رواد خيرالله - «ألف ليلة وليلة»... أصله عراقي؟

صدر أخيراً عن دار «ميزو بوتاميا للنشر والتوزيع» كتاب جديد للشاعر العراقي سامي مهدي، حمل عنوان «ألف ليلة وليلة... كتاب عراقي أصيل»، وفيه يردّ مهدي أشهر كتاب في التراث العربي إلى أصله العربي العراقي لا الفارسي، كما يقول.

يبحث الشاعر العراقي سامي مهدي عن قضايا شائكة دائماً، ويحاول تفكيكها أو التطرق إليها من جوانب مختلفة ومغايرة، من كتاباته عن رامبو إلى كتاباته عن توفيق صايغ. في مؤلفه الجديد، يحاول تفكيك ما أشيع عن أن {ألف ليلة وليلة} مترجم عن أصل فارسي يدعى {هزار أفسانة} أو {هزار أفسان}، ومعناها {ألف خرافة}، ثم ظهر من يدعي أن كتاب {مئة ليلة وليلة} كان أسبق منه في الظهور، وهذا وذاك ما يعارضه مهدي، كما قال. في رأيه أن الكتاب ليس مترجماً عن أصل أجنبي، بل هو في أصله كتاب عراقي مؤلف باللغة العربية، مشيراً إلى أن كتابه الجديد يمثل محاولة للكشف عن هذه الحقيقة، وتفنيد تلك الإشاعة، وتثبيت أسبقية كتاب {ألف ليلة وليلة} على كتاب {مئة ليلة وليلة}.

ويحاول المؤلف في بحثه إعادة قراءة النصوص القديمة التي استنتج منها المستشرقون، ثم الباحثون العرب، أن كتاب {ألف ليلة وليلة} مترجم عن أصل فارسي، فالمؤلف يرى أن المستشرقين ومن تبعهم من الباحثين العرب وقعوا في الخطأ في قراءة النصوص القديمة، لا سيما نص المسعودي في كتابه {مروج الذهب}، وابن النديم في كتابه {الفهرست}، ويكشف عن هذا الخطأ. ثم يفرق بين كتاب {ألف ليلة وليلة} وكتاب {هزار أفسان} ويستنتج، بعد تقديم مزيد من الأدلة والقرائن، أن لكتاب {ألف ليلة وليلة} أمّاً قديمة أُلفت في العراق باللغة العربية الفصحى، ثم انتقلت إلى الشام ومصر، وجرى تحريفها من الرواة الشعبيين وأدخلوا عليها زيادات ليست من أصل الكتاب.

شجرة نسب

يقول سامي مهدي: {من حين إلى آخر أعود على سبيل المتعة إلى قراءة كتب كنت قرأتها، ومن بينها كتاب {ألف ليلة وليلة}. ولكن كلما قرأت هذا الكتاب الجميل انبثقت عندي أسئلة قديمة جديدة. هي قديمة لأنها بدأت تثار منذ عُني المستشرقون بالكتاب ودراسته في القرن الثامن عشر، وهي جديدة لأنها لم تحظ بأجوبة حاسمة مقنعة، في رأيي في الأقل. وحدث أخيراً أن قرأت مرة ثانية النسخة التي حققها الراحل الدكتور محسن مهدي من هذا الكتاب، ونظرت طويلاً في المقدمة التي كتبها لها فعدت أتساءل مع نفسي مرة أخرى: هل الكتاب الأم، أي الكتاب في أصله الأول، أجنبي مترجم إلى اللغة العربية، أم عربي مؤلف بلغة العرب؟ هل هو من السرود الشفهية المدونة، أم من السرود المؤلفة المكتوبة؟ وما هويته الأصلية: أهي عراقية، أم مصرية، أم شامية؟

وقبل أن نتلمس طريقنا للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد لي من أن أوضح أن {الأم القديمة} التي أقصدها في البحث هي كتاب {ألف ليلة وليلة} الأصل، قبل أن يُستنسخ وتهجّن لغته وتقحم عليه الزيادات. وقد يبدو لنا هذا الأصل الآن محض افتراض، ولكنه حقيقي في واقع الأمر، يمكن تصوره إذا ما وضعنا للنسخ الخطية التي وصلتنا تحت عنوان {ألف ليلة وليلة} شجرة نسب تعيد كلاً منها إلى عصرها، كتلك الشجرة التي تكفل الدكتور محسن مهدي بوضعها في مقدمة كتابه {كتاب ألف ليلة وليلة، من أصوله العربية الأولى}. لهذا وجب التنويه أن بحثي هنا سيقتصر على {الأم القديمة} هذه، وستكون نسخة الكتاب التي حققها الدكتور مهدي ونشرها في ليدن عام 1984 هي مرجعي الأول والأخير في تصورها والحديث عنها، أي أنني سأستبعد كل الطبعات الأخرى التي سبقتها، بما فيها طبعة بولاق في مصر، نظراً إلى ما داخل هذه الطبعات من زيادات ابتعدت بها عن الأصل قليلاً أو كثيراً}.

والحق أن في كلام سامي مهدي ما هو مقنع، فمعظم التراث قائم على التحوير والنحل والتبديل، فقد كان المجتمع يبتكر الشعر الماجن وينسبه إلى أبي نواس خوفاً من السلطان والأمر نفسه في القصص، إذ تؤلف وتنسب إلى هذا المؤلف وذاك، وكثير من الذخائر العربية موضع شك في نسبها إلى مؤلفين هم ليسوا أصحابها. وحين أصدر العلامة طه حسين كتابه {في الشعر الجاهلي} شكك في جوهر الشعر الجاهلي فقامت الدنيا ولم تقعد باعتبار أن حسين مسّ المقدسات... و}ألف ليلة وليلة} أحد الكتب التي ينبغي إعادة بحثها بعمق وكشف أصلها وفصلها، ولعل أبرز الدراسات الحديثة التي أظهرت قصصاً مزورة من {الليالي} كشفها الباحث مصطفى الجاروش وصدرت عن منشورات {الجمل}، إذ تبين أن ثمة مؤلف لبناني قلّد {الليالي} في بعض القصص وما زالت حتى الآن تعتبر من ضمن الكتاب نفسه.

النافل أن أول ذكر لحكايات «ألف ليلة وليلة» بهذا الاسم الذي نعرفه الآن ربما يعود إلى العصر الفاطمي، فقد ذكر أحد المؤرخين المصريين، معروف باسم القرطي الذي كتب تاريخ مصر في العصر الفاطمي، أن ثمة مجموعة من القصص بين أيدي الناس تعرف باسم «ألف ليلة وليلة» يتسامرون بها في اجتماعاتهم وسهراتهم اليلية. كذلك عرفت نسخ منقحة لبعض هذه الحكايات والتي كتبت بين القرنين 13 و14 الميلاديين وموجودة نسخها في اسطنبول في تركيا.

على أن رواية أو بالأصح روايات {ألف ليلة وليلة}، أو كما تعرف لدى العالم الغربي بالإنكليزية وترجمتها {الليالي العربية}، هي عبارة عن مجموعة متنوعة مثيرة من القصص الشعبية التي يبلغ إجمالي عددها نحو مئتي قصة يتخللها شعر في نحو 1420 مقطوعة، وغالبية الروايات تجمع أنه يرجع تاريخها الحديث عندما ترجمها إلى الفرنسية الكاتب المستشرق الفرنسي أنطوان غالان عام 1704، والذي كان قد صاغ الكتاب بتصرف كبير منه، وصار بعد ذلك معظم الكتاب يترجم عنه طوال القرن الثامن عشر وما تلاه من قرون. وقد تم تقليد الليالي بصورة كبيرة واستعملت واستخدمت في تأليف القصص، خصوصاً قصص الأطفال، وكانت مصدراً لإلهام كثير من الرسامين والموسيقيين.

وتحتوي قصص {ألف ليلة وليلة} على شخصيات أدبية خيالية شهيرة من بينها علاء الدين، علي بابا، معروف الإسكافي، على زيبق المصري، السندباد البحري، بدور في شهرزاد وشهريار الملك، وشخصية الشاطر حسن.

* رواد خيرالله
 
أعلى