نقوس المهدي
كاتب
قبل ستين عاماً تقريباً، وصل رجل دين إلى احدى القرى. وعندما رأى هذا الرجل مسجد القرية القديم تيقن أن أهالي القرية هم من المسلمين. وتوجه وهو في أوج حالات السرور إلى مختار القرية وأبدى استعداده ليتولى امامة الجامع. ومن المفارقة أن المختار لم يؤد واجب الصلاة طوال حياته، ولم ير على الاطلاق مراسيم صلاة الجماعة. انتاب مختار القرية حالة من التفكير العميق وهو يصغي إلى مقترح رجل الدين. فقد كان شديد الاحراج خوفاً من أن يعلم رجل الدين بأنه لايعرف إداء الصلاة. ولذا وافق على طلب رجل الدين دون أن يبدي أية توضيحات.
وعنما حل الليل، جمع المختار أهالي القرية، وروى لهم مجىء رجل الدين ومقترحه بأن يكون أماماً للجامع. وفي الختام أوضح المختار بإنه لا يعرف قواعد الصلاة. وسأل المختار الحاضرين أي منكم يعرف هذه القواعد؟؟؟؟. وبانت علامات التعجب على وجوه الحاضرين دون أن يجيبوا على سؤال المختار. وفي النهاية تدخل أكبر أهالي القرية سناً وقال:" على حد علمي ليس من الواجب أن نعرف شيئاً عن قواعد الصلاة. يكفي أن نقلد ونردد كل ما يتفوه أويقوم به أمام الجامع".
وهكذا وُجد الحل، وبانت مظاهر الارتياح على وجوه الحاضرين وتحرك الجميع صوب المسجد القديم. وقف رجل الدين أمام الجميع، واصطف أهالي القرية خلفه. رفع رجل الدين يداه نحو شحمة الأذنين وشرع بالتمتمة. وقام المصلون برفع أيديهم صوب شحمة آذانهم ولكنهم لم يفهموا بدقة ما تفوه به الامام. ولذا بادروا بالهمهمة. بعد ذلك حرك الرجل يداه نحو الأسفل وقال بصوت جهوري...الله أكبر!. وصاح أهالي القرية بحماس وبصوت عال عبارة الله أكبر التي جذبتهم لأنهم فهموها. وقام الرجل بالتمتمة من جديد بعبارات غير مفهومة، وراح الأهالي بدورهم يرددون بتذمر عبارات غير مفهومة. ثم قام الرجل بوضع يداه على ركبتيه وردد بضع كلمات لم يفهمها الحاضرون. وقام الأهالي بتقليده ووضعوا أيديهم على ركابهم مع قدر من الهمهمة. ووقف الرجل من جديد وقال : الله أكبر. وقلد الحاضرون الرجل ووقفوا وصاحوا بأعلى أصواتهم الله أكبر!!. ثم سجد الرجل وردد بعض العبارات غير الواضحة، وشرع الأهالي أيضاً بالسجود وتمتموا ببعض الأصوات. وتربع الرجل، وجرياً على ذلك تربع الحاضرون. وفي أثناء ذلك حُشرت قدم رجل الدين في ثنايا خشبة أرضية المسجد، وراح الرجل يعربد جراء شدة الآلام في قدميه:آآآآآآآآخ. وصرخ الحاضرون أيضاً بحماس منقطع النظير: آآآآآآخ. وسعى رجل الدين إلى انقاذ قدميه من هذا المأزق، فراح يتحرك يميناً وشمالاً مستعيناً بيديه لتوسيع الشق بين الأخشاب. وما أن رأى الأهالي رجل الدين وهو يتمايل يمينياً وشمالاً حتى شرعوا يتقليده وراحوا يتحركون يميناً وشمالاً ويضريون أرضية المسجد الخشبية بأياديهم. وهنا صرخ رجل الدين بأعلى صوته " يارب أنقذني"!!. وسرعان ما قلد الأهالي رجل الدين وتضرعوا إلى الخالق بانقاذهم. عندها انبرى الرجل بالصياح قائلاً: " أيها الحمقى هل انتم عميان ....ألا ترون ما حل بي؟". وما أن اكمل الرجل كلامه حتى تعالى صياح أهل القرية مرددين نفس العبارة.
وقام الرجل بمسك خشبة أرضية المسجد كي يبعدها عن بعضها متضرعاً إلى الله كي يمد له يد العون. واعقبه الأهالي وقاموا بنفس الحركة ملتمسين العون من الله. وبعد ثلاث أو أربع دقائق، استطاع رجل الدين أن يتحرر من هذا المأزق، وألقى نظرة ذات معنى على أهالي القرية وهو يعاني من ألم شديد في قدميه مما أدى إلى سقوطه على الأرض وفي حالة إغماء. نظر أهالي القرية إلى ما حل بالرجل ورموا بانفسهم على الأرض، واستمروا على حالهم مقلدين الامام حتى استعاد امام الجامع وعيه. عندها توصل رجل الدين ألى قناعة بأنه قد أخطأ في المجيء إلى القرية، ولذلك ترك القرية بدون أن يقدم لأهلها أية إيضاحات.
ولكن منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم استمرت مراسيم صلاة الجماعة في هذه القرية. بالطبع بما أن الأهالي لم يتقنوا ما كان يردده رجل الدين من كلمات وعبارات بين عبارة الله أكبر، فإنهم لا يتمتمون بأي شيء ويكتفون بمراسيم مجللة في نهاية الصلاة. ولحد هذا اليوم جرى تأليف 12 كتاباً حول فلسفة مراسيم نهاية الصلاة. بالطبع هناك انحرافات جزئية عن الأصول قد شوهدت في القرية. فقد انقسم أهالي القرية جراء ذلك إلى 22 فرقة مذهبية. فالبعض يعتقد أنه من الواجب أن يكون قفاز اليد من الخشب كي يسهل التعامل مع أرضية المسجد الخشبية، في حين يعتقد آخرون أن لا مانع من استخدام كل شيء. كما يعتقد البعض أنه كلما كانت فترة الاغماء بعد الصلاة أطول، فإن ذلك سيؤدي إلى التقرب أكثر من الله. في حين يعتقد آخرون أن المهم هو كيفية الاغماء وليس مدته. نعم أنهم قد اختلفوا في الجزئيات، ولكنهم جميعاً أضحوا على اعتقاد راسخ بأنه بات من الضروري أن يمارس البعض دور المرجعية وآخرون دور المقلدين.
وعنما حل الليل، جمع المختار أهالي القرية، وروى لهم مجىء رجل الدين ومقترحه بأن يكون أماماً للجامع. وفي الختام أوضح المختار بإنه لا يعرف قواعد الصلاة. وسأل المختار الحاضرين أي منكم يعرف هذه القواعد؟؟؟؟. وبانت علامات التعجب على وجوه الحاضرين دون أن يجيبوا على سؤال المختار. وفي النهاية تدخل أكبر أهالي القرية سناً وقال:" على حد علمي ليس من الواجب أن نعرف شيئاً عن قواعد الصلاة. يكفي أن نقلد ونردد كل ما يتفوه أويقوم به أمام الجامع".
وهكذا وُجد الحل، وبانت مظاهر الارتياح على وجوه الحاضرين وتحرك الجميع صوب المسجد القديم. وقف رجل الدين أمام الجميع، واصطف أهالي القرية خلفه. رفع رجل الدين يداه نحو شحمة الأذنين وشرع بالتمتمة. وقام المصلون برفع أيديهم صوب شحمة آذانهم ولكنهم لم يفهموا بدقة ما تفوه به الامام. ولذا بادروا بالهمهمة. بعد ذلك حرك الرجل يداه نحو الأسفل وقال بصوت جهوري...الله أكبر!. وصاح أهالي القرية بحماس وبصوت عال عبارة الله أكبر التي جذبتهم لأنهم فهموها. وقام الرجل بالتمتمة من جديد بعبارات غير مفهومة، وراح الأهالي بدورهم يرددون بتذمر عبارات غير مفهومة. ثم قام الرجل بوضع يداه على ركبتيه وردد بضع كلمات لم يفهمها الحاضرون. وقام الأهالي بتقليده ووضعوا أيديهم على ركابهم مع قدر من الهمهمة. ووقف الرجل من جديد وقال : الله أكبر. وقلد الحاضرون الرجل ووقفوا وصاحوا بأعلى أصواتهم الله أكبر!!. ثم سجد الرجل وردد بعض العبارات غير الواضحة، وشرع الأهالي أيضاً بالسجود وتمتموا ببعض الأصوات. وتربع الرجل، وجرياً على ذلك تربع الحاضرون. وفي أثناء ذلك حُشرت قدم رجل الدين في ثنايا خشبة أرضية المسجد، وراح الرجل يعربد جراء شدة الآلام في قدميه:آآآآآآآآخ. وصرخ الحاضرون أيضاً بحماس منقطع النظير: آآآآآآخ. وسعى رجل الدين إلى انقاذ قدميه من هذا المأزق، فراح يتحرك يميناً وشمالاً مستعيناً بيديه لتوسيع الشق بين الأخشاب. وما أن رأى الأهالي رجل الدين وهو يتمايل يمينياً وشمالاً حتى شرعوا يتقليده وراحوا يتحركون يميناً وشمالاً ويضريون أرضية المسجد الخشبية بأياديهم. وهنا صرخ رجل الدين بأعلى صوته " يارب أنقذني"!!. وسرعان ما قلد الأهالي رجل الدين وتضرعوا إلى الخالق بانقاذهم. عندها انبرى الرجل بالصياح قائلاً: " أيها الحمقى هل انتم عميان ....ألا ترون ما حل بي؟". وما أن اكمل الرجل كلامه حتى تعالى صياح أهل القرية مرددين نفس العبارة.
وقام الرجل بمسك خشبة أرضية المسجد كي يبعدها عن بعضها متضرعاً إلى الله كي يمد له يد العون. واعقبه الأهالي وقاموا بنفس الحركة ملتمسين العون من الله. وبعد ثلاث أو أربع دقائق، استطاع رجل الدين أن يتحرر من هذا المأزق، وألقى نظرة ذات معنى على أهالي القرية وهو يعاني من ألم شديد في قدميه مما أدى إلى سقوطه على الأرض وفي حالة إغماء. نظر أهالي القرية إلى ما حل بالرجل ورموا بانفسهم على الأرض، واستمروا على حالهم مقلدين الامام حتى استعاد امام الجامع وعيه. عندها توصل رجل الدين ألى قناعة بأنه قد أخطأ في المجيء إلى القرية، ولذلك ترك القرية بدون أن يقدم لأهلها أية إيضاحات.
ولكن منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم استمرت مراسيم صلاة الجماعة في هذه القرية. بالطبع بما أن الأهالي لم يتقنوا ما كان يردده رجل الدين من كلمات وعبارات بين عبارة الله أكبر، فإنهم لا يتمتمون بأي شيء ويكتفون بمراسيم مجللة في نهاية الصلاة. ولحد هذا اليوم جرى تأليف 12 كتاباً حول فلسفة مراسيم نهاية الصلاة. بالطبع هناك انحرافات جزئية عن الأصول قد شوهدت في القرية. فقد انقسم أهالي القرية جراء ذلك إلى 22 فرقة مذهبية. فالبعض يعتقد أنه من الواجب أن يكون قفاز اليد من الخشب كي يسهل التعامل مع أرضية المسجد الخشبية، في حين يعتقد آخرون أن لا مانع من استخدام كل شيء. كما يعتقد البعض أنه كلما كانت فترة الاغماء بعد الصلاة أطول، فإن ذلك سيؤدي إلى التقرب أكثر من الله. في حين يعتقد آخرون أن المهم هو كيفية الاغماء وليس مدته. نعم أنهم قد اختلفوا في الجزئيات، ولكنهم جميعاً أضحوا على اعتقاد راسخ بأنه بات من الضروري أن يمارس البعض دور المرجعية وآخرون دور المقلدين.