نقوس المهدي
كاتب
المقدمة هي خطاب معرفي يحمل نظاما رمزيا يشير الى متن ما، ومن خلاله يمكننا الولوج الى ذاك المتن، حيث يناقش ذلك المتن الذي سندخل معه في حوار مثمر اثناء قراءته ليكون التلقي على درجة من السواء عالية، وهي بعد ذاك خطابا نظريا وليس اجراء عمليا.
أكثر مؤلفاتنا، ومؤلفات الاولين خاصة، تضم مقدمة، أو مدخلا، أو فاتحة الكتاب، إذ تعددت الاسماء والهدف واحد، حيث انها تقوم بتقديم الكتاب الى القارئ، تشرح له باختصار ما يضمه الكتاب من فصول ومادة، والمنهج الذي اتبعه في تأليفه، ويبين ما فيه من ظاهرة جديدة اوقد تناولها بجدة، واذا كانت مكتوبة من شخص غير المؤلف فإنها تقوم بتقديم الكتاب الى القارئ بطرق وأساليب شتى.
والمقدمة التي يكتبها كاتب اخر قرأ مادة الكتاب، عدا مقدمة الناشر، تكون اما مقدمة تقريضية، وهي مقدمة لا تغني ولا تسمن المتلقي والكاتب نفسه، حيث انها تكيل المدح و الثناء للكاتب وكتابه، إذ تدخل العلاقات الشخصية فيها بشكل يتوضح من خلال كتابتها.
صحيح ان كتابة مقدمة عن طريق شخص ثان غير مؤلف الكتاب بأسلوب تقريضي، يجد فيها مؤلف الكتاب حافزا له في الكتابة والتأليف، الا انها لا تخدمه من الوجهة النقدية الفاحصة، وايضا لا تخدم كتابه للسبب نفسه.
أو ان تكون مقدمة مستقلة عن النص الذي تقدمه، إذ تقوم بالكلام عن اشياء ليست واردة في النص، حيث يشرّق كاتبها ويغرّب، كأن تكون الجمل والعبارات بصيغة ضبابية لا يفهم منها شيئ، وهي لا تفيد القارئ ولا المؤلف ولا الكتاب على السواء انما تبين" عضلات " كاتبها المعلوماتية.
او انها مقدمة نقدية / فاحصة للنص، وهذا هو المطلوب، ان كان مفهوم النقد بمعني التقييم والتقويم، أي تمييز الجيد من الرديء ووضعه في المستوى الذي يستحقه، او كانت بمعنى الدراسة الفاحصة والمحللة للنص، إذ تقوم بمحاورة الكاتب ذاته من خلال نصه، كأي ناقد يحمل وجهة نظر ما، ومجموعة من الاسئلة التي يطرحها على الكتاب، وكذلك تقوم بتحليل النص وتفحصه، أو ابراز ظاهرة من ظواهر النوع الادبي ذاك الذي قدم في الكتاب وفحصها وتحليلها.
هذه الانواع الثلاثة من المقدمات هو ما مطروح في الصفحات الاولى للمؤلفات القديمة والحديثة، بكل انواعها، وما تقدمه من فنون مختلفة.
* * *
في اصدارات الشعراء الحديثة خاصة، يحتاج الشاعر المبتدئ الذي يصدر مجموعة شعرية، لشخص هو اكثر منه شهرة ودراية وباع في فنه الشعري او النقدي، لكتابة مقدمة لمجموعته الشعرية، لأنه يريد ان يدخل عالم الشعر لأول مرة حتى لو كان قد نشر قصائده في الصحف والمجلات، ذلك لان مجموعة اشعاره المطبوعة تلك تحتاج إلى جواز سفر كي تمر بين الشعراء الاخرين الى المتلقين، وهذا لا يحدث بدون ذلك الجواز كما يرى الشاعر ذلك.
ان الذي يكتب هذه المقدمة يجب ان يكون مؤهلا لذلك، كأن يكون شاعرا سبق تاريخياً صاحب المجموعة، او ان يكون ناقدا مقتدرا للشعر، وكلا الشخصين سيجد حتما في المؤلف أمراً ما يراد فحصه أو تحليله أو اضاءته، أو انه يجد ظاهرة او قضية ما يطرحها هذا المؤلف في كتابه.
أو ان صاحب المجموعة يختاره من كتاب المقدمات التقريضية، ومثل هؤلاء كثر في وسطنا الادبي، ولا يفيدون الشاعر بشيء سوى ان ينفخون فيه وفي شعره كمن ينفخ في قربة لكي تطفو فوق الماء، وهكذا يطفو الشاعر ولا يقف في مكان ثابت.
المقدمة هي عتبة اولية للدخول الى متن النص في الكتاب، ولا يمكن الفكاك منها اثناء قراءة ذاك المتن، لأنها تطرح موضوعاً، او قضية قدمت فيه.
* * *
وصلتني مجموعة شعرية من صديق شاعر تضم مقدمة كتبها شخص يحمل درجة علمية " دكتوراه "، لا نعرف في أي مجال، وهو من قطر عربي شقيق، غرّب في المقدمة وشرّق، ولم يفد الشاعر والمتلقي بشيء يذكر، اذ بنى جمل مقدمته بجمل ضبابية غريبة ومغربة، وقد ورد كلامه بصورة عامة، وهو ينطبق على أية مجموعة شعرية، علما ان الشاعر له مجاميع شعرية سابقة، فلا المقدمة تحدثت عن ظاهرة شعرية تطرحها قصائد المجموعة، ولا انها فحصت قصائد تلك المجموعة.
والسؤال الاهم هو : هل ان المجاميع الشعرية تحتاج الى جواز سفر لتمر بين المتلقين اذا كانت لا تحمل أي شيء جديد كأن يكون نظرية في الشعر، أو اسلوب جديد في كتابته، او أي شيء اخر مثل المقدمة التي كتبها صاحب ديوان " لن " الشاعر انسي الحاج والتي قال فيها الكثير عن قصيدة النثر، وبشر بها، حيث تحدث عن سؤال مهم طرحه هو واجاب عنه في المقدمة، وهذا السؤال هو: هل يمكن أن تخرج من النثر قصيدة؟
أو مقدمة الشاعر حسين مردان لمجموعته الشعرية " الارجوحة هادئة الحبال " التي تحدث فيها عن الشعر العربي والوزن. او مقدمة ديوان الشاعر العامي زامل سعيد فتاح "المكير" التي كتبها عادل سعد عن اللغة "اللهجة العامية" في قصائد الديوان، او المقدمة التي كتبها "اندري ميكال" لكتاب عبد الفتاح كيليطو المعنون "العين والابرة" التي تحدث فيها عن الف ليلة وليلة وعن الانتقال من القول الشفاهي الى الكتابة، أو المقدمة التي كتبها ادريس نقوري لكتاب عبد الرزاق بلال "مدخل الى عتبات النص" التي ناقش فيها ربط عتبات النص بمتونها. وغير ذلك من المقدمات التي يكتبها الغير، والتي تقدم شيئا ما ورد في المجموعة، او ان كاتب المجموعة يتحدث عن امر في مجموعته ينير به درب المتلقي فيها.
ان هذه المقدمة التي نحن بصدد الحديث عنها هي تفسير لبعض قصائد المجموعة بافتتان حد الترويج لتلك القصائد بتغريب لجمل الترويج، انها سحب البساط من تحت اقدام المتلقي، والشعر يسقط بالتفسير لان كل متلقي له تفسيره وتأويله الخاصين.
فهل يحتاج هذا الشاعر الى شخص يكتب له مقدمة لمجموعته الشعرية؟ ولماذا كاتب المقدمة من قطر عربي شقيق ؟ هل يريد الترويج لمجموعته الشعرية في ذلك البلد ونحن نعلم علم اليقين ان عدد النسخ المطبوعة قليل خاصة في دور النشر التي في سوريا، فلدي شكوكي الخاصة عن عدد النسخ التي تطبع هناك بسعر الف نسخة.
لماذا لا نترك المؤلف هذا؟ مهما كان نوع المادة التي يضمها، الى رأي المتلقي ليقول كلمته بعد قراءته، حيث انه هو المعني الاول والاخير بمادته، والذي يكون محايدا في حكمه بعد القراءة، ولا يخضع إلى أية علاقات شخصية تربطه مع المؤلف
أترك الاجابة للقارئ النبيه ليدلي برأيه.
أكثر مؤلفاتنا، ومؤلفات الاولين خاصة، تضم مقدمة، أو مدخلا، أو فاتحة الكتاب، إذ تعددت الاسماء والهدف واحد، حيث انها تقوم بتقديم الكتاب الى القارئ، تشرح له باختصار ما يضمه الكتاب من فصول ومادة، والمنهج الذي اتبعه في تأليفه، ويبين ما فيه من ظاهرة جديدة اوقد تناولها بجدة، واذا كانت مكتوبة من شخص غير المؤلف فإنها تقوم بتقديم الكتاب الى القارئ بطرق وأساليب شتى.
والمقدمة التي يكتبها كاتب اخر قرأ مادة الكتاب، عدا مقدمة الناشر، تكون اما مقدمة تقريضية، وهي مقدمة لا تغني ولا تسمن المتلقي والكاتب نفسه، حيث انها تكيل المدح و الثناء للكاتب وكتابه، إذ تدخل العلاقات الشخصية فيها بشكل يتوضح من خلال كتابتها.
صحيح ان كتابة مقدمة عن طريق شخص ثان غير مؤلف الكتاب بأسلوب تقريضي، يجد فيها مؤلف الكتاب حافزا له في الكتابة والتأليف، الا انها لا تخدمه من الوجهة النقدية الفاحصة، وايضا لا تخدم كتابه للسبب نفسه.
أو ان تكون مقدمة مستقلة عن النص الذي تقدمه، إذ تقوم بالكلام عن اشياء ليست واردة في النص، حيث يشرّق كاتبها ويغرّب، كأن تكون الجمل والعبارات بصيغة ضبابية لا يفهم منها شيئ، وهي لا تفيد القارئ ولا المؤلف ولا الكتاب على السواء انما تبين" عضلات " كاتبها المعلوماتية.
او انها مقدمة نقدية / فاحصة للنص، وهذا هو المطلوب، ان كان مفهوم النقد بمعني التقييم والتقويم، أي تمييز الجيد من الرديء ووضعه في المستوى الذي يستحقه، او كانت بمعنى الدراسة الفاحصة والمحللة للنص، إذ تقوم بمحاورة الكاتب ذاته من خلال نصه، كأي ناقد يحمل وجهة نظر ما، ومجموعة من الاسئلة التي يطرحها على الكتاب، وكذلك تقوم بتحليل النص وتفحصه، أو ابراز ظاهرة من ظواهر النوع الادبي ذاك الذي قدم في الكتاب وفحصها وتحليلها.
هذه الانواع الثلاثة من المقدمات هو ما مطروح في الصفحات الاولى للمؤلفات القديمة والحديثة، بكل انواعها، وما تقدمه من فنون مختلفة.
* * *
في اصدارات الشعراء الحديثة خاصة، يحتاج الشاعر المبتدئ الذي يصدر مجموعة شعرية، لشخص هو اكثر منه شهرة ودراية وباع في فنه الشعري او النقدي، لكتابة مقدمة لمجموعته الشعرية، لأنه يريد ان يدخل عالم الشعر لأول مرة حتى لو كان قد نشر قصائده في الصحف والمجلات، ذلك لان مجموعة اشعاره المطبوعة تلك تحتاج إلى جواز سفر كي تمر بين الشعراء الاخرين الى المتلقين، وهذا لا يحدث بدون ذلك الجواز كما يرى الشاعر ذلك.
ان الذي يكتب هذه المقدمة يجب ان يكون مؤهلا لذلك، كأن يكون شاعرا سبق تاريخياً صاحب المجموعة، او ان يكون ناقدا مقتدرا للشعر، وكلا الشخصين سيجد حتما في المؤلف أمراً ما يراد فحصه أو تحليله أو اضاءته، أو انه يجد ظاهرة او قضية ما يطرحها هذا المؤلف في كتابه.
أو ان صاحب المجموعة يختاره من كتاب المقدمات التقريضية، ومثل هؤلاء كثر في وسطنا الادبي، ولا يفيدون الشاعر بشيء سوى ان ينفخون فيه وفي شعره كمن ينفخ في قربة لكي تطفو فوق الماء، وهكذا يطفو الشاعر ولا يقف في مكان ثابت.
المقدمة هي عتبة اولية للدخول الى متن النص في الكتاب، ولا يمكن الفكاك منها اثناء قراءة ذاك المتن، لأنها تطرح موضوعاً، او قضية قدمت فيه.
* * *
وصلتني مجموعة شعرية من صديق شاعر تضم مقدمة كتبها شخص يحمل درجة علمية " دكتوراه "، لا نعرف في أي مجال، وهو من قطر عربي شقيق، غرّب في المقدمة وشرّق، ولم يفد الشاعر والمتلقي بشيء يذكر، اذ بنى جمل مقدمته بجمل ضبابية غريبة ومغربة، وقد ورد كلامه بصورة عامة، وهو ينطبق على أية مجموعة شعرية، علما ان الشاعر له مجاميع شعرية سابقة، فلا المقدمة تحدثت عن ظاهرة شعرية تطرحها قصائد المجموعة، ولا انها فحصت قصائد تلك المجموعة.
والسؤال الاهم هو : هل ان المجاميع الشعرية تحتاج الى جواز سفر لتمر بين المتلقين اذا كانت لا تحمل أي شيء جديد كأن يكون نظرية في الشعر، أو اسلوب جديد في كتابته، او أي شيء اخر مثل المقدمة التي كتبها صاحب ديوان " لن " الشاعر انسي الحاج والتي قال فيها الكثير عن قصيدة النثر، وبشر بها، حيث تحدث عن سؤال مهم طرحه هو واجاب عنه في المقدمة، وهذا السؤال هو: هل يمكن أن تخرج من النثر قصيدة؟
أو مقدمة الشاعر حسين مردان لمجموعته الشعرية " الارجوحة هادئة الحبال " التي تحدث فيها عن الشعر العربي والوزن. او مقدمة ديوان الشاعر العامي زامل سعيد فتاح "المكير" التي كتبها عادل سعد عن اللغة "اللهجة العامية" في قصائد الديوان، او المقدمة التي كتبها "اندري ميكال" لكتاب عبد الفتاح كيليطو المعنون "العين والابرة" التي تحدث فيها عن الف ليلة وليلة وعن الانتقال من القول الشفاهي الى الكتابة، أو المقدمة التي كتبها ادريس نقوري لكتاب عبد الرزاق بلال "مدخل الى عتبات النص" التي ناقش فيها ربط عتبات النص بمتونها. وغير ذلك من المقدمات التي يكتبها الغير، والتي تقدم شيئا ما ورد في المجموعة، او ان كاتب المجموعة يتحدث عن امر في مجموعته ينير به درب المتلقي فيها.
ان هذه المقدمة التي نحن بصدد الحديث عنها هي تفسير لبعض قصائد المجموعة بافتتان حد الترويج لتلك القصائد بتغريب لجمل الترويج، انها سحب البساط من تحت اقدام المتلقي، والشعر يسقط بالتفسير لان كل متلقي له تفسيره وتأويله الخاصين.
فهل يحتاج هذا الشاعر الى شخص يكتب له مقدمة لمجموعته الشعرية؟ ولماذا كاتب المقدمة من قطر عربي شقيق ؟ هل يريد الترويج لمجموعته الشعرية في ذلك البلد ونحن نعلم علم اليقين ان عدد النسخ المطبوعة قليل خاصة في دور النشر التي في سوريا، فلدي شكوكي الخاصة عن عدد النسخ التي تطبع هناك بسعر الف نسخة.
لماذا لا نترك المؤلف هذا؟ مهما كان نوع المادة التي يضمها، الى رأي المتلقي ليقول كلمته بعد قراءته، حيث انه هو المعني الاول والاخير بمادته، والذي يكون محايدا في حكمه بعد القراءة، ولا يخضع إلى أية علاقات شخصية تربطه مع المؤلف
أترك الاجابة للقارئ النبيه ليدلي برأيه.