نقوس المهدي
كاتب
الليلة الثامنة عشرة
وقال مرةً: تعال حتى نجعل ليلتنا هذه مجونية، ونأخذ من الهزل بنصيب وافر، فإن الجد قد كدنا، ونال من قوانا، وملأنا قبضاً وكرباً، هات ما عندك، قلت: قال حسنون المجنون بالكوفة يوماً - وقد اجتمع إليه المجان يصف كل واحد منهم لذات الدنيا - فقال: أما أنا فأصف ما جربته؛ فقالوا: هات؛ فقال: الأمن والعافية، وصفع الصلع الزرق، وحك الجرب، وأكل الرمان في الصيف، والطلاء في كل شهرين، وإتيان النساء الرعن والصبيان الزعر، والمشي بلا سراويل بين يدي من لا تحتشمه، والعربدة على الثقيل، وقلة خلاف من تحبه والتمرس بالحمقى ومؤاخاة ذوي الوفاء، وترك معاشرة السفلة.
وقال الشاعر:
أصبحت من سفل الأنام ... إذ بعث عرضي بالطعام
أصبحت صفعاناً لئي ... م النفس من قومٍ لئام
في است أم ربات الخيا ... م ومن يحن إلى الخيام
نفسي تحن إلى الهلا ... م الموت من دون الهلام
من لحم جديٍ راضعٍ ... رخص المفاصل والعظام
هذا لأولاد الخطا ... يا والبغايا والحرام
حي القدور الراسيا ... ت وإن صممن عن الكلام
وقصاعهن إذا أتي ... نك طافحاتٍ بالسلام
لهفي على سكباجةٍ ... تشفي القلوب من السقام
يا عاذلي أسرفت في ... عذل الخليع المستهام
رجلٌ يعض إذا نصح ... ت له على فأس اللجام
دع عذل من يعصي العذو ... ل ولا يصيخ إلى الملام
خلع العذار وراح في ... ثوب المعاصي والأثام
شيخٌ يصلي قاعداً ... وينيك عشراً من قيام
ويعاف نيك الغانيا ... ت ويشتهي نيك الغلام
وتراه يرعد حين يذ ... كر عنده شهر الصيام
خوفاً من الشهر المعذ ... ب نفسه في كل عام
سلس القياد إلى التصا ... بي والملاهي والحرام
من للمروءة والفتوة ... بعد موتي والندام
من للسماح وللرما ... ح لدى الهزاهز والحسام
من للواط وللحلا ... ق وللملمات العظام
كان محمد بن الحسن الجرجاني متقعراً في كلامه، فدخل الحمام يوماً، فقال للقيم: أين الجليدة التي تسلخ بها الضويطة من الإخفيق؟ قال: فصفع القيم قفاه بجلدة النورة وخرج هارباً، فلما خرج من الحمام وجه إلى صاحب الشرطة، فأخذ القيم وحبسه، فلما كان عشاء ذلك اليوم كتب إليه القيم رقعةً يقول فيها: قد أبرمني المحبوسون بالمسئلة عن السبب الذي حبست له، فإما خليتني وإما عرفتهم. فوجه من أطلقه، واتصل الخبر بالفتح، فحدث المتوكل، فقال: ينبغي أن يغني هذا القيم عن الخدمة في الحمام. وامر له بمائتي دينار.
قال: وكان بالبصرة مخنثٌ يجمع ويعشق بعض المهالبة، فلم يزل المخنث به حتى أوقعه، قال: فلقيته من غدٍ فقلت له: كيف كانت وقعة الجفرة عندكم البارحة؟ فقال: لما تدانت الأشخاص، ورق الكلام، والتفت الساق بالساق، ولطخ باطنها بالبزاق، وقرع البيض بالذكور، وجعلت الرماح تمور؛ صبر الكريم فلم يجزع، وسلم طائعاً فلم يخدع؛ ثم انصرف القوم على سلم، بأفضل غنم؛ وشفيت الصدور، وسكنت حرارة النفوس، ومات كل وجد، وأصيب مقتل كل هجر، واتصل الحبل، وانعقد الوصل. قال: فلو كان أعد هذا الكلام لمسئلتي قبل ذلك بدهر لكان قد أجاد.
وقال أبو فرعون الشاشي:
أنا أبو فرعون فاعرف كنيتي ... حل أبو عمرة وسط حجرتي
وحل نسج العنكبوت برمتي ... أعشب تنوري وقلت حنطتي
وحالف القمل زماناً لحيتي ... وضعفت من الهزال ضرطتي
وصار تباني كفاف خصيتي ... أير حمارٍ في حر أم عيشتي
أبو عمرة: صاحب شرطة المختار بن عبيد، كان لا ينزل بقوم إلا اجتاحهم، فصار مثلاً لك شؤم وشر. ويقال أيضاً: إن أبا عمرة اسم الجوع، هكذا حدثني به أبو الحسن البصري.
وأنشد بشر بن هارون في أبي طاهر:
أبا عبد الإله وأنت حرٌ ... من الأحرار منزوع القلاده
سألتك بالإله لتخبرني ... أجهلك مستفادٌ أم ولاده؟
فإن يك فيك مولوداً فعذرٌ ... وإن يك حادثاً لك باستفاده
فواعجباً يزيد الناس فضلاً ... وأنت تزيد نقصاً بالزيادة!
حكى الصولي: حدثنا ميمون بن مهران قال: كان معنا مخنثٌ يلقب مشمشة - وكان أمياً - فكتب بحضرته رجلٌ إلى صديق له كتاباً، فقال المخنث: اكتب إليه: مشمشة يقرأ عليك السلام؛ فقال: قد فعلت - وما كان فعل - فقال: أرني؛ فقال: هذا اسمك؛ فقال: هيهات، اسمي في الكتاب شبه داخل الأذن، فعجبنا من جودة تشبيهه.
قال نضلة: مررت بكناسين أحدهما في البئر والآخر على رأس البئر، وإذا ضجة، فقال الذي في البئر: ما الخبر؟ فقال: قبض على علي بن عيسى؟ فقال: من أقعدوا بدله؟ قال: ابن الفرات؛ قال: قاتلهم الله، أخذوا المصحف ووضعوا بدله الطنبور.
كتب أبو العيناء إلى ابن مكرم: قد أصبت لك غلاماً من بني ناعظ، ثم من بني ناشرة، ثم من بني نهد. فكتب إليه: ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
وقدم رجلٌ مع امرأة إلى القاضي ومعها طفلٌ، فقالت: هذا ابنه، فقال الرجل: أعز الله القاضي ما أعرفه؛ فقال القاضي: اتق الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، فهذا وأمه على فراشك؛ قال الرجل: ما تنايكنا إلا في الاست، فمن أين لي ولد؟ فقالت المرأة: أعز الله القاضي؛ قل له: ما رأيت؟ يعرفه؛ فكف الرجل، وأخذ بيد ولده وانصرف.
قال: وسمعت آخر يقول لشاطر: اسكت، فإن نهراً جرى فيه الماء لابد أن يعود إليه. فقال له الآخر: حتى يعود إليه الماء تكن قد ماتت ضفادعه.
ومن كلام الشطار: أنا البغل الحرون، والجمل الهائج، أنا الفيل المغتلم لو كلمني عدوي لعقدت شعر أنفه إلى شعر استه حتى يشم فساءه، كأنه القنفذة.
وقال بعض القصاص: في النبيذ شيء من الجنة " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " والنبيذ يذهب الحزن.
قال وسمعت ماجنةٌ تقول: ضر وسر، وقد وارقد، واطرح واقترح.
قال ابن أبي طاهر: دعا مرة قوماً وأمر جاريته أن تبخرهم، فأدخلت يدها في ثوب بعضهم فوجدت أيره قائماً، فجعلت تمرسه وتلعب به وأطالت؛ فقال مولاها: أيش آخر هذا العود؟ احترق؟ قالت: يا مولاي، هو عقدة.
قال مزيد: كان الرجل فيما مضى إذا عشق الجارية راسلها سنةً، ثم رضي أن يمضغ العلك الذي تمضغه، ثم إذا تلاقيا تحدثا وتناشدا الأشعار، فصار الرجل اليوم إذا عشق الجارية لم يكن له هم إلا أن يرفع رجلها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة.
قال ابن سيرين: كانوا يعشقون من غير ريبة، فكان لا يستنكر من الرجل أن يجيء فيحدث أهل البيت ثم يذهب. قال هشام: ولكنهم لا يرضون اليوم إلا بالمواقعة.
قال الأصمعي: قلت لأعرابي: هل تعرفون العشق بالبادية؟ قال: نعم، أيكون أحدٌ لا يعرفه. قلت: فما هو عندكم؟ قال: القبلة والضمة والشمة، قلت: ليس هو هكذا عندنا. قال: وكيف هو؟ قلت: أن يتفخذ الرجل المرأة فيباضعها. فقال: قد خرج إلى طلب الولد.
قال بشر بن هارون:
إن أبا موسى له لحيةٌ ... تدخل في الجحر بلا إذن
وصورةٌ في العين مثل القذى ... ونغمةٌ كالوقر في الأذن
كم صفعةٍ صاحت إلى صافعٍ ... بالنعل من أخدعه: خذني
وقال لنا أبو يوسف: قال جحظة: حضرت مجلساً فيه جماعةٌ من وجوه الكتاب، وعندنا قينةٌ محسنةٌ حاضرة النادرة، فقال لها بعضهم: بحياتي عليك غني لي:
لست مني ولست منك فدعني ... وامض عني مصاحباً بسلام
فقالت: أهكذا كان أبوك يغنيك؟ فأخجلته.
اشترى مدينيٌ رطباً، فأخرج صاحب الرطب كيلجةً صغيرةً ليكيل بها، فقال المديني: والله لو كلت بها حسناتٍ ما قبلتها.
سئل أبو عمارة قاضي الكوفة: أي بنيك أثقل؟ قال: ما فيهم بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الأوسط.
اجتمع جماعةٌ عند جامعٍ الصيدناني، فقال أحدهم: ليس للمخمور أنفع من سلحه، فقال جامع: أخذتها والله من فمي.
قال رجل لرؤبة: أتهمز الخرأ؟ قال: بإصبعك يابن الخبيثة.
وقف أعرابيٌ على قوم يسائلهم، فقال لأحدهم: ما اسمك؟ قال: مانع؛ وقال للآخر: ما اسمك؟ قال: محرز؛ وقال للآخر: ما اسمك؟ قال: حافظ؛ قال: قبحكم الله، ما أظن الأقفال إلا من أسمائكم.
من كلام العامة: منارة الإسكندرية عندك خشخاشة فارغة....
قال جحظة: قرأت على فص ماجنةٍ: ليلة عرسي؛ ثقبوا بالأير كسي. وعلى فص ماجنةٍ أخرى؛ السحق أخفى والنيك أشفى.
وقال جحا لأبي مسلم صاحب الدعوة: إني نذرت إن رأيتك أن آخذ منك ألف درهم. فقال: رأيت أصحاب النذور يعطون لا يأخذون، وأمر له بها.
قال السري: رأيت المخنث الذي يعرف بالغريب، وإنسانٌ من العامة قد آذاه وطال ذلك، فالتفت إليه وقال له: يا مشقوق؛ نعلك زائفة، وقميصك مقرون الحاجبين، وإزراك صدفٌ أزرق، وأنت تتلاهى بأولاد الملوك والأمراء. قال السري: فخجل العامي ومر، فقلت له: فسر لي هذا الغريب. فقال: امضر إلى ثعلب. فقلت: ليس هذا من عمله؛ فسره لي. قال: النعل الزائفة التي تجرف التراب جرفاً، والقميص المقرون، هو الخلق الذي في كتفيه رقعتان أجود منه، فهما تفصحان بياناً، والإزار صدفٌ أزرق، أي مخرقٌ مفتت.
فقلت: فقولك: يا مشقوق؟ قال: قطيع الظهر.
قيل للشعبي: أيجوز أن يصلى في البيعة؟ قال: نعم. ويجوز أن يخرأ فيها.
وقال سعيد بن جبير: القبلة رسول الجماع.
وقال الرشيد للجماز: كيف مائدة محمد بن يحيى، يعني البرمكي. قال: شبرٌ في شبر؛ وصحفته من قشر الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف مضرب كرة؛ وبين اللون واللون فترة نبي. قال: فمن يحضرها: قال: الكرام الكاتبون؛ فضحك وقال: لحاك الله من رجل.
قال نضلة: دخلت ساقيةً في الكرخ فتوضأت؛ فلما خرجت تعلق السقاء بي وقال: هات قطعة؛ فضرطت ضرطةً وقلت: خل الآن سبيلي فقد نقضت وضوئي؛ فضحك وخلاني.
وعد رجلٌ بعض إخوانه أن يهدي إليه بغلاً؛ فطال مطله، فأخذ قارورة وبال فيها وجاء إلى الطبيب وقال: انظر إلى هذا الماء، هل يهدي إلي بعض إخواني بغلاً.
حدثنا ابن الخلال البصري قال: سمعت ابن اليعقوبي يقول: رأيت على باب المربد خالداً الكاتب وهو ينادي: يا معشر الظرفاء، والمتخلقين بالوفاء؛ أليس من العجب العجيب، والنادر الغريب، أن شعري يزني به ويلاط منذ أربعين سنةً وأنا أطلب درهماً فلا أعطى، ثم أنشأ يقول:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
صرت كأني ذبالةٌ نصبت ... تضىء للناس وهي تحترق
وسمعت الماجن المعروف بالغراب يقول: ويلك أيش في ذا؟ لا تختلط الحنطة بالشعير، أو يصنع الباذنجان قرعاً، أو يتحول الفجل إلى الباقلاء، ويصير الخرنوب إلى الأرندج.
وسمعت دجاجة المخنث يقول لآخر: إنما أنت بيتٌ بلا باب، وقدمٌ بلا ساق، وأعمى بلا عصا، ونارٌ بلا حطب، ونهرٌ بلا معبر، وحائطٌ بلا سقف.
وشتم آخر فقال: يا رأس الأفعى، ويا عصا المكاري، ويا برنس الجاثليق، يا كودن القصار، يا بيرم النجار؛ يا ناقوس النصارى؛ يا ذرور العين، يا تخت الثياب، يا طعن الرمح في الترس؛ يا مغرفة القدور، ومكنسة الدور؛ لا تبالي أين وضعت؟ ولا أي جحرٍ دخلت؟ ولا في أي خانٍ نزلت، ولا في أي حمام عملت؛ إن لم تكن في الكوة مترساً فتح اللصوص الباب؛ يا رحىً على رحى؛ ووعاءً في وعاء، وغطاءً على غطاء، وداءً بلا دواء؛ وعمىً على عمى؛ ويا جهد البلاء؛ ويا سطحاً بلا ميزاب، ويا عوداً بلا مضراب، ويا فماً بلا ناب، ويا سكيناً بلا نصاب، ويا رعداً بلا سحاب، ويا كوةً بلا باب؛ ويا قميصاً بلا مئزر، ويا جسراً بلا نهر، ويا قراً على قر؛ ويا شط الصراة، ويا قصراً بلا مسناه ويا ورق الكماه، يا مطبخاً بلا أفواه؛ يا ذنب الفار، يا قداراً بلا أبزار، يا رأس الطومار، يا رسولاً بلا أخبار؛ يا خيط البواري، يا رحىً في صحاري، يا طاقاتٍ بلا سواري.
دخل أبو نواس على عنان جارية الناطفي فقال لها:
لو رأى في البيت جحراً ... لنزا حتى يموتا
أو رأى في البيت ثقباً ... لتحول عنكبوتا
فأجابته:
زوجوا هذا بألفٍ ... وأظن الألف توتا
قبل أن ينقل الدا ... ء فلا يأتي ويوتى
فقال - أدام الله دولته، وبسط لديه نعمته - قدم هذ الفن على غيره، وما ظننت أن هذا يطرد في مجلسٍ واحد، وربما عيب هذا النمط كل العيب، وذلك ظلم، لأن النفس تحتاج إلى بشر. وقد بلغني أن ابن عباس كان يقول في مجلسه بعد الخوض في الكتاب والسنة والفقه والمسائل: احمصوا، وما أراه أراد بذلك إلا لتعديل النفس لئلا يلحقها كلال الجد، ولتقتبس نشاطاً في المستأنف، ولتستعد لقبول ما يرد عليها فتسمع؛ والسلام.
وقال مرةً: تعال حتى نجعل ليلتنا هذه مجونية، ونأخذ من الهزل بنصيب وافر، فإن الجد قد كدنا، ونال من قوانا، وملأنا قبضاً وكرباً، هات ما عندك، قلت: قال حسنون المجنون بالكوفة يوماً - وقد اجتمع إليه المجان يصف كل واحد منهم لذات الدنيا - فقال: أما أنا فأصف ما جربته؛ فقالوا: هات؛ فقال: الأمن والعافية، وصفع الصلع الزرق، وحك الجرب، وأكل الرمان في الصيف، والطلاء في كل شهرين، وإتيان النساء الرعن والصبيان الزعر، والمشي بلا سراويل بين يدي من لا تحتشمه، والعربدة على الثقيل، وقلة خلاف من تحبه والتمرس بالحمقى ومؤاخاة ذوي الوفاء، وترك معاشرة السفلة.
وقال الشاعر:
أصبحت من سفل الأنام ... إذ بعث عرضي بالطعام
أصبحت صفعاناً لئي ... م النفس من قومٍ لئام
في است أم ربات الخيا ... م ومن يحن إلى الخيام
نفسي تحن إلى الهلا ... م الموت من دون الهلام
من لحم جديٍ راضعٍ ... رخص المفاصل والعظام
هذا لأولاد الخطا ... يا والبغايا والحرام
حي القدور الراسيا ... ت وإن صممن عن الكلام
وقصاعهن إذا أتي ... نك طافحاتٍ بالسلام
لهفي على سكباجةٍ ... تشفي القلوب من السقام
يا عاذلي أسرفت في ... عذل الخليع المستهام
رجلٌ يعض إذا نصح ... ت له على فأس اللجام
دع عذل من يعصي العذو ... ل ولا يصيخ إلى الملام
خلع العذار وراح في ... ثوب المعاصي والأثام
شيخٌ يصلي قاعداً ... وينيك عشراً من قيام
ويعاف نيك الغانيا ... ت ويشتهي نيك الغلام
وتراه يرعد حين يذ ... كر عنده شهر الصيام
خوفاً من الشهر المعذ ... ب نفسه في كل عام
سلس القياد إلى التصا ... بي والملاهي والحرام
من للمروءة والفتوة ... بعد موتي والندام
من للسماح وللرما ... ح لدى الهزاهز والحسام
من للواط وللحلا ... ق وللملمات العظام
كان محمد بن الحسن الجرجاني متقعراً في كلامه، فدخل الحمام يوماً، فقال للقيم: أين الجليدة التي تسلخ بها الضويطة من الإخفيق؟ قال: فصفع القيم قفاه بجلدة النورة وخرج هارباً، فلما خرج من الحمام وجه إلى صاحب الشرطة، فأخذ القيم وحبسه، فلما كان عشاء ذلك اليوم كتب إليه القيم رقعةً يقول فيها: قد أبرمني المحبوسون بالمسئلة عن السبب الذي حبست له، فإما خليتني وإما عرفتهم. فوجه من أطلقه، واتصل الخبر بالفتح، فحدث المتوكل، فقال: ينبغي أن يغني هذا القيم عن الخدمة في الحمام. وامر له بمائتي دينار.
قال: وكان بالبصرة مخنثٌ يجمع ويعشق بعض المهالبة، فلم يزل المخنث به حتى أوقعه، قال: فلقيته من غدٍ فقلت له: كيف كانت وقعة الجفرة عندكم البارحة؟ فقال: لما تدانت الأشخاص، ورق الكلام، والتفت الساق بالساق، ولطخ باطنها بالبزاق، وقرع البيض بالذكور، وجعلت الرماح تمور؛ صبر الكريم فلم يجزع، وسلم طائعاً فلم يخدع؛ ثم انصرف القوم على سلم، بأفضل غنم؛ وشفيت الصدور، وسكنت حرارة النفوس، ومات كل وجد، وأصيب مقتل كل هجر، واتصل الحبل، وانعقد الوصل. قال: فلو كان أعد هذا الكلام لمسئلتي قبل ذلك بدهر لكان قد أجاد.
وقال أبو فرعون الشاشي:
أنا أبو فرعون فاعرف كنيتي ... حل أبو عمرة وسط حجرتي
وحل نسج العنكبوت برمتي ... أعشب تنوري وقلت حنطتي
وحالف القمل زماناً لحيتي ... وضعفت من الهزال ضرطتي
وصار تباني كفاف خصيتي ... أير حمارٍ في حر أم عيشتي
أبو عمرة: صاحب شرطة المختار بن عبيد، كان لا ينزل بقوم إلا اجتاحهم، فصار مثلاً لك شؤم وشر. ويقال أيضاً: إن أبا عمرة اسم الجوع، هكذا حدثني به أبو الحسن البصري.
وأنشد بشر بن هارون في أبي طاهر:
أبا عبد الإله وأنت حرٌ ... من الأحرار منزوع القلاده
سألتك بالإله لتخبرني ... أجهلك مستفادٌ أم ولاده؟
فإن يك فيك مولوداً فعذرٌ ... وإن يك حادثاً لك باستفاده
فواعجباً يزيد الناس فضلاً ... وأنت تزيد نقصاً بالزيادة!
حكى الصولي: حدثنا ميمون بن مهران قال: كان معنا مخنثٌ يلقب مشمشة - وكان أمياً - فكتب بحضرته رجلٌ إلى صديق له كتاباً، فقال المخنث: اكتب إليه: مشمشة يقرأ عليك السلام؛ فقال: قد فعلت - وما كان فعل - فقال: أرني؛ فقال: هذا اسمك؛ فقال: هيهات، اسمي في الكتاب شبه داخل الأذن، فعجبنا من جودة تشبيهه.
قال نضلة: مررت بكناسين أحدهما في البئر والآخر على رأس البئر، وإذا ضجة، فقال الذي في البئر: ما الخبر؟ فقال: قبض على علي بن عيسى؟ فقال: من أقعدوا بدله؟ قال: ابن الفرات؛ قال: قاتلهم الله، أخذوا المصحف ووضعوا بدله الطنبور.
كتب أبو العيناء إلى ابن مكرم: قد أصبت لك غلاماً من بني ناعظ، ثم من بني ناشرة، ثم من بني نهد. فكتب إليه: ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
وقدم رجلٌ مع امرأة إلى القاضي ومعها طفلٌ، فقالت: هذا ابنه، فقال الرجل: أعز الله القاضي ما أعرفه؛ فقال القاضي: اتق الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، فهذا وأمه على فراشك؛ قال الرجل: ما تنايكنا إلا في الاست، فمن أين لي ولد؟ فقالت المرأة: أعز الله القاضي؛ قل له: ما رأيت؟ يعرفه؛ فكف الرجل، وأخذ بيد ولده وانصرف.
قال: وسمعت آخر يقول لشاطر: اسكت، فإن نهراً جرى فيه الماء لابد أن يعود إليه. فقال له الآخر: حتى يعود إليه الماء تكن قد ماتت ضفادعه.
ومن كلام الشطار: أنا البغل الحرون، والجمل الهائج، أنا الفيل المغتلم لو كلمني عدوي لعقدت شعر أنفه إلى شعر استه حتى يشم فساءه، كأنه القنفذة.
وقال بعض القصاص: في النبيذ شيء من الجنة " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " والنبيذ يذهب الحزن.
قال وسمعت ماجنةٌ تقول: ضر وسر، وقد وارقد، واطرح واقترح.
قال ابن أبي طاهر: دعا مرة قوماً وأمر جاريته أن تبخرهم، فأدخلت يدها في ثوب بعضهم فوجدت أيره قائماً، فجعلت تمرسه وتلعب به وأطالت؛ فقال مولاها: أيش آخر هذا العود؟ احترق؟ قالت: يا مولاي، هو عقدة.
قال مزيد: كان الرجل فيما مضى إذا عشق الجارية راسلها سنةً، ثم رضي أن يمضغ العلك الذي تمضغه، ثم إذا تلاقيا تحدثا وتناشدا الأشعار، فصار الرجل اليوم إذا عشق الجارية لم يكن له هم إلا أن يرفع رجلها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة.
قال ابن سيرين: كانوا يعشقون من غير ريبة، فكان لا يستنكر من الرجل أن يجيء فيحدث أهل البيت ثم يذهب. قال هشام: ولكنهم لا يرضون اليوم إلا بالمواقعة.
قال الأصمعي: قلت لأعرابي: هل تعرفون العشق بالبادية؟ قال: نعم، أيكون أحدٌ لا يعرفه. قلت: فما هو عندكم؟ قال: القبلة والضمة والشمة، قلت: ليس هو هكذا عندنا. قال: وكيف هو؟ قلت: أن يتفخذ الرجل المرأة فيباضعها. فقال: قد خرج إلى طلب الولد.
قال بشر بن هارون:
إن أبا موسى له لحيةٌ ... تدخل في الجحر بلا إذن
وصورةٌ في العين مثل القذى ... ونغمةٌ كالوقر في الأذن
كم صفعةٍ صاحت إلى صافعٍ ... بالنعل من أخدعه: خذني
وقال لنا أبو يوسف: قال جحظة: حضرت مجلساً فيه جماعةٌ من وجوه الكتاب، وعندنا قينةٌ محسنةٌ حاضرة النادرة، فقال لها بعضهم: بحياتي عليك غني لي:
لست مني ولست منك فدعني ... وامض عني مصاحباً بسلام
فقالت: أهكذا كان أبوك يغنيك؟ فأخجلته.
اشترى مدينيٌ رطباً، فأخرج صاحب الرطب كيلجةً صغيرةً ليكيل بها، فقال المديني: والله لو كلت بها حسناتٍ ما قبلتها.
سئل أبو عمارة قاضي الكوفة: أي بنيك أثقل؟ قال: ما فيهم بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الأوسط.
اجتمع جماعةٌ عند جامعٍ الصيدناني، فقال أحدهم: ليس للمخمور أنفع من سلحه، فقال جامع: أخذتها والله من فمي.
قال رجل لرؤبة: أتهمز الخرأ؟ قال: بإصبعك يابن الخبيثة.
وقف أعرابيٌ على قوم يسائلهم، فقال لأحدهم: ما اسمك؟ قال: مانع؛ وقال للآخر: ما اسمك؟ قال: محرز؛ وقال للآخر: ما اسمك؟ قال: حافظ؛ قال: قبحكم الله، ما أظن الأقفال إلا من أسمائكم.
من كلام العامة: منارة الإسكندرية عندك خشخاشة فارغة....
قال جحظة: قرأت على فص ماجنةٍ: ليلة عرسي؛ ثقبوا بالأير كسي. وعلى فص ماجنةٍ أخرى؛ السحق أخفى والنيك أشفى.
وقال جحا لأبي مسلم صاحب الدعوة: إني نذرت إن رأيتك أن آخذ منك ألف درهم. فقال: رأيت أصحاب النذور يعطون لا يأخذون، وأمر له بها.
قال السري: رأيت المخنث الذي يعرف بالغريب، وإنسانٌ من العامة قد آذاه وطال ذلك، فالتفت إليه وقال له: يا مشقوق؛ نعلك زائفة، وقميصك مقرون الحاجبين، وإزراك صدفٌ أزرق، وأنت تتلاهى بأولاد الملوك والأمراء. قال السري: فخجل العامي ومر، فقلت له: فسر لي هذا الغريب. فقال: امضر إلى ثعلب. فقلت: ليس هذا من عمله؛ فسره لي. قال: النعل الزائفة التي تجرف التراب جرفاً، والقميص المقرون، هو الخلق الذي في كتفيه رقعتان أجود منه، فهما تفصحان بياناً، والإزار صدفٌ أزرق، أي مخرقٌ مفتت.
فقلت: فقولك: يا مشقوق؟ قال: قطيع الظهر.
قيل للشعبي: أيجوز أن يصلى في البيعة؟ قال: نعم. ويجوز أن يخرأ فيها.
وقال سعيد بن جبير: القبلة رسول الجماع.
وقال الرشيد للجماز: كيف مائدة محمد بن يحيى، يعني البرمكي. قال: شبرٌ في شبر؛ وصحفته من قشر الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف مضرب كرة؛ وبين اللون واللون فترة نبي. قال: فمن يحضرها: قال: الكرام الكاتبون؛ فضحك وقال: لحاك الله من رجل.
قال نضلة: دخلت ساقيةً في الكرخ فتوضأت؛ فلما خرجت تعلق السقاء بي وقال: هات قطعة؛ فضرطت ضرطةً وقلت: خل الآن سبيلي فقد نقضت وضوئي؛ فضحك وخلاني.
وعد رجلٌ بعض إخوانه أن يهدي إليه بغلاً؛ فطال مطله، فأخذ قارورة وبال فيها وجاء إلى الطبيب وقال: انظر إلى هذا الماء، هل يهدي إلي بعض إخواني بغلاً.
حدثنا ابن الخلال البصري قال: سمعت ابن اليعقوبي يقول: رأيت على باب المربد خالداً الكاتب وهو ينادي: يا معشر الظرفاء، والمتخلقين بالوفاء؛ أليس من العجب العجيب، والنادر الغريب، أن شعري يزني به ويلاط منذ أربعين سنةً وأنا أطلب درهماً فلا أعطى، ثم أنشأ يقول:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
صرت كأني ذبالةٌ نصبت ... تضىء للناس وهي تحترق
وسمعت الماجن المعروف بالغراب يقول: ويلك أيش في ذا؟ لا تختلط الحنطة بالشعير، أو يصنع الباذنجان قرعاً، أو يتحول الفجل إلى الباقلاء، ويصير الخرنوب إلى الأرندج.
وسمعت دجاجة المخنث يقول لآخر: إنما أنت بيتٌ بلا باب، وقدمٌ بلا ساق، وأعمى بلا عصا، ونارٌ بلا حطب، ونهرٌ بلا معبر، وحائطٌ بلا سقف.
وشتم آخر فقال: يا رأس الأفعى، ويا عصا المكاري، ويا برنس الجاثليق، يا كودن القصار، يا بيرم النجار؛ يا ناقوس النصارى؛ يا ذرور العين، يا تخت الثياب، يا طعن الرمح في الترس؛ يا مغرفة القدور، ومكنسة الدور؛ لا تبالي أين وضعت؟ ولا أي جحرٍ دخلت؟ ولا في أي خانٍ نزلت، ولا في أي حمام عملت؛ إن لم تكن في الكوة مترساً فتح اللصوص الباب؛ يا رحىً على رحى؛ ووعاءً في وعاء، وغطاءً على غطاء، وداءً بلا دواء؛ وعمىً على عمى؛ ويا جهد البلاء؛ ويا سطحاً بلا ميزاب، ويا عوداً بلا مضراب، ويا فماً بلا ناب، ويا سكيناً بلا نصاب، ويا رعداً بلا سحاب، ويا كوةً بلا باب؛ ويا قميصاً بلا مئزر، ويا جسراً بلا نهر، ويا قراً على قر؛ ويا شط الصراة، ويا قصراً بلا مسناه ويا ورق الكماه، يا مطبخاً بلا أفواه؛ يا ذنب الفار، يا قداراً بلا أبزار، يا رأس الطومار، يا رسولاً بلا أخبار؛ يا خيط البواري، يا رحىً في صحاري، يا طاقاتٍ بلا سواري.
دخل أبو نواس على عنان جارية الناطفي فقال لها:
لو رأى في البيت جحراً ... لنزا حتى يموتا
أو رأى في البيت ثقباً ... لتحول عنكبوتا
فأجابته:
زوجوا هذا بألفٍ ... وأظن الألف توتا
قبل أن ينقل الدا ... ء فلا يأتي ويوتى
فقال - أدام الله دولته، وبسط لديه نعمته - قدم هذ الفن على غيره، وما ظننت أن هذا يطرد في مجلسٍ واحد، وربما عيب هذا النمط كل العيب، وذلك ظلم، لأن النفس تحتاج إلى بشر. وقد بلغني أن ابن عباس كان يقول في مجلسه بعد الخوض في الكتاب والسنة والفقه والمسائل: احمصوا، وما أراه أراد بذلك إلا لتعديل النفس لئلا يلحقها كلال الجد، ولتقتبس نشاطاً في المستأنف، ولتستعد لقبول ما يرد عليها فتسمع؛ والسلام.