نقوس المهدي
كاتب
كعادته تركني زوجى وذهب للعمل ، ولم أستطع التفكير في أي شيء لأعمله ، جلست وحيدة على مقعد بجوار النافذة ، مُحدقة نظراتي للحديقة بين فرجة الستائر دون سبب مُحدد ليس إلا لأني ليس لدي شيء آخر أقوم به . وأيضا ً لاعتقادى إن عاجلا ً أم أجلا ً لو جلست جلستى تلك ربما أفُكر في شيءٍ ما من الأشياء العديدة المتناثرة بالحديقة ، غالبا ً ما تلتقي نظراتي بشجرة السنديان وتلك كانت هوايتى المُفضلة ، زرعت تلك الشجرة عندما كنت صغيرة والآن نَمت . دوما ًكان لدى أعتقاد أنها صديقتى القديمة ، أُتخيل أنى أدُير حوارا ً معها.
ذلك اليوم ، لا أذكر فيم كنت أتكلم مع شجرة السنديان ، ولا أتذكر أيضا ً كم من الوقت مر وأنا فى جلستي تلك ، هكذا مر الوقت وأنا أنظر للحديقة ، أظلمت السماء قبل أن أُدرك أن وقتًا طويلاً قد انقضى ، فجأة سمعت صوتا ً- يأتى من مكان بعيد إلى حد ما - مُفرح مكتوم يُصدر سلسلة من الاحتكاكات ، فى البدء اعتقدت أن الصوت يصدر من مكان ما بداخلي ، كنت أسمع أشياء تحذيرية تأتى من الظلام كأنها تلف جسدى بعناية و تغزله ، حبست أنفاسى وأنصت . نعم و بدون أي شك ، رويدا ً رويدا ً بدأ الصوت يقترب مني ، ماهذا ؟ ليس لدي أى فكرة . لكنه أصاب جسدى بالتنميل .
بدأت الأرض القريبة من محيط الشجرة تتصاعد فى بروز كثيف ، صعد على سطح الارض سائل ثقيل ، حبست أنفاسى مُجددا ً . بعد ذلك فُتئت الأرض وخرج الرُكام المُفتَت مُشكلا ً براثن حادة ، سلطت عيني عليهم ، وطرقات مُحكمة تطرق رأسي ، لابد أن يحدث شيئا ًما ... أخبرت نفسي ... ها هو قد بدأ الآن ، خَدشت الحوافر التربة بغلظة ، بعد فترة قصيرة أحدث الحُطام ثقبا ً فى الأرض خرج منه وحش أخضر صغير .
كان جسده مُغطى بقشور خضراء لامعة . بمجرد بروزه من خارج الفجوة هز جسده حتى تساقط فُتات الأرض بعيدا ً، كان يملك أنفا ً طويلا ً عجيبا ً ، لونه أخضر مثل رأسه ، نهايته حادة مدببة أشبه بالسوط ، لكن عيناه الحيوانية أشبه بعين إنسان ، تُسبب رجفة يظهر من خلالهما ما يشعر به مثل عينك أو عينى .
تحرك الوحش بخطوات بطيئة متأنية خالية من التردد مُتجها ً للباب الامامى ، بدأ يطرق الباب بمقدمة أنفه النحيلة ، صوت جاف يتردد صداه عبر أرجاء المنزل ، مشيت برفق للغرفة الخلفية ، مُتمنية ألا يلاحظني ، لم أستطع الصراخ، منزلنا هو الوحيد فى تلك المنطقة ، وزوجى لن يعود من عمله حتى ساعة متأخرة من الليل . كما لا أستطيع الركض من الباب الخلفى لأن منزلي ليس به سوى باب وحيد ، والوحش الأخضر المُخيف يطرق الباب ، فٌتح الباب فى تلك اللحظة . تنفست بهدوء قدر ما استطعت ، تظاهرت بأني لم أكن هناك ، متمنية أن يتركني ذلك الشيء ويرحل ، لكنه لم يرحل . بدأت أنفه تتحسس طريقها نحو مِقبض الباب، يبدو أنه كان لا يجد أى عائق فى فتح القفل من تلقاء نفسه ، تسللت أنفه حول إطار الباب وظل لفترة طويلة يتفقد أحوال المنزل برأسه الصاعدة الشبيهة بالثعبان ، لو كان بمقدوري أن أعرف أن ذلك سيحدث كنت جلست بجوار الباب وقطعت أنفه ... هكذا أخبرت نفسى ، بالمطبخ سكاكين حادة قاطعة ، بعد ذلك تحرك المخلوق لحافة الباب مرة اخرى ، يتشممه وكأنه يقرأ أفكاري ، بعد ذلك بدأ يتحدث ليس بتلعثم لكن مُكررا ً كلمات محددة ، كأنه لايزال يتعلم نطق تلك الكلمات: (ليس بالضرورة أن يحدث لك أي شيء جيد أي شيء جيد ... حَدّث الوحش الأخضر الصغير نفسه ، أنفى يشبه أنف سحلية ، دائما تنمو للخلف أقوى وأطول ، أطول واقوى ، أنت تجد خلاف ما أردته تماما ً)
. بعد ذلك أدار عينيه كقمتين عجيبتي الشكل واستمر فى ذلك لفترة طويلة .
اوه لا ... هل يستطيع قراءة أفكار البشر ؟ هكذا قلت لنفسي ، أكره أي شخص يعرف ما أفكر به خصوصا ً عندما يصبح ذلك الشيء مخيفًا مبهمًا مثل ذلك المخلوق الصغير . شعرت بأنى غرقت في كتلة من الثلج من رأسي إلى أخمص قدمي . مالذى سوف يفعله هذا الشيء بي ؟ يأكلني ؟ يأخذني لأسفل الأرض ؟ كان ذلك جيدا ً . حسنا ً فليس سيئا ً فى النهاية حتى لا أتمكن من النظر له . لديه ذراعين نحيلتين قرمزيتي اللون وساقيه تخرج من جسده الأخضر المدملج ، وحوافره الطويلة فى نهاية يديه وقدميه كانتا عجيبتين بقدر كبير، وكلما نظرت عليهما أكثر أكتشفت أن ذلك المخلوق لن يؤذيني.
(بالتأكيد لا ...) قال لي وهو يخبط رأسه ، كان القشر المغطى لجسده كلما تحرك يطقطق معاكسًا بعضه البعض مثل قرقعة صاخبة لفنجان القهوة عند احتكاكه بالمنضدة ،
( ما المشكلة سيدتى ؟ أكيد لن آكلك ، لا لا لا ، أقصد لن أؤذيكى ... لن أؤذيكى ... لن أؤذيكى .)
لذلك كنت على حق ، كان يعرف تماما ً ما أفكر فيه .
(سيدتي سيدتي سيدتي ألا تري؟ ألا تلاحظي؟ لقد جئت إلى هنا من أجلك من العمق من أعمق الأعماق . كان لزاما علي أن أزحف طريقى صاعدا ً لأعلى ، شيء مروع مخيف ان أحفر واحفر وأظل أحفر ، أنظرى كيف تحطمت قشرتى ! لم أكن لأفعل ذلك أبدا ً اذا كنت أريد أن أؤذيكى ، لن أؤذيكى ، أُحبك ، أحبك جدا ً لا أستطيع أن أظل بالاسفل أكثر من ذلك ، أتخذت طريقى صاعدا ً اليك ِ ، فعلت ذلك ، جميعهم حاولوا اثنائي عن فعلتي تلك ، لكني لم أقدر أن أنتظر أكثر من ذلك ، مفكرا ً فى الشجاعة التى علي أن أتحلى بها ، ماذا لو كنتِ تعتقدين أن مخلوق مثلى متعجرف و وقح من أجلكِ أنت ِ؟)
لكنه وقح ومتغطرس ... قلت لنفسى . ياله من مخلوق وقح يأتى لى باحثا ً عن حبى !
وبنظرة لكآبته المستولية على وجهه أعتقدت أن قشور جسده اتخذت لونا أرجوانيا ً خفيفا ً كما لو كانت توصل ما يشعر به ، بدا لى جسده يتقلص بالكامل ، أثنيت يدى لأتمكن من رؤية التغيرات التى تحدث ، ربما شيئا ً مماثلا يحدث عندما تتحسن مشاعره ، وربما كانت نظراته المُخيفة قناع خارجى لقلب ضعيف رقيق كالنسمة ، لو كنت أعلم كنت ربحت ، قررت أن أقتنص الفرصة : (أنت وحش صغير بشع أتعرف ذلك)
صرخت بصوت عالٍ ، مماجعل قلبى يرتد ، أنت وحش صغير بشع ! بدأت قشرته الأرجوانية تنمو للداخل وبدأت عينيه تبرز كما لو كانتا تمتصا كل الكراهية التى بعثتها له .
برزت عيناه من صفحة وجهه مثل شجرة تين وارفة ثم أنهمرت دموعه مثل عصير أحمر اللون ملوثا ً الأرضية .
لم أعد أخشى من الوحش ، رسمت فى مخيلتى كل الافعال الوحشية التى أردت أن افعلها تجاهه ، ربطته فى كرسى ثقيل بأسلاك غليظة ، وأنخسته بأبر حادة وأقتلعت قشوره من جذورها بكماشة الواحدة تلو الاخرى ، سَخنت حافة السكين الحادة وبواسطتها أحفر أخدودا فى لحمه السمين الوردى ، أكثر فأكثر ، أمسكت لحام الحديد الساخن وبدأت أنغزه فى عينيه المتورمة .
مع كل فعل قاسى كنت أتخيله كان يتمايل ويتلوى صارخا ً كما لو كنت أقوم بهذه الافعال فى الحقيقة . ذرف دموعه الملونة وبدأ يَرشح كتل غليظة على الارض ، مُصدرا ً ضباب رمادى اللون من أذنيه كأريج الزهور ، وبدأت عينيه تبعث حملقة ساخطة على ، من فضلك سيدتى ، اوه من فضلك ، أتوسل اليك ِ ، لا تفكرى فى أشياء مريعة ، وبدأ يبكى ! ليس لدى أفكار شيطانية تجاهك ، لا أقدر أبدا ً على ايذائك ..
(كل ما أشعر به تجاهك هو الحب .. الحب)
لكنى رفضت الانصات له ، لا تصبح سخيفا ً ... أخبرته فى نفسى ، لقد زحفت صاعدا ً إلى حديقتى ، وأقتحمت غرفتى دون أذنى ، دخلت بيتى دون أن أطلب منك ذلك ، لدي الحق أن أفكر وفق الطريقة التي تروق لي ، وبقيت أفكر بشكل متزايد فى تلك الأفكار المؤذية ، وبدأت أقُطع لحمه السمين بأي ماكينة أو أدوات تمر برأسي ، متجاهلة أى طريقة قد تتواجد للتعذيب فقط أردته أن يتلوى من شدة الألم
( أرايت أيها الوحش الصغير أنك لا تملك أي فكرة عن النساء، لا تتخيل كم الاشياء التى أقدر أن أفعلها بك) لكن بعد فترة قصيرة بدأت خطوط جسده تتلاشى ، وأنفه القوي بدأ يذبُل لدرجة أنه أصبح أشبه بالدودة ، متلويا ً على الأرض حاول الوحش أن يحرك فمه ليكلمني ، جاهد ليفتح شفتيه كما لو كان يود أن يترك رسالة أخيرة ، كما لو كان يُبلغ بعض من الحكم القديمة ، قطعة من المعرفة المصيرية ، نٌسيت من أجل أن تصل لي قبل أن تحدٌث ، بلغ وجع فمه مداه ، بعد فترة قصيرة فقد تركيزه وتلاشى ...
الوحش الآن لا يشبه إلا كونه ظلا شاحبا ، كل ما تبقى معلق فى الهواء ، عينيه الكئيبة المنتفخة لن يفعل بهما أي شيء جيد كما أعتقد ، تستطيع أن تنظر كما يحلو لك لكنك لن تتمكن من أن تقول أي شيء ولا فعل أي شيء ، وجودك انتهى، انتهى تماما ً ، بعد فترة قصيرة ذابت عينيه فى الفراغ ، وغرقت الغرفة فى ظلام الليل .
* عن موقع الكتابة
ذلك اليوم ، لا أذكر فيم كنت أتكلم مع شجرة السنديان ، ولا أتذكر أيضا ً كم من الوقت مر وأنا فى جلستي تلك ، هكذا مر الوقت وأنا أنظر للحديقة ، أظلمت السماء قبل أن أُدرك أن وقتًا طويلاً قد انقضى ، فجأة سمعت صوتا ً- يأتى من مكان بعيد إلى حد ما - مُفرح مكتوم يُصدر سلسلة من الاحتكاكات ، فى البدء اعتقدت أن الصوت يصدر من مكان ما بداخلي ، كنت أسمع أشياء تحذيرية تأتى من الظلام كأنها تلف جسدى بعناية و تغزله ، حبست أنفاسى وأنصت . نعم و بدون أي شك ، رويدا ً رويدا ً بدأ الصوت يقترب مني ، ماهذا ؟ ليس لدي أى فكرة . لكنه أصاب جسدى بالتنميل .
بدأت الأرض القريبة من محيط الشجرة تتصاعد فى بروز كثيف ، صعد على سطح الارض سائل ثقيل ، حبست أنفاسى مُجددا ً . بعد ذلك فُتئت الأرض وخرج الرُكام المُفتَت مُشكلا ً براثن حادة ، سلطت عيني عليهم ، وطرقات مُحكمة تطرق رأسي ، لابد أن يحدث شيئا ًما ... أخبرت نفسي ... ها هو قد بدأ الآن ، خَدشت الحوافر التربة بغلظة ، بعد فترة قصيرة أحدث الحُطام ثقبا ً فى الأرض خرج منه وحش أخضر صغير .
كان جسده مُغطى بقشور خضراء لامعة . بمجرد بروزه من خارج الفجوة هز جسده حتى تساقط فُتات الأرض بعيدا ً، كان يملك أنفا ً طويلا ً عجيبا ً ، لونه أخضر مثل رأسه ، نهايته حادة مدببة أشبه بالسوط ، لكن عيناه الحيوانية أشبه بعين إنسان ، تُسبب رجفة يظهر من خلالهما ما يشعر به مثل عينك أو عينى .
تحرك الوحش بخطوات بطيئة متأنية خالية من التردد مُتجها ً للباب الامامى ، بدأ يطرق الباب بمقدمة أنفه النحيلة ، صوت جاف يتردد صداه عبر أرجاء المنزل ، مشيت برفق للغرفة الخلفية ، مُتمنية ألا يلاحظني ، لم أستطع الصراخ، منزلنا هو الوحيد فى تلك المنطقة ، وزوجى لن يعود من عمله حتى ساعة متأخرة من الليل . كما لا أستطيع الركض من الباب الخلفى لأن منزلي ليس به سوى باب وحيد ، والوحش الأخضر المُخيف يطرق الباب ، فٌتح الباب فى تلك اللحظة . تنفست بهدوء قدر ما استطعت ، تظاهرت بأني لم أكن هناك ، متمنية أن يتركني ذلك الشيء ويرحل ، لكنه لم يرحل . بدأت أنفه تتحسس طريقها نحو مِقبض الباب، يبدو أنه كان لا يجد أى عائق فى فتح القفل من تلقاء نفسه ، تسللت أنفه حول إطار الباب وظل لفترة طويلة يتفقد أحوال المنزل برأسه الصاعدة الشبيهة بالثعبان ، لو كان بمقدوري أن أعرف أن ذلك سيحدث كنت جلست بجوار الباب وقطعت أنفه ... هكذا أخبرت نفسى ، بالمطبخ سكاكين حادة قاطعة ، بعد ذلك تحرك المخلوق لحافة الباب مرة اخرى ، يتشممه وكأنه يقرأ أفكاري ، بعد ذلك بدأ يتحدث ليس بتلعثم لكن مُكررا ً كلمات محددة ، كأنه لايزال يتعلم نطق تلك الكلمات: (ليس بالضرورة أن يحدث لك أي شيء جيد أي شيء جيد ... حَدّث الوحش الأخضر الصغير نفسه ، أنفى يشبه أنف سحلية ، دائما تنمو للخلف أقوى وأطول ، أطول واقوى ، أنت تجد خلاف ما أردته تماما ً)
. بعد ذلك أدار عينيه كقمتين عجيبتي الشكل واستمر فى ذلك لفترة طويلة .
اوه لا ... هل يستطيع قراءة أفكار البشر ؟ هكذا قلت لنفسي ، أكره أي شخص يعرف ما أفكر به خصوصا ً عندما يصبح ذلك الشيء مخيفًا مبهمًا مثل ذلك المخلوق الصغير . شعرت بأنى غرقت في كتلة من الثلج من رأسي إلى أخمص قدمي . مالذى سوف يفعله هذا الشيء بي ؟ يأكلني ؟ يأخذني لأسفل الأرض ؟ كان ذلك جيدا ً . حسنا ً فليس سيئا ً فى النهاية حتى لا أتمكن من النظر له . لديه ذراعين نحيلتين قرمزيتي اللون وساقيه تخرج من جسده الأخضر المدملج ، وحوافره الطويلة فى نهاية يديه وقدميه كانتا عجيبتين بقدر كبير، وكلما نظرت عليهما أكثر أكتشفت أن ذلك المخلوق لن يؤذيني.
(بالتأكيد لا ...) قال لي وهو يخبط رأسه ، كان القشر المغطى لجسده كلما تحرك يطقطق معاكسًا بعضه البعض مثل قرقعة صاخبة لفنجان القهوة عند احتكاكه بالمنضدة ،
( ما المشكلة سيدتى ؟ أكيد لن آكلك ، لا لا لا ، أقصد لن أؤذيكى ... لن أؤذيكى ... لن أؤذيكى .)
لذلك كنت على حق ، كان يعرف تماما ً ما أفكر فيه .
(سيدتي سيدتي سيدتي ألا تري؟ ألا تلاحظي؟ لقد جئت إلى هنا من أجلك من العمق من أعمق الأعماق . كان لزاما علي أن أزحف طريقى صاعدا ً لأعلى ، شيء مروع مخيف ان أحفر واحفر وأظل أحفر ، أنظرى كيف تحطمت قشرتى ! لم أكن لأفعل ذلك أبدا ً اذا كنت أريد أن أؤذيكى ، لن أؤذيكى ، أُحبك ، أحبك جدا ً لا أستطيع أن أظل بالاسفل أكثر من ذلك ، أتخذت طريقى صاعدا ً اليك ِ ، فعلت ذلك ، جميعهم حاولوا اثنائي عن فعلتي تلك ، لكني لم أقدر أن أنتظر أكثر من ذلك ، مفكرا ً فى الشجاعة التى علي أن أتحلى بها ، ماذا لو كنتِ تعتقدين أن مخلوق مثلى متعجرف و وقح من أجلكِ أنت ِ؟)
لكنه وقح ومتغطرس ... قلت لنفسى . ياله من مخلوق وقح يأتى لى باحثا ً عن حبى !
وبنظرة لكآبته المستولية على وجهه أعتقدت أن قشور جسده اتخذت لونا أرجوانيا ً خفيفا ً كما لو كانت توصل ما يشعر به ، بدا لى جسده يتقلص بالكامل ، أثنيت يدى لأتمكن من رؤية التغيرات التى تحدث ، ربما شيئا ً مماثلا يحدث عندما تتحسن مشاعره ، وربما كانت نظراته المُخيفة قناع خارجى لقلب ضعيف رقيق كالنسمة ، لو كنت أعلم كنت ربحت ، قررت أن أقتنص الفرصة : (أنت وحش صغير بشع أتعرف ذلك)
صرخت بصوت عالٍ ، مماجعل قلبى يرتد ، أنت وحش صغير بشع ! بدأت قشرته الأرجوانية تنمو للداخل وبدأت عينيه تبرز كما لو كانتا تمتصا كل الكراهية التى بعثتها له .
برزت عيناه من صفحة وجهه مثل شجرة تين وارفة ثم أنهمرت دموعه مثل عصير أحمر اللون ملوثا ً الأرضية .
لم أعد أخشى من الوحش ، رسمت فى مخيلتى كل الافعال الوحشية التى أردت أن افعلها تجاهه ، ربطته فى كرسى ثقيل بأسلاك غليظة ، وأنخسته بأبر حادة وأقتلعت قشوره من جذورها بكماشة الواحدة تلو الاخرى ، سَخنت حافة السكين الحادة وبواسطتها أحفر أخدودا فى لحمه السمين الوردى ، أكثر فأكثر ، أمسكت لحام الحديد الساخن وبدأت أنغزه فى عينيه المتورمة .
مع كل فعل قاسى كنت أتخيله كان يتمايل ويتلوى صارخا ً كما لو كنت أقوم بهذه الافعال فى الحقيقة . ذرف دموعه الملونة وبدأ يَرشح كتل غليظة على الارض ، مُصدرا ً ضباب رمادى اللون من أذنيه كأريج الزهور ، وبدأت عينيه تبعث حملقة ساخطة على ، من فضلك سيدتى ، اوه من فضلك ، أتوسل اليك ِ ، لا تفكرى فى أشياء مريعة ، وبدأ يبكى ! ليس لدى أفكار شيطانية تجاهك ، لا أقدر أبدا ً على ايذائك ..
(كل ما أشعر به تجاهك هو الحب .. الحب)
لكنى رفضت الانصات له ، لا تصبح سخيفا ً ... أخبرته فى نفسى ، لقد زحفت صاعدا ً إلى حديقتى ، وأقتحمت غرفتى دون أذنى ، دخلت بيتى دون أن أطلب منك ذلك ، لدي الحق أن أفكر وفق الطريقة التي تروق لي ، وبقيت أفكر بشكل متزايد فى تلك الأفكار المؤذية ، وبدأت أقُطع لحمه السمين بأي ماكينة أو أدوات تمر برأسي ، متجاهلة أى طريقة قد تتواجد للتعذيب فقط أردته أن يتلوى من شدة الألم
( أرايت أيها الوحش الصغير أنك لا تملك أي فكرة عن النساء، لا تتخيل كم الاشياء التى أقدر أن أفعلها بك) لكن بعد فترة قصيرة بدأت خطوط جسده تتلاشى ، وأنفه القوي بدأ يذبُل لدرجة أنه أصبح أشبه بالدودة ، متلويا ً على الأرض حاول الوحش أن يحرك فمه ليكلمني ، جاهد ليفتح شفتيه كما لو كان يود أن يترك رسالة أخيرة ، كما لو كان يُبلغ بعض من الحكم القديمة ، قطعة من المعرفة المصيرية ، نٌسيت من أجل أن تصل لي قبل أن تحدٌث ، بلغ وجع فمه مداه ، بعد فترة قصيرة فقد تركيزه وتلاشى ...
الوحش الآن لا يشبه إلا كونه ظلا شاحبا ، كل ما تبقى معلق فى الهواء ، عينيه الكئيبة المنتفخة لن يفعل بهما أي شيء جيد كما أعتقد ، تستطيع أن تنظر كما يحلو لك لكنك لن تتمكن من أن تقول أي شيء ولا فعل أي شيء ، وجودك انتهى، انتهى تماما ً ، بعد فترة قصيرة ذابت عينيه فى الفراغ ، وغرقت الغرفة فى ظلام الليل .
* عن موقع الكتابة