نقوس المهدي
كاتب
إذا كانت المعرفة صراعا دائما قصد إضاءة المجهول وسفر لا نهائي لإدراك خبايا العالم،فان السلطة بحث مواز للأولى قصد امتلاك خبايا العالم دون الحاجة لفهمه أو إضاءة غموضه.صدام نسقين على مدار التاريخ تخلق عنه شخصية المثقف ككائن معنوي له تأثيره على مسار المجتمع والتاريخ ،تأثير لا يقل أهمية عن تأثير صاحب القرار..علما أن أدوات ومرجعية كل منهما مرهونة بهوية مالكها. فكل من المعرفة و السلطة تمتلكان مفعولا مزدوجا ومتناقضا ،فبقد رما يسخران لتدمير العالم، بقدر ما يمكن توظيفهما لخدمة الإنسان وسعادته… وعلى حد تعبير نتشه لقد تطورت لدينا غريزة المعرفة إلى حد أننا لم نعد نستطيع إدراك قيمة السعادة بدون معرفة.
1.رهانات الحاكم ،رهانات السارد.
لعل قوة وفطنة شهرزاد تكمن في قدرتها على تحويل الحكاية إلى بلسم لجرح الخيانة، معطلة بدلك فعل القتل كإجراء انتقامي مارسه شهريار كل صباح بدق عنق امرأة،حتى ظهرت شهرزاد التي دفعت به إلى غابة من التساؤلات بلعبها على لطف منضرها و سحر محكيها،مستغلة رغبته في المعرفة وحب الاستطلاع.مانحة بدلك التفوق للحكاية على سلطة القتل. إن انتصار الكلمة على جبروت السلطة المادية يحيل على إن المعرفة وحدها قادرة على مواجهة الموت وقبلها الحياة ..ولعلها مفارقة مدهشة كون شهرزاد بدأت تحيا وتضمن حياة الآخرين مند اللحظة التي ذهبت فيها لمواجهة الموت .إن رفضها للعيش في مؤقت دائم وحالة ترقب مقلق جعلها تستدعي مخزون ذاكرتها الحكائي والمعرفي دافعة بشهريار للإحساس بالانسحاق و التقزم أمام سعة معرفتها. فتحول القاتل لمقتول والمقتول لقاتل، ساحبة بذلك عنه رداء الجلال والهبة.عند هدا المستوى يتساوى الحكي بالحياة واللاحكي بالموت .مغامرة لا يقابلها من حيث الخطورة سوى أسفار السند باد البحري كإحدى أبطال ألف ليلة وليلة نفسها.مغامرة حركتها رغبة الاكتشاف ومعرفة الجديد تماما كشهرزاد، غير إن الأول فضل منفاه الاختياري المؤسس على الأسفار والتيه بقصد مجاوزة الذات بركوب البحر، أي الموت المحتمل في أي لحظة. والثانية برهانها على سحر الحكاية،نستنتج إن فعل الحكي استطاع محو فعل القتل في الوقت الذي عجز فيه القتل عن محو اثر فعل الخيانة….
2سحرالحكاية سحر الجسد
تروي شهرزاد حكاياتها ليلا، و الليل زمن خاص،زمن التأمل والتداعيات،زمن الحلم والرغبات الهاربة بخلاف النهار باعتباره زمن عام نعيشه معية الأخر المتوقع وغير المتوقع.و بهذا المعنى يصبح الليل في يد شهرزاد زمن الحكاية المبتورة حيث تعد بالمتعة ثم تؤجلها لتضمن استمرار حياتها لاعبة على وتر تحسيس شهريار بالنقصان والعوز..إن الزمن في ألف ليلة وليلة لعب دورا حاسما في توتر الإحداث والصراع بين حياة المرأة و موتها.فادا كان مرور الزمن كفيلا بإنضاج جسد الأنثى لليلة القتل،فان شهرزاد وحدها استطاعت تحويله لصالحها بإنضاج معارفها حتى إذا ترهل الجسد خلدته المعرفة. لقد أدركت شهرزاد مبكرا أن لذة الجسد محدودة في الزمان بينما لذة الحكي منفتحة على اللامتناهي من خلال معايشتها لقتل العذارى اللواتي لم يمنحهن جسدهن سوى ليلة واحة في حضرة الملك بخلاف متعة الحكي التي هزمت الموت والملل بل وعقلية ذكورية لا ترى في الأنثى سوى لذة مادية عابرة..إن واقع القتل الممارس من طرف المجتمع الابيسي ولد ردات فعل لدى نساء الليالي تمظهرت في أشكال مختلفة منها.ممارستهن للجنس المثلي و الانتحار.
3.السحاق أو احتجاجات الجسد المؤنث.
إن ممارسة السحاق في الليالي يعتبر قلبا للأدوار،أو تقمصا لرجولة مستحيلة بقصد القفز على الترقب وانتصار على لحظة القتل،انه نوع من الاحتجاج و التمرد على واقع الحيف والقهر،وبكلمة واحدة دفع للألم وجلب للذة دون مراوحة دائرة غواية الجسد، عند هدا المستوى تتحول المرأة من موضوع للاشتهاء إلى ذات مشتهية ومن ثمة رفضها للاستلاب ومعاملتها كشيء .إن تركيز المرأة المكثف على الجنس دون الحب باعتباره تصعيد لوصال جسدي أو رغبة معطلة، تنصيص على أن الجنس المثلي هو مؤشر واضح على اختلال توازن مجتمع الحريم.وان بدا للمرأة نوع من الخلاص والهروب من التأنيث ؟على اعتبار أن الوصال الجنسي فعل شخصي يتجاوز صاحبه إلى درجة خروجه عن ذاته من اجل الإمتاع والاستمتاع…فاللجوء لمفاتن الجسد هو ثعلة لتحويل الضعف الأنثوي إلى قوة.إن السحاق والحالة هده محاولة الإقصاء الرجل من دائرة الجسد الأنثوي، وتعميق لضمئه ، بل دفع بالكبت إلى أعلى مراتب الألم…
4.الانتحار أو تمجيد الموت.
أن الانتحار كمخرج لحالة الترقب يعدمن الأفعال التي تجعل الأمور تلتبس والتساؤلات تتشابك ،فهل يعد الانتحار عشق للموت أم للحياة؟وهل هو فعل إرادي تماما أم ل إرادي؟ إن الانتحار في جميع الحالات تجربة مزلزلة، يعرف فيها المنتحر موعد موته وشكله والأسباب المؤدية له.غير إن الموت يضل بالنسبة للمنتحر موضوع رغبة،وبالتالي تسحب عنه صفة السلبية لأنه في الأساس نوع من الاحتجاج على مفارقة العيش تحت رحمت الأخر.تقول إحدى شخصيات الليالي. ثم جدبت سيفا وكان عندها وجعلت قائمه في الأرض وحرفه في صدرها ،و انحنت عليه حتى طلع من ضهرها ..هنا بالذات يتلبس الانتحار صفة التمرد على العلاقات القهرية وهيأة احتجاج على استبداد المجتمع الابيسي المبخس للأنثى والمختزل لها في الأرداف والسقان والنهود.يقول السارد..ثم صعدت وهو في أثرها فنضر شرخان إلى ضهر الجارية فرأى أردافها تتلاطم كالأمواج في البحر الرجراج….وفي حدود هده العلاقة المأزومة بين المرأة و الرجل يتخلق فعل القتل و القتل المضاد سواء بواسطة الإغراء أو التمنع أو المضاجعة و التبخيس …
5.خلفية الصراع وثراء الرموز
أن تحدي شهرزاد ورهانها على مواجهة مصيرها المأساوي بجرأة كان مسنودا إلى جانب معرفتها العميقة بجسد متفجر أنوثة ،جسد غض وندي ،لكنه أساسا جسد متحرر وجسور بفضل معرفتها التي جعلتها تغادر بعبع الغريزة وتتحرر من الارتهان لقيم الشرق القديم المخنوق بالخرافة والجهل والاستبداد .وبالتالي يمكن القول إن فرادة شهرزاد تكمن في تمردها على القيم السائدة ،ومنها انهزامية المرأة…فبلجوئها إلى الحكاية المحرضة والمستنفرة للأسئلة وردود الفعل الايجابية خلخلة زمن القهر بل وسخرت الزمن كله لصالحها من خلال الذهاب بعيدا في الماضي واستشراف المستقبل والتجوال بكل حرية في عوالم تبتعد عن ثوابت العقل الكلاسيكي طارقة عوالم العجيب والغريب و اللامحدود..وان كان سؤال ضمني يلاحق المتلقي ،ترى هل كانت شهرزاد تحكي لأنها ترغب في دلك أم لأنها تهب الموت ؟بمعنى هل كانت مستمتعة بما تروي أم كانت تقوم وضيفة التسلية؟ومهما يكن فلعبة الحكي شكلت لديها مغامرة وجودية مفارقة،أي الوقوف بين حدي الموت والحياة.وهدا بالذات ما جعل من شهرزاد نموذجا للمرأة الطليعية التي ترفض الاستسلام وتصر على مواجهة الشر وبقايا الغريزة الانتقامية في الإنسان.وبالتالي انتصارها لقيم الخير ومحاولة غرسها في أعماق شهريار من خلال عزفها على وثرة النفسي، اقصد استنهاضها للأحلام والرغبات الدفينة والأخيلة الساحرة والمكبوتة…نستنتج إن الحكي المسند بخيال وعمق وذكاء توج مفعولة بهرم السيف ومن خلفه .فضلا عن كونه أيقض عشق الملك الطفو لي للحكاية الأسطورة.أن شهرزاد بدلك خلدت الحكاية و خلدت بها ،.كما خلصت نفسها و بنات جنسها من الهلاك المحتوم.إن معرفة شهرزاد منحت الآخرين فرصة تلمس غياب الحرية الفادح ، راسمة بدلك طريق خلاص الإنسان بواسطة المعرفة التي تمنح الأفراد حق الوجود الحر..فعمق واتساع معرفة شهرزاد لعب دورا مزدوجا..فهو من جهة عمق انهيار شهريار وأوصله لحالة اليأس المطلق باستشعاره لدونيته.ومن جهة ثانية حفزته على تطوير مداركه وسلوكه بحيث انتقل من الجماع والمباشرة إلى العشق .ومن الغرائزي إلى الإنساني بتوقفه عن فعل القتل ،مادام قتله للعداري كان علامة على عجزه وعدوانيته التي سحبت عنه آدميته و انتماؤه لقيم العقل وصوت الحكمة.علما إن الانتقام هو راحة لحظة وعذاب سنين ،بينما العفو هو عذاب لحظة وراحة سنين…فقط يجب إن نستحضر في هدا المقام إن القتل كان فعل لاحق و تابع لفعل المضاجعة .وبالتالي لنا إن نتساءل كيف اجتمعا هدين الفعلين المفارقين في جسد واحد.اقصد سخط شهريار التاريخي على المرأة و الانسداد لها بل والعبث بجسدها..إقبال وإدبار في ذات الآن يمكن إن نعتبره أقصى درجات التشظي . وهدا ما يفسر سفر شهريار في دواخله عله يطهرها من بعصمة الغريزة.حدث يمكن اعتباره عبور من الخطيئة إلى التكفير ومن الانتقام إلى الاعتذار الضمني .انه عبور في جميع الحالات يلخص حالة حيرته التي المجهول والغامض بل والجنس الأخر تحديدا..أن حكايات الليالي لهدا الاعتبار تشخص أزمة مجتمع الحريم وصراع المرأة والرجل فضلا عن توتر علاقة المثقف بالحاكم.إن هدا المتن بمحاورته لخزان اللاوعي البشري وإفصاحه عن البنى العميقة التي تحرك فعل الإنسان وردود أفعاله يمنح نفسه امتدادا وخلودا وطرحا لا متناهيا لأسئلة عميقة من قبيل .. لمادا جاء عفو الحاكم بعد فعل الإنجاب؟هل هو إحالة على انه علة وجود المرأة ؟وهل اعتبر الحاكم معاشرة شهرزاد كتابة جسدية ،بمعنى أن أطفاله سطور كتبت بمائه الخاص؟ماء يمحو به آثار فعل الخيانة السابقة ،وهل حقا أن المراة في هدا النص ليست سوى الوجه الأخر للرجل الباحث عن أفق جديد بالمعرفة والوعي أساسا؟وهل يمثل طول نفس حكايات شهرزاد تعويضا ضمنيا لها عن قرون الصمت التاريخي الذي عانت منه؟ و هل من العدل أن تؤخذ باقي النساء بخطيئة واحدة منهن ؟ثم أليس الرجل شريك في فعل الخيانة التي وقعت وبالتالي لمادا ثم استثناؤه من إنزال فعل العقوبة ؟أسئلة عديدة ربما كانت إحدى أجوبتها المحتملة،إن منطق الحكاية ابلغ وأقوى بكثير من منطق الواقع…
.6امراة الليالي بين الاستلاب وإرادة التحرر.
تتخذ المراة في حكايات الليالي وضعيات متباينة،تتراوح بين التبعية المطلقة للرجل، والمبادرة الحرونة الراغبة في التحرر منه. فهي وان كانت تعيش نهارها كموضوع رغبة للرجل، فهي لا تلبث تسترد حريتها ليلا كزمن للحكاية والحلم .غير أن مساقات تبعيتها واستلابها تتمضهر في تشيء جسدها المختزل لمجرد سلعة جنسية مخصصة لإطفاء ضمأ الرجل.لكن بالمقابل يمكن اعتبار حالة اشتهائها الدائم للعبد دون غيره فعل انتقام من استبداد رجال الطبقة السائدة ،ونوع من ممارسة فعل الاختيار الدي يسلب منها في علاقتها برجال علية القوم .يقول شاه زمان و هو بقصر شهريار..وادا بباب القصر قد فتح خرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وامرأة أخيه تمشي بينهم ،وهي في غاية الحسن والجمال حتى ادا وصلوا الى فسقية خلعوا تيانهم،وجلسوا مع بعضهم .وادا بامرأة الملك قالت يا مسعود فجاءها عبد اسود فعانقها ونحو دلك حتى ولى النهار.*انالمرأة في الليالي تقدم في الغالب الاعم أسيرة شهوتها الجنسية لدرجة الشدود الجنسي فهي لا تميز بين الدكر الادمي والدكر الحيواني .اد غير ما مرة تضاجع الدببة والقردة.فهل يبرر لها فغل الاختيار هدا الشدود؟ولمادا تفضل الاختلاء مثلا بالقرد عن المجتمع وكأنها تتخلص من اكراهات القيم الدكورية البشرية؟؟ ان اعتبار الاشباع الجنسي للمرأة كمخرج وحيد لازمتها الوجودية يختزلها في بعد غرائزي ويسحب عنها رداء العقل والحكمة.لكن بمقابل هدا التبخيس والانسحاق تأخد شهرزادبعدا تحرريا بقبولها التحدي و ركوب المغامرة بهدف كسب رهان توقيف فغل القتل. بل وتحدي قيم المجتمع الدكوري و سلطة الاب الدي سبق وحدرها من مغبة اللقاء بشهريار.متوسلة في دلك سلطة المتخيل كابدال عن الواقع ، ودلك باحلال .. قصص النساء مكان النساء،او لنقل بتحويلها النساء من موضوعات جنسية الى موضوعات للتخييل الجنسي.ويشكل هدا الدخول الى ساحة الرمزية خطوة حاسمة في مسيرة شهرزاد،فهو شديد الاهمية يوازي التضحية الرمزية بالتضحية العينية *ان شهرزاد وان كانت تضمن حكاياتها قيم دكورية فهي لا تفعل دلك الا لاستمالة شهريار ودغدغت شعوره. فلايعقل وهي المرأة المتمردة ان تكرس دونيتها ،علما انها مؤمنة بمقولة فتاة المارد القائلة . ان المرأة ادا ارادت امرا لم يغلبها شيئ.وهدا ما يبرر مواجهتها لمصيرها بيقين الانتصار عبر جسر الحكي تحديدا .فامتلاكها سلطة الحكيه يفرض الانصات ويمنحها نفوذ معنوي .وهدا يقدم شهريار الحاكم في وضعية المتلقي الخنوع .وبدلك تقلب صورة شهرزاد المستباحة إلى ذات محصنة ،بل وآمرة دون أن ننسى محكياتها المتضمنة لنسوة متمردات ، ونستحضر في هدا المساق فتاة الصندوق التي أرغمت شاه زمان وشهريار على تلبية رغبتها مهددة إياهما بايقاض الجني النائم بجوارها .فضلا عن بدور التي تحدث كل العراقيل من اجل ملاقاة معشوقها ..ولنتأمل هده القرينة السردية ..وقامت من وقتها وصلبت رجليها في الحائط واتكأت بقوتها على الغل الحديدي من رقبتها فقطعته وقطعت السلاسل ،وخرجت من خلف الستار،ورمت نفسها على قمر الزمان..
فقط تجب الإشارة هنا أن حصانة شهرزاد مشروطة ومؤقتة ،والا ما معنى أن يعقب قص حكايتها فعل المضاجعة الآمر الذي يحولها لمجرد نزوة ليس إلا ..ومن ثم فهي تشكل نموذج البطل الإشكالي .فضلا عن حملها لزلزال من التصدعات الداخلية .ومع دلك استطاعت أن تحافض على توازنها .إلى أن كافأها شهريار بحفل زواج فاخر ،بعد انتهاء الحكي وعلمه بإنجابها ثلاثة ذكور…
* جميع القرائن السردية مأخوذة عن مطبعة بولاق، القاهرة
* د. فريال عزول . البنية الدلالية في ألف ليلة وليلى. مجلة فصول ع 4الجزءالاولسنة1994ص82
* د. محمد رمصيص
سحر الحكاية وسلطة المعرفة في ألف ليلة وليلة
1.رهانات الحاكم ،رهانات السارد.
لعل قوة وفطنة شهرزاد تكمن في قدرتها على تحويل الحكاية إلى بلسم لجرح الخيانة، معطلة بدلك فعل القتل كإجراء انتقامي مارسه شهريار كل صباح بدق عنق امرأة،حتى ظهرت شهرزاد التي دفعت به إلى غابة من التساؤلات بلعبها على لطف منضرها و سحر محكيها،مستغلة رغبته في المعرفة وحب الاستطلاع.مانحة بدلك التفوق للحكاية على سلطة القتل. إن انتصار الكلمة على جبروت السلطة المادية يحيل على إن المعرفة وحدها قادرة على مواجهة الموت وقبلها الحياة ..ولعلها مفارقة مدهشة كون شهرزاد بدأت تحيا وتضمن حياة الآخرين مند اللحظة التي ذهبت فيها لمواجهة الموت .إن رفضها للعيش في مؤقت دائم وحالة ترقب مقلق جعلها تستدعي مخزون ذاكرتها الحكائي والمعرفي دافعة بشهريار للإحساس بالانسحاق و التقزم أمام سعة معرفتها. فتحول القاتل لمقتول والمقتول لقاتل، ساحبة بذلك عنه رداء الجلال والهبة.عند هدا المستوى يتساوى الحكي بالحياة واللاحكي بالموت .مغامرة لا يقابلها من حيث الخطورة سوى أسفار السند باد البحري كإحدى أبطال ألف ليلة وليلة نفسها.مغامرة حركتها رغبة الاكتشاف ومعرفة الجديد تماما كشهرزاد، غير إن الأول فضل منفاه الاختياري المؤسس على الأسفار والتيه بقصد مجاوزة الذات بركوب البحر، أي الموت المحتمل في أي لحظة. والثانية برهانها على سحر الحكاية،نستنتج إن فعل الحكي استطاع محو فعل القتل في الوقت الذي عجز فيه القتل عن محو اثر فعل الخيانة….
2سحرالحكاية سحر الجسد
تروي شهرزاد حكاياتها ليلا، و الليل زمن خاص،زمن التأمل والتداعيات،زمن الحلم والرغبات الهاربة بخلاف النهار باعتباره زمن عام نعيشه معية الأخر المتوقع وغير المتوقع.و بهذا المعنى يصبح الليل في يد شهرزاد زمن الحكاية المبتورة حيث تعد بالمتعة ثم تؤجلها لتضمن استمرار حياتها لاعبة على وتر تحسيس شهريار بالنقصان والعوز..إن الزمن في ألف ليلة وليلة لعب دورا حاسما في توتر الإحداث والصراع بين حياة المرأة و موتها.فادا كان مرور الزمن كفيلا بإنضاج جسد الأنثى لليلة القتل،فان شهرزاد وحدها استطاعت تحويله لصالحها بإنضاج معارفها حتى إذا ترهل الجسد خلدته المعرفة. لقد أدركت شهرزاد مبكرا أن لذة الجسد محدودة في الزمان بينما لذة الحكي منفتحة على اللامتناهي من خلال معايشتها لقتل العذارى اللواتي لم يمنحهن جسدهن سوى ليلة واحة في حضرة الملك بخلاف متعة الحكي التي هزمت الموت والملل بل وعقلية ذكورية لا ترى في الأنثى سوى لذة مادية عابرة..إن واقع القتل الممارس من طرف المجتمع الابيسي ولد ردات فعل لدى نساء الليالي تمظهرت في أشكال مختلفة منها.ممارستهن للجنس المثلي و الانتحار.
3.السحاق أو احتجاجات الجسد المؤنث.
إن ممارسة السحاق في الليالي يعتبر قلبا للأدوار،أو تقمصا لرجولة مستحيلة بقصد القفز على الترقب وانتصار على لحظة القتل،انه نوع من الاحتجاج و التمرد على واقع الحيف والقهر،وبكلمة واحدة دفع للألم وجلب للذة دون مراوحة دائرة غواية الجسد، عند هدا المستوى تتحول المرأة من موضوع للاشتهاء إلى ذات مشتهية ومن ثمة رفضها للاستلاب ومعاملتها كشيء .إن تركيز المرأة المكثف على الجنس دون الحب باعتباره تصعيد لوصال جسدي أو رغبة معطلة، تنصيص على أن الجنس المثلي هو مؤشر واضح على اختلال توازن مجتمع الحريم.وان بدا للمرأة نوع من الخلاص والهروب من التأنيث ؟على اعتبار أن الوصال الجنسي فعل شخصي يتجاوز صاحبه إلى درجة خروجه عن ذاته من اجل الإمتاع والاستمتاع…فاللجوء لمفاتن الجسد هو ثعلة لتحويل الضعف الأنثوي إلى قوة.إن السحاق والحالة هده محاولة الإقصاء الرجل من دائرة الجسد الأنثوي، وتعميق لضمئه ، بل دفع بالكبت إلى أعلى مراتب الألم…
4.الانتحار أو تمجيد الموت.
أن الانتحار كمخرج لحالة الترقب يعدمن الأفعال التي تجعل الأمور تلتبس والتساؤلات تتشابك ،فهل يعد الانتحار عشق للموت أم للحياة؟وهل هو فعل إرادي تماما أم ل إرادي؟ إن الانتحار في جميع الحالات تجربة مزلزلة، يعرف فيها المنتحر موعد موته وشكله والأسباب المؤدية له.غير إن الموت يضل بالنسبة للمنتحر موضوع رغبة،وبالتالي تسحب عنه صفة السلبية لأنه في الأساس نوع من الاحتجاج على مفارقة العيش تحت رحمت الأخر.تقول إحدى شخصيات الليالي. ثم جدبت سيفا وكان عندها وجعلت قائمه في الأرض وحرفه في صدرها ،و انحنت عليه حتى طلع من ضهرها ..هنا بالذات يتلبس الانتحار صفة التمرد على العلاقات القهرية وهيأة احتجاج على استبداد المجتمع الابيسي المبخس للأنثى والمختزل لها في الأرداف والسقان والنهود.يقول السارد..ثم صعدت وهو في أثرها فنضر شرخان إلى ضهر الجارية فرأى أردافها تتلاطم كالأمواج في البحر الرجراج….وفي حدود هده العلاقة المأزومة بين المرأة و الرجل يتخلق فعل القتل و القتل المضاد سواء بواسطة الإغراء أو التمنع أو المضاجعة و التبخيس …
5.خلفية الصراع وثراء الرموز
أن تحدي شهرزاد ورهانها على مواجهة مصيرها المأساوي بجرأة كان مسنودا إلى جانب معرفتها العميقة بجسد متفجر أنوثة ،جسد غض وندي ،لكنه أساسا جسد متحرر وجسور بفضل معرفتها التي جعلتها تغادر بعبع الغريزة وتتحرر من الارتهان لقيم الشرق القديم المخنوق بالخرافة والجهل والاستبداد .وبالتالي يمكن القول إن فرادة شهرزاد تكمن في تمردها على القيم السائدة ،ومنها انهزامية المرأة…فبلجوئها إلى الحكاية المحرضة والمستنفرة للأسئلة وردود الفعل الايجابية خلخلة زمن القهر بل وسخرت الزمن كله لصالحها من خلال الذهاب بعيدا في الماضي واستشراف المستقبل والتجوال بكل حرية في عوالم تبتعد عن ثوابت العقل الكلاسيكي طارقة عوالم العجيب والغريب و اللامحدود..وان كان سؤال ضمني يلاحق المتلقي ،ترى هل كانت شهرزاد تحكي لأنها ترغب في دلك أم لأنها تهب الموت ؟بمعنى هل كانت مستمتعة بما تروي أم كانت تقوم وضيفة التسلية؟ومهما يكن فلعبة الحكي شكلت لديها مغامرة وجودية مفارقة،أي الوقوف بين حدي الموت والحياة.وهدا بالذات ما جعل من شهرزاد نموذجا للمرأة الطليعية التي ترفض الاستسلام وتصر على مواجهة الشر وبقايا الغريزة الانتقامية في الإنسان.وبالتالي انتصارها لقيم الخير ومحاولة غرسها في أعماق شهريار من خلال عزفها على وثرة النفسي، اقصد استنهاضها للأحلام والرغبات الدفينة والأخيلة الساحرة والمكبوتة…نستنتج إن الحكي المسند بخيال وعمق وذكاء توج مفعولة بهرم السيف ومن خلفه .فضلا عن كونه أيقض عشق الملك الطفو لي للحكاية الأسطورة.أن شهرزاد بدلك خلدت الحكاية و خلدت بها ،.كما خلصت نفسها و بنات جنسها من الهلاك المحتوم.إن معرفة شهرزاد منحت الآخرين فرصة تلمس غياب الحرية الفادح ، راسمة بدلك طريق خلاص الإنسان بواسطة المعرفة التي تمنح الأفراد حق الوجود الحر..فعمق واتساع معرفة شهرزاد لعب دورا مزدوجا..فهو من جهة عمق انهيار شهريار وأوصله لحالة اليأس المطلق باستشعاره لدونيته.ومن جهة ثانية حفزته على تطوير مداركه وسلوكه بحيث انتقل من الجماع والمباشرة إلى العشق .ومن الغرائزي إلى الإنساني بتوقفه عن فعل القتل ،مادام قتله للعداري كان علامة على عجزه وعدوانيته التي سحبت عنه آدميته و انتماؤه لقيم العقل وصوت الحكمة.علما إن الانتقام هو راحة لحظة وعذاب سنين ،بينما العفو هو عذاب لحظة وراحة سنين…فقط يجب إن نستحضر في هدا المقام إن القتل كان فعل لاحق و تابع لفعل المضاجعة .وبالتالي لنا إن نتساءل كيف اجتمعا هدين الفعلين المفارقين في جسد واحد.اقصد سخط شهريار التاريخي على المرأة و الانسداد لها بل والعبث بجسدها..إقبال وإدبار في ذات الآن يمكن إن نعتبره أقصى درجات التشظي . وهدا ما يفسر سفر شهريار في دواخله عله يطهرها من بعصمة الغريزة.حدث يمكن اعتباره عبور من الخطيئة إلى التكفير ومن الانتقام إلى الاعتذار الضمني .انه عبور في جميع الحالات يلخص حالة حيرته التي المجهول والغامض بل والجنس الأخر تحديدا..أن حكايات الليالي لهدا الاعتبار تشخص أزمة مجتمع الحريم وصراع المرأة والرجل فضلا عن توتر علاقة المثقف بالحاكم.إن هدا المتن بمحاورته لخزان اللاوعي البشري وإفصاحه عن البنى العميقة التي تحرك فعل الإنسان وردود أفعاله يمنح نفسه امتدادا وخلودا وطرحا لا متناهيا لأسئلة عميقة من قبيل .. لمادا جاء عفو الحاكم بعد فعل الإنجاب؟هل هو إحالة على انه علة وجود المرأة ؟وهل اعتبر الحاكم معاشرة شهرزاد كتابة جسدية ،بمعنى أن أطفاله سطور كتبت بمائه الخاص؟ماء يمحو به آثار فعل الخيانة السابقة ،وهل حقا أن المراة في هدا النص ليست سوى الوجه الأخر للرجل الباحث عن أفق جديد بالمعرفة والوعي أساسا؟وهل يمثل طول نفس حكايات شهرزاد تعويضا ضمنيا لها عن قرون الصمت التاريخي الذي عانت منه؟ و هل من العدل أن تؤخذ باقي النساء بخطيئة واحدة منهن ؟ثم أليس الرجل شريك في فعل الخيانة التي وقعت وبالتالي لمادا ثم استثناؤه من إنزال فعل العقوبة ؟أسئلة عديدة ربما كانت إحدى أجوبتها المحتملة،إن منطق الحكاية ابلغ وأقوى بكثير من منطق الواقع…
.6امراة الليالي بين الاستلاب وإرادة التحرر.
تتخذ المراة في حكايات الليالي وضعيات متباينة،تتراوح بين التبعية المطلقة للرجل، والمبادرة الحرونة الراغبة في التحرر منه. فهي وان كانت تعيش نهارها كموضوع رغبة للرجل، فهي لا تلبث تسترد حريتها ليلا كزمن للحكاية والحلم .غير أن مساقات تبعيتها واستلابها تتمضهر في تشيء جسدها المختزل لمجرد سلعة جنسية مخصصة لإطفاء ضمأ الرجل.لكن بالمقابل يمكن اعتبار حالة اشتهائها الدائم للعبد دون غيره فعل انتقام من استبداد رجال الطبقة السائدة ،ونوع من ممارسة فعل الاختيار الدي يسلب منها في علاقتها برجال علية القوم .يقول شاه زمان و هو بقصر شهريار..وادا بباب القصر قد فتح خرج منه عشرون جارية وعشرون عبدا وامرأة أخيه تمشي بينهم ،وهي في غاية الحسن والجمال حتى ادا وصلوا الى فسقية خلعوا تيانهم،وجلسوا مع بعضهم .وادا بامرأة الملك قالت يا مسعود فجاءها عبد اسود فعانقها ونحو دلك حتى ولى النهار.*انالمرأة في الليالي تقدم في الغالب الاعم أسيرة شهوتها الجنسية لدرجة الشدود الجنسي فهي لا تميز بين الدكر الادمي والدكر الحيواني .اد غير ما مرة تضاجع الدببة والقردة.فهل يبرر لها فغل الاختيار هدا الشدود؟ولمادا تفضل الاختلاء مثلا بالقرد عن المجتمع وكأنها تتخلص من اكراهات القيم الدكورية البشرية؟؟ ان اعتبار الاشباع الجنسي للمرأة كمخرج وحيد لازمتها الوجودية يختزلها في بعد غرائزي ويسحب عنها رداء العقل والحكمة.لكن بمقابل هدا التبخيس والانسحاق تأخد شهرزادبعدا تحرريا بقبولها التحدي و ركوب المغامرة بهدف كسب رهان توقيف فغل القتل. بل وتحدي قيم المجتمع الدكوري و سلطة الاب الدي سبق وحدرها من مغبة اللقاء بشهريار.متوسلة في دلك سلطة المتخيل كابدال عن الواقع ، ودلك باحلال .. قصص النساء مكان النساء،او لنقل بتحويلها النساء من موضوعات جنسية الى موضوعات للتخييل الجنسي.ويشكل هدا الدخول الى ساحة الرمزية خطوة حاسمة في مسيرة شهرزاد،فهو شديد الاهمية يوازي التضحية الرمزية بالتضحية العينية *ان شهرزاد وان كانت تضمن حكاياتها قيم دكورية فهي لا تفعل دلك الا لاستمالة شهريار ودغدغت شعوره. فلايعقل وهي المرأة المتمردة ان تكرس دونيتها ،علما انها مؤمنة بمقولة فتاة المارد القائلة . ان المرأة ادا ارادت امرا لم يغلبها شيئ.وهدا ما يبرر مواجهتها لمصيرها بيقين الانتصار عبر جسر الحكي تحديدا .فامتلاكها سلطة الحكيه يفرض الانصات ويمنحها نفوذ معنوي .وهدا يقدم شهريار الحاكم في وضعية المتلقي الخنوع .وبدلك تقلب صورة شهرزاد المستباحة إلى ذات محصنة ،بل وآمرة دون أن ننسى محكياتها المتضمنة لنسوة متمردات ، ونستحضر في هدا المساق فتاة الصندوق التي أرغمت شاه زمان وشهريار على تلبية رغبتها مهددة إياهما بايقاض الجني النائم بجوارها .فضلا عن بدور التي تحدث كل العراقيل من اجل ملاقاة معشوقها ..ولنتأمل هده القرينة السردية ..وقامت من وقتها وصلبت رجليها في الحائط واتكأت بقوتها على الغل الحديدي من رقبتها فقطعته وقطعت السلاسل ،وخرجت من خلف الستار،ورمت نفسها على قمر الزمان..
فقط تجب الإشارة هنا أن حصانة شهرزاد مشروطة ومؤقتة ،والا ما معنى أن يعقب قص حكايتها فعل المضاجعة الآمر الذي يحولها لمجرد نزوة ليس إلا ..ومن ثم فهي تشكل نموذج البطل الإشكالي .فضلا عن حملها لزلزال من التصدعات الداخلية .ومع دلك استطاعت أن تحافض على توازنها .إلى أن كافأها شهريار بحفل زواج فاخر ،بعد انتهاء الحكي وعلمه بإنجابها ثلاثة ذكور…
* جميع القرائن السردية مأخوذة عن مطبعة بولاق، القاهرة
* د. فريال عزول . البنية الدلالية في ألف ليلة وليلى. مجلة فصول ع 4الجزءالاولسنة1994ص82
* د. محمد رمصيص
سحر الحكاية وسلطة المعرفة في ألف ليلة وليلة