نقوس المهدي
كاتب
< عندما نذكر اسم"كتاب السندباد"يكون أول ما يتبادر الى الذهن حكاية"السندباد البحري"التي أدمجت في شكل لاحق في"ألف ليلة وليلة"لتشكل جزءاً أساسياً منه ولا يعود أحد يتصور انها لم تكن فيه أصلاً. وهذا الكلام نفسه ينطبق على حكاية"علاء الدين". ولكن الحقيقة تكمن في مكان آخر تماماً."كتاب السندباد"كما هو معروف في الآداب العالمية ومنذ أزمان شديدة القدم، لا علاقة له بالسندباد البحار، على الإطلاق، بل هو يتحدث عن شيء آخر تماماً، وإن كان ما يجمعه ببحّار الليالي العربية، كون الكتابين موجودين من دون أن يُعرف مؤلف حقيقي لأي منهما، وينطبق هذا بخاصة على الكتاب الذي نحن في صدده هنا، وهو كتاب من المرجح أن لا وجود له في الثقافة العربية. وإن كان عنوانه يخلق نوعاً من سوء التفاهم. كتابنا هنا هو، إذاً،"كتاب السندباد"ويعزى عادة الى مصدر شرقي، كما حال كتاب سندباد البحار، غير ان هذا الكتاب هنا يعرف انطلاقاً من عنوان"كتاب سنتيباس"ويعرّف بأنه ذو أصل بيزنطي... وذلك على اسم شخصية نصف وهمية/ نصف حقيقية هي شخصية أستاذ جاء به واحد من ملوك بيزنطة لتدريس ابنه وولي عهده... بل إن ثمة من بين الباحثين من يرى أن الاسم نفسه مشتق من كلمة بيزنطية معناها"الأستاذ". وهناك مصادر تؤكد في مجال قريب ان أقدم نسخة من هذا الكتاب موجودة حالياً، هي نسخة باللغة السريانية، حتى وإن كان معروفاً أن ثمة نسخاً عدة أقدم منها، صيغت باللغة اليونانية الوسطى، صاغها المدعو ميكائيل أندريوبولوس، الذي كان في القرن الحادي عشر، قد قام بوظيفة أستاذ للأمير لدى الدوق الأرميني غابريال دي ملتين. ويبدو أن هذه النسخ سابقة بسنين عدة للنسخة السريانية التي يبدو أيضاً أنها إنما كانت ترجمة لها، على النمط الذي اعتاده العرب في ذلك الحين من الحصول على الكتب اليونانية من طريق اللغة السريانية. إذاً، انطلاقاً من هذا كله يمكن القول إن"كتاب سندباد"الذي هو شيء مغاير لحكاية السندباد، كتاب ذو أصول يونانية ? بيزنطية، وصل الى العرب والعالم من طريق اللغة السريانية، ويبدو أنه أعار اسمه، لا أكثر، لحكاية السندباد، التي هي حكاية هندية الأصل. فما هو"كتاب سندباد"هذا الذي نتحدث عنه هنا؟
> إنه النص الذي وصلنا، بعد تعديلات وإضافات عدة، منذ عام 1626، ليحدثنا تحديداً عن بعض مراحل وأحداث حياة ملك هندي كان واسع الشهرة والحكمة في زمنه، هو الملك آشوكا... وهذه المراحل تروى لنا عبر عدد من الحكايات في ما يشبه الحواريات تجرى بين الملك والأستاذ الحكيم ? على غرار ما هي الحال في كليلة ودمنة، حيث النص عبارة عن حوارات بين الملك والحكيم -. وهذه الحواريات تضم حكايات وحكماً ونصائح تتقاطع وتتوالى مع بعضها البعض وخلف بعضها البعض، لتشكل نصاً سمي أحياناً"حكايات الحكماء السبعة"وأحياناً"حكايات الأربعين حكيماً"وفي أحيان ثالثة"حكايات الفيلسوف". وكل هذه الحكايات تنطلق في نهاية الأمر مما حدث مع الفيلسوف الحكيم سندباد، ذات يوم حين قرأ في نجوم الفلك، أن هناك خطراً كبيراً يتهدد تلميذه الأمير، فوصف له درءاً لذلك الخطر، أن يبقى سبعة أيام صامتاً لا يتكلم، ولا يتفوه بأي حرف وإلا فإن الخطر سيصبح حقيقة. وإذ يخلد الأمير الى الصمت لا يكون من زوجة أبيه الملكة، والتي تشتهيه عادة، إلا أن بدأت تغويه إغواء قوياً، وهو صامت لا يمكنه صدها، إلا في شكل عملي. وفي نهاية الأمر، حين لم تلق منه أي تجاوب، راحت الى أبيه تشكو إليه أن الفتى قد حاول مغازلتها فصدته. أمام هذه الشكوى يجن جنون الأب، ومن دون أن يسأل الفتى أو غيره عن حقيقة الأمر، يصدر حكمه على الأمير بالإعدام فوراً. وهنا يتدخل في الأمر، إذ لا يمكن الفتى أن يفتح فمه ليجيب أو ليدافع عن نفسه، يتدخل سبعة من كبار الحكماء يروح كل واحد منهم راوياً للملك حكاية من الحكايات، خلال الأيام السبعة الخطرة. وكان الهدف من كل واحدة من هذه الحكايات أن تنبه الملك، صراحة أو مواربة، من مكر النساء وخداعهن، ناهيك بتنبيهه أيضاً من الخطر الماثل في التسرع في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور من دون بحث أو تمحيص. وفي كل يوم، ما أن ينتهي الحكيم من رواية حكايته، تقوم الملكة من ناحيتها برواية حكاية مضادة غايتها الأساسية رفض حكاية الحكيم، وتأكيد ما تذهب هي إليه في اتهامها للفتى... ويكون من مفعول جلسات الحكي تلك أن يتأجل موعد تنفيذ حكم الإعدام بالأمير، حتى تنقضي تماماً الفترة التي كانت نجوم الفلك حددتها للحكيم سندباد، باعتباره الفترة التي يتعين على الأمير أن يصمت خلالها كي ينجو من الخطر الموعود. وإذ تنقضي المهلة ويصبح في وسع الأمير أن يتكلم، بات في وسعه الآن أن يقول ما عنده، منكراً حكاية الملكة مبرئاً نفسه، ما يؤدي الى معرفة الملك للحقيقة وحكمه على الملكة بالإعدام، وهو يعلن يأسه من مكر النساء وكذبهن.
> إن قراء"ألف ليلة وليلة"يعرفون طبعاً أن هذه الحكاية قد أدمجت فيها، لكن الحقيقة هي أن هذا الدمج قد أتى لاحقاً على الزمن الذي يقال إن النسخ الأولى من الليالي العربية قد جمعت فيه. ومع هذا، ليس ثمة أدنى شك في أن مغزى هذه الحكاية المتفرعة حكايات طبعاً يتماشى كلياً مع المغزى العام الذي يشكل الإطار الذي انبثقت منه الليالي: أي حكاية الملك الذي يكتشف خداع زوجته له وخيانتها، فيقرر الانتقام من النساء ككل، حتى تصل إليه شهرزاد لتحاول اللعب عليه، بقوة الحكي، حتى تصل، أولاً لاكتساب ثقته، وبعد ذلك الى إعادة الاعتبار الى المرأة وأخلاقياتها. أما هنا في"كتاب سندباد"هذا، فإن المرأة لا تبرأ على الإطلاق، بل إن الحكايات التي يرويها الحكماء، تتخذ مقداراً من الصدقية، لا يضاهيه على الإطلاق، ذلك الجوهر الذي تنطلق منه الملكة، لنفي ونسف معاني حكايات الحكماء. إذاً، في"ألف ليلة وليلة، يعتبر عذر المرأة حالاً خاصة، يعادله وفاء شهرزاد وإخلاصها، ناهيك بذكائها وقدرتها على الإبداع دفاعاً، ليس فقط عن نفسها، وإنما عن النساء جميعاً، أما في"حكاية سندباد"ذات الأصل اليوناني، فإن المرأة مدانة كإمرأة، ما يعكس نظرة ذكورية كانت سائدة بقوة في تلك الأزمان، نظرة لا تزال حتى يومنا هذا سائدة في الكثير من المجتمعات، من تلك التي بدلاً من أن تحفظ درس شهرزاد باعتباره درساً إنسانياً نسوياً بامتياز، حفظت الدرس الآخر: درس"كتاب سندباد"الذي سجل في حق المرأة لعنة أبدية... وهنا قد يكون من الأمور الدالة أن تنتشر"حكاية سندباد"في الغرب، في زمن كان يمهد لكل ذلك الأدب القروسطي، الذي ضأَّل دائماً من شأن المرأة وجعلها مسؤولة، ليس فقط عن الشر في هذا العالم، بل عن الأوبئة التي تنتشر فيه. وحسبنا في هذا السياق أن نقرأ ونعيد قراءة أمهات المسرحيات الشكسبيرية، سواء أكانت تراجيدية أو كوميدية أو بين بين، حتى نرى أنفسنا في مواجهة نظرة دونية الى المرأة، من المدهش أن الآداب النسوية في القرن العشرين، لم تتوقف عندها، مع ان في الإمكان الانطلاق من شكسبير، كما من نصوص"كتاب سندباد"وغيره من الكتب، للعثور على جذور ما تعاني منه المرأة، حتى يومنا هذا، من إجحاف واتهامات وأفكار مسبقة وما شابه.
> مثل معظم الآداب التي اشتهرت شعبياً في القرون الوسطى، لا يمكن القول إن لـ"حكاية سندباد"مؤلفاً محدداً... لها طبعاً مترجمون نشروها في لغات كثيرة... لكنها أتت، كما يبدو، من تراث شعبي قديم، ومن تداول عابر للبلدات والمناطق، لتستقر في بعض صفحات الليالي العربية، تاركة تساؤلات كثيرة حول الاسم: كيف صار مشتركاً بين الحكيم القديم والبحار الشهير؟
> إنه النص الذي وصلنا، بعد تعديلات وإضافات عدة، منذ عام 1626، ليحدثنا تحديداً عن بعض مراحل وأحداث حياة ملك هندي كان واسع الشهرة والحكمة في زمنه، هو الملك آشوكا... وهذه المراحل تروى لنا عبر عدد من الحكايات في ما يشبه الحواريات تجرى بين الملك والأستاذ الحكيم ? على غرار ما هي الحال في كليلة ودمنة، حيث النص عبارة عن حوارات بين الملك والحكيم -. وهذه الحواريات تضم حكايات وحكماً ونصائح تتقاطع وتتوالى مع بعضها البعض وخلف بعضها البعض، لتشكل نصاً سمي أحياناً"حكايات الحكماء السبعة"وأحياناً"حكايات الأربعين حكيماً"وفي أحيان ثالثة"حكايات الفيلسوف". وكل هذه الحكايات تنطلق في نهاية الأمر مما حدث مع الفيلسوف الحكيم سندباد، ذات يوم حين قرأ في نجوم الفلك، أن هناك خطراً كبيراً يتهدد تلميذه الأمير، فوصف له درءاً لذلك الخطر، أن يبقى سبعة أيام صامتاً لا يتكلم، ولا يتفوه بأي حرف وإلا فإن الخطر سيصبح حقيقة. وإذ يخلد الأمير الى الصمت لا يكون من زوجة أبيه الملكة، والتي تشتهيه عادة، إلا أن بدأت تغويه إغواء قوياً، وهو صامت لا يمكنه صدها، إلا في شكل عملي. وفي نهاية الأمر، حين لم تلق منه أي تجاوب، راحت الى أبيه تشكو إليه أن الفتى قد حاول مغازلتها فصدته. أمام هذه الشكوى يجن جنون الأب، ومن دون أن يسأل الفتى أو غيره عن حقيقة الأمر، يصدر حكمه على الأمير بالإعدام فوراً. وهنا يتدخل في الأمر، إذ لا يمكن الفتى أن يفتح فمه ليجيب أو ليدافع عن نفسه، يتدخل سبعة من كبار الحكماء يروح كل واحد منهم راوياً للملك حكاية من الحكايات، خلال الأيام السبعة الخطرة. وكان الهدف من كل واحدة من هذه الحكايات أن تنبه الملك، صراحة أو مواربة، من مكر النساء وخداعهن، ناهيك بتنبيهه أيضاً من الخطر الماثل في التسرع في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور من دون بحث أو تمحيص. وفي كل يوم، ما أن ينتهي الحكيم من رواية حكايته، تقوم الملكة من ناحيتها برواية حكاية مضادة غايتها الأساسية رفض حكاية الحكيم، وتأكيد ما تذهب هي إليه في اتهامها للفتى... ويكون من مفعول جلسات الحكي تلك أن يتأجل موعد تنفيذ حكم الإعدام بالأمير، حتى تنقضي تماماً الفترة التي كانت نجوم الفلك حددتها للحكيم سندباد، باعتباره الفترة التي يتعين على الأمير أن يصمت خلالها كي ينجو من الخطر الموعود. وإذ تنقضي المهلة ويصبح في وسع الأمير أن يتكلم، بات في وسعه الآن أن يقول ما عنده، منكراً حكاية الملكة مبرئاً نفسه، ما يؤدي الى معرفة الملك للحقيقة وحكمه على الملكة بالإعدام، وهو يعلن يأسه من مكر النساء وكذبهن.
> إن قراء"ألف ليلة وليلة"يعرفون طبعاً أن هذه الحكاية قد أدمجت فيها، لكن الحقيقة هي أن هذا الدمج قد أتى لاحقاً على الزمن الذي يقال إن النسخ الأولى من الليالي العربية قد جمعت فيه. ومع هذا، ليس ثمة أدنى شك في أن مغزى هذه الحكاية المتفرعة حكايات طبعاً يتماشى كلياً مع المغزى العام الذي يشكل الإطار الذي انبثقت منه الليالي: أي حكاية الملك الذي يكتشف خداع زوجته له وخيانتها، فيقرر الانتقام من النساء ككل، حتى تصل إليه شهرزاد لتحاول اللعب عليه، بقوة الحكي، حتى تصل، أولاً لاكتساب ثقته، وبعد ذلك الى إعادة الاعتبار الى المرأة وأخلاقياتها. أما هنا في"كتاب سندباد"هذا، فإن المرأة لا تبرأ على الإطلاق، بل إن الحكايات التي يرويها الحكماء، تتخذ مقداراً من الصدقية، لا يضاهيه على الإطلاق، ذلك الجوهر الذي تنطلق منه الملكة، لنفي ونسف معاني حكايات الحكماء. إذاً، في"ألف ليلة وليلة، يعتبر عذر المرأة حالاً خاصة، يعادله وفاء شهرزاد وإخلاصها، ناهيك بذكائها وقدرتها على الإبداع دفاعاً، ليس فقط عن نفسها، وإنما عن النساء جميعاً، أما في"حكاية سندباد"ذات الأصل اليوناني، فإن المرأة مدانة كإمرأة، ما يعكس نظرة ذكورية كانت سائدة بقوة في تلك الأزمان، نظرة لا تزال حتى يومنا هذا سائدة في الكثير من المجتمعات، من تلك التي بدلاً من أن تحفظ درس شهرزاد باعتباره درساً إنسانياً نسوياً بامتياز، حفظت الدرس الآخر: درس"كتاب سندباد"الذي سجل في حق المرأة لعنة أبدية... وهنا قد يكون من الأمور الدالة أن تنتشر"حكاية سندباد"في الغرب، في زمن كان يمهد لكل ذلك الأدب القروسطي، الذي ضأَّل دائماً من شأن المرأة وجعلها مسؤولة، ليس فقط عن الشر في هذا العالم، بل عن الأوبئة التي تنتشر فيه. وحسبنا في هذا السياق أن نقرأ ونعيد قراءة أمهات المسرحيات الشكسبيرية، سواء أكانت تراجيدية أو كوميدية أو بين بين، حتى نرى أنفسنا في مواجهة نظرة دونية الى المرأة، من المدهش أن الآداب النسوية في القرن العشرين، لم تتوقف عندها، مع ان في الإمكان الانطلاق من شكسبير، كما من نصوص"كتاب سندباد"وغيره من الكتب، للعثور على جذور ما تعاني منه المرأة، حتى يومنا هذا، من إجحاف واتهامات وأفكار مسبقة وما شابه.
> مثل معظم الآداب التي اشتهرت شعبياً في القرون الوسطى، لا يمكن القول إن لـ"حكاية سندباد"مؤلفاً محدداً... لها طبعاً مترجمون نشروها في لغات كثيرة... لكنها أتت، كما يبدو، من تراث شعبي قديم، ومن تداول عابر للبلدات والمناطق، لتستقر في بعض صفحات الليالي العربية، تاركة تساؤلات كثيرة حول الاسم: كيف صار مشتركاً بين الحكيم القديم والبحار الشهير؟