رامي نزيه أبو شهاب - قراءة في تقنية السرد / السرد الخائف - ألف ليلة وليلة

تنفتح حكايات ألف ليلة وليلة على تقنية سردية تمارس فعلها الإغوائي بدفع المتلقي إلى نقطة زمنية موغلة في القدم، لذلك كان اللجوء إلى صيغة ( يُحكى ) والتي تعقبها عبارة ( والله اعلم بغيبه وأحكم ) صيغة مفضلة للتخلص من تبعات نقل النص وسنده ومتنه، فكتب الأحاديث عنُيت بشدة بهذه القضية من منطلق ديني واستمر هذا التقليد في كتب الأدب والتاريخ، فغالبا ما يجد القارئ أسانيد طويلة تعمل على إعطاء النص ثبوتيته والمصادقة عليه، كونه نصا لا يقبل الشك أو التدليس .

النص الأدبي المتخيل والمصنوع هو نص يحمل بين طياته الكثير من الموقف والرؤى والاتجاهات، وباعتباره متخيلا فإن هذه المواقف هي انعكاس لوجهة نظر منتج النص وعليه أن يتحمل كل ما يحمله نصه من أفكار ورسائل وحتى تأويلات، لذلك كان الراوي المصطنع وسيلة للتخلص من هذه التبعية حيث يلقى له مهمة السرد والحكي، ومن هنا كانت صيغة (يحكى أن ) التي تحيل على المجهول الذي يتحمل كافة المسؤولية عن كل ما سيقال ضمن النص المروي .

وقد باتت هذه التقنية السردية أثيرة عند الكتاب حيث تطورت إلى شكل آخر في القص الحديث، إذا اصطنع بدلا منها الراوي العالم أو المحايد، وهو غالبا شخصية متخيلة مصنوعة من قبل الكاتب الحقيقي يوكل هلا مهمة سرد ما يريد حيث يبقى هو متوار عن الأنظار، ولكن كل ما يرد قوله هو رهن بهذا السارد المصطنع .

شهرزاد تحكي بقلق

يبدو أن هذا السرد الحذر، كان يحتاج إلى محفز ودافع لإعطائه الصفة الشرعية، فشهرزاد لا يمكن أن تبدأ السرد بلا محفز بحيث لا تكون هي البادئة في الحديث، وللتغلب على هذه المشكلة طلبت من أختها القدوم للسلام عليها، ومن ثم طلبت منها أن تطلب منها أمام الملك سرد بعض الحكايات حتى ينقضي الليل، وهكذا استطاع السرد أن يتسلل إلى وجدان الملك، ولكن دون أن يكون مباشرا وصادما وحتى دافعا إلى الشك .

تبدأ حكاية ألف ليلة وليلة على المستوى السردي براوٍ مجهول، جرى تحميله مسؤولية ما سيقال، لذلك كانت ( يحكى أن ) فاتحة النص الأفضل والأنجع والأكثر ملاءمة للحيلولة دون أن تلقى المسؤولية على شخص ما. فالفعل يحكى عبارة عن فعل مضارع مبني للمجهول وفاعله غير معلوم ، ونتيجة لذلك فإن الملاحقة لن تكون ذات جدوى لأن الفاعل مختف، وهذا طبعا تمهيد ليتحول السرد إلى راوٍ آخر ولكن ضمن الإطار الداخلي للنص أو القصة التي نؤكد مرة أخرى على أن ساردها الكلي غير معلوم، فشهرزاد تتخذ على المستوى السردي دورين: دور السارد الداخلي القائم بمهمة السرد، ودور الشخصية المشاركة في الحدث، فالحكاية الأولى من حكايات شهرزاد، تتم عبر تقنية راوٍ خارجي وهو الراوي المجهول الذي تحدثنا عنه سابقا حيث تبدأ الحكاية بالعبارة التالية :
" قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجر من التجار . .."

يلاحظ في المقطع السابق، كيفية تكون السرد، فعبارة (قالت ) تشير إلى أن هناك شخص آخر أو صوت آخر يتحدث، وهذا الصوت يتلاشى بعيدا عندما يظهر صوت شهرزاد تقول " بلغني أيها الملك السعيد " لينتقل السرد على المستوى العملي إلى شهرزاد .

إن السرد الذي تمارسه شهرزاد بدقة وعناية وحذر شديدين سرد خطير، لأنه يحمل بين طياته موتها الحتمي ما لم تتمكن من جذب انتباه الملك السعيد، لذلك فهي تلجأ إلى عبارة (بلغني) وهذه العبارة تخلص شهرزاد من تبعات ما تقول إذ لم يعجب الملك قولها أو حديثها، إن الحذر يحيط بالنص من حيث القص والإخبار بحيث يتحول إلى عبءٍ ثقيل، الكل يرغب في إزاحته عن كاهله والتخلص منه .

وإذا ما أردنا أن نبحث فيما وراء هذه الحذر في سرد حكاية، يلجأ كل من فيها إلى إخلاء طرفه، لا بد أن المناخ الثقافي المحيط بفضاء النص هو المسؤول، وهذا المناخ عند تحليله فإننا سنجد عددا من النقاط التي تقلل من الحيرة وهي :

أولا : حساسية الموضوع حيث يدور حول غضب ملك خانته زوجته .
ثانيا : القتل الذي مارسه لكم هائل من الفتيات البريئات .
ثالثا : هيبة الملك والسلطة .
رابعا : هيمنة الرجل والسطوع الذكوري مقابل الأنثى في المطلق .
خامسا : الرغبة في التخلص من تبعة نقل نص أو حكاية ما خوفا من العواقب .
سادسا : الخوف من تأويل النص .

وهكذا يتشكل لدى القارئ تصور حول بنية السرد المتبعة في نص إشكالي على أكثر من صعيد وضمن أكثر من إطار وربما كانت التقنية السردية المتعبة في نص ألف وليلة مؤشرا واضحا على الحيثيات المحيطة بالأسلوب المتبع في سرد الحكاية،وهكذا كان الأسلوب تابعا للفضاء السيكولوجي للنص مما حتم آلية سردية اتخذ أشكالا وظيفية محددة لعل أهمها درء الخطر المحدق في وجه الجميع .
 
أعلى