نقوس المهدي
كاتب
عدت الى غرفتي في الفندق في ساعة متأخرة ، وكنت قد خلعت ملابسي الى حد الخصر عندما شعرت بالحاجة للذهاب الى التواليت .
كانت غرفتي تقع تقريبا في عمق دهليز لانهاية له ، وكان قليل الاضاءة ؛ ونحو كل عشرين مترا مصابيح ضئيلة بنفسجية كانت تسلط حزما ضوئية على السجادة الحمراء . وفي المنتصف بالضيط ، مقابل احدى هذه المصابيح ، كان هناك ، السلّم من جهة ، و الباب المزدوج الزجاجي للمكان من الجهة الاخرى .
ارتديت رداء النوم وخرجت في الدهليز الذي كان حينئذ خاويا . وكنت على وشك ان اصل الى التواليت عندما وجدت نفسي تجاه رجل في رداء النوم هو ايضا ، ظهر فجأة من الظل ، وكان يأتي من الجهة
المعاكسة . انه رجل طويل القامة ، متين البنية ، وذو لحية مستديرة على طريقة إدوارد السابع . ياترى هل كان له نفس مقصدي ؟ وكما يحدث ، كلانا شعر بلحظة من الحرج ، حتى كدنا نتصادم ببعضنا . الواقع هو اني ، من يدري كيف ، شعرت بالخجل من الدخول الى التواليت تحت نظراته ، وهكذا استأنفت السير كما لو كنت متجها الى مكان آخر . كذلك هو فعل نفس الشيء .
ولكن ، بعد بضع خطوات ، تفطنت الى الحماقة التي ارتكبتها . في الواقع ، ماذا كان في وسعي ان افعل ؟ كان ثمة احتمالان : إما أن اتابع السير حتى نهاية الدهليز ثم أعود على أعقابي ، آملا في أن يكون السيد ذو اللحية في هذه الاثناء قد بارح المكان . ولكن ، من يقول بأن هذا سيتعين عليه الدخول في احدى الغرف ، وهكذا سيترك الميدان حرا ؛ لربما هو ايضا كان يريد الدخول الى التواليت ، وحينما التقى بي ، شعر بالخجل ، بالضبط كما كنت قد فعلت أنا ؛ وهو الآن كان يجد نفسه في نفس حالتي المحرجة . لذا ، حين أعود على اعقابي قد أجازف في الالتقاء به مرة اخرى ، عندئذ سسيزداد الامر حراجة ، وسأظهر أمامه بمظهر الغبي مرة اخرى .
وإما – الاحتمال الآخر – أن أختبىء في احدى المداخل التي تتسع بمافيه الكفاية لإحدى الأبواب الكثيرة ، مختارا واحدا منها قليل الانارة ، ومن ههنا أتجسس على الميدان ، الى أن اكون متأكدا من خلو الدهليز تماما . وهكذا فعلت ، قبل أن اكون قد درست المسألة في باطن الأمر .
وفقط عندما وجدت نفسي مختبأ كاللصوص في احدى تلك المداخل الضيقة ( كان مدخل باب غرفة رقم 90 ) ، أخذت أفكر : قبل كل شىء ، فيما اذا كانت الغرفة مشغولة والزبون قد دخل أو خرج منها ، وماذا سيقول وهو يجدني مختبأ أمام بابه ؟ والأسوأ : من يقول بأن هذه هي ليست غرفة الرجل الملتحي ؟ الذي ، وهو يعود على اعقابه ، سيحصرني دونما صفح ولا غفران . وما كان يمكن ان تكون حاجة خاصة ليجد مناوراتي تلك غريبة جدا . الخلاصة ، كان المكوث هنالك عملا طائشا متهورا .
ورويدا رويدا مددت عنقي لإستطلاع الدهليز . من طرف الى آحركان خاليا تماما . لاجلبة ، ولا وقع خطوات او صدى لصوت آدمي ، ولا صرير لباب ينفتح ، لاشيء . كانت اللحظة مواتية جدا : خرجت من مخبأي وسرت بحطوات خفيفة نحو غرفتي . وفي هذه الاثناء كنت أفكر : سيمكن لي ان ادخل لحظة الى التواليت ؟ .
ولكن في نفس اللحظة – وكنت قد تفطنت الى ذلك متأخرا حتى يمكن لي الاختباء ثانية – كان الرجل ذو اللحية ، الذي كان بكل تأكيد فكر مثلي ، قد خرج من مدخل احدى الابواب في العمق ، لربما مدخل بابي
أنا ، وكان يتقدم بعزم الى جهتي .
وللمرة الثانية ، وبحرج أكثر ، تقابلنا امام التواليت ؛ وللمرة الثانية لم يجرؤ اي واحد منا على الدخول ، اذ شعر كل واحد بالخجل من ان يراه الاخر؛ الآن ، يمكن القول بأننا كنا فعلا ازاء حالة غريبة مثيرة للضحك .
وهكذا ، وأنا ألعن فيما بيني وبين نفسي التأدب والكياسة ، توجهت مهزوما الى غرفتي . وحين وصلت ، قبل ان أفتح الباب ، التفت لأنظر : هنالك في العمق ، في الظل ، لمحت الرجل الملتحي ، منتصب القامة وهو يدخل الغرفة ؛ وقد التفت لينظر الى جهتي .
كنت أستشيط غضبا . ولكن الذنب ألربما لم يكن ذنبي أنا ؟ حاولت عبثا قراءة الجريدة ، انتظرت لأكثر من نصف ساعة . فتحت الباب بحذر . كان الصمت يعمّ في كل أرجاء الفندق ، كما في احدى الثكنات المهجورة ؛ حتى الدهليز مقفر تماما . واخيرا ! وثبت فجأة من مكاني، وبخطوات سريعة ، اتحرق شوقا لبلوغ التواليت .
ولكن ، من الجهة الاخرى ، وفي تزامن مذهل ، وكأنما بفعل التخاطر ، كذلك الرجل ذو اللحية ، وثب خارجا من غرفته في ذات اللحظة ، وبخطوات خفيفة رشيقة غير قابلة للشك ، توجه نحو المرحاض .
لذا ، وللمرة الثالثة وجدنا نفسينا الواحد تجاه الاخر قدام الباب الزجاجي المصقول . وللمرة الثالثة كلانا تظاهر بما يخالف الحقيقة ، وللمرة الثالثة واصل كل منا السير دون الدخول . كانت الحالة في غاية السخرية والهزل ، ربما كان يكفي لاشيء : حركة بسيطة ، ابتسامة صغيرة ، لكسر حاجز الحياء فيما بيننا ، ولقلب كل شيء الى الضحك . ولكن لاأنا ، ولا من المحتمل هو ، كانت لديه رغبة في المزاح ؛ بل بالعكس ؛ كان الشعور بالغضب هو المهيمن ، الشعور بالكابوس ، وكأن كل شيء كان مكيدة مدبّرة بخفاء وتكتم في الحقد علينا .
وكما في الطلعات الأولى ، انتهى بي الأمر في الإنزلاق في مدخل باب مجهول ، وهنا اختبىء في انتظار الاحداث . الآن كان من مصلحتي القيام بذلك ، للحد من الاضرار ، على الأقل ؛ وان انتظر الرجل الملتحي ، الذي كان بالتأكيد يتربص مثلي في اقصى الطرف الاخر من الدهليز ، ان يكون هو الأول من يخرج من الخندق : عندئذ ، سأتركه يتقدم لمسافة معينة ، وفقط في اخر لحظة اكون قد خرجت انا ايضا ؛ وذلك بهدف الالتقاء به ليس امام التواليت ، بل في مكان اقرب بكثير من هذه الجهة ، وعلى هذا النحو ، بعد ان يتم تجاوز اللقاء به، سأبقى حرا في التصرف دونما شهود مزعجين .اما اذا كان هو ، قبل الالتقاء بي ، يكون قد عزم امره للدخول الى المكان ، فذلك أحسن ؛ وبعد ان يقضي حاجته ، سوف ينسحب الى غرفته ، وطول الليل لن يظهر ثانية .
أخرجت عينا واحدة من مخبأي ( لبعد المسافة لم استطع ان اشاهد جيدا لأعرف مااذا كان الاخر يفعل نقس الشيء ) ، مكثت متيقظا مدة طويلة . متعبا من الوقوف على قدميّ ، في نقطة معينة قرفصت على الارض ، دون التوقف عن المراقبة . لكن الرجل لم يعزم امره للخروج . ومع ذلك كان دائما هنالك محتبأ في عمق الدهليز ، في نفس الوضع الذي كنت فيه .
سمعت الساعة تدق الثانية والنصف ، الثالثة ، الثالثة والربع ، الثالثة والنصف . لم اعد احتمل اكثرمن ذلك . في الاخير غلبني النعاس فهويت نائما .
استيقظت ، بعظام متكسرة ، وقد بلغت الساعة السادسة صباحا . في تلك اللحظة لم اتذكر شيئا . وما اللذي كان قد حدث ؟ ولماذا كنت اجد نفسي هنالك على الارض ؟ بعد ذلك رأيت آخرين مثلي ، في أردية النوم ، محتجبين في زوايا المداخل لمئاة الابواب ، نائمين : منهم من يرقد على ركبتيه ، من يجلس القرفصاء ، من ينام وقوفا كالبغال ؛ شاحبين ، محطمين ، كما هو الحال بعد ليلة ساخنة من المعارك .
كانت غرفتي تقع تقريبا في عمق دهليز لانهاية له ، وكان قليل الاضاءة ؛ ونحو كل عشرين مترا مصابيح ضئيلة بنفسجية كانت تسلط حزما ضوئية على السجادة الحمراء . وفي المنتصف بالضيط ، مقابل احدى هذه المصابيح ، كان هناك ، السلّم من جهة ، و الباب المزدوج الزجاجي للمكان من الجهة الاخرى .
ارتديت رداء النوم وخرجت في الدهليز الذي كان حينئذ خاويا . وكنت على وشك ان اصل الى التواليت عندما وجدت نفسي تجاه رجل في رداء النوم هو ايضا ، ظهر فجأة من الظل ، وكان يأتي من الجهة
المعاكسة . انه رجل طويل القامة ، متين البنية ، وذو لحية مستديرة على طريقة إدوارد السابع . ياترى هل كان له نفس مقصدي ؟ وكما يحدث ، كلانا شعر بلحظة من الحرج ، حتى كدنا نتصادم ببعضنا . الواقع هو اني ، من يدري كيف ، شعرت بالخجل من الدخول الى التواليت تحت نظراته ، وهكذا استأنفت السير كما لو كنت متجها الى مكان آخر . كذلك هو فعل نفس الشيء .
ولكن ، بعد بضع خطوات ، تفطنت الى الحماقة التي ارتكبتها . في الواقع ، ماذا كان في وسعي ان افعل ؟ كان ثمة احتمالان : إما أن اتابع السير حتى نهاية الدهليز ثم أعود على أعقابي ، آملا في أن يكون السيد ذو اللحية في هذه الاثناء قد بارح المكان . ولكن ، من يقول بأن هذا سيتعين عليه الدخول في احدى الغرف ، وهكذا سيترك الميدان حرا ؛ لربما هو ايضا كان يريد الدخول الى التواليت ، وحينما التقى بي ، شعر بالخجل ، بالضبط كما كنت قد فعلت أنا ؛ وهو الآن كان يجد نفسه في نفس حالتي المحرجة . لذا ، حين أعود على اعقابي قد أجازف في الالتقاء به مرة اخرى ، عندئذ سسيزداد الامر حراجة ، وسأظهر أمامه بمظهر الغبي مرة اخرى .
وإما – الاحتمال الآخر – أن أختبىء في احدى المداخل التي تتسع بمافيه الكفاية لإحدى الأبواب الكثيرة ، مختارا واحدا منها قليل الانارة ، ومن ههنا أتجسس على الميدان ، الى أن اكون متأكدا من خلو الدهليز تماما . وهكذا فعلت ، قبل أن اكون قد درست المسألة في باطن الأمر .
وفقط عندما وجدت نفسي مختبأ كاللصوص في احدى تلك المداخل الضيقة ( كان مدخل باب غرفة رقم 90 ) ، أخذت أفكر : قبل كل شىء ، فيما اذا كانت الغرفة مشغولة والزبون قد دخل أو خرج منها ، وماذا سيقول وهو يجدني مختبأ أمام بابه ؟ والأسوأ : من يقول بأن هذه هي ليست غرفة الرجل الملتحي ؟ الذي ، وهو يعود على اعقابه ، سيحصرني دونما صفح ولا غفران . وما كان يمكن ان تكون حاجة خاصة ليجد مناوراتي تلك غريبة جدا . الخلاصة ، كان المكوث هنالك عملا طائشا متهورا .
ورويدا رويدا مددت عنقي لإستطلاع الدهليز . من طرف الى آحركان خاليا تماما . لاجلبة ، ولا وقع خطوات او صدى لصوت آدمي ، ولا صرير لباب ينفتح ، لاشيء . كانت اللحظة مواتية جدا : خرجت من مخبأي وسرت بحطوات خفيفة نحو غرفتي . وفي هذه الاثناء كنت أفكر : سيمكن لي ان ادخل لحظة الى التواليت ؟ .
ولكن في نفس اللحظة – وكنت قد تفطنت الى ذلك متأخرا حتى يمكن لي الاختباء ثانية – كان الرجل ذو اللحية ، الذي كان بكل تأكيد فكر مثلي ، قد خرج من مدخل احدى الابواب في العمق ، لربما مدخل بابي
أنا ، وكان يتقدم بعزم الى جهتي .
وللمرة الثانية ، وبحرج أكثر ، تقابلنا امام التواليت ؛ وللمرة الثانية لم يجرؤ اي واحد منا على الدخول ، اذ شعر كل واحد بالخجل من ان يراه الاخر؛ الآن ، يمكن القول بأننا كنا فعلا ازاء حالة غريبة مثيرة للضحك .
وهكذا ، وأنا ألعن فيما بيني وبين نفسي التأدب والكياسة ، توجهت مهزوما الى غرفتي . وحين وصلت ، قبل ان أفتح الباب ، التفت لأنظر : هنالك في العمق ، في الظل ، لمحت الرجل الملتحي ، منتصب القامة وهو يدخل الغرفة ؛ وقد التفت لينظر الى جهتي .
كنت أستشيط غضبا . ولكن الذنب ألربما لم يكن ذنبي أنا ؟ حاولت عبثا قراءة الجريدة ، انتظرت لأكثر من نصف ساعة . فتحت الباب بحذر . كان الصمت يعمّ في كل أرجاء الفندق ، كما في احدى الثكنات المهجورة ؛ حتى الدهليز مقفر تماما . واخيرا ! وثبت فجأة من مكاني، وبخطوات سريعة ، اتحرق شوقا لبلوغ التواليت .
ولكن ، من الجهة الاخرى ، وفي تزامن مذهل ، وكأنما بفعل التخاطر ، كذلك الرجل ذو اللحية ، وثب خارجا من غرفته في ذات اللحظة ، وبخطوات خفيفة رشيقة غير قابلة للشك ، توجه نحو المرحاض .
لذا ، وللمرة الثالثة وجدنا نفسينا الواحد تجاه الاخر قدام الباب الزجاجي المصقول . وللمرة الثالثة كلانا تظاهر بما يخالف الحقيقة ، وللمرة الثالثة واصل كل منا السير دون الدخول . كانت الحالة في غاية السخرية والهزل ، ربما كان يكفي لاشيء : حركة بسيطة ، ابتسامة صغيرة ، لكسر حاجز الحياء فيما بيننا ، ولقلب كل شيء الى الضحك . ولكن لاأنا ، ولا من المحتمل هو ، كانت لديه رغبة في المزاح ؛ بل بالعكس ؛ كان الشعور بالغضب هو المهيمن ، الشعور بالكابوس ، وكأن كل شيء كان مكيدة مدبّرة بخفاء وتكتم في الحقد علينا .
وكما في الطلعات الأولى ، انتهى بي الأمر في الإنزلاق في مدخل باب مجهول ، وهنا اختبىء في انتظار الاحداث . الآن كان من مصلحتي القيام بذلك ، للحد من الاضرار ، على الأقل ؛ وان انتظر الرجل الملتحي ، الذي كان بالتأكيد يتربص مثلي في اقصى الطرف الاخر من الدهليز ، ان يكون هو الأول من يخرج من الخندق : عندئذ ، سأتركه يتقدم لمسافة معينة ، وفقط في اخر لحظة اكون قد خرجت انا ايضا ؛ وذلك بهدف الالتقاء به ليس امام التواليت ، بل في مكان اقرب بكثير من هذه الجهة ، وعلى هذا النحو ، بعد ان يتم تجاوز اللقاء به، سأبقى حرا في التصرف دونما شهود مزعجين .اما اذا كان هو ، قبل الالتقاء بي ، يكون قد عزم امره للدخول الى المكان ، فذلك أحسن ؛ وبعد ان يقضي حاجته ، سوف ينسحب الى غرفته ، وطول الليل لن يظهر ثانية .
أخرجت عينا واحدة من مخبأي ( لبعد المسافة لم استطع ان اشاهد جيدا لأعرف مااذا كان الاخر يفعل نقس الشيء ) ، مكثت متيقظا مدة طويلة . متعبا من الوقوف على قدميّ ، في نقطة معينة قرفصت على الارض ، دون التوقف عن المراقبة . لكن الرجل لم يعزم امره للخروج . ومع ذلك كان دائما هنالك محتبأ في عمق الدهليز ، في نفس الوضع الذي كنت فيه .
سمعت الساعة تدق الثانية والنصف ، الثالثة ، الثالثة والربع ، الثالثة والنصف . لم اعد احتمل اكثرمن ذلك . في الاخير غلبني النعاس فهويت نائما .
استيقظت ، بعظام متكسرة ، وقد بلغت الساعة السادسة صباحا . في تلك اللحظة لم اتذكر شيئا . وما اللذي كان قد حدث ؟ ولماذا كنت اجد نفسي هنالك على الارض ؟ بعد ذلك رأيت آخرين مثلي ، في أردية النوم ، محتجبين في زوايا المداخل لمئاة الابواب ، نائمين : منهم من يرقد على ركبتيه ، من يجلس القرفصاء ، من ينام وقوفا كالبغال ؛ شاحبين ، محطمين ، كما هو الحال بعد ليلة ساخنة من المعارك .
التعديل الأخير بواسطة المشرف: