحيل فقط، بل هو أيضًا قاسٍ إلى حد كبير.
كنساء، نحن بحاجة لدراسة السبل التي يمكن لعالمنا بها أن يكون مختلفًا حقًا. أنا أتكلم هنا عن ضرورة إعادة تقييم جودة جميع جوانب حياتنا وعملنا، وكيف نتحرك تجاهها وعبرها.
إن لفظ الإيروتيكية مشتق من الكلمة اليونانية إيروس، تجسيد المحبة في جميع جوانبها - مولد الفوضى، وتجسد السلطة الإبداعية والتناغم. عندما أتحدث عن الإيروتيكية، إذن، فأنا أتكلم عنها كتأكيد على القوة الحياتية للنساء؛ تلك الطاقة الإبداعية المُمَكَنة، معرفة واستخدام ما نستعيده الآن في لغتنا وتاريخنا، رقصنا، محبتنا، عملنا، وحياتنا.
هناك محاولات متكررة لمساواة الإباحية والإيروتيكية، وهما استخدامين على طرفي النقيض من الجنسية. وبسبب هذه المحاولات، أصبح من المألوف فصل الروحاني (نفسي وعاطفي) عن الحياة السياسية، ورؤيتهما كما لو كانا مختلفين أو متناقضين. "ماذا تقصد، بثوري الشعرية، مهرب أسلحة وذخيرة التأمل؟" بنفس الطريقة، حاولنا فصل الروحي والإيروتيكي، مما قلص الروحي إلى عالم من التأثير الخاوي، عالم زاهد لا يطمح في أن يشعر بأي شيء. ولكن ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة. لأن الحالة الزهدية هي واحدة من أعلى المخاوف، وأخطر أنواع الجمود. الامتناع عن ممارسة الجنس الشديد من الزهد يصبح الهوس الحاكم. وهذا ليس نوعًا من الانضباط الذاتي بل من نكران الذات.
الانقسام بين الروحي والسياسي هو أيضًا خطأ، ناجم عن اهتمام غير مكتمل بمعرفتنا الإيروتيكية. لأن الجسر الذي يربطهما مكون من الإيروتيكية - الحسية - تلك التعبيرات الجسدية والعاطفية والنفسية لما هو أعمق وأقوى وأغنى في داخل كل منا، والتي يتم تقاسمها: مشاعر الحب، في أعمق معانيه.
خارج نطاق الظاهري، العبارة "الأمر يبدو صائبًا بالنسبة لي"، تعترف بقوة الإيروتيكية داخل المعرفة الحقيقية، ما يعنيه ذلك هو أول وأقوى نور مرشد نحو أية عملية فهم. والفهم هو خادمة يمكن أن تٌبقِي فقط، أو توضح، تلك المعرفة، المتولدة بعمق. الإيروتيكية هي المربي أو المربية لكل معرفتنا العميقة.
الإيروتيكية بالنسبة لي تعمل بطرق عديدة، الطريقة الأولى هي بتوفير الطاقة التي تأتي من تقاسم عميق لأي سعي مع شخص آخر. تقاسم الفرح، سواء جسدي، عاطفي، نفسي، أو فكري، يشكل جسرًا بين المتشاركين، والذي يمكن أن يكون أساسًا لفهم الكثير مما ليس متشاركًا بينهم، ويقلل من خطر فروقاتهم.
طريقة أخرى مهمة يعمل بها الاتصال الإيروتيكي هي التوكيد المفتوح والشجاع لمقدرتي على الفرح، الطريقة التي يتمدد بها جسدي للموسيقى وينفتح باستجابة، والاستماع إلى أعمق إيقاعاتها، وبذلك أشعر بأن كل مستوى ينفتح أيضًا على التجربة الإيروتيكية المُرضية سواء كانت رقصًا، بناء خزانة كتب، كتابة قصيدة، أو دراسة فكرة.
هذا الاتصال الذاتي المشترك هو مقياس لمدى الفرح الذي أعرف أنني قادرة على الشعور به، تذكرة بقدرتي على الشعور. وتلك المعرفة العميقة والتي لا يمكن تعويضها لقدرتي على الفرح تأتي لتطالب كل حياتي بأن تعاش داخل المعرفة بأن مثل هذا الرضا ممكن، وليس من الضروري أن يدعى الزواج، ولا الرب، ولا الحياة بعد الموت.
هذا هو أحد الأسباب لم يخاف الجميع من الإيروتيكية، وتترك لتذهب وحيدة إلى غرفة النوم، ذلك لو عُرِفَت من الأساس. لمرة واحدة نبدأ بالإحساس بعمق بكل جوانب حياتنا، نبدأ في مطالبة ذواتنا ومتطلبات حياتنا بأن يشعروا بالتوافق مع ذلك الفرح الذي نعرف أننا قادرين عليه. معرفتنا الإيروتيكية تُمكنُنا، تصبح العدسة التي من خلالها ندقق في جميع جوانب وجودنا، وتجبرنا على تقييم تلك الجوانب بصدق بشروط معناها النسبي خلال حياتنا. وهذه مسؤولية جسيمة، تنتظر من داخل كل واحد منا، أن لا يتوافق مع الملائم،الزائف، المتوقع تقليديًا، أو الآمن بالكاد.
خلال الحرب العالمية الثانية، اشترينا عبوات بلاستيكية مختومة من السمن الأبيض عديم اللون، مع حبيبات كثيفة صغيرة ذات لون أصفر تطفو مثل أحجار كريمة ملونة داخل الجلد النقي للعبوة. كنا نترك السمن لفترة من الوقت ليلين، وبعد ذلك ننتشل الحبيبات الصغيرة لنكسرها داخل العبوة، لنخرج الاصفرار الغني في الكتلة الشاحبة الناعمة من السمن. ثم نأخذها بعناية بين أصابعنا، ونعجنها برفق، مرارًا وتكرارًا، حتى ينتشر اللون في جميع أنحاء عبوة السمنة، لتصبح ملونة بدقة.
أجد الإيروتيكية كنواة داخل نفسي. عندما تتحرر من حبيباتها المكثفة والمقيدة، تطفو وتلون حياتي بنوع من الطاقة التي تضاعف وتحسس2 وتقوي كل خبرتي.
لقد تربينا على الخوف من الـ"نعم" داخل ذواتنا، وأعمق رغباتنا. ولكن، حالما نميز ذلك، أولئك الذين لا يحسنون مستقبلنا يفقدون قوتهم ويمكن تغييرهم. الخوف من أعمق رغباتنا يبقيها مشبوهة وقوية بشكل عشوائي، لأن كبت أي حقيقة هو بمثابة إعطاءها قوة فوق المحتمل. الخوف من أننا لا نستطيع أن ننمو خارج كل التشوهات التي نجدها داخل ذواتنا يبقينا منصاعين، وفيين ومطيعين، وخارجيًا يعرفنا، ويقودنا لقبول جوانب عديدة من الظلم الواقع علينا كنساء.
عندما نعيش خارج ذواتنا، وبهذا أعني على توجيهات خارجية فقط بدلًا من معرفتنا واحتياجاتنا الداخلية، عندما نعيش بعيدًا عن تلك الإرشادات الإيروتيكية داخل أنفسنا، إذن فحياتنا ستقتصر على أشكال خارجية وغريبة، وسنتفق مع الاحتياجات الهيكلية التي لا تستند إلى الحاجة الإنسانية، ناهيك عن حاجة الأفراد. ولكن عندما نبدأ في العيش ضمن الخارج، في اتصال مع قوة الإيروتيكية داخل ذواتنا، ونتيح لتلك السلطة توضيح وإنارة أعمالنا على العالم من حولنا، حينها سنبدأ في أن نكون مسؤولين تجاه ذواتنا في أعمق معانيها. لأنه عندما نبدأ في التعرف على أعمق مشاعرنا، نبدأ في التخلي، عن الضرورة، والرضا بالمعاناة، وإنكار الذات، والخدر الذي يبدو في كثير من الأحيان وكأنه البديل الوحيد في مجتمعنا. أفعالنا تجاه القمع تصبح جزءًا لا يتجزأ من الذات، الدوافع والتمكين الداخلي.
بالاتصال مع الإيروتيكية، أصبحت أقل استعدادًا لقبول الشعور بالعجز، أو تلك الحالات الأخرى الموردة من الوجود والتي ليست أصلية بالنسبة لي، مثل الاستسلام، اليأس، محو الذات، الاكتئاب، وإنكار الذات.
ونعم، هناك تسلسل هرمي. هناك فرق بين رسم سياج أسود وكتابة قصيدة، فهي واحدة فقط في الكمية. وليس هناك فرق، بالنسبة لي، بين كتابة قصيدة جيدة والانتقال إلى أشعة الشمس قبالة جسد المرأة التي أحب.
هذا يقودني للدرس الأخير في الإيروتيكية. تقاسم قوة مشاعر بعضنا البعض تختلف عن استخدام مشاعر الآخر كما لو أنها كلينيكس. عندما ننظر في الاتجاه الآخر من تجربتنا، الإيروتيكية أو خلاف ذلك، فنحن نستخدم مشاعر أولئك الآخرين الذين يشاركون في التجربة معنا بدلًا من أن نتشاركها. والاستخدام دون موافقة المُستخدَم إساءة.
على مشاعرنا الإيروتيكية أن تُعَرف لكي تستخدم. الحاجة إلى تقاسم شعور عميق هي حاجة إنسانية. ولكن في إطار التقاليد الأوروبية-الأمريكية، أشبعت هذه الحاجة من خلال بعض المحظورات الإيروتيكية المجتمعة معًا. هذه المناسبات تميز دائمًا بإشاحة نظر متزامنة تقريبًا، وتظاهر بدعوتها بشيء آخر، سواء دين، نوبة، عنف غوغائي، أو حتى لعبة الطبيب. إعطاء اسم مغلوط للحاجة والفعل تؤدي إلى ذلك التشوه الذي ينتج في المواد الإباحية والبذاءة - والإساءة للشعور.
عندما ننظر بعيدًا عن أهمية الإيروتيكية في تطوير وتغذية قوتنا، أو عندما ننظر بعيدًا عن ذواتنا ونحن نلبي احتياجاتنا الإيروتيكية في حفل مع آخرين، فنحن نستخدم بعضنا البعض كأغراض إشباع بدلًا من تبادل فرحنا بالإشباع، بدلًا من خلق تواصل بين أوجه التشابه والاختلاف لدينا. رفض أن تصبح مُمَكنًا قد يبدو، كإنكار لجزء كبير من الخبرة، بأن نسمح لأنفسنا بالخضوع للإباحية، وسوء المعاملة، والسخف.
الإيروتيكية لا يمكن أن تحس وكأنها مستعملة. كنسوية سوداء ومثلية، لدي إحساس معين، معرفة، وفهم لأولئك الشقيقات اللاتي رقصت معهن بشدة، لعبت، أو تقاتلت حتى. هذه المشاركة العميقة غالبًا ما كانت الإشارة إلى اتخاذ إجراءات متضافرة مشتركة لم تكن ممكنة من قبل.
ولكن هذه التهمة الإيروتيكية لا يمكن مشاركتها بسهولة مع النساء الذين يواصلن العمل بموجب التقاليد الذكورية الأوروبية الأمريكية حصرًا. أعلم أن هذا لم يكن متاحًا لي عندما كنت أحاول أن أكيف وعيي تجاه هذا النمط من العيش والإحساس.
الآن فقط، أجد المزيد والمزيد من النساء يحددن أن النساء شجاعات بشكل كافٍ للمخاطرة بتبادل الشحنات الكهربائية الإيروتيكية دون الحاجة إلى النظر بعيدًا، ودون تشويه الطبيعة القوية جدًا والخلاقة لهذا التبادل.
الاعتراف بقوة الإيروتيكية داخل حياتنا يمنحنا الطاقة لتحقيق التغيير الحقيقي داخل عالمنا، بدلًا من تكييف لشخصيات متناوبة في نفس الدراما المضجرة.
ليس فقط لأننا نلمس مصدرنا الأكثر إبداعًا وعمقًا، ولكن لأننا نفعل ذلك الذي هو أنثوي ومؤكد للذات في مواجهة العنصرية والأبوية، والمجتمع المناهض للايروتيكية.
1— فضلت ترجمة الكلمة الإنجليزية unintentional بالعرضيين لنقرب المعنى في اللغة؛ واستخدمناها كاشتقاق من الكلمة عرضي.
2جعلها حساسة أكثر
لقد تعلمنا الشك في هذا المورد، المذموم، المساء إليه، والمنخفض القيمة داخل المجتمع الغربي. فمن ناحية، تم تشجيع الإيروتيكية السطحية باعتبارها علامة على الدونية للأنثى؛ ومن ناحية أخرى، بُذلت النساء ليكابدن ويشعرن بالوضاعة والارتياب بحكم وجودهن.
إنها خطوة قصيرة من هناك نحو الاعتقاد الخاطئ أنه فقط من خلال قمع الإيروتيكية داخل حياتنا ووعينا يمكن للنساء أن يكن قويات حقًا. إلا أن القوة وهمية، لأنه تم تصميمها في إطار النماذج الذكورية للسلطة.
كنساء، لقد وصلنا إلى عدم الثقة في القوة التي ترتفع من معرفتنا العميقة والعاطفية. لقد تم تحذيرنا منها طوال حياتنا من قبل عالم الذكور، الذين يقدرون عمق الشعور هذا بقدر يكفي لإبقاء النساء قريبات من أجل ممارسة هذا الحق في خدمة الرجال، والذين يخشون دراسة الاحتمالات هذا العمق نفسه داخل أنفسهم. لذلك يتم إبقاء النساء في وضع أدنى/أبعد ليتم استنزافهن نفسيًا، بنفس الطريقة التي يحفظ بها النمل مستعمرات المن لتوفير المادة الواهبة للحياة لأسيادهم.
ولكن الإيروتيكية توفر مورد قوة متجددة واستفزازية للمرأة التي لا تخشى إيحاءها، ولا تستسلم للاعتقاد بأن الإحساس كافٍ.
كثيرًا ما منحت الإيروتيكية اسمًا مغلوطًا من قبل الرجال واستخدمت ضد المرأة. وتم تحويلها إلى إحساس مختلط، تافه، ذهاني وبلاستيكي. لهذا السبب، تحولنا بعيدًا عن التنقيب والنظر في الإيروتيكية كمصدر للطاقة والمعلومات، وخلطناها مع الإباحية. لكن الإباحية هي إنكار مباشر للقوة الإيروتيكية، لأنها تمثل قمع الشعور الحقيقي. فالإباحية تمثل الإحساس دون شعور.
الإيروتيكية هي مقياس بين إحساسنا بالذات وفوضى مشاعرنا الأكثر قوة. إنها شعور داخلي من الارتياح الذي، بمجرد أن نختبره، نعلم أننا نستطيع أن نطمح. ولأننا اختبرنا ملء هذا الشعور العميق واعترفنا بقوته، بعزة واحترام للذات لا يمكننا أن نطالب بما هو أقل من أنفسنا.
ليس سهلًا أبدًا أن نطالب بما هو أكثر من أنفسنا، من حياتنا، من عملنا. أن نشجع التميز هو أن نتجاوز تشجيع الرداءة في مجتمعنا. ولكن الاستسلام للخوف من الشعور والعمل على القدرة هو ترف يستطيع العرضيين1 فقط تحمله، والعرضيين هم أولئك الذين لا يرغبون في توجيه مصائرهم.
هذا الضرورة الداخلية تجاه التميز التي نتعلمها من الإيروتيكية يجب ألا تفسر كطلب للمستحيل من أنفسنا ولا من الآخرين. لأن مثل هذا الطلب يعطل قدرة الجميع في العملية. لأن الإيروتيكية ليست سؤالًا عما نفعله فقط؛ إنها سؤال حول كيف لنا أن نحس حقًا وبشكل كامل أثناء الفعل. بمجرد أن نعرف إلى أي مدى نحن قادرون على الشعور بإحساس بالرضا والإنجاز، يمكننا حينها أن نلاحظ أي من مساعينا المختلفة في الحياة تجعلنا أقرب إلى ذلك الامتلاء.
الهدف من كل شيء نقوم به هو جعل حياتنا وحياة أطفالنا أكثر ثراء وأكثر احتمالًا. في إطار الاحتفال بالإيروتيكية في جميع مساعينا، يصبح عملي قرارًا واعيًا - توق إلى السرير الذي أدخل إليه بامتنان والذي استفيق منه مُمَكنة.
بالطبع، النساء المُمَكنات خطرات. لذلك يعلموننا فصل الإيروتيكية عن المجالات الأكثر حيوية في حيواتنا بخلاف الجنس. وضعف الاهتمام بجذر الإيروتيكية والرضا عن عملنا يمكن الشعور به في سخطنا للكثير مما نقوم به. على سبيل المثال، كم مرة أحببنا حقًا عملنا حتى في أصعب مراحله؟
الرعب الرئيسي في أي نظام يُعرف الخير بشروط الربح وليس بحاجة الإنسان، أو يعرف حاجة الإنسان باستبعاد العناصر النفسية والعاطفية لتلك الحاجة - الرعب الرئيسي لهذا النظام هو أنه يسلب عن عملنا قيمته الإيروتيكية، قوته الإيروتيكية ونداء الحياة والإنجاز. مثل هذا النظام يحد العمل لضروريات مزيفة، واجب يمكننا من خلاله كسب الخبز أو نسيان أنفسنا ومن نحب. ولكن هذا بمثابة تعمية رسامة ثم إخبارها بأن تحسن عملها، وأن تستمتع بفعل الرسم. ليس هذا أقرب إلى المستحيل فقط، بل هو أيضًا قاسٍ إلى حد كبير.
كنساء، نحن بحاجة لدراسة السبل التي يمكن لعالمنا بها أن يكون مختلفًا حقًا. أنا أتكلم هنا عن ضرورة إعادة تقييم جودة جميع جوانب حياتنا وعملنا، وكيف نتحرك تجاهها وعبرها.
إن لفظ الإيروتيكية مشتق من الكلمة اليونانية إيروس، تجسيد المحبة في جميع جوانبها - مولد الفوضى، وتجسد السلطة الإبداعية والتناغم. عندما أتحدث عن الإيروتيكية، إذن، فأنا أتكلم عنها كتأكيد على القوة الحياتية للنساء؛ تلك الطاقة الإبداعية المُمَكَنة، معرفة واستخدام ما نستعيده الآن في لغتنا وتاريخنا، رقصنا، محبتنا، عملنا، وحياتنا.
هناك محاولات متكررة لمساواة الإباحية والإيروتيكية، وهما استخدامين على طرفي النقيض من الجنسية. وبسبب هذه المحاولات، أصبح من المألوف فصل الروحاني (نفسي وعاطفي) عن الحياة السياسية، ورؤيتهما كما لو كانا مختلفين أو متناقضين. "ماذا تقصد، بثوري الشعرية، مهرب أسلحة وذخيرة التأمل؟" بنفس الطريقة، حاولنا فصل الروحي والإيروتيكي، مما قلص الروحي إلى عالم من التأثير الخاوي، عالم زاهد لا يطمح في أن يشعر بأي شيء. ولكن ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة. لأن الحالة الزهدية هي واحدة من أعلى المخاوف، وأخطر أنواع الجمود. الامتناع عن ممارسة الجنس الشديد من الزهد يصبح الهوس الحاكم. وهذا ليس نوعًا من الانضباط الذاتي بل من نكران الذات.
الانقسام بين الروحي والسياسي هو أيضًا خطأ، ناجم عن اهتمام غير مكتمل بمعرفتنا الإيروتيكية. لأن الجسر الذي يربطهما مكون من الإيروتيكية - الحسية - تلك التعبيرات الجسدية والعاطفية والنفسية لما هو أعمق وأقوى وأغنى في داخل كل منا، والتي يتم تقاسمها: مشاعر الحب، في أعمق معانيه.
خارج نطاق الظاهري، العبارة "الأمر يبدو صائبًا بالنسبة لي"، تعترف بقوة الإيروتيكية داخل المعرفة الحقيقية، ما يعنيه ذلك هو أول وأقوى نور مرشد نحو أية عملية فهم. والفهم هو خادمة يمكن أن تٌبقِي فقط، أو توضح، تلك المعرفة، المتولدة بعمق. الإيروتيكية هي المربي أو المربية لكل معرفتنا العميقة.
الإيروتيكية بالنسبة لي تعمل بطرق عديدة، الطريقة الأولى هي بتوفير الطاقة التي تأتي من تقاسم عميق لأي سعي مع شخص آخر. تقاسم الفرح، سواء جسدي، عاطفي، نفسي، أو فكري، يشكل جسرًا بين المتشاركين، والذي يمكن أن يكون أساسًا لفهم الكثير مما ليس متشاركًا بينهم، ويقلل من خطر فروقاتهم.
طريقة أخرى مهمة يعمل بها الاتصال الإيروتيكي هي التوكيد المفتوح والشجاع لمقدرتي على الفرح، الطريقة التي يتمدد بها جسدي للموسيقى وينفتح باستجابة، والاستماع إلى أعمق إيقاعاتها، وبذلك أشعر بأن كل مستوى ينفتح أيضًا على التجربة الإيروتيكية المُرضية سواء كانت رقصًا، بناء خزانة كتب، كتابة قصيدة، أو دراسة فكرة.
هذا الاتصال الذاتي المشترك هو مقياس لمدى الفرح الذي أعرف أنني قادرة على الشعور به، تذكرة بقدرتي على الشعور. وتلك المعرفة العميقة والتي لا يمكن تعويضها لقدرتي على الفرح تأتي لتطالب كل حياتي بأن تعاش داخل المعرفة بأن مثل هذا الرضا ممكن، وليس من الضروري أن يدعى الزواج، ولا الرب، ولا الحياة بعد الموت.
هذا هو أحد الأسباب لم يخاف الجميع من الإيروتيكية، وتترك لتذهب وحيدة إلى غرفة النوم، ذلك لو عُرِفَت من الأساس. لمرة واحدة نبدأ بالإحساس بعمق بكل جوانب حياتنا، نبدأ في مطالبة ذواتنا ومتطلبات حياتنا بأن يشعروا بالتوافق مع ذلك الفرح الذي نعرف أننا قادرين عليه. معرفتنا الإيروتيكية تُمكنُنا، تصبح العدسة التي من خلالها ندقق في جميع جوانب وجودنا، وتجبرنا على تقييم تلك الجوانب بصدق بشروط معناها النسبي خلال حياتنا. وهذه مسؤولية جسيمة، تنتظر من داخل كل واحد منا، أن لا يتوافق مع الملائم،الزائف، المتوقع تقليديًا، أو الآمن بالكاد.
خلال الحرب العالمية الثانية، اشترينا عبوات بلاستيكية مختومة من السمن الأبيض عديم اللون، مع حبيبات كثيفة صغيرة ذات لون أصفر تطفو مثل أحجار كريمة ملونة داخل الجلد النقي للعبوة. كنا نترك السمن لفترة من الوقت ليلين، وبعد ذلك ننتشل الحبيبات الصغيرة لنكسرها داخل العبوة، لنخرج الاصفرار الغني في الكتلة الشاحبة الناعمة من السمن. ثم نأخذها بعناية بين أصابعنا، ونعجنها برفق، مرارًا وتكرارًا، حتى ينتشر اللون في جميع أنحاء عبوة السمنة، لتصبح ملونة بدقة.
أجد الإيروتيكية كنواة داخل نفسي. عندما تتحرر من حبيباتها المكثفة والمقيدة، تطفو وتلون حياتي بنوع من الطاقة التي تضاعف وتحسس2 وتقوي كل خبرتي.
لقد تربينا على الخوف من الـ"نعم" داخل ذواتنا، وأعمق رغباتنا. ولكن، حالما نميز ذلك، أولئك الذين لا يحسنون مستقبلنا يفقدون قوتهم ويمكن تغييرهم. الخوف من أعمق رغباتنا يبقيها مشبوهة وقوية بشكل عشوائي، لأن كبت أي حقيقة هو بمثابة إعطاءها قوة فوق المحتمل. الخوف من أننا لا نستطيع أن ننمو خارج كل التشوهات التي نجدها داخل ذواتنا يبقينا منصاعين، وفيين ومطيعين، وخارجيًا يعرفنا، ويقودنا لقبول جوانب عديدة من الظلم الواقع علينا كنساء.
عندما نعيش خارج ذواتنا، وبهذا أعني على توجيهات خارجية فقط بدلًا من معرفتنا واحتياجاتنا الداخلية، عندما نعيش بعيدًا عن تلك الإرشادات الإيروتيكية داخل أنفسنا، إذن فحياتنا ستقتصر على أشكال خارجية وغريبة، وسنتفق مع الاحتياجات الهيكلية التي لا تستند إلى الحاجة الإنسانية، ناهيك عن حاجة الأفراد. ولكن عندما نبدأ في العيش ضمن الخارج، في اتصال مع قوة الإيروتيكية داخل ذواتنا، ونتيح لتلك السلطة توضيح وإنارة أعمالنا على العالم من حولنا، حينها سنبدأ في أن نكون مسؤولين تجاه ذواتنا في أعمق معانيها. لأنه عندما نبدأ في التعرف على أعمق مشاعرنا، نبدأ في التخلي، عن الضرورة، والرضا بالمعاناة، وإنكار الذات، والخدر الذي يبدو في كثير من الأحيان وكأنه البديل الوحيد في مجتمعنا. أفعالنا تجاه القمع تصبح جزءًا لا يتجزأ من الذات، الدوافع والتمكين الداخلي.
بالاتصال مع الإيروتيكية، أصبحت أقل استعدادًا لقبول الشعور بالعجز، أو تلك الحالات الأخرى الموردة من الوجود والتي ليست أصلية بالنسبة لي، مثل الاستسلام، اليأس، محو الذات، الاكتئاب، وإنكار الذات.
ونعم، هناك تسلسل هرمي. هناك فرق بين رسم سياج أسود وكتابة قصيدة، فهي واحدة فقط في الكمية. وليس هناك فرق، بالنسبة لي، بين كتابة قصيدة جيدة والانتقال إلى أشعة الشمس قبالة جسد المرأة التي أحب.
هذا يقودني للدرس الأخير في الإيروتيكية. تقاسم قوة مشاعر بعضنا البعض تختلف عن استخدام مشاعر الآخر كما لو أنها كلينيكس. عندما ننظر في الاتجاه الآخر من تجربتنا، الإيروتيكية أو خلاف ذلك، فنحن نستخدم مشاعر أولئك الآخرين الذين يشاركون في التجربة معنا بدلًا من أن نتشاركها. والاستخدام دون موافقة المُستخدَم إساءة.
على مشاعرنا الإيروتيكية أن تُعَرف لكي تستخدم. الحاجة إلى تقاسم شعور عميق هي حاجة إنسانية. ولكن في إطار التقاليد الأوروبية-الأمريكية، أشبعت هذه الحاجة من خلال بعض المحظورات الإيروتيكية المجتمعة معًا. هذه المناسبات تميز دائمًا بإشاحة نظر متزامنة تقريبًا، وتظاهر بدعوتها بشيء آخر، سواء دين، نوبة، عنف غوغائي، أو حتى لعبة الطبيب. إعطاء اسم مغلوط للحاجة والفعل تؤدي إلى ذلك التشوه الذي ينتج في المواد الإباحية والبذاءة - والإساءة للشعور.
عندما ننظر بعيدًا عن أهمية الإيروتيكية في تطوير وتغذية قوتنا، أو عندما ننظر بعيدًا عن ذواتنا ونحن نلبي احتياجاتنا الإيروتيكية في حفل مع آخرين، فنحن نستخدم بعضنا البعض كأغراض إشباع بدلًا من تبادل فرحنا بالإشباع، بدلًا من خلق تواصل بين أوجه التشابه والاختلاف لدينا. رفض أن تصبح مُمَكنًا قد يبدو، كإنكار لجزء كبير من الخبرة، بأن نسمح لأنفسنا بالخضوع للإباحية، وسوء المعاملة، والسخف.
الإيروتيكية لا يمكن أن تحس وكأنها مستعملة. كنسوية سوداء ومثلية، لدي إحساس معين، معرفة، وفهم لأولئك الشقيقات اللاتي رقصت معهن بشدة، لعبت، أو تقاتلت حتى. هذه المشاركة العميقة غالبًا ما كانت الإشارة إلى اتخاذ إجراءات متضافرة مشتركة لم تكن ممكنة من قبل.
ولكن هذه التهمة الإيروتيكية لا يمكن مشاركتها بسهولة مع النساء الذين يواصلن العمل بموجب التقاليد الذكورية الأوروبية الأمريكية حصرًا. أعلم أن هذا لم يكن متاحًا لي عندما كنت أحاول أن أكيف وعيي تجاه هذا النمط من العيش والإحساس.
الآن فقط، أجد المزيد والمزيد من النساء يحددن أن النساء شجاعات بشكل كافٍ للمخاطرة بتبادل الشحنات الكهربائية الإيروتيكية دون الحاجة إلى النظر بعيدًا، ودون تشويه الطبيعة القوية جدًا والخلاقة لهذا التبادل.
الاعتراف بقوة الإيروتيكية داخل حياتنا يمنحنا الطاقة لتحقيق التغيير الحقيقي داخل عالمنا، بدلًا من تكييف لشخصيات متناوبة في نفس الدراما المضجرة.
ليس فقط لأننا نلمس مصدرنا الأكثر إبداعًا وعمقًا، ولكن لأننا نفعل ذلك الذي هو أنثوي ومؤكد للذات في مواجهة العنصرية والأبوية، والمجتمع المناهض للايروتيكية.
1— فضلت ترجمة الكلمة الإنجليزية unintentional بالعرضيين لنقرب المعنى في اللغة؛ واستخدمناها كاشتقاق من الكلمة عرضي.
2جعلها حساسة أكثر