نقوس المهدي
كاتب
القسم الاول
(1)
اتصالية الحكي بالحياة
تحكي لتعيش وتحكي لتعايش.. لتمط شريط حياتها. انها تحكي بل يجب ان تحكي والا حكاها سيف مسرور. عند كل فجر يجب ان توقف حكيها وبهذه الطريقة تضمن شهرزاد حياتها حتى الليلة التالية. جاعلة من الملك. (شهريار) بفعل الحكي مملوكاً لحكيها..
شهرزاد حكي اعزل ازاء مجهز بكل الحول وكل القوة. عبر الحكي تجرعت شهرزاد الحياة جرعة جرعة ، لكنها استمرت في الري والروي، في العيش والمعايشة. لولا لسانها... شرط فسلجي ضروري وهو غصن مكشوف من شجرة خبيئة، لولاه لما انحنت تلك الاذن العصية لشهريار الملك.
(2)
إتصالية الثأر بالحكي
العيش من الحكي والعيش في الحكي، ولأن شهرزاد خصبة تدفقت بالغصون البشرية وبالحكايات وبالتالي بالعمر المديد. عمر اورق في طيات المكتبات وعلى السنة الفصول. ولأنها خصبة لم تثأر بـ(شهريار) لم تقتل فيه الا القتل.
شهرزاد لا الحق المتمسك بالثأر من شهريار بل الحق الذي استعان بالفن/ بالحكي تخلصاً من حتمية الثأر.
(3)
إتصالية النجاة/ بالحكي
ظلمة لزجة هوت به (شهريار) الى بئر سوداء كالظن. بئر عمقها الف ليلة وليلة بل اكثر من ذلك اذا حسبنا الليالي التي قبل حكي شهرزاد. اعني بداية فترة الخيانة الزوجية.
في الليلة الاولى بالحكي والحكي وحده يتغلب انسان تاجر على قوة فتاكة (جني)، يتعجب الجني وبتأثير الحكي يتراجع عن قتل الانسان فيتقدم (التاجر) في السفر والحياة.. خلال جلسات سريرية تمتد قرابة ثلاثة سنوات تنبجس من عيون شهريار دموع الرحمة... هل ادرك شهريار، لا شهريار وحده بل كل مخلوقات الله لها اجنحة وان الفضاء ملكية عامة.. بالحكي وحده انتصر الانسان على الوحش. انتصرت شهرزاد وهي تدندن: هو لديه (مسرور)/ وانا لدي (حكايا)
(4)
الإصغاء / الإنصات
قبل شهرزاد: الرعية كلها على اختلاف تراتبيتها الاجتماعية: آذان محض. فيها يصب اللسان الأوحد (شهريار)، لهذه الآذان وظيفتان. قل وظيفة واحدة مزدوجة، الإصغاء/ الإنصات... انه "جسم الملك وما فيه من حضور غريب مادي واسطوري ومع القوة التي ينشرها بنفسه او ينقلها الى البعض/ (1). إصغاء تام للسان الأوحد وإنصات دؤوب على الألسن الكامنة.
قبل شهرزاد اللسان عاطل الاصح معطل عن وظيفته الأساس: النطق. ومقتصر على دفع الطعام وغير الطعام الى الجوف.
(5)
مرآة محدبة / مرآة مقعرة
شهريار من يوقفه؟ كل ليلة يقترف الدم نفسه، القدر تواطأ معه والمطلق يمهله والرعية وهم محض لحظات في سيرورته لم يبلغوا من المقامات غير مقام الصبر.
من يوقفه؟
من يستوقفه؟
وهو يرى نفسه (الحق على كل شيء)... حق من هذا الطراز هو واقع ولكنه ليس حقاً الا على وفق السياق الاعتباطي اعني ان هذا الواقع ليس من عناصر تاثيث العالم. شهريار لا هو سيف مبصر ولا سيف أعمى: شهريار سيف جد طويل وعلى عينيه غمامة فهو اذن سيف يتخبط وكل افقه مرآة، مرآة صغيرة وغير مستوية، احياناً تكون محدبة واخرى مقعرة.
مرآة كل ليلة تعيد انتاج هيمنتها اعتمادا على اقتصاد القاني الساخن المتدفق من الضحايا.
(6)
المشكاة / النور
بمبادرة منها لا بلمعة من سيفه قدمت نفسها: شهرزاد.
لم يكن ذلك بدافع الحب لشخصه او طمعاً في مركزه ومركزيته بل بقوة ما كسبت من انوثة وثقافة طوال فترة قبل الزواج وقولنا انوثة يتساوق مع قولنا رجولة فالرفاهية الاجتماعية المتأتية من تراتبيتها ضمن الراتوب الملكي وفّرت لها سيولة في الوقت وامكانات في التعلم فعمدت هي الى تخصيبها هذه السيولة بالدأب (المعرفي).
اثناء فترة الزواج ستعطي غريزة الزوج افضل ما كسبت من انوثة وثقافة وبفعلها التربوي هذا سقت صحراء تلك الغريزة الشهريارية الجديبة وبفعل السقاية الصحراء تصغر وستكون رحيمة عندها تبذر فيها شهرزاد: المشكاة والنور اعني الموسيقى والعقل لتعاملها المتفرد مع شهريار وقع الموسيقى على النفس ولحكيها هيمنة العقل المستنير بالمعرفة الانسانية. بفعلها هذا اخضعت شهريار الى اطوار من التهذيب وجعلته في تماس مع كيفية تناول الحياة شعرا. هنا نستعين بكلود ليفي شتراوس ونقول (شعرياً اذا كانت الموسيقى تؤثر مباشرة في حواسنا فقط فان العقل يتدخل في متعة الحواس)(2).
(7)
الأخلاق / التاج
توجه مثل هذا لهو متأت من تجربة شخصية في الحياة ومكتسب بفعل تربية بيتية. توجه مثل هذا هو وحده من يستطيع ان يروض الآخر العصي، معادلة لا تخلو من تعقيد وجهد لا يستغني عن برمجة.
اذن ليس هناك من خطوة مرتجلة خطتها شهرزاد.. عندما نريد ان نعاملها معاملة الحكيم نرى انها تعي (انه يجب على الحكيم المميز ان يجتهد بكل وسع طاقته ان يكون من الملك بين منزلتين فأنها احرى المنازل بدوام المتعة واستقامة الحال وقلة التنافس ومصارعة اهل الحسد والوشاة)(3) وهذا يعني ان شهرزاد متخلقة باخلاق التاج.
(8)
الأنا / الحق
وحدها شهرزاد من نطقت بغيبة النساء عن حالهن، ونطقها لم يكن كلاماً مباشراً عادياً بل حقلاً من الفسيفساء، خصب بالاستعارة والكناية والتشبيه المتجسد بالحكي المتداخل، كـ(كل) هي منظومةوكـ(جزء) أي حكاية واحدة، هي نص ذلك لان (ظاهرة بعينها يمكنها ان تبدو في ضوء صلات معينة صلات أُخر وبوصفها منظومة تفك رموز نصوص من مستوى آخر/ ريفايتير(4) ولان الانسان مفقود بقدر ما يتورم في اناه وموجود بقدر مجاورته للحق، فأن شهريار رغم كابوسية موجوديته فيزياوياً واجتماعياً فانه ايضا مفقود وبقدر كبير.
(9)
الغريزة الجنسية/ الفعل الجنسي
وحده الحكي: يلغي المرايا المشوهة، ويعين الذات لاستعادة سيرورتها. فالحكي ماء دافق ننزل فيه للتعميد، والحكي شمس تتفتح وردتها ورقة ورقة فتتساقط الظلمة بفعل القوة الصاعدة. في نسغ الحكي اوقفت شهرزاد جريان الدم من الليل وهي تحقنه بمصل الحكاية (ان للحكاية امتيازاً كبيراً يكمن في عدم تمركز الملكية الفردية للدلالة/ برنوفيلهام(5) في الحكي مناجاة شهرزاد وتعليم شهريار اهم درس في الجنسانية (ان فهم الغريزة الجنسية بصورة واعية اهم من الفعل الجنسي/ فوكو). عبر هذا الفهم اخذت تخبو شيئاً فشيئاً رهابية الدم في شهريار فتدفق شهريار في شهرزاد بثلاثة غصون بشرية، ذلك رصيدها من الامومة، كما صيرته في جوانب معينة انسانوياً اذ (لابد من اختراع لغة قيمية رفيعة للحوار والتواصل والمحبة ولغة تخاطب المرأة كشجرة وارفة/ بول دي هان)(6
(10)
الأعتناء / التهديد
الحكايات حبل غزلته شهرزاد والقته في بئر الـ(هو) العائد لشهريار، لتستخرج (انا) الملك التي سقطت فيه بفعل صدمة اخلاقية... سقطت في بئر سوداء كالظن.
شهرزاد (انا) متعالية، (انا) خصبة مقطوعة الصلة عن الـ(هو) العائد لها او لشهريار. كأن شهرزاد في تماس دائم مع (انا) عليا، (انا) اوحت اليها بمبادرة الزواج رغم خشية الاب على الأبنة (شهرزاد) من بطش الملك (شهريار). تتقدمها ثقافتها الموسوعية، كأنها الجارية (تودد). وحدها شهرزاد من دربت شهريار على تقنية الاصغاء وعلمته ان (الاعتناء بالحياة لا بالتهديد بالقتل هو الذي يمنح السلطة منفذها الى الجسد/ فوكو).
(11)
العنكبوت / الذبابة
شهريار هو من اوقف الرابطة الزوجية على راسها جاعلاً الوجه الانثوي يحتقن بدم الجسد البريء فاذا كان الزواج (وسيلة تسمح بكامل التفتح لشخصية الزوجة ولشخصية اولادهما../ روجيه غارودي)(7).
فالامر يختلف لدى شهريار فهو يقترن بالمرأة ليستمر معها بل ليجهز عليها. فالزواج تاشيرة دخول الى البيت. أي بيت اعني؟ لا أعني ذلك البيت المؤسس على المودة والرحمة بل اوهن البيوت. نعم شهريار عنكبوت/ الزوجة ذبابة/ السلطة الكليانية: شبكة الصيد.
(12)
السلطة / الجنس
عندما تضغط على كلمة سلطة، لابد ان تنز دماً من تضاعيفها وعرقاً من القائل بها (اذ لا تقوم بين السلطة والجنس الا علاقة سلبية: رد/ رفض/ صد.../ ميشال فوكو).
(13)
الجسد / الشبح
شهريار من النساء لا يختار الا العذراء، كذلك يخبرنا راوي ما قبل الليلة الاولى، وما قبل الليلة الاولى يكتسب اهميته بكونه العتبة التي لابد ان نطأها حتى ندخل البيت بيت الليالي الالف، واختياره العذراء لتوفرها على شرط الهتك (غشاء البكارة) وهو بفعلته هذه يحاول قتل المرأة قتلا مزدوجاً: اغتصاب الجسد وبالتالي اغتصاب الحياة من الجسد وهو في كل ليلة يعيد انتاج القتلة الاولى، فيموت شهريار في الحياة، يموت ليعيش بالموت وللموت وبهذه الطريقة تثأر القتيلة من قاتلها، فالحي الدمائي شهريار دون دراية منه انتج اثناء انتقامه الليلي من زوجته الاولى انتج شبحاً يطارده (ولكي يوجد شبح لا بد وجود جسد)(8)، القتيلة شبح يطارد القاتل فيستعين القاتل بقتل جديد فاذا بالقتيلة الاولى تعين القتيلة الجديدة وبقية القتيلات بمطاردة القاتل، وها هو بدلاً من ان يخلصه القتل مما هو فيه نراه يتماهى في القتيلة الاولى وهو يكرر انتاجها ويتواصل دمائياً معها بدلاً من محوها. الدم وظيفياً وهو يتدفق من الضحايا لا يغمر الزوجة الاولى بل يسقيها كأنها (تمص دماً وتبغي دماً وتبقى تلح وتستطعم/(9). وهكذا تعمد الضحية الاولى لتعذيب معذبها وهي تنتصب شبحاً يطارد شهريار والشبحية هنا تزيد من انتاجها فيصاب شهريار بشيزوفرينيا الاشباح اذا جاز القول، فيعاني من شبح الزوجة الاولى (من شبح الآخر ومن شبح الذات بوصفه شبحاً للآخر)(10).
(14)
الرجل / المرأة
شهريار لا يختار الا العذراء من النساء، وحتى لا تستطيع خيانته (على وفق نظريته) يعجل بقتلها ليبقيها محافظة لا على شرفها هي بل على شرفه هو المطعون فيه على ذمة الراوي الاول من قبل الزوجة الاولى انه (يميل الى تصورها وكأنها لا ترتوي كأنها تفترس الذكر، انه يهاب الافتراسية الجنسية فالرجل في كل الاحوال خاسر في المبارزة الجنسية والمرأة قدره المشؤوم/ غارودي يقظة الذكور(11). هذا هو قول الذكر الذي يرى في نفسه عقل المرأة، لكن هذا القول اصابته الخلخلة حيث تأكد الان (اكثر الدراسات العلمية ان الرجل اكثر شبقاً من المرأة واكثر تطلباً للعملية منها/حسب سلام خياط/ البغاء عبر العصور)(12).
(15)
الذات / الجمهور
الملك في شهريار بكل ما في مفردة (ملك) من كليانية هو الذي افقر ثراء الفعل الجنسي وخصوبته. افقره وهو يختزله الى فعل فيزولوجي وبالتالي مسخه وهو يستعمله وسيلة لغاية دمائية تتمثل بقتل حياة الجسد الانثوي فـ(الملك لا يمارس حقه بشأن الحياة الا باستعمال حقه في القتل او الاحتفاظ به. لا يعبر عن سلطته على الحياة الا بالموت الذي قادر على فرضه/ ديريدا(13). وهكذا يتحول هذا التصعيد الانسانوي الجميل الى فعل تسفيل. باغتصاب الجسد يبدأ و بأغتصاب الحياة ينتهي وهذه اعلى مراحل الوحشية فـ(الاغتصاب يجرد الفعل الجنسي وفعل الجماع من كل طابع انساني/ اليس كذلك يا روجيه غارودي؟)(14). ولان الجنس مطلع على وضع شهريار الضعيف، لذا نرى انه من خلال الزواج ليليا يحاول اعطاء الجنس ذات الاطلاع الضديد، انه يبغي تعريف الجنس بشهريار القوي. ذلك لاننا (ملزمون بمعرفة وضع الجنس بينما يشتبه به بأنه يعرف من جهته وضعنا/ فوكو(15). ترى لو توغلنا في حفريات التأويل ووصلنا الى مشارف الغلو يمكن ان نرى في الجنس ضمن مفهوم (فرويد) انه يمثل اعماق الذات الانسانية يقابلها اعماق المجتمع: الجمهور.
أليس في ممارسة الجنس وقتل الزوجة بعد استملاكها يمكن ان يكون رمزا لقتل مزدوج: قتل الزوجة الاولى الخائنة ومن خلالها قتل كل سلالة العبيد. اليس التضاد بين الجنس والسلطة هو التضاد بين الاسفل الاجتماعي والاعلى، الا يمثل (الجنس طاقة وحشية طبيعية صاعدا من الاسفل دائما وبين نظامات من فوق محاولة لاعاقتها)(16). شهريار كملك ومن منظوره الكلياني ما عداه هو، الكل: بشر/ اشياء: هي ممتلكاته هو وكأن لسان حاله يقول (وبوصفه لي: ملكيتي فأنا اوجه كل شيء الى)(17) والامتلاك يعني ايضا تملك ارادة الآخر وهذا بدوره يؤدي الى التشيوء، فالاغتراب عن سيرورة الحياة والمرأة لدى شهريار صنو العبد والعبد شتى/ اداة انتاج/.. والمرأة عند شهريار قبل شهرزاد من الناحية التراتبية في راتوب اكثر دونية من العبد فمن العبيد لم يقتل سوى نفرٍ قليلٍ ثم يستمر شهريار في استعمال العبد كأداة انتاج. اما المرأة فهو كل ليلة يفترس امرأة. صحيح ان العبد وهو اداة انتاج يعتبر الشرط غير العضوي للانتاج وشهريار في علاقته بالمرأة زوجة لم تهمه فاعلية المرأة الانتاجية بايلوجيا. المرأة لم تكن عنده ذات فاعلية بل موضوع استهلاك ومن النوع المنحط هي اداة ثأر يثأر بها منها.. وهكذا اخضعت المرأة الى آليات الجنسنة.
[/align]
ــــــــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
*-ألف ليلة وليلة/ بيروت/ المكتبة الشعبية/ 1979.
1-ميشال فوكو/ الجنسانية/ ت: مطاع صفدي/ بيروت دار الإنماء.
2-كلود ليفي شتراوس/ النظر –السمع- القراءة/ ت: الدكتور خليل احمد خليل/ بيروت/ دار الطليعة.
3-وضاح شرارة/ قراءة في كتاب التاج للجاحظ/ مجلة دراسات عربية/ ع12/ 1980.
4-تلبوت جتايلر/ ريفاتير والاسلوبية العاطفية/ ت: فاضل ثامر/ مجلة الثقافة الأجنبية/ عدد(1) 1992.
5-برنو فليهام/ التحليل النفسي للحكاية/ ت: طلال حرب (الكتاب مستنسخ)
6-بول دي مان/ العمى والبصيرة/ ت: سعيد الغانمي/ اصدار الأمارات العربية.
7-روجيه غارودي/ باحثات فرنسيات/ نقد مجتمع الذكور/ بيروت/ دار الطليعة/ 1985.
8-جاك ديريدا، أطباف ماركس/ ت: منذر عياش/ ط 1995/ حلب.
9- بيت شعر للجواهري الكبير.
10-جاك ديريدا/ أطياف ماركس.
11-غارودي/ مجتمع الذكور.
12-سلام خياط/ البغاء عبر العصور (كتاب مستنسخ)
13-ديريدا/ المصدر السابق.
14-غارودي/ المصدر السابق.
15-و16: فوكو/ الجنسانية/...
.../....
(1)
اتصالية الحكي بالحياة
تحكي لتعيش وتحكي لتعايش.. لتمط شريط حياتها. انها تحكي بل يجب ان تحكي والا حكاها سيف مسرور. عند كل فجر يجب ان توقف حكيها وبهذه الطريقة تضمن شهرزاد حياتها حتى الليلة التالية. جاعلة من الملك. (شهريار) بفعل الحكي مملوكاً لحكيها..
شهرزاد حكي اعزل ازاء مجهز بكل الحول وكل القوة. عبر الحكي تجرعت شهرزاد الحياة جرعة جرعة ، لكنها استمرت في الري والروي، في العيش والمعايشة. لولا لسانها... شرط فسلجي ضروري وهو غصن مكشوف من شجرة خبيئة، لولاه لما انحنت تلك الاذن العصية لشهريار الملك.
(2)
إتصالية الثأر بالحكي
العيش من الحكي والعيش في الحكي، ولأن شهرزاد خصبة تدفقت بالغصون البشرية وبالحكايات وبالتالي بالعمر المديد. عمر اورق في طيات المكتبات وعلى السنة الفصول. ولأنها خصبة لم تثأر بـ(شهريار) لم تقتل فيه الا القتل.
شهرزاد لا الحق المتمسك بالثأر من شهريار بل الحق الذي استعان بالفن/ بالحكي تخلصاً من حتمية الثأر.
(3)
إتصالية النجاة/ بالحكي
ظلمة لزجة هوت به (شهريار) الى بئر سوداء كالظن. بئر عمقها الف ليلة وليلة بل اكثر من ذلك اذا حسبنا الليالي التي قبل حكي شهرزاد. اعني بداية فترة الخيانة الزوجية.
في الليلة الاولى بالحكي والحكي وحده يتغلب انسان تاجر على قوة فتاكة (جني)، يتعجب الجني وبتأثير الحكي يتراجع عن قتل الانسان فيتقدم (التاجر) في السفر والحياة.. خلال جلسات سريرية تمتد قرابة ثلاثة سنوات تنبجس من عيون شهريار دموع الرحمة... هل ادرك شهريار، لا شهريار وحده بل كل مخلوقات الله لها اجنحة وان الفضاء ملكية عامة.. بالحكي وحده انتصر الانسان على الوحش. انتصرت شهرزاد وهي تدندن: هو لديه (مسرور)/ وانا لدي (حكايا)
(4)
الإصغاء / الإنصات
قبل شهرزاد: الرعية كلها على اختلاف تراتبيتها الاجتماعية: آذان محض. فيها يصب اللسان الأوحد (شهريار)، لهذه الآذان وظيفتان. قل وظيفة واحدة مزدوجة، الإصغاء/ الإنصات... انه "جسم الملك وما فيه من حضور غريب مادي واسطوري ومع القوة التي ينشرها بنفسه او ينقلها الى البعض/ (1). إصغاء تام للسان الأوحد وإنصات دؤوب على الألسن الكامنة.
قبل شهرزاد اللسان عاطل الاصح معطل عن وظيفته الأساس: النطق. ومقتصر على دفع الطعام وغير الطعام الى الجوف.
(5)
مرآة محدبة / مرآة مقعرة
شهريار من يوقفه؟ كل ليلة يقترف الدم نفسه، القدر تواطأ معه والمطلق يمهله والرعية وهم محض لحظات في سيرورته لم يبلغوا من المقامات غير مقام الصبر.
من يوقفه؟
من يستوقفه؟
وهو يرى نفسه (الحق على كل شيء)... حق من هذا الطراز هو واقع ولكنه ليس حقاً الا على وفق السياق الاعتباطي اعني ان هذا الواقع ليس من عناصر تاثيث العالم. شهريار لا هو سيف مبصر ولا سيف أعمى: شهريار سيف جد طويل وعلى عينيه غمامة فهو اذن سيف يتخبط وكل افقه مرآة، مرآة صغيرة وغير مستوية، احياناً تكون محدبة واخرى مقعرة.
مرآة كل ليلة تعيد انتاج هيمنتها اعتمادا على اقتصاد القاني الساخن المتدفق من الضحايا.
(6)
المشكاة / النور
بمبادرة منها لا بلمعة من سيفه قدمت نفسها: شهرزاد.
لم يكن ذلك بدافع الحب لشخصه او طمعاً في مركزه ومركزيته بل بقوة ما كسبت من انوثة وثقافة طوال فترة قبل الزواج وقولنا انوثة يتساوق مع قولنا رجولة فالرفاهية الاجتماعية المتأتية من تراتبيتها ضمن الراتوب الملكي وفّرت لها سيولة في الوقت وامكانات في التعلم فعمدت هي الى تخصيبها هذه السيولة بالدأب (المعرفي).
اثناء فترة الزواج ستعطي غريزة الزوج افضل ما كسبت من انوثة وثقافة وبفعلها التربوي هذا سقت صحراء تلك الغريزة الشهريارية الجديبة وبفعل السقاية الصحراء تصغر وستكون رحيمة عندها تبذر فيها شهرزاد: المشكاة والنور اعني الموسيقى والعقل لتعاملها المتفرد مع شهريار وقع الموسيقى على النفس ولحكيها هيمنة العقل المستنير بالمعرفة الانسانية. بفعلها هذا اخضعت شهريار الى اطوار من التهذيب وجعلته في تماس مع كيفية تناول الحياة شعرا. هنا نستعين بكلود ليفي شتراوس ونقول (شعرياً اذا كانت الموسيقى تؤثر مباشرة في حواسنا فقط فان العقل يتدخل في متعة الحواس)(2).
(7)
الأخلاق / التاج
توجه مثل هذا لهو متأت من تجربة شخصية في الحياة ومكتسب بفعل تربية بيتية. توجه مثل هذا هو وحده من يستطيع ان يروض الآخر العصي، معادلة لا تخلو من تعقيد وجهد لا يستغني عن برمجة.
اذن ليس هناك من خطوة مرتجلة خطتها شهرزاد.. عندما نريد ان نعاملها معاملة الحكيم نرى انها تعي (انه يجب على الحكيم المميز ان يجتهد بكل وسع طاقته ان يكون من الملك بين منزلتين فأنها احرى المنازل بدوام المتعة واستقامة الحال وقلة التنافس ومصارعة اهل الحسد والوشاة)(3) وهذا يعني ان شهرزاد متخلقة باخلاق التاج.
(8)
الأنا / الحق
وحدها شهرزاد من نطقت بغيبة النساء عن حالهن، ونطقها لم يكن كلاماً مباشراً عادياً بل حقلاً من الفسيفساء، خصب بالاستعارة والكناية والتشبيه المتجسد بالحكي المتداخل، كـ(كل) هي منظومةوكـ(جزء) أي حكاية واحدة، هي نص ذلك لان (ظاهرة بعينها يمكنها ان تبدو في ضوء صلات معينة صلات أُخر وبوصفها منظومة تفك رموز نصوص من مستوى آخر/ ريفايتير(4) ولان الانسان مفقود بقدر ما يتورم في اناه وموجود بقدر مجاورته للحق، فأن شهريار رغم كابوسية موجوديته فيزياوياً واجتماعياً فانه ايضا مفقود وبقدر كبير.
(9)
الغريزة الجنسية/ الفعل الجنسي
وحده الحكي: يلغي المرايا المشوهة، ويعين الذات لاستعادة سيرورتها. فالحكي ماء دافق ننزل فيه للتعميد، والحكي شمس تتفتح وردتها ورقة ورقة فتتساقط الظلمة بفعل القوة الصاعدة. في نسغ الحكي اوقفت شهرزاد جريان الدم من الليل وهي تحقنه بمصل الحكاية (ان للحكاية امتيازاً كبيراً يكمن في عدم تمركز الملكية الفردية للدلالة/ برنوفيلهام(5) في الحكي مناجاة شهرزاد وتعليم شهريار اهم درس في الجنسانية (ان فهم الغريزة الجنسية بصورة واعية اهم من الفعل الجنسي/ فوكو). عبر هذا الفهم اخذت تخبو شيئاً فشيئاً رهابية الدم في شهريار فتدفق شهريار في شهرزاد بثلاثة غصون بشرية، ذلك رصيدها من الامومة، كما صيرته في جوانب معينة انسانوياً اذ (لابد من اختراع لغة قيمية رفيعة للحوار والتواصل والمحبة ولغة تخاطب المرأة كشجرة وارفة/ بول دي هان)(6
(10)
الأعتناء / التهديد
الحكايات حبل غزلته شهرزاد والقته في بئر الـ(هو) العائد لشهريار، لتستخرج (انا) الملك التي سقطت فيه بفعل صدمة اخلاقية... سقطت في بئر سوداء كالظن.
شهرزاد (انا) متعالية، (انا) خصبة مقطوعة الصلة عن الـ(هو) العائد لها او لشهريار. كأن شهرزاد في تماس دائم مع (انا) عليا، (انا) اوحت اليها بمبادرة الزواج رغم خشية الاب على الأبنة (شهرزاد) من بطش الملك (شهريار). تتقدمها ثقافتها الموسوعية، كأنها الجارية (تودد). وحدها شهرزاد من دربت شهريار على تقنية الاصغاء وعلمته ان (الاعتناء بالحياة لا بالتهديد بالقتل هو الذي يمنح السلطة منفذها الى الجسد/ فوكو).
(11)
العنكبوت / الذبابة
شهريار هو من اوقف الرابطة الزوجية على راسها جاعلاً الوجه الانثوي يحتقن بدم الجسد البريء فاذا كان الزواج (وسيلة تسمح بكامل التفتح لشخصية الزوجة ولشخصية اولادهما../ روجيه غارودي)(7).
فالامر يختلف لدى شهريار فهو يقترن بالمرأة ليستمر معها بل ليجهز عليها. فالزواج تاشيرة دخول الى البيت. أي بيت اعني؟ لا أعني ذلك البيت المؤسس على المودة والرحمة بل اوهن البيوت. نعم شهريار عنكبوت/ الزوجة ذبابة/ السلطة الكليانية: شبكة الصيد.
(12)
السلطة / الجنس
عندما تضغط على كلمة سلطة، لابد ان تنز دماً من تضاعيفها وعرقاً من القائل بها (اذ لا تقوم بين السلطة والجنس الا علاقة سلبية: رد/ رفض/ صد.../ ميشال فوكو).
(13)
الجسد / الشبح
شهريار من النساء لا يختار الا العذراء، كذلك يخبرنا راوي ما قبل الليلة الاولى، وما قبل الليلة الاولى يكتسب اهميته بكونه العتبة التي لابد ان نطأها حتى ندخل البيت بيت الليالي الالف، واختياره العذراء لتوفرها على شرط الهتك (غشاء البكارة) وهو بفعلته هذه يحاول قتل المرأة قتلا مزدوجاً: اغتصاب الجسد وبالتالي اغتصاب الحياة من الجسد وهو في كل ليلة يعيد انتاج القتلة الاولى، فيموت شهريار في الحياة، يموت ليعيش بالموت وللموت وبهذه الطريقة تثأر القتيلة من قاتلها، فالحي الدمائي شهريار دون دراية منه انتج اثناء انتقامه الليلي من زوجته الاولى انتج شبحاً يطارده (ولكي يوجد شبح لا بد وجود جسد)(8)، القتيلة شبح يطارد القاتل فيستعين القاتل بقتل جديد فاذا بالقتيلة الاولى تعين القتيلة الجديدة وبقية القتيلات بمطاردة القاتل، وها هو بدلاً من ان يخلصه القتل مما هو فيه نراه يتماهى في القتيلة الاولى وهو يكرر انتاجها ويتواصل دمائياً معها بدلاً من محوها. الدم وظيفياً وهو يتدفق من الضحايا لا يغمر الزوجة الاولى بل يسقيها كأنها (تمص دماً وتبغي دماً وتبقى تلح وتستطعم/(9). وهكذا تعمد الضحية الاولى لتعذيب معذبها وهي تنتصب شبحاً يطارد شهريار والشبحية هنا تزيد من انتاجها فيصاب شهريار بشيزوفرينيا الاشباح اذا جاز القول، فيعاني من شبح الزوجة الاولى (من شبح الآخر ومن شبح الذات بوصفه شبحاً للآخر)(10).
(14)
الرجل / المرأة
شهريار لا يختار الا العذراء من النساء، وحتى لا تستطيع خيانته (على وفق نظريته) يعجل بقتلها ليبقيها محافظة لا على شرفها هي بل على شرفه هو المطعون فيه على ذمة الراوي الاول من قبل الزوجة الاولى انه (يميل الى تصورها وكأنها لا ترتوي كأنها تفترس الذكر، انه يهاب الافتراسية الجنسية فالرجل في كل الاحوال خاسر في المبارزة الجنسية والمرأة قدره المشؤوم/ غارودي يقظة الذكور(11). هذا هو قول الذكر الذي يرى في نفسه عقل المرأة، لكن هذا القول اصابته الخلخلة حيث تأكد الان (اكثر الدراسات العلمية ان الرجل اكثر شبقاً من المرأة واكثر تطلباً للعملية منها/حسب سلام خياط/ البغاء عبر العصور)(12).
(15)
الذات / الجمهور
الملك في شهريار بكل ما في مفردة (ملك) من كليانية هو الذي افقر ثراء الفعل الجنسي وخصوبته. افقره وهو يختزله الى فعل فيزولوجي وبالتالي مسخه وهو يستعمله وسيلة لغاية دمائية تتمثل بقتل حياة الجسد الانثوي فـ(الملك لا يمارس حقه بشأن الحياة الا باستعمال حقه في القتل او الاحتفاظ به. لا يعبر عن سلطته على الحياة الا بالموت الذي قادر على فرضه/ ديريدا(13). وهكذا يتحول هذا التصعيد الانسانوي الجميل الى فعل تسفيل. باغتصاب الجسد يبدأ و بأغتصاب الحياة ينتهي وهذه اعلى مراحل الوحشية فـ(الاغتصاب يجرد الفعل الجنسي وفعل الجماع من كل طابع انساني/ اليس كذلك يا روجيه غارودي؟)(14). ولان الجنس مطلع على وضع شهريار الضعيف، لذا نرى انه من خلال الزواج ليليا يحاول اعطاء الجنس ذات الاطلاع الضديد، انه يبغي تعريف الجنس بشهريار القوي. ذلك لاننا (ملزمون بمعرفة وضع الجنس بينما يشتبه به بأنه يعرف من جهته وضعنا/ فوكو(15). ترى لو توغلنا في حفريات التأويل ووصلنا الى مشارف الغلو يمكن ان نرى في الجنس ضمن مفهوم (فرويد) انه يمثل اعماق الذات الانسانية يقابلها اعماق المجتمع: الجمهور.
أليس في ممارسة الجنس وقتل الزوجة بعد استملاكها يمكن ان يكون رمزا لقتل مزدوج: قتل الزوجة الاولى الخائنة ومن خلالها قتل كل سلالة العبيد. اليس التضاد بين الجنس والسلطة هو التضاد بين الاسفل الاجتماعي والاعلى، الا يمثل (الجنس طاقة وحشية طبيعية صاعدا من الاسفل دائما وبين نظامات من فوق محاولة لاعاقتها)(16). شهريار كملك ومن منظوره الكلياني ما عداه هو، الكل: بشر/ اشياء: هي ممتلكاته هو وكأن لسان حاله يقول (وبوصفه لي: ملكيتي فأنا اوجه كل شيء الى)(17) والامتلاك يعني ايضا تملك ارادة الآخر وهذا بدوره يؤدي الى التشيوء، فالاغتراب عن سيرورة الحياة والمرأة لدى شهريار صنو العبد والعبد شتى/ اداة انتاج/.. والمرأة عند شهريار قبل شهرزاد من الناحية التراتبية في راتوب اكثر دونية من العبد فمن العبيد لم يقتل سوى نفرٍ قليلٍ ثم يستمر شهريار في استعمال العبد كأداة انتاج. اما المرأة فهو كل ليلة يفترس امرأة. صحيح ان العبد وهو اداة انتاج يعتبر الشرط غير العضوي للانتاج وشهريار في علاقته بالمرأة زوجة لم تهمه فاعلية المرأة الانتاجية بايلوجيا. المرأة لم تكن عنده ذات فاعلية بل موضوع استهلاك ومن النوع المنحط هي اداة ثأر يثأر بها منها.. وهكذا اخضعت المرأة الى آليات الجنسنة.
[/align]
ــــــــــــــــــــــ
المراجع المستعملة:
*-ألف ليلة وليلة/ بيروت/ المكتبة الشعبية/ 1979.
1-ميشال فوكو/ الجنسانية/ ت: مطاع صفدي/ بيروت دار الإنماء.
2-كلود ليفي شتراوس/ النظر –السمع- القراءة/ ت: الدكتور خليل احمد خليل/ بيروت/ دار الطليعة.
3-وضاح شرارة/ قراءة في كتاب التاج للجاحظ/ مجلة دراسات عربية/ ع12/ 1980.
4-تلبوت جتايلر/ ريفاتير والاسلوبية العاطفية/ ت: فاضل ثامر/ مجلة الثقافة الأجنبية/ عدد(1) 1992.
5-برنو فليهام/ التحليل النفسي للحكاية/ ت: طلال حرب (الكتاب مستنسخ)
6-بول دي مان/ العمى والبصيرة/ ت: سعيد الغانمي/ اصدار الأمارات العربية.
7-روجيه غارودي/ باحثات فرنسيات/ نقد مجتمع الذكور/ بيروت/ دار الطليعة/ 1985.
8-جاك ديريدا، أطباف ماركس/ ت: منذر عياش/ ط 1995/ حلب.
9- بيت شعر للجواهري الكبير.
10-جاك ديريدا/ أطياف ماركس.
11-غارودي/ مجتمع الذكور.
12-سلام خياط/ البغاء عبر العصور (كتاب مستنسخ)
13-ديريدا/ المصدر السابق.
14-غارودي/ المصدر السابق.
15-و16: فوكو/ الجنسانية/...
.../....