نقوس المهدي
كاتب
إن القارئ الأوروبي، في القرن الثامن عشر، مدين في معرفته بـ "ألف ليلة وليلة" للفرنسي أنطوان جالان (Antoine GALLAND )1 الذي قام لأول مرّة في تاريخ أوروبا الأدبي، بترجمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية، ما بين 1704و 1717، في اثنى عشر مجلّداً.
ومن المعروف أنّ هذه الترجمة قد نالت نجاحاً باهراً وراجت في كل أنحاء أوروبا: تنافست عليها دور النشر، وظلت مدى قرن كامل الترجمة الوحيدة التي عرف بها العالم الغربي ليالي شهرزاد. ويبدو أنّ هذا النجاح لا يمكن تفسيره إلاّ بسببين: أولهما: أن جالان كان مترجماً قديراً وأديباً فذاً استطاع أن يقدّم لقرائه أجود حكايات الكتاب بأسلوب قصصي بارع يتسم بالوضوح والرشاقة ولغة ناصعة يتداولها القارئ وكأنّه أمام نص أصيل... وأما السبب الثاني فهو ظهور هذه الترجمة في الوقت المناسب، إذ سئم القراء في أوائل القرن الثامن عشر، من الأدب الكلاسيكي الذي جمدته قوالب فنية لا تقبل التطور، وراحوا يبحثون عن أدب جديد قادر على إلهاب الخيال، أدب يختلف تماماً عن الكلاسيكية التي عمّرت طويلاً...
1- مراحل الترجمة
المرحلة الأولى: ترجمة حكايات "السندباد البحري"
لقد بدأت قصة هذه الترجمة، في نهاية القرن السابع عشر، بعثور أنطوان جالان على مخطوطة عربية تحوي حكايات "السندباد البحري"2، فشرع في ترجمتها عام 1701، جاهلاً -في بداية الأمر- أنّ هذه الحكايات جزء من مجموعة أوسع هي "ألف ليلة وليلة".
ولم يكد جالان ينتهي من ترجمة المخطوط حتى أدرك الحقيقة، أي أنّ حكايات "السندباد البحري" جزء من كل؛ وربّما كان إدراكه لهذه الحقيقة مبنيّاً على أساس أنّ حكايات السندباد منظمة على الليالي بحيث توحي لأيّ باحث يتميّز بميزات جالان الفكرية بأنّها جزء من مجموعة أكبر...
2- المرحلة الثانية: المخطوط الشامي
لقد شرع جالان يبحث على المجموعة القصصية الكاملة بمجرّد أن انتهى من طبع حكايات "السندباد البحري": راسل أصدقاءه في المشرق العربي واتصل بهواة التحف الشرقية... ولقد ساعده الحظ في مسعاه، إذ أرسلت إليه من الشام، بواسطة أحد أصدقائه، أربعة أجزاء مخطوطة للكتاب، تشمل على "أجود أصول الحكايات وألطفها"3 ولكنها لاتمثل سوى جزء من الليالي لا يتجاوز الثلث من مجموع الحكايات.
ترجم جالان المخطوط العربي، ونشر ترجمته في سبعة مجلدات، ما بين سنة 1704و 1707، مضيفاً إليها حكايات "السندباد البحري" التي عثر عليها على حدة في بداية الأمر. ولقد أهدى ترجمته إلى المركيزة دو (Marquise DO) ومما قاله في الإهداء:
مدفوعاً بالثقة بك يا سيّدتي، أتجرأ وأطلب منك لهذا الكتاب الرعاية نفسها لحكايات السندباد... لقد أدركت، يا سيّدتي، أن هذه الحكايات جزء من هذا الكتاب الرائع الذي يسمّى "ألف ليلة وليلة".... وكلّ ما أرجوه أن تعجبك حكاياته..."4
3- المرحلة الثالثة: المجلد الثامن
انقطع جالان عن الترجمة - بعد ظهور المجلدات السبعة - طيلة ثلاث سنوات، لعدم حصوله على مادة جديدة يكمل بها عمله. ولقد ظلّ حائراً في أمره؛ يبحث في كل مكان عن المخطوط الكامل لـ "ألف ليلة وليلة" إلى أن فاجأته ناشرة كتبه السيّدة كلود باربان (Claude Barbin)بنشر المجلد الثامن من الترجمة عام 1709. هذا المجلد الذي يتضمن ثلاث حكايات: الأولى "حكاية غانم" قام بترجمتها أنطوان جالان، الثانية "حكاية زين الأصنام"، والثالثة "حكاية مكداد" ترجمهما بيتي دو لاكروا (Petit de LACROIX) مدعياً أنهما مأخوذتان من كتاب شرقي شبيه بـ "ألف ليلة وليلة"5.
4- المرحلة الأخيرة: حنا الحلبي
لقد بذل جالان جهداً كبيراً في البحث عن المخطوط الكامل لـ "الليالي" وراح -بدون جدوى- يفتش عن مادة جديدة تيسر له إكمال عمله. وبعد أن تسرّب اليأس إلى نفسه، التقى - في نهاية عام 1709- بماروني من حلب يسمى "حنا"6، فوجد فيه ضالته المنشودة: إذ أنه كان قاصاً ماهراً، يحفظ عن ظهر قلب حكايات كثيرة من "ألف ليلة ولية" وله القدرة الكاملة على روايتها.
وهكذا استمرّ جالان في ترجمته، مستعيناً -هذه المرة- بما كان يروية أو يكتبه له حنا الحلبي من حكايات جديدة، فظهر المجلدان التاسع والعاشر من الترجمة سنة 1712، ثمّ أتمّ المجلدين الحادي عشر والثاني عشر اللذين لم يتح لهما الظهور إلا في سنة 1717 (أي عامين بعد وفاة جالان...)
11- نقد الترجمة
يرى بعض النقاد (مارديس، ليتمان، ماكدونالد...) أن ترجمة جالان لم تكن أمينة على النص العربي، لتصرّفه في الكتاب... وممّا أخذ عليه:
- أنّه بسّط الحكايات وغيّر قليلاً في بعضها الآخر.
- أنّه لم يترجم حكايات توجد في المخطوطات العربية وأضاف حكايات أخرى لا تمتّ بصلة إلى الليالي.
- أنّه حذف من ترجمته الشعر واللقطات الجنسية الجريئة.
1- التصرف في الترجمة
في الحقيقة إن جالان ترجم حكايات الليالي بتصرّف، ولكن باعتدال ومهارة، فهو لم يتردّد في اختصار ما رآه استطراداً مملاً؛ يكفيه -مثلاً- أن يقول: "سيّدة جميلة رشيقة" بدون أن يدخل في التفاصيل التي يسهب النص الأصلي في وصفها، كما أنه يفضّل كتابة" "اختارت عدّة أنواع من الفواكه والخضر" بدون أن يعدّد بصورة مملّة مشتريات السيّدة الكثيرة.
لقد كان هذا المترجم واعيّاً أنّ "الليالي" يكثر فيها التكرار لأنّها وضعت خصيصاً لجماهير شعبية بسيطة تحتاج إلى الشروح والتفاصيل (أكثر الجميلات -مثلاً- لهنّ وجه كالبدر، وفم كخاتم سليمان....)، لهذا السبب قرّر الاستغناء عن بعض الأوصاف أو على الأقل إيجازها في عبارات دقيقة، بدون أن يتأثر مضمون الحكايات أو يتغير معناها. إنّه يترجم ليكون مقروءاً، ولا بدّ أن يجتنب التكرار والتفاصيل المملة...
وممّا لا شك فيه أنّ جالان تصرّف في ترجمة الكتاب ليقرّب النص العربي إلى الذهنية والذوق الفرنسيين. ولقد امتدح العديد من المترجمين طريقته في الترجمة لأنه لم ينجرف وراء الصنعة المتكلفة التي عرفتها لغة "الليالي" في النموذج الأصلي. صحيح إنّ السحر والأعمال الخارقة وعالم الجنيات والأرواح قد لعبت دوراً كبيراً في نجاح الترجمة، لكن المهم أنّ الخارق واللامألوف كان يحكى بكل وضوح وبساطة ورشاقة7.
ومن المعروف أن جالان حذف العديد من اللقطات الجنسية الجريئة، مثل مشهد الحمام في حكاية "الجمال والبنات الثلاث"،لأنّها منافية للأخلاق، خصوصاً في هذا العصر (القرن الثامن عشر) الذي فرضت فيه الكلاسيكية قوانينها الصارمة. وقد لا نشك في أنّ هذا المترجم كان مدركاً أن سامعي الرواة القصاصين في الشرق هم من رواد المقاهي، ومن الذكور على وجه الخصوص أي من الذين يطربون للصور الجنسية، التي تصل أحياناً إلى درجة التعبير عن الإباحية الصريحة... أمّا هو فيكتب لجمهور آخر، فكيف لا ينقي ترجمته من هذه اللقطات. وقد يلاحظ الدّارس أنّ جالان لم يحذف بعض الأوصاف الجنسية البذيئة، في بعض الحكايات، وإنّما اعتمد على التلميح، وقدْم الحدّ الأعلى من الجرأة التي يمكن أن يسّر به جمهوره.
والملفت للنظر أن جالان قد أهمل في ترجمته النصوص الشعرية الواردة في الحكايات، بوصفها -في نظره- تزويقات عميقة، مقحمة في النص الأصلي، وهزيلة رتيبة في أغلب الأحيان. ومن الملاحظ أن حذف هذه الأشعار لم يؤثر كثيراً على الترجمة لأنها أصلاً لا تلتئم مع السياق القصصي ولا تخضع - في أكثر الحالات للمقاييس الفنيّة المعروفة (الوزن، اللغة...)8
والملفت للنظر أيضاً أنّ جالان اجتنب تقسيم الكلمات إلى ليال ابتداء من المجلد السابع من الترجمة. أما توزيع الحكايات إلى ليال في المجلدات الستة الأولى فلقد جاء على الشكل التالي:
- المجلد الأول من الترجمة يمتد من الليلة (1) إلى الليلة (30).
- المجلد الثاني من الترجمة يمتد من الليلة(31) إلى منتصف الليلة(69).
- المجلد الثالث من الترجمة يمتد من الليلة(69) إلى الليلة (110).
- المجلد الرابع من الترجمة يمتد من الليلة(111) إلى الليلة ( 165).
- المجلد الخامس من الترجمة يمتد من الليلة (166) إلى الليلة (204).
- المجلد السادس من الترجمة يمتد من الليلة (205) إلى الليلة (264).
وفي المجلد السابع ( وكذلك باقي المجلدات) توقف جالان عن توزيع الحكايات على الليالي، كما تخلى عن العبارات التي ترددّها دنيازاد في نهاية أو بداية كل ليلة: "فقالت لها دنيازاد ما أطيب حديثك وألطفه وأعذبه" أو " يا أختاه اتممي لنا حديثك الذي هو حديث..." ويشير المترجم في مقدمة المجلد السابع انه التجأ إلى هذا الأسلوب لأسباب فنية، ولا سيّما أنّ بعض قرائه قد لاحظوا أن تدخل دنيازاد يزعجهم...9
في الواقع، لقد تصرّف جالان في ترجمته حتى يلائم ذوق عصره. ومن الواضح للغاية أنّه كان أديباً قديراً وبصيراً بفن القصة، عرف كيف يبسط حكاياته للجمهور الفرنسي في ثوب أنيق وأصيل.. ولعلّ من مظاهر الروعة في هذه الترجمة "أن خلّدت الجان والعفاريت التي علّمها كيف تنطق اللغة الفرنسية اسمه إلى الأبد..."10
لقد حدّد المتخصصون في الترجمة ثلاث طرائق لها: الأولى، طريقة الترجمة الحرفية دون التصرف بالنص الأصلي، والثانية، طريقة الترجمة المعنوية التي تسمح بنوع من التصرف في النص الأصلي، على أن يحافظ على المعنى قدر الإمكان. أمّا الطريقة الثالثة فهي طريقة تزييف النص وتغييره دون الالتفات إلى الألفاظ والمعاني....
ومن الواضح أنّ جالان قد اختار الطريقة الثانية، طريقة الأسلوب الذهبي التي تلاحق المعاني والأحاسيس بدلاً من الكلمات. ومن الواضح أيضاً أنه آثر الدقة والإيجاز (أي تنقيح الترجمة من الأوصاف الطويلة والتفاصيل التي تثقل النسق القصصي) من أجل تقريب النص العربي إلى الذهنية الفرنسية التي كانت تحبّذ، في هذه الفترة، الوضوح والبساطة. ويكفيه فخراً أنّه كان أميناً في ترجمة الأفكار والمعاني واللقطات الفنية الرائعة، وأنّه كان يعني بالإضافة ملاحظات وشروح وجيزة في الحواشي، تفسر العادات والتقاليد الشرقية، وكل ما قد يغمض على القارئ من أمور تتعلق بأجواء الليالي ومعانيها.
إن ترجمة حرفية لـ "ألف ليلة وليلة" في هذا العصر (القرن الثامن عشر) لم تكن لتظفر بأي نجاح في فرنسا، لهيمنة الذوق الكلاسيكي الذي ينبذ التكرار وسرد التفاصيل المملة، وقد لا نبالغ إن قلنا إنّ التقيد بالنص الأصلي -في مثل هذه الحالة- قد يؤدي إلى غموض المعاني وركاكة الأسلوب، ويجعل من الترجمة عملاً جافاً يفتقر إلى القيم الجمالية...
2- مشكلة المخطوطات
لقد اتهم أنطوان جالان بإضافة حكايات إلى الترجمة لا توجد في مخطوطات "ألف ليلة وليلة". وهذه الحكايات في الحقيقة، قليلة. وهي (باستثناء حكايتي بيتي دولاكروا):
- حكاية "علاء الدين والفانوس السحري".
- حكاية "علي بابا والأربعين حرامي".
- حكاية "الأخوات الغيورات".
- حكاية "حسن الحبال".
- حكاية "الأعمى بابا عبد الله".
- حكاية "الأمير دريابار".
والجدير بالذكر أن بعض الدراسات قد أثبتت بشكل قاطع نسبة الحكايات الثلاثة الأولى إلى كتاب "الليالي" فلقد عثر الأستاذ زوتنبرغ (ZOTENBERG) على مخطوطة بغدادية تحوي حكاية علاء الدين والفانوس السحري ونشرها في كراس مستقل سنة11 / 1888. واكتشف الباحث ماكدونالد (MAC DONALD) النص العربي لحكاية "علي بابا والأربعين حرامي" في مخطوط عربي مجهول الأصل ونشره في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1910. وأكد إدوارد (E. MONTET) على أنّ حكاية "الأخوات الغيورات جزء لا يتجزأ من "الليالي" العربية، ضاعت من المخطوطات لسبب أو لآخر12.
ومن دراسة باحثين آخرين لحكايات "حسن الحبال" و "الأعمى بابا عبد الله و "الأمير دريابار" اتضح أنّها تحمل من الخصائص والسمات والأجواء التي توحي بلا تردّد أنّها تنتمي إلى مجموعة "الليالي" وبهذه الدراسات يرفع الشك الذي وصفت به ترجمة هذه الحكايات، ما دام البحث العلمي قد أثبت أصالة انتمائها إلى كتاب "ألف ليلة وليلة".
ومن مآخذ النقاد أيضاً على جالان -كما ذكرنا- عدم ترجمته لكل الحكايات الموجودة في المخطوط الشامي الذي اعتمد عليه. وهذا، في الحقيقة، انتقاد مفرط في الجور، لأنّ المترجم كان يعمل على مخطوطات ناقصة وعسيرة القراءة أحياناً، فضلاً عن أنّه ألزم نفسه بعدم تكرار الحكايات التي سبق أن ترجم ما يشابهها...
وعلى الرغم من كل الصعاب، فلقد استطاع جالان أن يقوم بعمله أحسن قيام وفي وقت مبكر، معتمداً على مخطوطات ناقصة، نافذاً إلى روح الكتاب، ومطوعاً لغته لقبول المعاني العربية قبولاً لا يظهر فيه الشذوذ أو النشاز. وممّا يذكر أن بعض أصدقائه كانوا يطلعون على الحكايات المترجمة قبل نشرها: فلقد اعترف الأب بينيون، وهو عضو في أكاديمية الفنون الجميلة، أنّه "التهم نسخة المجلد التاسع قبل نشرها، في عربته وعلى ضوء شمعة، أثناء عودته من فرساي إلى باريس..."13
الخاتمة:
في الحقيقة، لقد قدّم أنطوان جالان لجمهوره الفرنسي، في القرن الثامن عشر، ترجمة أنيقة الأسلوب، رائعة السبك، تتسم بالوضوح والبساطة، فالأحداث والصور رسمت بيد شاعر وبكل ثقة وثبات، والأجواء الشرقية قربت إلى القارئ الفرنسي في ديباجة مشرقة.. ويكفيه شرفاً أن ترجمته راجت في كل أنحاء أوروبا رواج الأوديسة والإنياذة وأنّ الجان والعفاريت التي علمها كيف تنطق اللغة الفرنسية وتتحاور بها قد خلدت اسمه إلى الأبد...
ولئن كانت هذه الترجمة غير مكتملة، فإنّ هذا الأمر لم يترك أثراً كبيراً على قيمة العمل، لكونها رائدة تضمنت أجمل وأهم القصص المعروفة في الكتاب الأصلي، ولها اليد الطولى على الكتاب في التعريف به، والتنويه باسمه...
ومن المعروف أن هذه الترجمة قد انتشرت في فرنسا انتشاراً واسعاً، وما لبثت أن ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية والهولندية، والدانماركية، والروسية والرومانية، الأمر الذي يثبت قيمتها الفنية والأدبية... وهكذا تجاوزت النتائج ما كان ينتظر منها، وأصبحت "ألف ليلة وليلة" -بفضل هذه الترجمات- ركناً أساسياً في الأدب العالمي.
لقد كان كلّ شيء -في هذه الترجمة- جديداً على القارئ الأوروبي: صورها البراقة التي تظل عالقة في الأذهان، ومغامراتها العجيبة التي تمزج بين الحقيقة والخيال، وأجواؤها الأسطورية الغريبة، ومضامينها الإنسانية الغزيرة. وكان هذا الجديد يتخذ لنفسه في كلّ حكاية أشكالاً مختلفة ومتنوعة لا تخلو من أسرار وعجائب...
الهوامش:
1- أنطوان جالان مستشرق مشهور، درس اللغة العربية وأتقنها في الكلية الملكية (باريس)، وتقلّب في عدة مناصب دبلوماسية... واعتنى كثيراً بجمع التحف والمخطوطات الشرقية النادرة... له ترجمة للقرآن الكريم ما تزال محفوظة في مكتبة باريس الوطنية، و "أصل القهوة وتطورها"، وعدة دراسات أخرى. لمزيد من التفاصيل، ينظر:
M.ABDELHALIM, ANTOINE GALLAND, Paris, GNIZET, 1964
2- لا تزال هذه المخطوطة محفوظة في مكتبة باريس الوطنية (رقم 3645/ قسم المخطوطات العربية).
3- دائرة المعارف الإسلامية، مادة ألف ليلة وليلة، 2/ 527.
4- Les Mille et une nuits, traduction A. Galland (Introduction) Paris, Flammarion, 1956.
5-يشير أنطوان جالان في مقدمة المجلد الثامن أنّ هاتين الحكايتين ليستا من ترجمته... ويعترف العديد من الدارسين أنّ السيّدة كلود بربان قد نشرت هذا المجلد بدون الحصول على موافقة جالان... ويبدو أنها قامت بهذه العملية استغلالاً لإقبال الجمهور على قراءة "الليالي".
6- كل ما نعرفه عن هذا الرجل أنّه جاء إلى باريس عام 1709 برفقة الرحالة الفرنسي بيير ليكا (1737-1664).
7- كاترينا مومسن، جوته وألف ليلة وليلة، ترجمة أحمد حمو، دمشق، 11/ 1980.
8- إن الليالي تشتمل على قصائد شعرية كثيرة توضع -عادة- على لسان المتحدّث... ومن الملاحظ أنها تبالغ في تضمين هذه الأشعار... وأغلب الظن أن واضعيها لم يتوخوا المقاييس الفنية...
9- يبدو أن جالان قد أهمل هذا الأسلوب بعد أن قصفت مجموعة من السكارى شبابيك نافذته في الصباح الباكر وهم يرددون النص الذي تكررّه دنيازاد...
10- كاتينا مومسن، م. س، 10.
11- ZOTENBERG, Notice sur quelaues manuscrits des Mille et une nuits, Paris, 1888
12- E. Montet, Le conte dans lorient Musulman, Paris, E. Leroux, 1930-PP45-16
13- CF. Journal dAntoine Galland, Edite Par Scheffer, Paris, 1881 (Journee du 12- 12- 1709
* د. عبد الواحد شريفي
أنطوان جالان و" ألف ليلة وليلة "
ومن المعروف أنّ هذه الترجمة قد نالت نجاحاً باهراً وراجت في كل أنحاء أوروبا: تنافست عليها دور النشر، وظلت مدى قرن كامل الترجمة الوحيدة التي عرف بها العالم الغربي ليالي شهرزاد. ويبدو أنّ هذا النجاح لا يمكن تفسيره إلاّ بسببين: أولهما: أن جالان كان مترجماً قديراً وأديباً فذاً استطاع أن يقدّم لقرائه أجود حكايات الكتاب بأسلوب قصصي بارع يتسم بالوضوح والرشاقة ولغة ناصعة يتداولها القارئ وكأنّه أمام نص أصيل... وأما السبب الثاني فهو ظهور هذه الترجمة في الوقت المناسب، إذ سئم القراء في أوائل القرن الثامن عشر، من الأدب الكلاسيكي الذي جمدته قوالب فنية لا تقبل التطور، وراحوا يبحثون عن أدب جديد قادر على إلهاب الخيال، أدب يختلف تماماً عن الكلاسيكية التي عمّرت طويلاً...
1- مراحل الترجمة
المرحلة الأولى: ترجمة حكايات "السندباد البحري"
لقد بدأت قصة هذه الترجمة، في نهاية القرن السابع عشر، بعثور أنطوان جالان على مخطوطة عربية تحوي حكايات "السندباد البحري"2، فشرع في ترجمتها عام 1701، جاهلاً -في بداية الأمر- أنّ هذه الحكايات جزء من مجموعة أوسع هي "ألف ليلة وليلة".
ولم يكد جالان ينتهي من ترجمة المخطوط حتى أدرك الحقيقة، أي أنّ حكايات "السندباد البحري" جزء من كل؛ وربّما كان إدراكه لهذه الحقيقة مبنيّاً على أساس أنّ حكايات السندباد منظمة على الليالي بحيث توحي لأيّ باحث يتميّز بميزات جالان الفكرية بأنّها جزء من مجموعة أكبر...
2- المرحلة الثانية: المخطوط الشامي
لقد شرع جالان يبحث على المجموعة القصصية الكاملة بمجرّد أن انتهى من طبع حكايات "السندباد البحري": راسل أصدقاءه في المشرق العربي واتصل بهواة التحف الشرقية... ولقد ساعده الحظ في مسعاه، إذ أرسلت إليه من الشام، بواسطة أحد أصدقائه، أربعة أجزاء مخطوطة للكتاب، تشمل على "أجود أصول الحكايات وألطفها"3 ولكنها لاتمثل سوى جزء من الليالي لا يتجاوز الثلث من مجموع الحكايات.
ترجم جالان المخطوط العربي، ونشر ترجمته في سبعة مجلدات، ما بين سنة 1704و 1707، مضيفاً إليها حكايات "السندباد البحري" التي عثر عليها على حدة في بداية الأمر. ولقد أهدى ترجمته إلى المركيزة دو (Marquise DO) ومما قاله في الإهداء:
مدفوعاً بالثقة بك يا سيّدتي، أتجرأ وأطلب منك لهذا الكتاب الرعاية نفسها لحكايات السندباد... لقد أدركت، يا سيّدتي، أن هذه الحكايات جزء من هذا الكتاب الرائع الذي يسمّى "ألف ليلة وليلة".... وكلّ ما أرجوه أن تعجبك حكاياته..."4
3- المرحلة الثالثة: المجلد الثامن
انقطع جالان عن الترجمة - بعد ظهور المجلدات السبعة - طيلة ثلاث سنوات، لعدم حصوله على مادة جديدة يكمل بها عمله. ولقد ظلّ حائراً في أمره؛ يبحث في كل مكان عن المخطوط الكامل لـ "ألف ليلة وليلة" إلى أن فاجأته ناشرة كتبه السيّدة كلود باربان (Claude Barbin)بنشر المجلد الثامن من الترجمة عام 1709. هذا المجلد الذي يتضمن ثلاث حكايات: الأولى "حكاية غانم" قام بترجمتها أنطوان جالان، الثانية "حكاية زين الأصنام"، والثالثة "حكاية مكداد" ترجمهما بيتي دو لاكروا (Petit de LACROIX) مدعياً أنهما مأخوذتان من كتاب شرقي شبيه بـ "ألف ليلة وليلة"5.
4- المرحلة الأخيرة: حنا الحلبي
لقد بذل جالان جهداً كبيراً في البحث عن المخطوط الكامل لـ "الليالي" وراح -بدون جدوى- يفتش عن مادة جديدة تيسر له إكمال عمله. وبعد أن تسرّب اليأس إلى نفسه، التقى - في نهاية عام 1709- بماروني من حلب يسمى "حنا"6، فوجد فيه ضالته المنشودة: إذ أنه كان قاصاً ماهراً، يحفظ عن ظهر قلب حكايات كثيرة من "ألف ليلة ولية" وله القدرة الكاملة على روايتها.
وهكذا استمرّ جالان في ترجمته، مستعيناً -هذه المرة- بما كان يروية أو يكتبه له حنا الحلبي من حكايات جديدة، فظهر المجلدان التاسع والعاشر من الترجمة سنة 1712، ثمّ أتمّ المجلدين الحادي عشر والثاني عشر اللذين لم يتح لهما الظهور إلا في سنة 1717 (أي عامين بعد وفاة جالان...)
11- نقد الترجمة
يرى بعض النقاد (مارديس، ليتمان، ماكدونالد...) أن ترجمة جالان لم تكن أمينة على النص العربي، لتصرّفه في الكتاب... وممّا أخذ عليه:
- أنّه بسّط الحكايات وغيّر قليلاً في بعضها الآخر.
- أنّه لم يترجم حكايات توجد في المخطوطات العربية وأضاف حكايات أخرى لا تمتّ بصلة إلى الليالي.
- أنّه حذف من ترجمته الشعر واللقطات الجنسية الجريئة.
1- التصرف في الترجمة
في الحقيقة إن جالان ترجم حكايات الليالي بتصرّف، ولكن باعتدال ومهارة، فهو لم يتردّد في اختصار ما رآه استطراداً مملاً؛ يكفيه -مثلاً- أن يقول: "سيّدة جميلة رشيقة" بدون أن يدخل في التفاصيل التي يسهب النص الأصلي في وصفها، كما أنه يفضّل كتابة" "اختارت عدّة أنواع من الفواكه والخضر" بدون أن يعدّد بصورة مملّة مشتريات السيّدة الكثيرة.
لقد كان هذا المترجم واعيّاً أنّ "الليالي" يكثر فيها التكرار لأنّها وضعت خصيصاً لجماهير شعبية بسيطة تحتاج إلى الشروح والتفاصيل (أكثر الجميلات -مثلاً- لهنّ وجه كالبدر، وفم كخاتم سليمان....)، لهذا السبب قرّر الاستغناء عن بعض الأوصاف أو على الأقل إيجازها في عبارات دقيقة، بدون أن يتأثر مضمون الحكايات أو يتغير معناها. إنّه يترجم ليكون مقروءاً، ولا بدّ أن يجتنب التكرار والتفاصيل المملة...
وممّا لا شك فيه أنّ جالان تصرّف في ترجمة الكتاب ليقرّب النص العربي إلى الذهنية والذوق الفرنسيين. ولقد امتدح العديد من المترجمين طريقته في الترجمة لأنه لم ينجرف وراء الصنعة المتكلفة التي عرفتها لغة "الليالي" في النموذج الأصلي. صحيح إنّ السحر والأعمال الخارقة وعالم الجنيات والأرواح قد لعبت دوراً كبيراً في نجاح الترجمة، لكن المهم أنّ الخارق واللامألوف كان يحكى بكل وضوح وبساطة ورشاقة7.
ومن المعروف أن جالان حذف العديد من اللقطات الجنسية الجريئة، مثل مشهد الحمام في حكاية "الجمال والبنات الثلاث"،لأنّها منافية للأخلاق، خصوصاً في هذا العصر (القرن الثامن عشر) الذي فرضت فيه الكلاسيكية قوانينها الصارمة. وقد لا نشك في أنّ هذا المترجم كان مدركاً أن سامعي الرواة القصاصين في الشرق هم من رواد المقاهي، ومن الذكور على وجه الخصوص أي من الذين يطربون للصور الجنسية، التي تصل أحياناً إلى درجة التعبير عن الإباحية الصريحة... أمّا هو فيكتب لجمهور آخر، فكيف لا ينقي ترجمته من هذه اللقطات. وقد يلاحظ الدّارس أنّ جالان لم يحذف بعض الأوصاف الجنسية البذيئة، في بعض الحكايات، وإنّما اعتمد على التلميح، وقدْم الحدّ الأعلى من الجرأة التي يمكن أن يسّر به جمهوره.
والملفت للنظر أن جالان قد أهمل في ترجمته النصوص الشعرية الواردة في الحكايات، بوصفها -في نظره- تزويقات عميقة، مقحمة في النص الأصلي، وهزيلة رتيبة في أغلب الأحيان. ومن الملاحظ أن حذف هذه الأشعار لم يؤثر كثيراً على الترجمة لأنها أصلاً لا تلتئم مع السياق القصصي ولا تخضع - في أكثر الحالات للمقاييس الفنيّة المعروفة (الوزن، اللغة...)8
والملفت للنظر أيضاً أنّ جالان اجتنب تقسيم الكلمات إلى ليال ابتداء من المجلد السابع من الترجمة. أما توزيع الحكايات إلى ليال في المجلدات الستة الأولى فلقد جاء على الشكل التالي:
- المجلد الأول من الترجمة يمتد من الليلة (1) إلى الليلة (30).
- المجلد الثاني من الترجمة يمتد من الليلة(31) إلى منتصف الليلة(69).
- المجلد الثالث من الترجمة يمتد من الليلة(69) إلى الليلة (110).
- المجلد الرابع من الترجمة يمتد من الليلة(111) إلى الليلة ( 165).
- المجلد الخامس من الترجمة يمتد من الليلة (166) إلى الليلة (204).
- المجلد السادس من الترجمة يمتد من الليلة (205) إلى الليلة (264).
وفي المجلد السابع ( وكذلك باقي المجلدات) توقف جالان عن توزيع الحكايات على الليالي، كما تخلى عن العبارات التي ترددّها دنيازاد في نهاية أو بداية كل ليلة: "فقالت لها دنيازاد ما أطيب حديثك وألطفه وأعذبه" أو " يا أختاه اتممي لنا حديثك الذي هو حديث..." ويشير المترجم في مقدمة المجلد السابع انه التجأ إلى هذا الأسلوب لأسباب فنية، ولا سيّما أنّ بعض قرائه قد لاحظوا أن تدخل دنيازاد يزعجهم...9
في الواقع، لقد تصرّف جالان في ترجمته حتى يلائم ذوق عصره. ومن الواضح للغاية أنّه كان أديباً قديراً وبصيراً بفن القصة، عرف كيف يبسط حكاياته للجمهور الفرنسي في ثوب أنيق وأصيل.. ولعلّ من مظاهر الروعة في هذه الترجمة "أن خلّدت الجان والعفاريت التي علّمها كيف تنطق اللغة الفرنسية اسمه إلى الأبد..."10
لقد حدّد المتخصصون في الترجمة ثلاث طرائق لها: الأولى، طريقة الترجمة الحرفية دون التصرف بالنص الأصلي، والثانية، طريقة الترجمة المعنوية التي تسمح بنوع من التصرف في النص الأصلي، على أن يحافظ على المعنى قدر الإمكان. أمّا الطريقة الثالثة فهي طريقة تزييف النص وتغييره دون الالتفات إلى الألفاظ والمعاني....
ومن الواضح أنّ جالان قد اختار الطريقة الثانية، طريقة الأسلوب الذهبي التي تلاحق المعاني والأحاسيس بدلاً من الكلمات. ومن الواضح أيضاً أنه آثر الدقة والإيجاز (أي تنقيح الترجمة من الأوصاف الطويلة والتفاصيل التي تثقل النسق القصصي) من أجل تقريب النص العربي إلى الذهنية الفرنسية التي كانت تحبّذ، في هذه الفترة، الوضوح والبساطة. ويكفيه فخراً أنّه كان أميناً في ترجمة الأفكار والمعاني واللقطات الفنية الرائعة، وأنّه كان يعني بالإضافة ملاحظات وشروح وجيزة في الحواشي، تفسر العادات والتقاليد الشرقية، وكل ما قد يغمض على القارئ من أمور تتعلق بأجواء الليالي ومعانيها.
إن ترجمة حرفية لـ "ألف ليلة وليلة" في هذا العصر (القرن الثامن عشر) لم تكن لتظفر بأي نجاح في فرنسا، لهيمنة الذوق الكلاسيكي الذي ينبذ التكرار وسرد التفاصيل المملة، وقد لا نبالغ إن قلنا إنّ التقيد بالنص الأصلي -في مثل هذه الحالة- قد يؤدي إلى غموض المعاني وركاكة الأسلوب، ويجعل من الترجمة عملاً جافاً يفتقر إلى القيم الجمالية...
2- مشكلة المخطوطات
لقد اتهم أنطوان جالان بإضافة حكايات إلى الترجمة لا توجد في مخطوطات "ألف ليلة وليلة". وهذه الحكايات في الحقيقة، قليلة. وهي (باستثناء حكايتي بيتي دولاكروا):
- حكاية "علاء الدين والفانوس السحري".
- حكاية "علي بابا والأربعين حرامي".
- حكاية "الأخوات الغيورات".
- حكاية "حسن الحبال".
- حكاية "الأعمى بابا عبد الله".
- حكاية "الأمير دريابار".
والجدير بالذكر أن بعض الدراسات قد أثبتت بشكل قاطع نسبة الحكايات الثلاثة الأولى إلى كتاب "الليالي" فلقد عثر الأستاذ زوتنبرغ (ZOTENBERG) على مخطوطة بغدادية تحوي حكاية علاء الدين والفانوس السحري ونشرها في كراس مستقل سنة11 / 1888. واكتشف الباحث ماكدونالد (MAC DONALD) النص العربي لحكاية "علي بابا والأربعين حرامي" في مخطوط عربي مجهول الأصل ونشره في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1910. وأكد إدوارد (E. MONTET) على أنّ حكاية "الأخوات الغيورات جزء لا يتجزأ من "الليالي" العربية، ضاعت من المخطوطات لسبب أو لآخر12.
ومن دراسة باحثين آخرين لحكايات "حسن الحبال" و "الأعمى بابا عبد الله و "الأمير دريابار" اتضح أنّها تحمل من الخصائص والسمات والأجواء التي توحي بلا تردّد أنّها تنتمي إلى مجموعة "الليالي" وبهذه الدراسات يرفع الشك الذي وصفت به ترجمة هذه الحكايات، ما دام البحث العلمي قد أثبت أصالة انتمائها إلى كتاب "ألف ليلة وليلة".
ومن مآخذ النقاد أيضاً على جالان -كما ذكرنا- عدم ترجمته لكل الحكايات الموجودة في المخطوط الشامي الذي اعتمد عليه. وهذا، في الحقيقة، انتقاد مفرط في الجور، لأنّ المترجم كان يعمل على مخطوطات ناقصة وعسيرة القراءة أحياناً، فضلاً عن أنّه ألزم نفسه بعدم تكرار الحكايات التي سبق أن ترجم ما يشابهها...
وعلى الرغم من كل الصعاب، فلقد استطاع جالان أن يقوم بعمله أحسن قيام وفي وقت مبكر، معتمداً على مخطوطات ناقصة، نافذاً إلى روح الكتاب، ومطوعاً لغته لقبول المعاني العربية قبولاً لا يظهر فيه الشذوذ أو النشاز. وممّا يذكر أن بعض أصدقائه كانوا يطلعون على الحكايات المترجمة قبل نشرها: فلقد اعترف الأب بينيون، وهو عضو في أكاديمية الفنون الجميلة، أنّه "التهم نسخة المجلد التاسع قبل نشرها، في عربته وعلى ضوء شمعة، أثناء عودته من فرساي إلى باريس..."13
الخاتمة:
في الحقيقة، لقد قدّم أنطوان جالان لجمهوره الفرنسي، في القرن الثامن عشر، ترجمة أنيقة الأسلوب، رائعة السبك، تتسم بالوضوح والبساطة، فالأحداث والصور رسمت بيد شاعر وبكل ثقة وثبات، والأجواء الشرقية قربت إلى القارئ الفرنسي في ديباجة مشرقة.. ويكفيه شرفاً أن ترجمته راجت في كل أنحاء أوروبا رواج الأوديسة والإنياذة وأنّ الجان والعفاريت التي علمها كيف تنطق اللغة الفرنسية وتتحاور بها قد خلدت اسمه إلى الأبد...
ولئن كانت هذه الترجمة غير مكتملة، فإنّ هذا الأمر لم يترك أثراً كبيراً على قيمة العمل، لكونها رائدة تضمنت أجمل وأهم القصص المعروفة في الكتاب الأصلي، ولها اليد الطولى على الكتاب في التعريف به، والتنويه باسمه...
ومن المعروف أن هذه الترجمة قد انتشرت في فرنسا انتشاراً واسعاً، وما لبثت أن ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية والهولندية، والدانماركية، والروسية والرومانية، الأمر الذي يثبت قيمتها الفنية والأدبية... وهكذا تجاوزت النتائج ما كان ينتظر منها، وأصبحت "ألف ليلة وليلة" -بفضل هذه الترجمات- ركناً أساسياً في الأدب العالمي.
لقد كان كلّ شيء -في هذه الترجمة- جديداً على القارئ الأوروبي: صورها البراقة التي تظل عالقة في الأذهان، ومغامراتها العجيبة التي تمزج بين الحقيقة والخيال، وأجواؤها الأسطورية الغريبة، ومضامينها الإنسانية الغزيرة. وكان هذا الجديد يتخذ لنفسه في كلّ حكاية أشكالاً مختلفة ومتنوعة لا تخلو من أسرار وعجائب...
الهوامش:
1- أنطوان جالان مستشرق مشهور، درس اللغة العربية وأتقنها في الكلية الملكية (باريس)، وتقلّب في عدة مناصب دبلوماسية... واعتنى كثيراً بجمع التحف والمخطوطات الشرقية النادرة... له ترجمة للقرآن الكريم ما تزال محفوظة في مكتبة باريس الوطنية، و "أصل القهوة وتطورها"، وعدة دراسات أخرى. لمزيد من التفاصيل، ينظر:
M.ABDELHALIM, ANTOINE GALLAND, Paris, GNIZET, 1964
2- لا تزال هذه المخطوطة محفوظة في مكتبة باريس الوطنية (رقم 3645/ قسم المخطوطات العربية).
3- دائرة المعارف الإسلامية، مادة ألف ليلة وليلة، 2/ 527.
4- Les Mille et une nuits, traduction A. Galland (Introduction) Paris, Flammarion, 1956.
5-يشير أنطوان جالان في مقدمة المجلد الثامن أنّ هاتين الحكايتين ليستا من ترجمته... ويعترف العديد من الدارسين أنّ السيّدة كلود بربان قد نشرت هذا المجلد بدون الحصول على موافقة جالان... ويبدو أنها قامت بهذه العملية استغلالاً لإقبال الجمهور على قراءة "الليالي".
6- كل ما نعرفه عن هذا الرجل أنّه جاء إلى باريس عام 1709 برفقة الرحالة الفرنسي بيير ليكا (1737-1664).
7- كاترينا مومسن، جوته وألف ليلة وليلة، ترجمة أحمد حمو، دمشق، 11/ 1980.
8- إن الليالي تشتمل على قصائد شعرية كثيرة توضع -عادة- على لسان المتحدّث... ومن الملاحظ أنها تبالغ في تضمين هذه الأشعار... وأغلب الظن أن واضعيها لم يتوخوا المقاييس الفنية...
9- يبدو أن جالان قد أهمل هذا الأسلوب بعد أن قصفت مجموعة من السكارى شبابيك نافذته في الصباح الباكر وهم يرددون النص الذي تكررّه دنيازاد...
10- كاتينا مومسن، م. س، 10.
11- ZOTENBERG, Notice sur quelaues manuscrits des Mille et une nuits, Paris, 1888
12- E. Montet, Le conte dans lorient Musulman, Paris, E. Leroux, 1930-PP45-16
13- CF. Journal dAntoine Galland, Edite Par Scheffer, Paris, 1881 (Journee du 12- 12- 1709
* د. عبد الواحد شريفي
أنطوان جالان و" ألف ليلة وليلة "