عبدالغني عبدالله - ألف ليلة وليلة محارب محترف... المجد للضفائر الطويلة

«ألف ليلة وليلة» - كتاب مؤلف ضخم ذائع الصيت عظيم الأثر والتأثير عملاق في الأدب العربي. صنعته الأجيال منذ مئات السنين وأصبح واحدا من أندر الكتب التي تفاخر بها الأمم الأخرى بعد أن تحول الى عمل عالمي شديد الأثر والتأثير في الفكر الانساني. وتأثر به أعظم الأدباء والفنانين، وهو في الوقت نفسه يضم بداخل صفحاته لوحات تصويرية «مرسومة» في لوحات مرفقة بالكتاب، مخطوط رائع أثرى في القصة والتصوير الاسلامي ثراء عظيما. وهو بحق زينة المدرسة التصويرية العربية «مدرسة بغداد».

تعلمت منه الأجيال الكثيرة المتعاقبة واستمع الى حكاياته وحواديته الأطفال والشباب والرجال والفتيات والنساء... وسحرت هذه الحكايات عقولهم جميعا وخلبت ألبابنا جميعا. ومن منا لم يعرف أو لم يسمع أويتابع أو يحكي ويقص حكاياته وحواديته عن معروف الاسكافي والسندباد وحلاق بغداد والملك النعمان وعلاء الدين.

قصص كلها تعلم وتربي وتوجه نحو الشهامة والكرم والشجاعة والفروسية والوفاء والحكمة والصدق ونجدة المحتاج والحكم السليم والمتأني على الأمور والتماس الأسباب والظواهر والنتائج والحقائق. والكتاب على حد تعبير عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين «خلب بحق عقول الأجيال في الشرق والغرب لسنوات طويلة وقرونا وراء قرون».

وهذه المجموعة من الحكايات ارتفعت بنفسها الى حيث شغلت العلماء والباحثين في أوروبا وغيرها وفي مصر والشرق والعالم العربي وأوحت الى فنانين كثيرين بأن يتخذوا من مادتها خيطا ينسجونه في أعمالهم الروائية والمسرحية وأشعارهم وفي قصصهم للسينما والمسرح والاذاعة والتلفاز.

وفي الأدب الروائي الذي ينشرونه للأطفال والناشئة وأتاحت الخيال الخصب لمؤلفات موسيقية عالمية وألوان من فن التعبير بالحركة وفن التشكيل وذلك حسب رأي «رشدي صالح» الكاتب المعروف.

ألف ليلة وليلة فيما يرى دارسو الآداب والفنون الشعبية انه أهم المؤلفات القصصية التي تصور العبقرية العربية في بعض عصور تفتحها الفني وتقدم لنا نماذجها كاملة وناضجة لفن الحكاية الشعبية ولقد وصلت حكايات هذا المؤلف الى أوروبا وحتى قبل الدخول في عصر النهضة والتاريخ الحديث وأثر في فن الحكاية البيزنطية والحضارة الأوروبية عموما.

وأقدم أنطوان جالان على ترجمة أجزاء منه الى الفرنسية بين الأعوام 1704/1717م ونزلت هذه الترجمة في بيئة صالحة لنموها. وفي الوقت الذي تهيأت فيه أذهان الخاصة للانطلاق الى الشرق والتعرف عليه والاقامة فيه والحديث عنه. خاصة أن هذا الشرق كان أحد مصادر نقل الحضارة الى أوروبا في عصر النهضة. ومن هنا توالت الترجمات خلال القرن التاسع عشر وانشغل المستشرقون بدراسة تلك الحكايات ومعانيها وأهدافها، وتم طبع ألف ليلة وليلة في مطبعة بولاق بمصر وهي المطبعة التي أثرت الثقافة العربية بالكثير من أمهات المراجع والمصادر العربية منذ القرن الـ 19 ثم كانت طبعة بيروت العام 1881م، ثم طبعة الآباء اليسوعيين ثم توالت الطبعات خلال القرن العشرين. وان كانت جميع تلك الطبعات المتتالية تتعرض في بعضها للأخطاء ولاتصححها بحكم السوق التجاري وحدث تحريف لبعض الأسماء وأدخل عليها بعض الاضافات التي يرى الأستاذ رشدي صالح أنها ربما أدخلت عليها أو زيدت لاثارة شهية القارئ ويتبع ذلك اضطراب في ترتيب الحكايات والنوادر وترتيب الليالي ومع ذلك الهبوط في مستوى النشر في الشرق قابله في أوروبا ظهور طبعات جيدة وكتب تستند الى قصص ألف ليلة وليلة الحقيقية في طبعات ممتازة وترجمات حقيقية صادقة.

انتبه علماء أوروبا الى أهمية ذلك المؤلف وأثره واهتموا بدراستها والحديث عن أصولها ومواطنها الأولى وهجرتها وترجمتها والاضافات التي أضيفت اليها حتى اتخذت شكلها الأخير وظهرت لنا جهود عربية تناولت ألف ليلة وليلة باعتبارها أثرا فنيا بل وثيقة أدبية نفسية أو وثيقة أدبية اجتماعية أو وثيقة ثقافية تاريخية.

الدكتورة سهير القلماوي تقدمت برسالة دكتوراه لجامعة القاهرة عن ألف ليلة وليلة وأجازتها الجامعة... وذلك بلا شك يجعل هناك دورا من البطولة والشجاعة حيث ان الجامعة كانت تضيق بمثل هذه الموضوعات وبدأ الاعجاب بشجاعة الدكتورة سهير القلماوي يستمر حتى اليوم. وفي أواخر القرن العشرين صدر للدكتور فؤاد حسنين دراسة أخرى بالعربية عن ألف ليلة وليلة.وتواصل الحديث عن ألف ليلة وليلة في دراسات متعددة للعديد من الأدباء العظام مثل الأساتذة أحمد أمين وحسين فوزي وأحمد حسن الزيات.. ويجب ألا ننسى تلك الدراسة المهمة التي صدرت في بيروت العام 1962 بعنوان «من وحي ألف ليلة وليلة» لفاروق سعد.
ثم صدرت في مجلدين عن دار الشعب للأستاذ رشدي صالح حيث نقحها وضبطها وقدمها للقارئ العربي في شكل رائع ومذاق حلو... ناهيك عما قدمه لنا عزيز أباظة وعلي أحمد باكثير وأحمد سويلم ومحمد العفيفي ونزار قباني وآلاف المؤلفات عن شهريار الملك وشهرزاد والمجد للضفائر الطويلة وأحلام شهرزاد وقد حاول في نهاية القرن العشرين اصدار الليالي العربية الجديدة للأستاذ حسين القباني، ولكنه لقي ربه قبل اتمامها.ولاننسى قبل أن تحكي شهرزاد لعبد الغني.

أدب «البورنوجرافيا»

«البورنوجرافيا»... كلمة يونانية الأصل ذات مقطعين PORNOS»، «GRAPHEIN وبورنو بمعنى داعر، وجرافين بمعنى يكتب كما يقول الدكتور باهر الجوهري يعني أدب الدناسة أو أدب القبح أو الأدب الوضيع أو الدنيء ويطلق ذلك على الأدب عديم الفائدة بهدف الاثارة ومخاطبة الغرائز الدنيا... فهل تعتبر ألف ليلة وليلة من ذلك النوع من الأدب. والحقيقة أمامنا تقول لا فالتشبيه منعدم تماما. بل ان فائدة ألف ليلة وليلة قد انتشرت وعمت وشملت الكثير باعتراف الغرب قبل الشرق. فهو أدب تم تنقيحه ونشره أو سماعه أو رؤيته للتربية والتسلية والامتاع الفكري والمفيد في نفس الوقت. ولنا أن نتذكر ماكتبه الأستاذ طاهر أبوفاشا - رحمه الله - وقدم عبر الاذاعة. باشراف وتقديم من المرحوم الأستاذ محمد محمود شعبان «بابا شارو» عن ألف ليلة وليلة في الخمسينات من القرن العشرين من أعظم الاذاعات العربية حيث كان المستمعون العرب ينتظرون الحلقة في تمام الساعة التاسعة والنصف مساء من كل ليلة من ليالي رمضان ولم ينحرف أحد بل استمتع بها الجميع في أسلوب جيد وخال من الاثارة.

والحقيقة هكذا أن النسخة الأصلية لألف ليلة وليلة أو ما نسخ منها «من النسخة الأصلية» احتوت على هذه الألفاظ وما ينطبق على هذا المؤلف العظيم ينطبق أيضا على معظم كتب التراث الأخرى مثل «الحيوان للجاحظ»، الذي يحوي الكثير من الألفاظ المخلة بالآداب، وان كانت الطبعات المستحدثة تعمل على استئصال تلك الألفاظ غير اللائقة ويبقى أصل الكتاب نفسه تراثا للباحثين والدارسين، فهل معنى ذلك أن نحرق كتاب الحيوان؟ وهل ينطبق ذلك على مؤلفات أخرى تراثية عظيمة مثل الأغاني للأصفهاني والحيل الميكانيكية والطب والبيطرة.

الحدوتة والقصة

والقصة تبدأ بملكين شقيقين هما شهريار وشاه زمان كانا في غاية السعادة. ويحكمان بالعدل. ولكن هذه السعادة لم تستمر. فقد علم كل منهما أن زوجته تخونه مع عبد أسود وهكذا بدآ يعيشان تحت عباءة القلق والحزن... ولم يعرف شاه زمان ماذا يحدث في غرفة نومه... وشهريار لم يعرف مايدور في بستان قصره... وعندما علما بذلك اهتزت ثقة كل منهما بنفسه.. وهاما على وجهيهما وهجرا حياتهما وصارا يضربان في الأرض ويتعرفان على مايحدث في الدنيا وعرفا أن المارد قد خانته زوجته الجارية أكثر من خمسمئة مرة. وهنا هانت عليهما الفاجعة وقررا العودة كل منهما الى مملكته. ولكن الملك شهريار قرر أن ينتقم من جنس النساء. وكان يتخذ كل ليلة فتاة بكرا يتزوجها ثم يقتلها في الصباح. ثم التقى بشهرزاد التي أعطته زادا عقليا عندما أخذت تقص عليه مئات القصص والغرائب عن التجار والملوك والوزراء والحمقى والصعاليك والنساء وأصحاب الحرف وكانت هذه القصص تفتح عين وعقل الملك شهريار وبدأت تحكي حكاياتها فتوقف عن قتل زوجته ليكمل سماع بقية القصة أو الحدوتة.</
 
أعلى