حسام أحمد المقداد - قراءة في ألف ليلة وليلة

لا شك أن حكايات ألف ليلة وليلة هي أكبر مجموعـة من الحكايات الشعبية التي تمثل تراثا ثقافيا متوارثا يجمع ثقافات شعبية عـدة في كتاب واحد، وقد عرفت فقط في اللغة العربية بالرغم من أن هناك إشارات في المصادر العربية بأن أصولها ترجمت عن الفارسية. ويبدو أن هذه الحكايات كانت معروفة في دولة الخلافة منذ العصر العباسي الأول، حيث يذكر لنا أبو الحسن المسعودي المؤرخ العربي الذي عاش في القرن الرابع هـ في كتابه المعروف "مروج الذهب ومعادن الجوهر" أن هناك حكايات شائعة بين العامة يروونها ويتناقلونها تعرف باسم " هزار افساه - افسان" أي ألف حكاية. كما أشار إلى ذلك ابن النديم في كتابه الفهرست. وقد ذكر ابن النديم إلى محاولة كتابة ألف ليلة وليلة للمرة الأولى على يد الوزير العباسي عبد الله بن عبدوس الجهشياري مؤلف كتاب الوزراء والكتاب. ويذكر ابن النديم أن أول من صنف في الخرافات هم الفرس وأول كتاب عمل في هذا المعني هو كتاب (هزار افسان) ومعناه ألف خرافة. وقد أوضح ابن النديم السبب في وضع هذه الحكايات وقصة الملك شهريار والأميرة
شهرزاد التي عملت من خلال الدراما القصصية على إنقاذ بنات جنسها من يد الملك الغيور والمنتقم. بعد ذلك أصبحت) هزار افسان) وسيلة للمسامرة بين الناس. ويذكر ابن النديم أنه رأى هذا الكتاب بتمامه باللغة العربية في عدة مجلدات. كما يضيف بأن الوزير الجهشياري هو الذي بدأ بتسجيله من لسان الرواة والمسامرين أو ترجمة ما وقع تحت يده عن الفارسية، إلا أنه لم يتم سوى 480 ليلة فقط. كل ليلة مؤلفة من خمسين ورقة.
أما أول ذكر لحكايات ألف ليلة وليلة بهذا الاسم الذي نعرفه الآن فربما يعود الى العصر الفاطمي، حيث ذكر واحد من المؤرخين المصريين في هذا العصر وهو المعروف باسم القرطي الذي كتب تاريخ مصر في العصر الفاطمي أن هناك مجموعة من القصص بين أيدي الناس تعرف باسم " ألف ليلة وليلة" يتسامرون بها في اجتماعاتهم وسهراتهم الليلية . كما عرفت نسخ منقحة لبعض هذه الحكايات والتي كتبت فيما بين القرن 13 و14 الميلادي وموجود نسخها في استانبول في تركيا.
يقول المتخصصون أن حكايات ألف ليلة وليلة تنقسم الى قسمين رئيسيين. قسم يعرف بالقسم البغدادي أي الذي وضعت اسسه الدرامية في بغداد وقسم مصري ينسب لواضعيه في مصر. كما أن هناك اعتقاد واضح بأن العمود الفقري أو البناء الأساسي للقالب الدرامي لهذه الحكايات هو ما يعرف بالألف خرافة الفارسية (هزار افسان) . بالرغم من أننا لا نعرف وقت وكيفية انتقال حكايات ألف ليلة إلى مصر وتطورها على النحو الذي عرفت به فيما بعد، إلا أن السبب برأيي يعود إلى تحكم بعض الفئات غير العربية بالحياة السياسية في بغداد،
وبعد هذه المقدمة التعريفية سأوجز رأيي بتلك القصص ، علها تكون بارقة حوار ودراسة:
اعتقد بان ألف ليلة وليلة اشتهرت بسبب قدمها وغرابتها في السرد فقط وأنها تتحدث عن تاريخ مضى وليس هناك في نظري شيء ملفت بها سوى طريقة السرد فهي مجموعة قصصية ذات نمط واحد وهدفها واحد فهي على الأغلب تصور عهد الخليفة هارون الرشيد ومن تبعه بأبشع صورة..و هي قصص ذات إطار سياسي أظهرت المرأة تارة في إباحية جنسية أو صورة فكرية متفوقة على الرجل القائد.

ولي بعض الملاحظات عليها فقد كانت مثار بحثي ذات يوم،
- كل إنسان أسود ? و يسميهم السودان ? لابد أن يكون عبدا ، ولابد كذلك أن يكون حقيرا تافها شريرا.
- كل إنسان عاجز أو ذو عاهة - كالأحدب مثلا- هو مثار سخرية وتندر وضحك من الجميع دون استثناء.
- قصور الخلفاء والأمراء المسلمين لا تخلو أبدا من الخمور والمحرمات.
- ما من رجل يلتقي بامرأة إلا ويكون تصرفهما الوحيد هو الفاحشة مهما علت منزلتهما الاجتماعية ، وغالبا ما يكونان من أبطال القصة وبالتالى ففعلهما هذا مبررا ومحبوبا ويندرج تحت ( فضيلة ) العشق والهيام.
- جمال الوجه والجسم (الذى يورث كل من يطلع عليه ألف حسرة)!!! دائما يكون سببا لنجاة المجرم من العقوبة مهما كان حجم جريمته ، وهناك سبب آخر للنجاة وهو رواية الحكايات.
- لا مانع لدى الخليفة أن يتخفى فى زي تسعى فيه الهوام والحشرات وأن يتسلق كالقرد على فروع الأشجار و يتجسس وحينما يرى فواحش وجرائم ترتكب لا يهمه ولا يشغله إلا الجمال وحلاوة الغناء ولا يعاقب بل يكافئ المجرم بتوليته ملكا!!!
-الوزير يشير على الملك بارتكاب الفاحشة بأسلوب وضيع وجبان ؛ والأغرب أن يستحسن الملك هذه المشورة ويسارع بتنفيذها فورا ؛ والأشد غرابة أن يكون ذلك في حق ضيوف محترمين بل ولهم أياد وأفضال!!!

هذه بعض ملاحظاتي على تلك القصص ولكن تبقى ألف ليلة وليلة مدار بحث ودراسة، وتبقى مقبولة لدى البعض.
ورأيي لا يضعف من قيمة تلك القصص ولا يقلل من شأنها فهي قصص تحمل التشويق والإثارة. وهي وإن ظهر بها ما ظهر لكنها تحمل سمات عامة لأدب كان نواة أساس في فنون لاحقة..
 
أعلى