منصورة عز الدين - الكتاب القاتل

الكتاب القاتل! هذا هو الوصف الذي ربطته الأساطير ب"ألف ليلة وليلة".
ألم يقل القدماء إن الموت هو الثمن الذي يدفعه من يجرؤ علي قراءة الليالي كاملة؟
هنا تصير القراءة فعلاً خطيراً يؤدي إلي هلاك القارئ. ويصبح الكتاب بمثابة اللعنة، لكنّها لعنة فاتنة في حالة ألف ليلة، ذلك العمل الذي تم تهميشه ونفيه ومحاربته طويلاً عبر قرون من تاريخ الثقافة العربية "الرسمية" التي نظرت له كعمل "غث، بارد الحديث" علي قول ابن النديم.
مفارقة مثيرة تثيرها الليالي والشائعات التي أُحيطت بها، فشهرزاد تقاوم الموت عبر الحكي. يصبح الحكي/ الكتابة فعل حياة بإمتياز، لكن أقاويل كارهي الكتاب القدماء تربطه بالموت، إذ تجعل قراءته كاملة طريقا للموت. هذه المفارقة دفعت عبد الفتاح كيليطو للتساؤل في تمهيده ل"العين والإبرة": "بواسطة أي مفعول سحري يغدو الكتاب عنصراً من عناصر الموت، هذا في الوقت الذي يقدم فيه نفسه بوصفه مساعداً وبلسماً مخصصاً لتقوية الحياة وتحسينها؟"، غير أن كيليطو يعتبر هذا الحظر للّيالي إشادة غير مقصودة بها، واعترافاً بسلطتها. "لا يُقرأ هذا الكتاب كما تُقرأ سائر الكتب. بداخله يوجد شيء ما سحري، وإذن مرعب. وهو في ذلك يشبه الكتاب المسجل به مصير كل فرد علي حدة، لكون نهايته تلتقي مع لحظة موت القارئ. بهذا المعني، فإن الموت هو ثمن القراءة، أي ثمن الحياة".
الآن، ومن جديد، تتعرض الليالي لحملة كراهية أخري، مع المطالبة بمصادرة طبعتها التي صدرت مؤخراً عن سلسلة الذخائر، ونفدت عن آخرها في وقت قياسي. لذا، نخصص "بستان الكتب" بكامله هذا الشهر ل"ألف ليلة وليلة"، ليس دفاعاً عنها، إنما تقدير لها واعتراف بفضلها. فالعمل الذي حافظ علي سحره وتأثيره طوال قرون من التهميش، ليس في حاجة للدفاع عنه، بقدر ما نحتاج نحن لمزيد من القراءة له بحثاً عن سره ومكمن المتعة والإغواء فيه. نعم الليالي لا تحتاج إلينا، بعد أن اخترقت حاجز اللغات والثقافات ونشرت سحرها وتأثيرها علي أهم كتّاب العالم علي اختلاف ثقافاتهم، نحن من نحتاج إليها. نحتاج إلي تلك البوتقة التي صهرت جماع ثقافات عريقة متنوعة (عربية، هندية، فارسية، ويونانية) وخرجت بالإنجاز الأهم للثقافة العربية.
لكن يبقي التساؤل: من يخاف الجسر الأكثر فتنة بين الشفاهي والكتابي؟!


* أخبار الأدب : 08 - 05 - 2010
 
أعلى