نقوس المهدي
كاتب
تمهيد:
أبدى الكاتب الغربي اهتماماً مميزاً بألف ليلة وليلة مدفوعاً بغريزة التطلع والرغبة في التحرر من قواعد العقلانية المتشددة، وخروجاً من طوق الكلاسيكية الخانق، حيث ما فتئ الشرق يُبهج ويُغري حتى وجد فيه الكاتب الأجنبي متعة للانفراج وفسحة للتأمل، ولم يعد ثمة خلاص غير الانفتاح على عيون الشرق حيث ترقد عوالم من السحر والجاذبية، وحيث لا مجال للعزلة، فاكتشاف الشرق كان مذهلاً لأنه غيّر تفكير الإنسان الأوروبي، وتجاوز الفكر العقلاني المتعالي إلى الوجدان العاطفي، وتعلّم الإنسان الغربي كيف يخاطب ذاته، ويستشف أعماقه بشاعرية خالصة.
أسهمت الترجمات الأوربية المختلفة لليالي العربية في توسّع استلهام هذا النص العالمي في أجناس مختلفة، وامتد هذا الاهتمام ليشمل فن الرواية بدرجة أكبر لأسباب تتعلق بخصائص الرواية ذاتها، ومن جهة أخرى لقدرتها على احتواء رؤية الشرق بكل تنوعاته العاطفية والخيالية، وقد ذهب البعض إلى القول إنّ كتاب ألف ليلة وليلة هو العباءة التي خرج منها فن الرواية بكل أساليبه وطرقه(1)، وقد تم التأثر انطلاقاً من النسج على منوال حكايات شهرزاد، حيث ظهرت سلسلة من الحكايات المقلدة للحكايات الشهرزادية، لما فيها من جو عجيب وأجواء أسطورية، والنسج على غرار الحكاية الإطار، ونسج حكايات تتصور مصير شهرزاد بعد انتهاء الليالي. وفي هذا السياق ينبغي أن نؤكد أن ترجمة «غالان» Galland خلّفت صدى قوياً في الأوساط الثقافية والفكرية والأديبة في فرنسا وخارجها، وأدّى تنوع الترجمة واختلاف مصادرها إلى ظهور نتاج أدبي غزير ومتنوع. وتجلت التأثيرات في ثلاثة أطوار: (المحاكاة والإبداع والتجاوز)، وقد أسهمت هذه المراحل الثلاث في تطور الفن الروائي من موضوعات خيالية وعاطفية إلى اجتماعية وأخلاقية إلى فنية، أو ما يمكن أن نصطلح عليه بـ«الرواية الجديدة».
وجد الروائيون في (ألف ليلة وليلة) توجّهاً جديداً في نظرة الإنسان إلى الكون وعلاقته بالوجود؛ فمغامرات السندباد، وقصة علي بابا وعلاء الدين، وقصص الملوك والبسطاء تكشف عن تجاوز الحرمان وكسر جدار الصمت، ولم تكن سلطة الكلام التي فرضتها شهرزاد تعبيراً مجانياً لكسر الوقت، بقدر ما كانت سلاحاً فطرياً لاحتواء الزمن، وبذلك كوّن الكتاب فكرة مغايرة عن الإبداع والفن، وبدا التمسك بالأشكال النمطية يتلاشى ليحل محله سهولة التعبير عن الذات ومن ثمة سهولة التواصل مع الآخر، وبدأت الكتابة الروائية في التخلي عن الطابع الخيالي شيئاً فشيئاً. وحاول بعض الكتاب تنويع شخصياتهم واستحضار شخصيات شرقية تواصل الليلة الثانية بعد الألف، ورحل الكتاب من أوربا إلى أرجاء المعمورة حاملاً معه رسالة إنسانية وجمالية.
1 ـ ألف ليلة في أمريكا اللاتينية:
تجاوز كتاب ألف ليلة وليلة حدود القارة الأوروبية ليُستقبل بحفاوة في العالم الجديد، وقد حظي بمكانة مميزة في الأدبين الشمالي والجنوبي. وصل الكتاب عن طريق الترجمات الإنجليزية والإسبانية، مع من رحل من المعجبين والمترجمين، وقد سهّل التواجد الإنجليزي والإسباني شيوع كتاب ألف ليلة وليلة. كما أسهم بعض المهاجرين العرب ـ خاصة من سوريا ولبنان ـ في نقل هذا السفر والتعريف به في العالم الجديد. وقد تأثر كتّاب أمريكا بهذا السفر العالمي، وقد أخذ التأثر منحنيين؛ الأول حاول فيه الأدباء النسج على منوال الحكايات الشهرزادية ـ من حيث الخصائص البنيوية والأسلوبية ـ أما المنحى الثاني فقد حاول فيه المبدعون تصوّر مصير شهرزاد بعد الليلة الواحدة بعد الألف. ولم يبق الاهتمام الروائي في الغرب حكراً على الرجال؛ بل ارتفعت بعض الأصوات الأنثوية تحاول السير على نهج شهرزاد المشرقية، ومن ثمة رسم صورة جديدة لهذه الأنثى بقلم أنثى.
كتب «إدغار ألان بو» Edgar Allan Poe (1809/1849) سنة 1845 قصته الليلة الثانية بعد الألف (The Thousand ـ and ـ Second Tale of Scheherazede) ، وأعاد صياغة القصة الإطار بطريقة ساخرة؛ فبعد العفو عن شهرزاد تتطوع في الليلة الثانية بعد الألف لتُتم حكاية رحلات السندباد التي كانت قد روتها لشهريار سابقاً، وقد أثريت هذه الحكاية بمغامرات وأحداث خارقة واكتشافات جديدة ، ولكن شهريار يبدي امتعاضاً وعدم الرضا بما ترويه، فيقرر القضاء عليها وتستسلم شهرزاد لمصيرها(1). وقد احتاج الكاتب الأمريكي إلى إطار قصصي تخرج منه شخصية غارقة في تكوينها الثقافي المغاير كشخصية شهريار الشرقي المنسجمة فقط مع أفقها الخرافي، ليعبر عن تقدم العصر وغرابة العلم وبالتالي عن شرق غارق في الغرائبية والخرافة، وغرب منفتح على التجارب والحقائق والمكتشفات العلمية، وعليه يمكن القول إنها بداية التحول في توظيف نص ألف ليلة وليلة وفي تعامل جديد مع شخصية شهرزاد، ومن ثمة في العلاقة بين الشرق والغرب، أي من الانبهار والانجذاب إلى الاستلاب وفقدان القدرة على الكلام والتبليغ، وهو نتيجة طبيعية آلت إليها شهرزاد بعد الانتهاء من سرد حكايات السندباد الجديدة. كما يعكس التوظيف أحياناً موقفاً من الموروث الشرقي يتسم بالاستخفاف وسوء الفهم. وهذا ما نلمحه في بعض العبارات غير المفهومة التي كان ينطق بها شهريار من حين لآخر على امتداد المتن القصصي. وقد يرجع في جانب آخر إلى الخصائص الجمالية التي تميزت بها الكتابة القصصية عند «بو».
واصل مارك توين: Mark Twain (1835/1910) أسلوب السخرية والاستخفاف في قصته الليلة الثانية بعد الألف من الليالي العربية التي كتبها سنة 1883 وهي حكاية هزلية تسخر من ألف ليلة وليلة وغرائبية أحداثها وأشخاصها، ويتصور فيها الكاتب مصير شهرزاد بعد انتهاء الليالي، حيث ترسل إلى الجلاد، لكنها تحتال ليستمع الملك إلى حكاية جديدة، وتمر الليالي ويظل الملك يستمع إلى حكاية بعد أخرى ليموت جلاد بعد آخر، ثم يموت شهريار وبعده أكثر من ألف ملك آخرين(2).
وتبرز المخيلة الشعبية الشرقية في روايته «هكلبري فن» التي كتبها سنة 1884 وقد قاده الاهتمام بالتراث الشعبي الأمريكي إلى الاهتمام بحكايات ألف ليلة وليلة، حيث يتجلى عالم شهرزاد الساحر كمزيج من العجائبية والواقعية، ويتجلى التأثر بالقصة الإطار في مقطع من روايته في خضم الحديث عن تاريخ الاستبداد، حيث يخبر البطل (هكبري) صديقه الزنجي (جيم) عن الملك هنري الذي يقتل زوجاته، ويتضح من خلال الاستلهام إبراز تسلط الحاكم هنري الثامن الذي لا يختلف عن شهريار؛ فتاريخ الاستبداد واحد وإن اختلف الإطار الزماني والمكاني. وقد مزج «توين» من خلال هذا العمل الروائي التاريخي بالخرافي للإيهام بواقعية الأحداث. وعلى الرغم من رحابة الرؤية لدى الكاتب إلا أننا نلمح احتفاظاً بالرؤية نفسها التي تجلت عند «بو»، أي منح الغرب القدرة على التميز والتطور، وسجن الشرق وراء قضبان الخيال والحر والعجائبية.
دشّنت (ألف ليلة وليلة) في أمريكا عصراً من المثاقفة وتوجت مرحلة من العطاء الفكري والفني جعل الأدباء يحاورون هذا التراث، ويرسمون من خلاله صور الشرق المختلفة، وإن أخذت الصور في البداية طابع السخرية والتهكم فلأنها تعبر عن قضايا العصر السياسية والاجتماعية، إذ سرعان ما تأخذ أبعاداً جديدة لدى الجيل الثاني من كتاب أمريكا.
وصلت ظلال ألف ليلة وليلة إلى أمريكا اللاتينية بوجهها الإنساني والجمالي من خلال منافذ كثيرة أبرزها الوجود الإسباني في الجزء الجنوبي من هذه القارة، ومختلف العلاقات الأدبية التي قامت بين القارتين ـ أوربا وأمريكا ـ انطلاقاً من الرحلة أو التجارة أو الحرب. ولعل أبرز شخصية تأثرت بنص ألف ليلة وليلة الشاعر خورخي لويس بورخيس ( Jorge Luis Borges ) (1899/1986) «وتجلى الأثر إبداعياً من خلال استلهام الليالي العربية في شعره، ونقدياً من خلال سلسلة من الدراسات حول كتاب ألف ليلة وليلة»(3).
كما حظيت شهرزاد بمكانة مميزة في روايات الكاتبة الشيلية إيزابيل أليندي Isabel Allende جمعت فيها بين عجائبية الليالي العربية وواقعية الكتابة؛ أي الجمع بين أحداث ووقائع غير مألوفة مع أخرى طبيعية ومغرقة في الواقعية، وتمكنت من خلق أنموذج أنثوي يحيل على شهرزاد أمريكا اللاتينية.
تتحول طاقة الحكي الشهرزادي عند الكاتب «دانيال مكسيمين» Daniel Maximin إلى منقذ – ليس من بطش شهريار كما في الليالي ـ من إعصار مسّ جنوب أمريكا اللاتينية في روايته (الجزيرة وليلة L'ile et une nuit )(4)، فطوال سبع ساعات يحكي السارد متخفياً خلف صورة الراوية شهرزاد، ويتمكّن من استجماع كل طاقات الحكاية في مواجهة الخوف، والذعر خلال المدة التي استغرقها الإعصار. وقسم الكاتب روايته إلى سبعة فصول واستغرق زمن الحكي سبع ساعات، واعتمد تقنيات جديدة مساعدة في حكيه وغاص في أساطير تكوين أمريكا اللاتينية. وعليه يمكن القول إن الرواية في أمريكا اللاتينية استفادت من نص ألف ليلة وليلة من حيث الموضوعات والأساليب والأبنية، وحققت من خلال التفاعل مع هذا النص تطوراً نوّعياً أهّل بعض كتابها إلى أن يتجاوز نتاجهم الروائي حدود قارتهم، وينتشر في كل القارات متجاوزاً الحدود اللغوية والجغرافية والسياسية ومحققاً بعداً عالمياً.
2 ـ ألف ليلة وليلة في إبداع «إزابيل أليندي»:
اختارت الكاتبة الشيلية «إزابيل أليندي»(5) (أسلوب الحكاية لتنسج على منوال شهرزاد الليالي العربية حكايات أخرى تقوم بروايتها بطلة روايتها «إيفا لينا» ( Eva Luna )، وقد عنونت روايتها بـ«حكايات إيفا لينا» ( Les Contes d'Eva Luna ). وتضم هذه الرواية ثلاثاً وعشرين حكاية مدبجة بحكاية إطار، ولا يمكن فهم الإطار العام الذي بُنيت عليه هذه الرواية إلا بالرجوع إلى الرواية السابقة ( Eva Luna ) التي تتناول حياة هذه البطلة في بلدتها الصغيرة «أكوا سانتا» ( Agua Santa )، حيث تلتقي بالتاجر «رياض الحلبي» يقدم لها كتاب ألف ليلة وليلة في أربع مجلدات كبيرة مغلفة بجلد أحمر، قرأت بطلة الرواية هذه المجلدات عدة مرات، ونشأت بينهما علاقة حميمية، وقد عبّرت عن ذلك صراحة: «لا أدري كم مرة قرأت هذه الحكايات...»(6) وتشعر بعد القراءة بحدس غريب، سيكون قدرها أن تحكي قصصاً تشبه قصص شهرزاد، وستتمكن من إحداث لقاء بين عالمين (عالم ألف ليلة وعالم أمريكا اللاتينية) لتكون شهرزاد أمريكا اللاتينية كما هو مدوّن في الغلاف الخارجي للرواية.(7) وفي الوقت نفسه تجمع بين هذه البطلة وبين الصحفي الألماني «رولف كارلي» ( Rolf Carlé ) القادم إلى بلدتها علاقة عشق مميزة. وتُواصل الكاتبة تفاصيل هذه العلاقة المميزة في رواية حكايات إيفا لونا؛ حيث يتحول الصحفي إلى شهريار والبطلة إيفا إلى شهرزاد، وتبدأ تفاصيل حكايات جديدة تشبه حكايات الليالي العربية، ولكن تحكيها شهرزاد أمريكا اللاتينية.
عالجت الكاتبة في هذه الرواية جملة من الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي والسياسي والنفسي، وحاولت من خلال استلهام جو الحكي الشهرزادي أن تتحدث عن آمال أمريكا اللاتينية وآلامها معتمدة كل تقنيات الحكي مازجة بين الجد والهزل والحزن والضحك والحنين والغضب.
وأوضحت في قصصها قيمة الكلام وقدرته على التغيير وإثبات الوجود ومواجهته العنف والموت، كما في القصة الأولى كلمتان ( Deux mots )؛ حيث تبيع بليسا ( Belesa ) الكلمات كي تعيش وهي في ذلك تلتقي مع شهرزاد في اعتماد الكلمة سلاحاً من أجل الاستمرار والبقاء، وإن اختلفت طبيعته ومصدره ووظيفته. وتتجلى ملامح شهريار في شخص دكتاتور يهدد النساء ويرفض وجودهن في القصة الثانية والعشرين القصر الخيالي ( Le palais Imaginaire )، وتتمكن المرأة في الأخير من كبح جماح هذا الدكتاتور المتغطرس. وتحيل الكاتبة عبر قصصها إلى قيمة الحبّ، وتقدم نماذج مميزة في العلاقات العاطفية كما في قصة ماريا البسيطة ( Maria la simple ). وتنفتح الرواية على موضوعات معاصرة مثل الكوارث الطبيعية ومواجهة الموت والإصرار على الحياة كما «في خلقنا من طين» ( De boue nous sommes faits ). وتعيد الراوية صياغة ثلاثة أسئلة جوهرية: (الكلمة، والأنثى، والحبّ) في مواجهة: (الصمت، والرجل، والعنف.)
3 ـ أثر الليالي في رواية حكايات إيفا لونا:
أعادت الكاتبة الشيلية إنتاج نص روائي جديد يستند إلى نص الليالي في بنيته الشكلية وبعض موضوعاته، ولكنه يختلف عنه في طريقة تقديمها وتنويع الحكايات والتركيز على البعد الواقعي للحكاية، وقد تمكنت الروائية من استخدام كل التقنيات في روايتها ويمكن أن نفصلها كما يلي:
1 ـ مستوى تجلي نص ألف ليلة وليلة: تتجلى العلاقة بين الرواية ونص ألف ليلة وليلة من خلال ما يلي:
أ/العنوان بين سلطة الحكاية والأنثى: اختارت الكاتبة عنواناً مميزاً حكايات إيفا لونا ( Les Contes d'Eva Luna ) يحرك في القارئ مخزون ذاكرته ويربطه بنص روائي سابق، فهو يتكون من شقين: حكايات واسم شخصية أنثوية «إيفا لونا»، وإن كان التجلي غير مباشر يتضح من خلال الشق الأول (الحكي)، ومن خلال إسناده في الشق الثاني إلى أنثى. وعليه فنحن أمام علاقة غير طبيعية تجمع بين هذا النص ونص الليالي العربية وسرعان ما يمحى الغموض عند قراءة تصدير الرواية وخاتمتها، حيث نجد إحالة مباشرة على نص الليالي العربية. وإذا عدنا إلى العناوين الفرعية التي اختارتها الكاتبة نجد تجلياً صريحاً لبعض الموتيفات التي تربط النص بالليالي منها: عنوان القصة الأولى ( Deux mots ) الذي يحيل مباشرة على قيمة الكلام وفاعليته، وعنوان القصة الخامسة «ذهب طوماس فاركا» ( L'or de Tomas Varga ) وفي القصة الثانية والعشرين ( Le palais Imaginaire )، وما يمكن ملاحظته بالنسبة إلى عناوين القصص أنها في مجموعها أسماء لأبطال القصص وهي في معظمها شخصيات أنثوية، وهي في مجموعها تحيل على هذه الموضوعات (الأنثى والكلمة والحب والرحلة).
ب/ بناء الرواية الفني: تتكون الرواية من قصة إطار، وتتوالى بعدها ثلاث وعشرون حكاية، وكل حكاية مستقلة بذاتها، ونجد في بعض الحالات علاقات بين الحكايات من خلال تدخل الراوية أو أحد الشخوص المرتبطة بها (الصحفي أو رياض الحلبي). وقد أطّرت الكاتبة حكاياتها بإحالة مباشرة على الليالي العربية في بنية الافتتاح والاختتام التي اقتطعتها من ألف ليلة وليلة.
أما القصة الإطار فهي قصة الراوية والصحفي، حيث تقدم في إطار حميمي يجمع بين الشخصيتين، ويتحول الصحفي إلى شهريار مطالباً بالحكاية، وتتحول البطلة إلى شهرزاد راوية حكايات جديدة لم يستمع إليها شهريار الجديد «احك قصة لم يسبق أن رويتها لأحد»(8). وتنتهي الحكاية الإطار في هذه الرواية بإمضاء «رولف كارلي»، لتبدأ حكايات إيفا في موضوعات مختلفة؛ حيث تتخفى الراوية وراء ضمير الغائب لتروي مجموعة من الحكايات الواقعية والعاطفية والخيالية، وتحاول أن تقوم بالوظيفة نفسها التي قامت بها شهرزاد؛ أي أن تشفي رولف من العنف الذي عرفه في حياته.
ويؤدي صوت إيفا وظيفتين فهو صوت يحكي من جهة ويهدئ رولف من جهة أخرى(9)، ويتضح ذلك جلياً في آخر قصة الأخيرة عندما تتدخل الراوية وتتمنى أن يستفيد رولف من هذه الرحلة ويشفى من كل جراحه القديمة، وهي في هذا تلتقي مع شهرزاد في علاجها لشهريار من خلال سحر الحكاية، ويتضح مسعى لينا جلياً في آخر حكاية «وأنا بجانبك، أنتظر أن تتم هذه الرحلة في أعماقك أنت، وأن تُشفى من جراحك القديمة. وفي اليوم الذي تتمكن فيه من تجاوز كل الكوابيس، نستطيع من جديد أن نمشي معاً يداً بيد، كما كنا في السابق.»(10).
هناك علاقة بين النص الأصلي والنص الجديد في بناء الحكايات وتناسلها والتداخل بين الساردة وبين أبطال الحكايات فكما تتماهى شخصية شهرزاد مع بعض الشخصيات الأنثوية في حكاياتها تتماهى إيفا مع بعض بطلاتها كما في قصة (ماريا البسيطة ) و(كلاريسا). وقد استفادت الكاتبة من مرونة الشكل الروائي وبنت روايتها على نسق الليالي العربية، وكما استفادت من جو الحكي الشهرزادي وموضوعاته وبدا سحر الشرق واضحا في حكيها، لذا فمن الناحية الفنية يجد القارئ نفسه أمام حكايات تشبه حكايات الليالي وراوية تشبه راوية الليالي.
ج/ التناص: دبجت الكاتبة الرواية بمقطعين من الليالي العربية يمكن أن نصطلح على تسميتهما ببنية الافتتاح والاختتام؛ حيث تضع هذه البنية القارئ مباشرة بين ألف ليلة وليلة، فبنية الافتتاح توضح حال شهريار «وهو ماض في انتقامه الدموي وقد أتى على كل نساء المملكة، وهنا تتقدم ابنة الوزير شهرزاد لتنقذ المملكة، فينبغي أن نستمع إليها»(11)، أما بنية الاختتام فقد اختارت الكاتبة اللازمة التي تكررت في نهاية كل ليلة لتنهي بها روايتها: «وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.(12)» وقد مهّدت البنية الأولى ـ شكلا ومضمونا ـ لفعل الحكي من خلال رواية مجموعة من الحكايات، كما أوصلت البنية الأخيرة فعل الحكي إلى نهايته.
تتجلى التفاعلات النصية بين الليالي والرواية من خلال تواتر بعض موضوعات مثل: (المغامرة والرحلة والمرأة) التي ترددت في الليالي، وأعادت الراوية حكيها في الرواية، وفي بعض العناوين الفرعية للقصص: مثل القصر الخيالي وفي حضور بعض الشخصيات الشرقية مثل: رياض الحلبي الذي كان له فضل في إهدائها كتاب ألف ليلة وليلة كما سبق ذكره، أو شخصية الهندي «والماي» في قصة( Walimaï ). وقد استلهمت الكاتبة الروح الشرقية من خلال ذكر أماكن تنفتح على السحر والجاذبية كبغداد في قصة( Haute considération )، أو من خلال استعمال ملفوظات تحيل مباشرة عليه من مثل:(كنز السلطان)، و(القصر الخيالي)، و(الجارية)...إلخ.
ويمكن أن نوضح العلاقة بين نص ألف ليلة وليلة وحكايات إيفا لونا كما يلي:
النص
ألف ليلة وليلة
حكايات إيفا لونا
الثابت
القصة الإطار – الحكايات – الراوي والمروي له.
موضوعات الحكي: الحب والمغامرة والرحلة...
القصة الإطار – الحكايات –
الراوي والمروي له ـ الليل.
موضوعات الحكي: الحب والمغامرة والرحلة...
المتغير
القصة الإطار ثلاثية.وتظهر شهرزاد كمخلصة.
عدد الحكايات كثير ومتنوع تنتهي بالعفو عن الراوية.
ثنائية ، في مكان حميمي وشاعري يجمع بين البطلة والصحفي.
إيفا لونا فتاة بسيطة من العوام.
عدد الحكايات محدد (23).
النهاية مفتوحة.
يتضح مما سبق ذكره أن هناك تجلياً مباشراً لنص ألف ليلة من حيث مشابهة النص في مادة الحكي وتقنية توالده، واختلافاً من حيث أوضاعه وبعض موضوعاته وأبعاده. ويتضح مما سبق ذكره:
1 ـ التشابه الحاصل في البناء العام للنصين، وبين حكاية وأخرى سواء أكان سطحياً أم عميقاً.
2 ـ تكرار بعض الموضوعات والموتيفات في أغلب الحكايات في النصين، واعتماد تقنية الاستطراد داخل الحكاية.
3 ـ اختلاف في حال الراويتين وكثافة الحكي ونهايته، وهذا ما يجعل النص الأول أصلاً والنص الثاني فرعاً.
2 ـ مستوى التفاعل وتطويع نص ألف ليلة وليلة: استطاعت الروائية أن تخضع النص الرحم لمختلف أنواع التفاعل والمطاوعة، وقد أنتجت هذه المطاوعة نصاً روائياً جديداً انبنى على هيمنة موضوعات ثلاثة هي الكلمة والأنثى والرحلة، وقد عمدت الكاتبة إلى ثلاث تقنيات هي «التشابه والاختلاف والمفارقة»، ومن خلالها قدّمت نمطاً جديداً من الحكايات، ويمكن أن نوضح ذلك كما يلي:
أ/ بنية التشابه: الأنثى/ الكلمة: تبرز بنية التشابه بين الشخصيات والموضوعات الحكي، فنحن أمام راوية ومستمع كما في الليالي العربية، وتتكرر الموضوعات نفسها: قصص الحب والمغامرة والرحلة. وإذا كان الحبّ محور الليالي وموضوعها الأثير فإنه كذلك في هذه الرواية فلا تكاد تخلو قصة من موضوع الحب والمرأة. وتقدم الراوية نماذجها الأنثوية في جرأة ودون انحياز لجنس مثلها في ذلك مثل شهرزاد.
وإذا تأملنا النصين نجد تماثلاً على مستوى الجمع بين موضوعين رئيسين هما (الأنثى والكلمة)، سواء أتعلق الأمر بحكايات شهرزاد أم بحكايات إيفا. وفي عرضنا لكيفية صياغة هذين الموضوعين سوف نستفيد من التقنيات التي درست من خلالها الباحثة «فريال غزول»(13) بنية الحكاية الإطار يتعلق الأمر بـ«الشفرة الشبقية والبلاغية»، ونستثني الشفرة العددية لعدم بروزها في النص الروائي:
1 ـ الشفرة الشبقية: وهي سلسلة الصور المرتبطة بالمجال الجنسي في بعده البيولوجي والاجتماعي والنفسي. وتتضح في القصة الإطار لهذه الرواية؛ حيث تنفتح على مشهد حميمي جمع بين (لونا ورولف)، وتتواصل مشاهد الحب والإثارة مع تناسل بقية الحكايات، ولعل أوضح الأمثلة على ذلك قصة المراهقة الصغيرة ( La petite Perverse ) وزوجة القاضي ( La Femme du Juge )، و(القصر الخيالي)؛ حيث تقدم الأنثى مقدمة فاعل وكقادر، وهناك تشابه بين أنماط العلاقات العاطفية بين الجنسين في الرواية ونص ألف ليلة وليلة ويمكن أن نختصرها في نمطين الأول يبدو غير طبيعي ولا يحقق الانسجام والثاني طبيعي ويحقق الانسجام.
ـ العلاقة الشاذة وغير المتكافئة ونجد فيها إما (حب ـ جنس) أو (جنس ـ حب).
ـ العلاقة الطبيعية المتكافئة ونجد فيها (حب / جنس) أو(جنس / حب).
وقد نتج عن هذا كذلك تشابه في تناول موضوع الخيانة وإعادة للقصة الإطار في حكاية الدكتاتور المحسن في قصره الخيالي، كان مثل شهريار يكره النساء و«يعتبر الحب أخطر ضعف، وكان يعتبر كل النساء ـ عدا أمه ـ منحرفات بالطبيعة؛ لذا ينبغي أن نكـون حذرين وأن نبتعد عنهن»(14). لم يعرف في حياته امرأة إلى أن قدمت ( Marcia Lieberman ) غيّرت حياته ولكنه مع ذلك بقي حذراً محترساً، فذات ليلة استيقظ مذعوراً، وانتابه شعور غريب وأحس أنه قد يتعرض هو الآخر للخيانة فتوجه مسرعاً نحو غرفتها: «نهض من فراشه مذعوراً وقلبه يخفق بشدة، لكنه وجدها نائمة في السرير، جارية بيضاء شعرها الطويل يغطي وجهها.»(15).
تُقدم الكاتبة علاقات جديدة في سياق مختلف لا يوحي بالتذمر وإنما ينسجم مع الظروف الجديدة، حيث تتجاوز فكرة الخيانة والإغواء والعقدة والانتقام وتعوضها بموضوعات جديدة هي الحب في مواجهة الظلم والمنفى والموت كما في قصة( L'oubli au plus profond de l'oubli ) «فالظلم واللامساواة والعنف لا يمنعان من خلق قيم عميقة ومميزة بين اثنين يستطيعان النضال وتغيير العالم.»(16). وقد يتجاوز الحب الفوارق الاجتماعية كما في قصة هدية لأعز حبيبة ( Cadeau pour une bien ـ aimée ). وعليه يتضح أن هناك علاقات بين موضوع الحب في الليالي العربية وفي حكايات أليندي وهو أمر طبيعي لأن ما يحكم هذه العلاقة هو جملة من الركائز البيولوجية والنفسية والاجتماعية وهي تكاد تتشابه في كل زمان ومكان. وعموما فإن الشفرة الشبقية كما قدمت في النص تؤدي وظيفة اللذة أو العلاج أو التغيير. ومن هذا المنطلق برز نوعان من الحكايات : الحب الجسدي حيث يكون فيه الطرفان ضحية وضع اجتماعي أو مرض نفسي، والحب العفيف حيث يكون بديلاً للقهر والعنف والمنفى، وقد أبانت الكاتبة من خلال هذه الشفرة على أن الأزمة الحقيقية هي أزمة حب لا جنس في المجتمع؛ أي نقص في التواصل، وجميع أشكال الحب لا تبرز القهر المفروض على الأنثى فحسب بل هو قاسم مشترك بين الطرفين سواء أكان جنسياً أم اجتماعياً أو سياسياً.
2 ـ الشفرة البلاغية: يحرص فعل الحكي على توضيح كيف تستطيع الحكاية أن تغير الحياة، ففي الليالي استطاعت الحكاية أن تغير سلوك شهريار، لقد تحول المتخيل إلى كلمات وهي بدورها إلى علامات للوجود. و تجد ألف ليلة وليلة بين الكلام والحياة مساحة سحرية، فالمدة أو الكلمة، والحياة والموت هي عبارات لحقيقة واحدة هي الوجود(17). ويتردد الأمر نفسه في الرواية حيث تحرص الكاتبة على الجمع بين الكلمة والحياة من خلال التركيز على الراهن أي القصص الواقعي، وإبراز صورة المرأة اللاتينية في جرأتها وعلاقاتها واستخدام آليات القص باعتباره يقدم لقمة أو معرفة أو حرية.
وتتضح سلطة الكلمة في القصة الإطار عندما يتوجه رولف إلى الراوية بهذه العبارات: «إنك تفكرين بالكلمات، هي بالنسبة إليك خيط غير متناه، تنسجينه كما لو أن الحياة تنسج من خلال الحكاية»(18). وتحرص الراوية على تأكيد فاعلية الكلمة وسلطتها عندما تشرع في سرد حكايتها لرولف، فهذه بليسا في القصة الأولى تبيع الحكايات من أجل أن تعيش، وقد استطاعت من خلال امتلاكها سحر الكلام تغيير وضعيتها الاجتماعية، وتقع في قصة ( Tosca ) موريزيا ( Maurizia ) أسيرة كلمات عاشقها وتترك زوجها وابنها. ويؤكد (والماي) في السياق نفسه أن: «الكلام والإشارة هما وسيلتا التفكير بالنسبة إلى الإنسان. ينبغي أن نحافظ على الكلام حتى وإن كان بلا جدوى، هذا ما علمته لأبنائي، حتى وإن كانت نصائحي لا تسمع دائماً»(19)، وعليه فإن الكلام يحقق الوجود بينما يحل الصمت على الموت، ويدرك قارئ حكايات لونا تلازماً بين الحياة والكلام والصمت والموت، فيمكن القول: «إن الكلام بالنسبة إلى الصمت كالحياة بالنسبة إلى الموت. ويصبح استمرار الحياة كفاحاً لا ينقطع ضد الصمت. فالحياة تؤسس على قمع غريزة الموت، كما أن الكلام يؤسس على قمع الصمت»(20). وقد تمكنت شهرزاد من تحويل شهريار عن طريق الكلام المباح وحاولت «لونا» من خلال سلسلة الحكايات أن تحذو حذوها.
ب/ بنية الاختلاف (شهرزاد/إيفا لونا): تمكنت الكاتبة من أن تطوّع الشخصية الأنثوية شهرزاد وأن تقدمها في صورة جديدة تختلف تماماً عن تلك الصورة التي تشع في الليالي العربية، وبدا الاختلاف واضحاً عندما أسندت الحكي إلى شخصية أمريكية (لونا) بطلة روايتها السابقة وحاولت أن تكسبها بعض خصائص الأميرة الشرقية، كالقدرة على الحكي والثقة بالنفس، ونستطيع القول إنها أرادت من خلال النموذج الشرقي أن ترسم صورة شهرزاد أمريكا اللاتينية، ويتضح من خلال ما سبق ذكره اختلاف جوهري بين الشخصيتين، ويمكن أن نوضحه كما يلي:
شهرزاد
إيفا لونا
ـ ابنة وزير أي تنتمي إلى طبقة راقية.
ـ تعيش في قصر.
ـ قرأت كتب التاريخ والأمم.
ـ تحكي لتنقذ بنات جنسها.
ـ تحكي لسلطان (شهريار).
ـ تحكي تحت تهديد.
ـ تحكي عدداً كبيراً من الحكايات.
ـ تنتهي الحكاية بالعفو.
ـ شخصية روائية من عائلة بسيطة.
ـ تعيش في قرية.
ـ قرأت كتاب ألف ليلة وليلة.
ـ تحكي لتستميل عشيقها (رولف).
ـ تحكي لرجل عادي (صحفي).
ـ تحكي دون تهديد.
ـ تحكي عدداً محدداً من الحكايات (23).
ـ نهاية الحكاية منفتحة.
يبدو أن هناك اختلافاً كبيراً بين الشخصيتين إلا أن الاستدعاء يقع في ظل ظروف جديدة اجتماعية وسياسية تميز هذا الجزء من القارة الأمريكية، ولا شك أن اختيار شهريار مختلف ينتمي إلى طبقة عادية ويمارس الصحافة سهّل مهمة نقل الواقع وتصويره، فإذا كانت شهرزاد ترصد الوقائع من برج شهريار العاجي فإن لونا ترصده من خلال معاينة مباشرة.
حرصت الكاتبة الشيلية في استلهام جو شهرزاد على الإقرار بأهمية الكلمة والأنثى على حدّ السواء في رسم معالم التغيير، حتى وإن كانت شهرزاد تنتمي إلى طبقة راقية. إلا أن ما يجمع بين البطلتين هو نضال في مواجهة شبح القهر بكل مستوياته.
ج/ بنية المفارقة: الكتابة السحرية الجديدة: تمكنت الكاتبة التشيلية من إحداث مطاوعة واسعة في اتكائها على نص الليالي، ويتضح ذلك في محاولة تقديم تجربة في الكتابة الروائية النسوية تحاول أن تجمع بين التراث الإنساني والراهن في نوع من الواقعية تشيع في أدب هذه المنطقة هي الواقعية السحرية، وتؤكد الروائية من خلال بطلتها على قدرة الحكاية على تغيير الواقع إذا كانت صادقة ومتميزة وكانت مصدراً للمعرفة بالذات والجماعة، إذ يتحول الواقع إلى حكاية ثم تعود الحكاية لتغير الواقع، فسؤال الكلمة الذي طرحته الكاتبة هو في حقيقة الأمر سؤال الكتابة، ومن خلال هذا السؤال تتضح المفارقة بين النصين والشخصيتين، إذ تحاول الكاتبة من خلال بيئتها (الجغرافية والاجتماعية والسياسية) أن تقدم نموذجاً في الكتابة يبدو من عنوانه أنه قديم، ولكن عندما نقرأ الحكايات نحس بسحر الكتابة الواقعية، وتماهيها مع فنون كثيرة.
3 ـ مستوى إشعاع النص الجديد (حكايات إيفا لونا):حاولت الكاتبة الشيلية من خلال اتكائها على ثلاثية (الأنثى، والحكاية، والحب) أن تعالج من منفاها جملة من القضايا الاجتماعية والسياسية التي ترتبط بأمريكا اللاتينية بوجه عام وببلدها على وجه الخصوص، وقد ارتبط الحكي في هذه الرواية بالواقع من خلال مؤشرات مباشرة ومكثفة، وعموماً يمكن أن نلخص أهم الأبعاد التي سعت أليندي لإبرازها في ما يلي:
أ/ البعد الاجتماعي: ويتضح من خلال التركيز على الصور المتكررة للفقر والبؤس، حيث تدخلنا الكاتبة الجغرافية المميزة لهؤلاء وسمتها الأساسية هي (الفقر/المرض/الفقر)، وتعد القرية نقطة استقطاب تجتمع فيها نساء بائسات، ويرتبط التوظيف بمجموعة من القيم الاجتماعية تدعّهما تراتبية العلاقات، فهناك اختلال في هذه العلاقات؛ فئة قليلة تملك وأخرى تتعرض للموت، وهذا ما يعبر عن غياب القيم واضمحلالها وإدانة تاريخية للمادية.
صوّرت من جانب آخر كيف يتم تجاوز الطبقية من خلال قصة حب جمعت بين طبقتين مختلفتين كما في قصة (هدية لأعز حبيبة)، وأبرزت أن الكلمة يمكن أن تقرب بين طبقتين كما في القصة الأولى (كلمتان)، حيث يتمكن الجنرال من شراء كلمات «بليسا» وتحقيق الانتصار السياسي. وعليه يمكن القول إن إضاءة الجوانب الاجتماعية كان من خلال التركيز على فاعلية ثلاث عناصر هي: (المرأة، والكلمة، والحب).
ب/ البعد السياسي: تنفتح الحكايات على موضوعات سياسية هامة كالدكتاتورية والمنفى والحرب الأهلية، وتدين الكاتبة من خلال الحكايات الدكتاتورية باعتبارها استبداداً وقهراً، وقد نتج عنها نفي الكثير من النشطين خارج الوطن، وتحيل الكاتبة إلى مرحلة تاريخية صعبة عاشها الشيلي في عهد «بينوشي» وأذياله ففي قصة (النسيان في أعمق أعماقه) تزيل اللثام عن ممارسات فاضحة ضد الرجل والمرأة على حدّ السواء؛ فقد أشارت الراوية إلى آثار التعذيب الكهربائي على جسد ( Ana ). وأوضحت من خلال كلماتها أن الخوف والذعر أعظم من اللذة ومن الحب وأعظم حتى من الوفاء(21) ولا تجد الكاتبة لهذا العنف علاجاً سوى المرأة، ويتضح ذلك في قصة (القصر الخيالي) إذ يتحول الدكتاتور إلى رجل وديع، وتظهر هذه الأخيرة كمتنفس وكأفق سياسي يصبح حقيقة في نهاية الرواية ومع ذلك يبقى خطاب العدالة هو خطاب اللذة. ويبقى الإطار العام الذي تقدمه سلسلة الحكايات هو عالم سمته العنف ومؤسسات سمتها الفوضى وشخصيات أنثوية تلتقي مع الراوية، وتتقاسم الحدود الزمانية والمكانية نفسها(22) وعليه يمكن القول إنه لا تجاوز للدكتاتورية والمنفى سوى بالمرأة والكلمة لأنهما يحققان الحرية بكل مستوياتها.
ج/ البعد الجمالي: طرحت الروائية جمالية الكلمة وقدرتها على تغيير الأوضاع والظروف، وقد انطلقت منها في ديباجة القصة الإطار وفي مضامين بعض القصص الفرعية التي تضمنتها الرواية (كلمتان / والماي)، وهي بذلك تنبه إلى قيمة الحكي الأنثوي وفاعليته وضرورة تواصله واستمراره من خلال الفعل الروائي، ومن هذا المنطلق فهي تتفق مع ابن الشيخ في أن الوظيفة الأساسية لشهرزاد هي حماية الكلمة، فهي تواجه الموت ليس لإنقاذ نفسها من براثنه، ولكن لكي تحافظ على لذة الكلام(23).
وسعت الكاتبة على امتداد المتن السردي أن تقيم نوعاً من المعادلة بين الحياة والكلمة، وبين الإنسان والكلمة، وركّزت على خصوصية الكلام باعتباره نتاجاً فردياً تتجلى من خلاله خصوصية الفرد. وأبرزت في سياق آخر جمالية الكتابة وسحرها كما في مفتتح قصة «الحياة التي لا تنتهي» La Vie qui n’en finit pas ، ففي كل حكاية هناك حكاية أخرى تنمو في الوقت نفسه عندما تقوم بسردها، لتبقى حبيسة إلى حين(24).
وعليه يمكن القول إن عنوان الرواية وبناءها يوحيان بارتباط حميمي بآليات الحكي. ولكن الكاتبة حاولت أن تمزج بين سحر الحكاية كما تجلت عند الإنسان منذ الأزل وبين واقعية الحدث، لتشكل في نهاية المطاف ما يمكن أن نسميه الواقعية السحرية. ومما سبق يمكن أن نسجل هذه الملاحظات:
1 ـ تمّ توظيف البنية العامة لألف ليلة وليلة، ولم تقف الروائية عند التقليد؛ بل أجرت تغيرات عليها بهدف خلق حكايات جديدة من أمركا اللاتينية لا تنسخ الأصلية وإنما تتواصل معها.
2 ـ الاستعانة بالحكاية لتصوير الواقع، ورصد معاناة الفقراء والمقهورين في كل زمان ومكان، والتعبير عن الراهن من خلال العودة إلى الماضي وتضمين الحكاية للإيهام بواقعية الأحداث.
3 ـ ثمة علاقة حميمية بين المرأة والكلمة والحب لأنهم ينشدون التواصل، فما يجمع بين هذه الثلاثية الجمال والتجاوز والتواصل بغض النظر عن طبيعة هذه الثوابت بالنسبة إلى المرأة أو الكلمة أو الحبّ.
4 ـ نحن أمام أنموذج جديد يمكن أن نسميه «شهرزاد أمريكا اللاتينية» أو شهرزاد الواقعية السحرية.
خاتمة:
حظي نص الليالي باهتمام مميز في الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية، ويعبر التفاعل مع هذا النص عن استيعاب حقيقي لرسالته الإنسانية الممتدة زماناً ومكاناً، ويعبر في سياق آخر عن خطاب مضمر يعكس ظروفاً متمايزة عاشتها شخصيات الليالي على المستوى المتخيل، وعاشتها الجماهير في هذا القطر من المعمورة.
يتضح مما سبق تناوله أن إيزابيل أليندي حاولت أن تقدم أنموذجاً شهرزادياً جديداً يعبر عن آمال هذا الجزء من القارة (أمريكا اللاتينية) وآلامها ، وقد أوضحت الكاتبة من خلال الاستلهام أهمية المرأة والكلمة في تغيير الأوضاع، وحاولت الروائية الجمع بين الشرق والغرب ـ في أمريكا اللاتينية ـ من خلال الروح الشرقية التي تسري في الرواية موضوعاً وشكلاً.
الهوامش:
1 ـ Edgar Allan Poe: The Thousand ـ and ـ Second Tale of Scheherazade, Supplied by the British Librairy ـ «The world's knowledge» www.bl.uk.p, 241.
2 ـ مصطفى عبد الغني: شهرزاد في الفكر العربي الحديث، ص128.
3 ـ خصّ «بورخيس» موضوع ألف ليلة وليلة بنصين نقديين مهمين، تناول في الأول مترجمي ألف ليلة وليلة، أما الثاني فهو سلسلة من المحاضرات ألقاها في مدينة مكسيكو، ثم جمعت في كتابه: (سبع ليال)، ويظهر التأثر جلياً في قصيدته: (استعارات ألف ليلة وليلة). انظر: يوسف ديشي: استعارات ألف ليلة وليلة لبورخيس ومسألة الليلة 602 أربعة مفاتيح وثلاثة تعليقات، مجلة فصول، مجلد 13 ، ع1،ج2، السنة1994 ص 323 و336. وأنظر:
Ahmed Ararou:Borges:Une Légende Arabe, Mille et une nuits du mythe au texte,P 299/311.
4 ـ أنظر الغلاف الخارجي للرواية : ( (Daniel Maximin:L'ile et une nuit , Points seuil, 2002
5 ـ إيزابيل أليندي: كاتبة من كتاب أمريكا اللاتينية، ولدت بـ«التشيلي» سنة 1942م، غادرت البلاد بعد الانقلاب العسكري الذي قام به «بينوشي» سنة 1973م. تعيش حالياً في سان فرانسيسكو. قامت بمحاولات تجديدية في الكتابة الروائية (الرواية الأمريكية اللاتينية). حصلت على جوائز عالمية منها: الجائزة الكبرى لرواية المنفى سنة1984م. وللكاتبة عدد من الروايات منها: ( La Maison aux esprits )، و( d'amour et d'ombre )، و( Eva Luna )، و( Le plan infini ).
6 ـ Isabel Allende: Eva Luna,éd Fayard,1988,p211.
7 ـ أنظر الغلاف الخارجي للرواية ( Les Contes d'Eva Luna )
8 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna, Traduit de l’Espagnol par Carmen et Claude Durand, Fayard,1991, p 11.
9 ـ Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits, Les Mille et une nuits et L’Imaginaire du xxe siècle, p174.
10 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p346.
11 ـ انظر بنية الافتتاح في الرواية؛ حيث تتموقع بعد الإهداء مباشرة وقبل الحكاية الإطار في هذه الرواية.
12 ـ تقع بنية الاختتام في نهاية الرواية أي بعد القصة الأخيرة من الطين خلقنا ( De boue nous sommes faits ).
13 ـ قدّمت الباحثة دراسة مميزة لليالي العربية باعتماد الأنموذج البنوي في دراستها الموسومة بـ:
ـ The Arabian nights: A structural Analysis, Cairo associated institution for the study and presentation of Arab cultural values, Cairo,1980,p 55/62. .
وقدمت جزءاً من هذه الدراسة لمجلة فصول في عددها المخصص لألف ليلة وليلة: أنظر: فريال جبوري غزول، البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، ج1، المجلد12، ع4، شتاء 1994، ص76/97.
14 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p313.
15 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p313.
16- Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits,p186
17- Jamel Eddine Bencheikh: Les Mille et une nuits ou La parole prisonnière, p16.
18- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p9/10.
19- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p135.
20 ـ فريال غزول: البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، ص91.
21- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p180.
22- Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits,p197.
23- Jamel Eddine Bencheikh: Les Mille et une nuits ou La parole prisonnière, p16.
24- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p 243.
[SIZE=6]
* د. نظيرة الكنـــــز
ألف ليلة وليلة في أمريكا اللاتينية «حكايات إيفا لونا» Les Contes d'Eva Luna «لإيزابيل أليندي» Isabel Allende انموذجا [/SIZE]
أبدى الكاتب الغربي اهتماماً مميزاً بألف ليلة وليلة مدفوعاً بغريزة التطلع والرغبة في التحرر من قواعد العقلانية المتشددة، وخروجاً من طوق الكلاسيكية الخانق، حيث ما فتئ الشرق يُبهج ويُغري حتى وجد فيه الكاتب الأجنبي متعة للانفراج وفسحة للتأمل، ولم يعد ثمة خلاص غير الانفتاح على عيون الشرق حيث ترقد عوالم من السحر والجاذبية، وحيث لا مجال للعزلة، فاكتشاف الشرق كان مذهلاً لأنه غيّر تفكير الإنسان الأوروبي، وتجاوز الفكر العقلاني المتعالي إلى الوجدان العاطفي، وتعلّم الإنسان الغربي كيف يخاطب ذاته، ويستشف أعماقه بشاعرية خالصة.
أسهمت الترجمات الأوربية المختلفة لليالي العربية في توسّع استلهام هذا النص العالمي في أجناس مختلفة، وامتد هذا الاهتمام ليشمل فن الرواية بدرجة أكبر لأسباب تتعلق بخصائص الرواية ذاتها، ومن جهة أخرى لقدرتها على احتواء رؤية الشرق بكل تنوعاته العاطفية والخيالية، وقد ذهب البعض إلى القول إنّ كتاب ألف ليلة وليلة هو العباءة التي خرج منها فن الرواية بكل أساليبه وطرقه(1)، وقد تم التأثر انطلاقاً من النسج على منوال حكايات شهرزاد، حيث ظهرت سلسلة من الحكايات المقلدة للحكايات الشهرزادية، لما فيها من جو عجيب وأجواء أسطورية، والنسج على غرار الحكاية الإطار، ونسج حكايات تتصور مصير شهرزاد بعد انتهاء الليالي. وفي هذا السياق ينبغي أن نؤكد أن ترجمة «غالان» Galland خلّفت صدى قوياً في الأوساط الثقافية والفكرية والأديبة في فرنسا وخارجها، وأدّى تنوع الترجمة واختلاف مصادرها إلى ظهور نتاج أدبي غزير ومتنوع. وتجلت التأثيرات في ثلاثة أطوار: (المحاكاة والإبداع والتجاوز)، وقد أسهمت هذه المراحل الثلاث في تطور الفن الروائي من موضوعات خيالية وعاطفية إلى اجتماعية وأخلاقية إلى فنية، أو ما يمكن أن نصطلح عليه بـ«الرواية الجديدة».
وجد الروائيون في (ألف ليلة وليلة) توجّهاً جديداً في نظرة الإنسان إلى الكون وعلاقته بالوجود؛ فمغامرات السندباد، وقصة علي بابا وعلاء الدين، وقصص الملوك والبسطاء تكشف عن تجاوز الحرمان وكسر جدار الصمت، ولم تكن سلطة الكلام التي فرضتها شهرزاد تعبيراً مجانياً لكسر الوقت، بقدر ما كانت سلاحاً فطرياً لاحتواء الزمن، وبذلك كوّن الكتاب فكرة مغايرة عن الإبداع والفن، وبدا التمسك بالأشكال النمطية يتلاشى ليحل محله سهولة التعبير عن الذات ومن ثمة سهولة التواصل مع الآخر، وبدأت الكتابة الروائية في التخلي عن الطابع الخيالي شيئاً فشيئاً. وحاول بعض الكتاب تنويع شخصياتهم واستحضار شخصيات شرقية تواصل الليلة الثانية بعد الألف، ورحل الكتاب من أوربا إلى أرجاء المعمورة حاملاً معه رسالة إنسانية وجمالية.
1 ـ ألف ليلة في أمريكا اللاتينية:
تجاوز كتاب ألف ليلة وليلة حدود القارة الأوروبية ليُستقبل بحفاوة في العالم الجديد، وقد حظي بمكانة مميزة في الأدبين الشمالي والجنوبي. وصل الكتاب عن طريق الترجمات الإنجليزية والإسبانية، مع من رحل من المعجبين والمترجمين، وقد سهّل التواجد الإنجليزي والإسباني شيوع كتاب ألف ليلة وليلة. كما أسهم بعض المهاجرين العرب ـ خاصة من سوريا ولبنان ـ في نقل هذا السفر والتعريف به في العالم الجديد. وقد تأثر كتّاب أمريكا بهذا السفر العالمي، وقد أخذ التأثر منحنيين؛ الأول حاول فيه الأدباء النسج على منوال الحكايات الشهرزادية ـ من حيث الخصائص البنيوية والأسلوبية ـ أما المنحى الثاني فقد حاول فيه المبدعون تصوّر مصير شهرزاد بعد الليلة الواحدة بعد الألف. ولم يبق الاهتمام الروائي في الغرب حكراً على الرجال؛ بل ارتفعت بعض الأصوات الأنثوية تحاول السير على نهج شهرزاد المشرقية، ومن ثمة رسم صورة جديدة لهذه الأنثى بقلم أنثى.
كتب «إدغار ألان بو» Edgar Allan Poe (1809/1849) سنة 1845 قصته الليلة الثانية بعد الألف (The Thousand ـ and ـ Second Tale of Scheherazede) ، وأعاد صياغة القصة الإطار بطريقة ساخرة؛ فبعد العفو عن شهرزاد تتطوع في الليلة الثانية بعد الألف لتُتم حكاية رحلات السندباد التي كانت قد روتها لشهريار سابقاً، وقد أثريت هذه الحكاية بمغامرات وأحداث خارقة واكتشافات جديدة ، ولكن شهريار يبدي امتعاضاً وعدم الرضا بما ترويه، فيقرر القضاء عليها وتستسلم شهرزاد لمصيرها(1). وقد احتاج الكاتب الأمريكي إلى إطار قصصي تخرج منه شخصية غارقة في تكوينها الثقافي المغاير كشخصية شهريار الشرقي المنسجمة فقط مع أفقها الخرافي، ليعبر عن تقدم العصر وغرابة العلم وبالتالي عن شرق غارق في الغرائبية والخرافة، وغرب منفتح على التجارب والحقائق والمكتشفات العلمية، وعليه يمكن القول إنها بداية التحول في توظيف نص ألف ليلة وليلة وفي تعامل جديد مع شخصية شهرزاد، ومن ثمة في العلاقة بين الشرق والغرب، أي من الانبهار والانجذاب إلى الاستلاب وفقدان القدرة على الكلام والتبليغ، وهو نتيجة طبيعية آلت إليها شهرزاد بعد الانتهاء من سرد حكايات السندباد الجديدة. كما يعكس التوظيف أحياناً موقفاً من الموروث الشرقي يتسم بالاستخفاف وسوء الفهم. وهذا ما نلمحه في بعض العبارات غير المفهومة التي كان ينطق بها شهريار من حين لآخر على امتداد المتن القصصي. وقد يرجع في جانب آخر إلى الخصائص الجمالية التي تميزت بها الكتابة القصصية عند «بو».
واصل مارك توين: Mark Twain (1835/1910) أسلوب السخرية والاستخفاف في قصته الليلة الثانية بعد الألف من الليالي العربية التي كتبها سنة 1883 وهي حكاية هزلية تسخر من ألف ليلة وليلة وغرائبية أحداثها وأشخاصها، ويتصور فيها الكاتب مصير شهرزاد بعد انتهاء الليالي، حيث ترسل إلى الجلاد، لكنها تحتال ليستمع الملك إلى حكاية جديدة، وتمر الليالي ويظل الملك يستمع إلى حكاية بعد أخرى ليموت جلاد بعد آخر، ثم يموت شهريار وبعده أكثر من ألف ملك آخرين(2).
وتبرز المخيلة الشعبية الشرقية في روايته «هكلبري فن» التي كتبها سنة 1884 وقد قاده الاهتمام بالتراث الشعبي الأمريكي إلى الاهتمام بحكايات ألف ليلة وليلة، حيث يتجلى عالم شهرزاد الساحر كمزيج من العجائبية والواقعية، ويتجلى التأثر بالقصة الإطار في مقطع من روايته في خضم الحديث عن تاريخ الاستبداد، حيث يخبر البطل (هكبري) صديقه الزنجي (جيم) عن الملك هنري الذي يقتل زوجاته، ويتضح من خلال الاستلهام إبراز تسلط الحاكم هنري الثامن الذي لا يختلف عن شهريار؛ فتاريخ الاستبداد واحد وإن اختلف الإطار الزماني والمكاني. وقد مزج «توين» من خلال هذا العمل الروائي التاريخي بالخرافي للإيهام بواقعية الأحداث. وعلى الرغم من رحابة الرؤية لدى الكاتب إلا أننا نلمح احتفاظاً بالرؤية نفسها التي تجلت عند «بو»، أي منح الغرب القدرة على التميز والتطور، وسجن الشرق وراء قضبان الخيال والحر والعجائبية.
دشّنت (ألف ليلة وليلة) في أمريكا عصراً من المثاقفة وتوجت مرحلة من العطاء الفكري والفني جعل الأدباء يحاورون هذا التراث، ويرسمون من خلاله صور الشرق المختلفة، وإن أخذت الصور في البداية طابع السخرية والتهكم فلأنها تعبر عن قضايا العصر السياسية والاجتماعية، إذ سرعان ما تأخذ أبعاداً جديدة لدى الجيل الثاني من كتاب أمريكا.
وصلت ظلال ألف ليلة وليلة إلى أمريكا اللاتينية بوجهها الإنساني والجمالي من خلال منافذ كثيرة أبرزها الوجود الإسباني في الجزء الجنوبي من هذه القارة، ومختلف العلاقات الأدبية التي قامت بين القارتين ـ أوربا وأمريكا ـ انطلاقاً من الرحلة أو التجارة أو الحرب. ولعل أبرز شخصية تأثرت بنص ألف ليلة وليلة الشاعر خورخي لويس بورخيس ( Jorge Luis Borges ) (1899/1986) «وتجلى الأثر إبداعياً من خلال استلهام الليالي العربية في شعره، ونقدياً من خلال سلسلة من الدراسات حول كتاب ألف ليلة وليلة»(3).
كما حظيت شهرزاد بمكانة مميزة في روايات الكاتبة الشيلية إيزابيل أليندي Isabel Allende جمعت فيها بين عجائبية الليالي العربية وواقعية الكتابة؛ أي الجمع بين أحداث ووقائع غير مألوفة مع أخرى طبيعية ومغرقة في الواقعية، وتمكنت من خلق أنموذج أنثوي يحيل على شهرزاد أمريكا اللاتينية.
تتحول طاقة الحكي الشهرزادي عند الكاتب «دانيال مكسيمين» Daniel Maximin إلى منقذ – ليس من بطش شهريار كما في الليالي ـ من إعصار مسّ جنوب أمريكا اللاتينية في روايته (الجزيرة وليلة L'ile et une nuit )(4)، فطوال سبع ساعات يحكي السارد متخفياً خلف صورة الراوية شهرزاد، ويتمكّن من استجماع كل طاقات الحكاية في مواجهة الخوف، والذعر خلال المدة التي استغرقها الإعصار. وقسم الكاتب روايته إلى سبعة فصول واستغرق زمن الحكي سبع ساعات، واعتمد تقنيات جديدة مساعدة في حكيه وغاص في أساطير تكوين أمريكا اللاتينية. وعليه يمكن القول إن الرواية في أمريكا اللاتينية استفادت من نص ألف ليلة وليلة من حيث الموضوعات والأساليب والأبنية، وحققت من خلال التفاعل مع هذا النص تطوراً نوّعياً أهّل بعض كتابها إلى أن يتجاوز نتاجهم الروائي حدود قارتهم، وينتشر في كل القارات متجاوزاً الحدود اللغوية والجغرافية والسياسية ومحققاً بعداً عالمياً.
2 ـ ألف ليلة وليلة في إبداع «إزابيل أليندي»:
اختارت الكاتبة الشيلية «إزابيل أليندي»(5) (أسلوب الحكاية لتنسج على منوال شهرزاد الليالي العربية حكايات أخرى تقوم بروايتها بطلة روايتها «إيفا لينا» ( Eva Luna )، وقد عنونت روايتها بـ«حكايات إيفا لينا» ( Les Contes d'Eva Luna ). وتضم هذه الرواية ثلاثاً وعشرين حكاية مدبجة بحكاية إطار، ولا يمكن فهم الإطار العام الذي بُنيت عليه هذه الرواية إلا بالرجوع إلى الرواية السابقة ( Eva Luna ) التي تتناول حياة هذه البطلة في بلدتها الصغيرة «أكوا سانتا» ( Agua Santa )، حيث تلتقي بالتاجر «رياض الحلبي» يقدم لها كتاب ألف ليلة وليلة في أربع مجلدات كبيرة مغلفة بجلد أحمر، قرأت بطلة الرواية هذه المجلدات عدة مرات، ونشأت بينهما علاقة حميمية، وقد عبّرت عن ذلك صراحة: «لا أدري كم مرة قرأت هذه الحكايات...»(6) وتشعر بعد القراءة بحدس غريب، سيكون قدرها أن تحكي قصصاً تشبه قصص شهرزاد، وستتمكن من إحداث لقاء بين عالمين (عالم ألف ليلة وعالم أمريكا اللاتينية) لتكون شهرزاد أمريكا اللاتينية كما هو مدوّن في الغلاف الخارجي للرواية.(7) وفي الوقت نفسه تجمع بين هذه البطلة وبين الصحفي الألماني «رولف كارلي» ( Rolf Carlé ) القادم إلى بلدتها علاقة عشق مميزة. وتُواصل الكاتبة تفاصيل هذه العلاقة المميزة في رواية حكايات إيفا لونا؛ حيث يتحول الصحفي إلى شهريار والبطلة إيفا إلى شهرزاد، وتبدأ تفاصيل حكايات جديدة تشبه حكايات الليالي العربية، ولكن تحكيها شهرزاد أمريكا اللاتينية.
عالجت الكاتبة في هذه الرواية جملة من الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي والسياسي والنفسي، وحاولت من خلال استلهام جو الحكي الشهرزادي أن تتحدث عن آمال أمريكا اللاتينية وآلامها معتمدة كل تقنيات الحكي مازجة بين الجد والهزل والحزن والضحك والحنين والغضب.
وأوضحت في قصصها قيمة الكلام وقدرته على التغيير وإثبات الوجود ومواجهته العنف والموت، كما في القصة الأولى كلمتان ( Deux mots )؛ حيث تبيع بليسا ( Belesa ) الكلمات كي تعيش وهي في ذلك تلتقي مع شهرزاد في اعتماد الكلمة سلاحاً من أجل الاستمرار والبقاء، وإن اختلفت طبيعته ومصدره ووظيفته. وتتجلى ملامح شهريار في شخص دكتاتور يهدد النساء ويرفض وجودهن في القصة الثانية والعشرين القصر الخيالي ( Le palais Imaginaire )، وتتمكن المرأة في الأخير من كبح جماح هذا الدكتاتور المتغطرس. وتحيل الكاتبة عبر قصصها إلى قيمة الحبّ، وتقدم نماذج مميزة في العلاقات العاطفية كما في قصة ماريا البسيطة ( Maria la simple ). وتنفتح الرواية على موضوعات معاصرة مثل الكوارث الطبيعية ومواجهة الموت والإصرار على الحياة كما «في خلقنا من طين» ( De boue nous sommes faits ). وتعيد الراوية صياغة ثلاثة أسئلة جوهرية: (الكلمة، والأنثى، والحبّ) في مواجهة: (الصمت، والرجل، والعنف.)
3 ـ أثر الليالي في رواية حكايات إيفا لونا:
أعادت الكاتبة الشيلية إنتاج نص روائي جديد يستند إلى نص الليالي في بنيته الشكلية وبعض موضوعاته، ولكنه يختلف عنه في طريقة تقديمها وتنويع الحكايات والتركيز على البعد الواقعي للحكاية، وقد تمكنت الروائية من استخدام كل التقنيات في روايتها ويمكن أن نفصلها كما يلي:
1 ـ مستوى تجلي نص ألف ليلة وليلة: تتجلى العلاقة بين الرواية ونص ألف ليلة وليلة من خلال ما يلي:
أ/العنوان بين سلطة الحكاية والأنثى: اختارت الكاتبة عنواناً مميزاً حكايات إيفا لونا ( Les Contes d'Eva Luna ) يحرك في القارئ مخزون ذاكرته ويربطه بنص روائي سابق، فهو يتكون من شقين: حكايات واسم شخصية أنثوية «إيفا لونا»، وإن كان التجلي غير مباشر يتضح من خلال الشق الأول (الحكي)، ومن خلال إسناده في الشق الثاني إلى أنثى. وعليه فنحن أمام علاقة غير طبيعية تجمع بين هذا النص ونص الليالي العربية وسرعان ما يمحى الغموض عند قراءة تصدير الرواية وخاتمتها، حيث نجد إحالة مباشرة على نص الليالي العربية. وإذا عدنا إلى العناوين الفرعية التي اختارتها الكاتبة نجد تجلياً صريحاً لبعض الموتيفات التي تربط النص بالليالي منها: عنوان القصة الأولى ( Deux mots ) الذي يحيل مباشرة على قيمة الكلام وفاعليته، وعنوان القصة الخامسة «ذهب طوماس فاركا» ( L'or de Tomas Varga ) وفي القصة الثانية والعشرين ( Le palais Imaginaire )، وما يمكن ملاحظته بالنسبة إلى عناوين القصص أنها في مجموعها أسماء لأبطال القصص وهي في معظمها شخصيات أنثوية، وهي في مجموعها تحيل على هذه الموضوعات (الأنثى والكلمة والحب والرحلة).
ب/ بناء الرواية الفني: تتكون الرواية من قصة إطار، وتتوالى بعدها ثلاث وعشرون حكاية، وكل حكاية مستقلة بذاتها، ونجد في بعض الحالات علاقات بين الحكايات من خلال تدخل الراوية أو أحد الشخوص المرتبطة بها (الصحفي أو رياض الحلبي). وقد أطّرت الكاتبة حكاياتها بإحالة مباشرة على الليالي العربية في بنية الافتتاح والاختتام التي اقتطعتها من ألف ليلة وليلة.
أما القصة الإطار فهي قصة الراوية والصحفي، حيث تقدم في إطار حميمي يجمع بين الشخصيتين، ويتحول الصحفي إلى شهريار مطالباً بالحكاية، وتتحول البطلة إلى شهرزاد راوية حكايات جديدة لم يستمع إليها شهريار الجديد «احك قصة لم يسبق أن رويتها لأحد»(8). وتنتهي الحكاية الإطار في هذه الرواية بإمضاء «رولف كارلي»، لتبدأ حكايات إيفا في موضوعات مختلفة؛ حيث تتخفى الراوية وراء ضمير الغائب لتروي مجموعة من الحكايات الواقعية والعاطفية والخيالية، وتحاول أن تقوم بالوظيفة نفسها التي قامت بها شهرزاد؛ أي أن تشفي رولف من العنف الذي عرفه في حياته.
ويؤدي صوت إيفا وظيفتين فهو صوت يحكي من جهة ويهدئ رولف من جهة أخرى(9)، ويتضح ذلك جلياً في آخر قصة الأخيرة عندما تتدخل الراوية وتتمنى أن يستفيد رولف من هذه الرحلة ويشفى من كل جراحه القديمة، وهي في هذا تلتقي مع شهرزاد في علاجها لشهريار من خلال سحر الحكاية، ويتضح مسعى لينا جلياً في آخر حكاية «وأنا بجانبك، أنتظر أن تتم هذه الرحلة في أعماقك أنت، وأن تُشفى من جراحك القديمة. وفي اليوم الذي تتمكن فيه من تجاوز كل الكوابيس، نستطيع من جديد أن نمشي معاً يداً بيد، كما كنا في السابق.»(10).
هناك علاقة بين النص الأصلي والنص الجديد في بناء الحكايات وتناسلها والتداخل بين الساردة وبين أبطال الحكايات فكما تتماهى شخصية شهرزاد مع بعض الشخصيات الأنثوية في حكاياتها تتماهى إيفا مع بعض بطلاتها كما في قصة (ماريا البسيطة ) و(كلاريسا). وقد استفادت الكاتبة من مرونة الشكل الروائي وبنت روايتها على نسق الليالي العربية، وكما استفادت من جو الحكي الشهرزادي وموضوعاته وبدا سحر الشرق واضحا في حكيها، لذا فمن الناحية الفنية يجد القارئ نفسه أمام حكايات تشبه حكايات الليالي وراوية تشبه راوية الليالي.
ج/ التناص: دبجت الكاتبة الرواية بمقطعين من الليالي العربية يمكن أن نصطلح على تسميتهما ببنية الافتتاح والاختتام؛ حيث تضع هذه البنية القارئ مباشرة بين ألف ليلة وليلة، فبنية الافتتاح توضح حال شهريار «وهو ماض في انتقامه الدموي وقد أتى على كل نساء المملكة، وهنا تتقدم ابنة الوزير شهرزاد لتنقذ المملكة، فينبغي أن نستمع إليها»(11)، أما بنية الاختتام فقد اختارت الكاتبة اللازمة التي تكررت في نهاية كل ليلة لتنهي بها روايتها: «وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.(12)» وقد مهّدت البنية الأولى ـ شكلا ومضمونا ـ لفعل الحكي من خلال رواية مجموعة من الحكايات، كما أوصلت البنية الأخيرة فعل الحكي إلى نهايته.
تتجلى التفاعلات النصية بين الليالي والرواية من خلال تواتر بعض موضوعات مثل: (المغامرة والرحلة والمرأة) التي ترددت في الليالي، وأعادت الراوية حكيها في الرواية، وفي بعض العناوين الفرعية للقصص: مثل القصر الخيالي وفي حضور بعض الشخصيات الشرقية مثل: رياض الحلبي الذي كان له فضل في إهدائها كتاب ألف ليلة وليلة كما سبق ذكره، أو شخصية الهندي «والماي» في قصة( Walimaï ). وقد استلهمت الكاتبة الروح الشرقية من خلال ذكر أماكن تنفتح على السحر والجاذبية كبغداد في قصة( Haute considération )، أو من خلال استعمال ملفوظات تحيل مباشرة عليه من مثل:(كنز السلطان)، و(القصر الخيالي)، و(الجارية)...إلخ.
ويمكن أن نوضح العلاقة بين نص ألف ليلة وليلة وحكايات إيفا لونا كما يلي:
النص
ألف ليلة وليلة
حكايات إيفا لونا
الثابت
القصة الإطار – الحكايات – الراوي والمروي له.
موضوعات الحكي: الحب والمغامرة والرحلة...
القصة الإطار – الحكايات –
الراوي والمروي له ـ الليل.
موضوعات الحكي: الحب والمغامرة والرحلة...
المتغير
القصة الإطار ثلاثية.وتظهر شهرزاد كمخلصة.
عدد الحكايات كثير ومتنوع تنتهي بالعفو عن الراوية.
ثنائية ، في مكان حميمي وشاعري يجمع بين البطلة والصحفي.
إيفا لونا فتاة بسيطة من العوام.
عدد الحكايات محدد (23).
النهاية مفتوحة.
يتضح مما سبق ذكره أن هناك تجلياً مباشراً لنص ألف ليلة من حيث مشابهة النص في مادة الحكي وتقنية توالده، واختلافاً من حيث أوضاعه وبعض موضوعاته وأبعاده. ويتضح مما سبق ذكره:
1 ـ التشابه الحاصل في البناء العام للنصين، وبين حكاية وأخرى سواء أكان سطحياً أم عميقاً.
2 ـ تكرار بعض الموضوعات والموتيفات في أغلب الحكايات في النصين، واعتماد تقنية الاستطراد داخل الحكاية.
3 ـ اختلاف في حال الراويتين وكثافة الحكي ونهايته، وهذا ما يجعل النص الأول أصلاً والنص الثاني فرعاً.
2 ـ مستوى التفاعل وتطويع نص ألف ليلة وليلة: استطاعت الروائية أن تخضع النص الرحم لمختلف أنواع التفاعل والمطاوعة، وقد أنتجت هذه المطاوعة نصاً روائياً جديداً انبنى على هيمنة موضوعات ثلاثة هي الكلمة والأنثى والرحلة، وقد عمدت الكاتبة إلى ثلاث تقنيات هي «التشابه والاختلاف والمفارقة»، ومن خلالها قدّمت نمطاً جديداً من الحكايات، ويمكن أن نوضح ذلك كما يلي:
أ/ بنية التشابه: الأنثى/ الكلمة: تبرز بنية التشابه بين الشخصيات والموضوعات الحكي، فنحن أمام راوية ومستمع كما في الليالي العربية، وتتكرر الموضوعات نفسها: قصص الحب والمغامرة والرحلة. وإذا كان الحبّ محور الليالي وموضوعها الأثير فإنه كذلك في هذه الرواية فلا تكاد تخلو قصة من موضوع الحب والمرأة. وتقدم الراوية نماذجها الأنثوية في جرأة ودون انحياز لجنس مثلها في ذلك مثل شهرزاد.
وإذا تأملنا النصين نجد تماثلاً على مستوى الجمع بين موضوعين رئيسين هما (الأنثى والكلمة)، سواء أتعلق الأمر بحكايات شهرزاد أم بحكايات إيفا. وفي عرضنا لكيفية صياغة هذين الموضوعين سوف نستفيد من التقنيات التي درست من خلالها الباحثة «فريال غزول»(13) بنية الحكاية الإطار يتعلق الأمر بـ«الشفرة الشبقية والبلاغية»، ونستثني الشفرة العددية لعدم بروزها في النص الروائي:
1 ـ الشفرة الشبقية: وهي سلسلة الصور المرتبطة بالمجال الجنسي في بعده البيولوجي والاجتماعي والنفسي. وتتضح في القصة الإطار لهذه الرواية؛ حيث تنفتح على مشهد حميمي جمع بين (لونا ورولف)، وتتواصل مشاهد الحب والإثارة مع تناسل بقية الحكايات، ولعل أوضح الأمثلة على ذلك قصة المراهقة الصغيرة ( La petite Perverse ) وزوجة القاضي ( La Femme du Juge )، و(القصر الخيالي)؛ حيث تقدم الأنثى مقدمة فاعل وكقادر، وهناك تشابه بين أنماط العلاقات العاطفية بين الجنسين في الرواية ونص ألف ليلة وليلة ويمكن أن نختصرها في نمطين الأول يبدو غير طبيعي ولا يحقق الانسجام والثاني طبيعي ويحقق الانسجام.
ـ العلاقة الشاذة وغير المتكافئة ونجد فيها إما (حب ـ جنس) أو (جنس ـ حب).
ـ العلاقة الطبيعية المتكافئة ونجد فيها (حب / جنس) أو(جنس / حب).
وقد نتج عن هذا كذلك تشابه في تناول موضوع الخيانة وإعادة للقصة الإطار في حكاية الدكتاتور المحسن في قصره الخيالي، كان مثل شهريار يكره النساء و«يعتبر الحب أخطر ضعف، وكان يعتبر كل النساء ـ عدا أمه ـ منحرفات بالطبيعة؛ لذا ينبغي أن نكـون حذرين وأن نبتعد عنهن»(14). لم يعرف في حياته امرأة إلى أن قدمت ( Marcia Lieberman ) غيّرت حياته ولكنه مع ذلك بقي حذراً محترساً، فذات ليلة استيقظ مذعوراً، وانتابه شعور غريب وأحس أنه قد يتعرض هو الآخر للخيانة فتوجه مسرعاً نحو غرفتها: «نهض من فراشه مذعوراً وقلبه يخفق بشدة، لكنه وجدها نائمة في السرير، جارية بيضاء شعرها الطويل يغطي وجهها.»(15).
تُقدم الكاتبة علاقات جديدة في سياق مختلف لا يوحي بالتذمر وإنما ينسجم مع الظروف الجديدة، حيث تتجاوز فكرة الخيانة والإغواء والعقدة والانتقام وتعوضها بموضوعات جديدة هي الحب في مواجهة الظلم والمنفى والموت كما في قصة( L'oubli au plus profond de l'oubli ) «فالظلم واللامساواة والعنف لا يمنعان من خلق قيم عميقة ومميزة بين اثنين يستطيعان النضال وتغيير العالم.»(16). وقد يتجاوز الحب الفوارق الاجتماعية كما في قصة هدية لأعز حبيبة ( Cadeau pour une bien ـ aimée ). وعليه يتضح أن هناك علاقات بين موضوع الحب في الليالي العربية وفي حكايات أليندي وهو أمر طبيعي لأن ما يحكم هذه العلاقة هو جملة من الركائز البيولوجية والنفسية والاجتماعية وهي تكاد تتشابه في كل زمان ومكان. وعموما فإن الشفرة الشبقية كما قدمت في النص تؤدي وظيفة اللذة أو العلاج أو التغيير. ومن هذا المنطلق برز نوعان من الحكايات : الحب الجسدي حيث يكون فيه الطرفان ضحية وضع اجتماعي أو مرض نفسي، والحب العفيف حيث يكون بديلاً للقهر والعنف والمنفى، وقد أبانت الكاتبة من خلال هذه الشفرة على أن الأزمة الحقيقية هي أزمة حب لا جنس في المجتمع؛ أي نقص في التواصل، وجميع أشكال الحب لا تبرز القهر المفروض على الأنثى فحسب بل هو قاسم مشترك بين الطرفين سواء أكان جنسياً أم اجتماعياً أو سياسياً.
2 ـ الشفرة البلاغية: يحرص فعل الحكي على توضيح كيف تستطيع الحكاية أن تغير الحياة، ففي الليالي استطاعت الحكاية أن تغير سلوك شهريار، لقد تحول المتخيل إلى كلمات وهي بدورها إلى علامات للوجود. و تجد ألف ليلة وليلة بين الكلام والحياة مساحة سحرية، فالمدة أو الكلمة، والحياة والموت هي عبارات لحقيقة واحدة هي الوجود(17). ويتردد الأمر نفسه في الرواية حيث تحرص الكاتبة على الجمع بين الكلمة والحياة من خلال التركيز على الراهن أي القصص الواقعي، وإبراز صورة المرأة اللاتينية في جرأتها وعلاقاتها واستخدام آليات القص باعتباره يقدم لقمة أو معرفة أو حرية.
وتتضح سلطة الكلمة في القصة الإطار عندما يتوجه رولف إلى الراوية بهذه العبارات: «إنك تفكرين بالكلمات، هي بالنسبة إليك خيط غير متناه، تنسجينه كما لو أن الحياة تنسج من خلال الحكاية»(18). وتحرص الراوية على تأكيد فاعلية الكلمة وسلطتها عندما تشرع في سرد حكايتها لرولف، فهذه بليسا في القصة الأولى تبيع الحكايات من أجل أن تعيش، وقد استطاعت من خلال امتلاكها سحر الكلام تغيير وضعيتها الاجتماعية، وتقع في قصة ( Tosca ) موريزيا ( Maurizia ) أسيرة كلمات عاشقها وتترك زوجها وابنها. ويؤكد (والماي) في السياق نفسه أن: «الكلام والإشارة هما وسيلتا التفكير بالنسبة إلى الإنسان. ينبغي أن نحافظ على الكلام حتى وإن كان بلا جدوى، هذا ما علمته لأبنائي، حتى وإن كانت نصائحي لا تسمع دائماً»(19)، وعليه فإن الكلام يحقق الوجود بينما يحل الصمت على الموت، ويدرك قارئ حكايات لونا تلازماً بين الحياة والكلام والصمت والموت، فيمكن القول: «إن الكلام بالنسبة إلى الصمت كالحياة بالنسبة إلى الموت. ويصبح استمرار الحياة كفاحاً لا ينقطع ضد الصمت. فالحياة تؤسس على قمع غريزة الموت، كما أن الكلام يؤسس على قمع الصمت»(20). وقد تمكنت شهرزاد من تحويل شهريار عن طريق الكلام المباح وحاولت «لونا» من خلال سلسلة الحكايات أن تحذو حذوها.
ب/ بنية الاختلاف (شهرزاد/إيفا لونا): تمكنت الكاتبة من أن تطوّع الشخصية الأنثوية شهرزاد وأن تقدمها في صورة جديدة تختلف تماماً عن تلك الصورة التي تشع في الليالي العربية، وبدا الاختلاف واضحاً عندما أسندت الحكي إلى شخصية أمريكية (لونا) بطلة روايتها السابقة وحاولت أن تكسبها بعض خصائص الأميرة الشرقية، كالقدرة على الحكي والثقة بالنفس، ونستطيع القول إنها أرادت من خلال النموذج الشرقي أن ترسم صورة شهرزاد أمريكا اللاتينية، ويتضح من خلال ما سبق ذكره اختلاف جوهري بين الشخصيتين، ويمكن أن نوضحه كما يلي:
شهرزاد
إيفا لونا
ـ ابنة وزير أي تنتمي إلى طبقة راقية.
ـ تعيش في قصر.
ـ قرأت كتب التاريخ والأمم.
ـ تحكي لتنقذ بنات جنسها.
ـ تحكي لسلطان (شهريار).
ـ تحكي تحت تهديد.
ـ تحكي عدداً كبيراً من الحكايات.
ـ تنتهي الحكاية بالعفو.
ـ شخصية روائية من عائلة بسيطة.
ـ تعيش في قرية.
ـ قرأت كتاب ألف ليلة وليلة.
ـ تحكي لتستميل عشيقها (رولف).
ـ تحكي لرجل عادي (صحفي).
ـ تحكي دون تهديد.
ـ تحكي عدداً محدداً من الحكايات (23).
ـ نهاية الحكاية منفتحة.
يبدو أن هناك اختلافاً كبيراً بين الشخصيتين إلا أن الاستدعاء يقع في ظل ظروف جديدة اجتماعية وسياسية تميز هذا الجزء من القارة الأمريكية، ولا شك أن اختيار شهريار مختلف ينتمي إلى طبقة عادية ويمارس الصحافة سهّل مهمة نقل الواقع وتصويره، فإذا كانت شهرزاد ترصد الوقائع من برج شهريار العاجي فإن لونا ترصده من خلال معاينة مباشرة.
حرصت الكاتبة الشيلية في استلهام جو شهرزاد على الإقرار بأهمية الكلمة والأنثى على حدّ السواء في رسم معالم التغيير، حتى وإن كانت شهرزاد تنتمي إلى طبقة راقية. إلا أن ما يجمع بين البطلتين هو نضال في مواجهة شبح القهر بكل مستوياته.
ج/ بنية المفارقة: الكتابة السحرية الجديدة: تمكنت الكاتبة التشيلية من إحداث مطاوعة واسعة في اتكائها على نص الليالي، ويتضح ذلك في محاولة تقديم تجربة في الكتابة الروائية النسوية تحاول أن تجمع بين التراث الإنساني والراهن في نوع من الواقعية تشيع في أدب هذه المنطقة هي الواقعية السحرية، وتؤكد الروائية من خلال بطلتها على قدرة الحكاية على تغيير الواقع إذا كانت صادقة ومتميزة وكانت مصدراً للمعرفة بالذات والجماعة، إذ يتحول الواقع إلى حكاية ثم تعود الحكاية لتغير الواقع، فسؤال الكلمة الذي طرحته الكاتبة هو في حقيقة الأمر سؤال الكتابة، ومن خلال هذا السؤال تتضح المفارقة بين النصين والشخصيتين، إذ تحاول الكاتبة من خلال بيئتها (الجغرافية والاجتماعية والسياسية) أن تقدم نموذجاً في الكتابة يبدو من عنوانه أنه قديم، ولكن عندما نقرأ الحكايات نحس بسحر الكتابة الواقعية، وتماهيها مع فنون كثيرة.
3 ـ مستوى إشعاع النص الجديد (حكايات إيفا لونا):حاولت الكاتبة الشيلية من خلال اتكائها على ثلاثية (الأنثى، والحكاية، والحب) أن تعالج من منفاها جملة من القضايا الاجتماعية والسياسية التي ترتبط بأمريكا اللاتينية بوجه عام وببلدها على وجه الخصوص، وقد ارتبط الحكي في هذه الرواية بالواقع من خلال مؤشرات مباشرة ومكثفة، وعموماً يمكن أن نلخص أهم الأبعاد التي سعت أليندي لإبرازها في ما يلي:
أ/ البعد الاجتماعي: ويتضح من خلال التركيز على الصور المتكررة للفقر والبؤس، حيث تدخلنا الكاتبة الجغرافية المميزة لهؤلاء وسمتها الأساسية هي (الفقر/المرض/الفقر)، وتعد القرية نقطة استقطاب تجتمع فيها نساء بائسات، ويرتبط التوظيف بمجموعة من القيم الاجتماعية تدعّهما تراتبية العلاقات، فهناك اختلال في هذه العلاقات؛ فئة قليلة تملك وأخرى تتعرض للموت، وهذا ما يعبر عن غياب القيم واضمحلالها وإدانة تاريخية للمادية.
صوّرت من جانب آخر كيف يتم تجاوز الطبقية من خلال قصة حب جمعت بين طبقتين مختلفتين كما في قصة (هدية لأعز حبيبة)، وأبرزت أن الكلمة يمكن أن تقرب بين طبقتين كما في القصة الأولى (كلمتان)، حيث يتمكن الجنرال من شراء كلمات «بليسا» وتحقيق الانتصار السياسي. وعليه يمكن القول إن إضاءة الجوانب الاجتماعية كان من خلال التركيز على فاعلية ثلاث عناصر هي: (المرأة، والكلمة، والحب).
ب/ البعد السياسي: تنفتح الحكايات على موضوعات سياسية هامة كالدكتاتورية والمنفى والحرب الأهلية، وتدين الكاتبة من خلال الحكايات الدكتاتورية باعتبارها استبداداً وقهراً، وقد نتج عنها نفي الكثير من النشطين خارج الوطن، وتحيل الكاتبة إلى مرحلة تاريخية صعبة عاشها الشيلي في عهد «بينوشي» وأذياله ففي قصة (النسيان في أعمق أعماقه) تزيل اللثام عن ممارسات فاضحة ضد الرجل والمرأة على حدّ السواء؛ فقد أشارت الراوية إلى آثار التعذيب الكهربائي على جسد ( Ana ). وأوضحت من خلال كلماتها أن الخوف والذعر أعظم من اللذة ومن الحب وأعظم حتى من الوفاء(21) ولا تجد الكاتبة لهذا العنف علاجاً سوى المرأة، ويتضح ذلك في قصة (القصر الخيالي) إذ يتحول الدكتاتور إلى رجل وديع، وتظهر هذه الأخيرة كمتنفس وكأفق سياسي يصبح حقيقة في نهاية الرواية ومع ذلك يبقى خطاب العدالة هو خطاب اللذة. ويبقى الإطار العام الذي تقدمه سلسلة الحكايات هو عالم سمته العنف ومؤسسات سمتها الفوضى وشخصيات أنثوية تلتقي مع الراوية، وتتقاسم الحدود الزمانية والمكانية نفسها(22) وعليه يمكن القول إنه لا تجاوز للدكتاتورية والمنفى سوى بالمرأة والكلمة لأنهما يحققان الحرية بكل مستوياتها.
ج/ البعد الجمالي: طرحت الروائية جمالية الكلمة وقدرتها على تغيير الأوضاع والظروف، وقد انطلقت منها في ديباجة القصة الإطار وفي مضامين بعض القصص الفرعية التي تضمنتها الرواية (كلمتان / والماي)، وهي بذلك تنبه إلى قيمة الحكي الأنثوي وفاعليته وضرورة تواصله واستمراره من خلال الفعل الروائي، ومن هذا المنطلق فهي تتفق مع ابن الشيخ في أن الوظيفة الأساسية لشهرزاد هي حماية الكلمة، فهي تواجه الموت ليس لإنقاذ نفسها من براثنه، ولكن لكي تحافظ على لذة الكلام(23).
وسعت الكاتبة على امتداد المتن السردي أن تقيم نوعاً من المعادلة بين الحياة والكلمة، وبين الإنسان والكلمة، وركّزت على خصوصية الكلام باعتباره نتاجاً فردياً تتجلى من خلاله خصوصية الفرد. وأبرزت في سياق آخر جمالية الكتابة وسحرها كما في مفتتح قصة «الحياة التي لا تنتهي» La Vie qui n’en finit pas ، ففي كل حكاية هناك حكاية أخرى تنمو في الوقت نفسه عندما تقوم بسردها، لتبقى حبيسة إلى حين(24).
وعليه يمكن القول إن عنوان الرواية وبناءها يوحيان بارتباط حميمي بآليات الحكي. ولكن الكاتبة حاولت أن تمزج بين سحر الحكاية كما تجلت عند الإنسان منذ الأزل وبين واقعية الحدث، لتشكل في نهاية المطاف ما يمكن أن نسميه الواقعية السحرية. ومما سبق يمكن أن نسجل هذه الملاحظات:
1 ـ تمّ توظيف البنية العامة لألف ليلة وليلة، ولم تقف الروائية عند التقليد؛ بل أجرت تغيرات عليها بهدف خلق حكايات جديدة من أمركا اللاتينية لا تنسخ الأصلية وإنما تتواصل معها.
2 ـ الاستعانة بالحكاية لتصوير الواقع، ورصد معاناة الفقراء والمقهورين في كل زمان ومكان، والتعبير عن الراهن من خلال العودة إلى الماضي وتضمين الحكاية للإيهام بواقعية الأحداث.
3 ـ ثمة علاقة حميمية بين المرأة والكلمة والحب لأنهم ينشدون التواصل، فما يجمع بين هذه الثلاثية الجمال والتجاوز والتواصل بغض النظر عن طبيعة هذه الثوابت بالنسبة إلى المرأة أو الكلمة أو الحبّ.
4 ـ نحن أمام أنموذج جديد يمكن أن نسميه «شهرزاد أمريكا اللاتينية» أو شهرزاد الواقعية السحرية.
خاتمة:
حظي نص الليالي باهتمام مميز في الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية، ويعبر التفاعل مع هذا النص عن استيعاب حقيقي لرسالته الإنسانية الممتدة زماناً ومكاناً، ويعبر في سياق آخر عن خطاب مضمر يعكس ظروفاً متمايزة عاشتها شخصيات الليالي على المستوى المتخيل، وعاشتها الجماهير في هذا القطر من المعمورة.
يتضح مما سبق تناوله أن إيزابيل أليندي حاولت أن تقدم أنموذجاً شهرزادياً جديداً يعبر عن آمال هذا الجزء من القارة (أمريكا اللاتينية) وآلامها ، وقد أوضحت الكاتبة من خلال الاستلهام أهمية المرأة والكلمة في تغيير الأوضاع، وحاولت الروائية الجمع بين الشرق والغرب ـ في أمريكا اللاتينية ـ من خلال الروح الشرقية التي تسري في الرواية موضوعاً وشكلاً.
الهوامش:
1 ـ Edgar Allan Poe: The Thousand ـ and ـ Second Tale of Scheherazade, Supplied by the British Librairy ـ «The world's knowledge» www.bl.uk.p, 241.
2 ـ مصطفى عبد الغني: شهرزاد في الفكر العربي الحديث، ص128.
3 ـ خصّ «بورخيس» موضوع ألف ليلة وليلة بنصين نقديين مهمين، تناول في الأول مترجمي ألف ليلة وليلة، أما الثاني فهو سلسلة من المحاضرات ألقاها في مدينة مكسيكو، ثم جمعت في كتابه: (سبع ليال)، ويظهر التأثر جلياً في قصيدته: (استعارات ألف ليلة وليلة). انظر: يوسف ديشي: استعارات ألف ليلة وليلة لبورخيس ومسألة الليلة 602 أربعة مفاتيح وثلاثة تعليقات، مجلة فصول، مجلد 13 ، ع1،ج2، السنة1994 ص 323 و336. وأنظر:
Ahmed Ararou:Borges:Une Légende Arabe, Mille et une nuits du mythe au texte,P 299/311.
4 ـ أنظر الغلاف الخارجي للرواية : ( (Daniel Maximin:L'ile et une nuit , Points seuil, 2002
5 ـ إيزابيل أليندي: كاتبة من كتاب أمريكا اللاتينية، ولدت بـ«التشيلي» سنة 1942م، غادرت البلاد بعد الانقلاب العسكري الذي قام به «بينوشي» سنة 1973م. تعيش حالياً في سان فرانسيسكو. قامت بمحاولات تجديدية في الكتابة الروائية (الرواية الأمريكية اللاتينية). حصلت على جوائز عالمية منها: الجائزة الكبرى لرواية المنفى سنة1984م. وللكاتبة عدد من الروايات منها: ( La Maison aux esprits )، و( d'amour et d'ombre )، و( Eva Luna )، و( Le plan infini ).
6 ـ Isabel Allende: Eva Luna,éd Fayard,1988,p211.
7 ـ أنظر الغلاف الخارجي للرواية ( Les Contes d'Eva Luna )
8 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna, Traduit de l’Espagnol par Carmen et Claude Durand, Fayard,1991, p 11.
9 ـ Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits, Les Mille et une nuits et L’Imaginaire du xxe siècle, p174.
10 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p346.
11 ـ انظر بنية الافتتاح في الرواية؛ حيث تتموقع بعد الإهداء مباشرة وقبل الحكاية الإطار في هذه الرواية.
12 ـ تقع بنية الاختتام في نهاية الرواية أي بعد القصة الأخيرة من الطين خلقنا ( De boue nous sommes faits ).
13 ـ قدّمت الباحثة دراسة مميزة لليالي العربية باعتماد الأنموذج البنوي في دراستها الموسومة بـ:
ـ The Arabian nights: A structural Analysis, Cairo associated institution for the study and presentation of Arab cultural values, Cairo,1980,p 55/62. .
وقدمت جزءاً من هذه الدراسة لمجلة فصول في عددها المخصص لألف ليلة وليلة: أنظر: فريال جبوري غزول، البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، ج1، المجلد12، ع4، شتاء 1994، ص76/97.
14 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p313.
15 ـ Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p313.
16- Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits,p186
17- Jamel Eddine Bencheikh: Les Mille et une nuits ou La parole prisonnière, p16.
18- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p9/10.
19- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p135.
20 ـ فريال غزول: البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، ص91.
21- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p180.
22- Jacques Le Marinale: Les Contes d'Eva Luna D' Isabel Allende, Transposition Moderne Des Mille et une nuits,p197.
23- Jamel Eddine Bencheikh: Les Mille et une nuits ou La parole prisonnière, p16.
24- Isabel Allende: Les Contes d'Eva Luna,p 243.
[SIZE=6]
* د. نظيرة الكنـــــز
ألف ليلة وليلة في أمريكا اللاتينية «حكايات إيفا لونا» Les Contes d'Eva Luna «لإيزابيل أليندي» Isabel Allende انموذجا [/SIZE]