نقوس المهدي
كاتب
-ج 1 -
أورثنا التراث العربي الكثير من الأمثال الشعبية والأساطير والحكايات الخرافية، وقد تجسد ذلك في بعض النصوص التي وصلت إلينا، ومنها حكايات ألف ليلة وليلة، ومن العناصر الأساسية في هذا العمل السردي الكبير هو الشخصية التي يتمحور عليها باقي العناصر المكونة لشروط الحكي،
أسوة بكل الأعمال الروائية الأخرى ويعتقد (بروب) " المهم في دراسة الحكاية هو التساؤل عما تقوم به الشخصيات، أما من فعل هذا الشيء أو ذاك، وكيف فعله، فهي أسئلة لا يمكن طرحها إلا باعتبارها توابع لا غير".
وفي دراستنا هذه للموروث الشعبي التي تتجلى من خلال هذه السردية الكبرى، فأننا نسلط الضوء على الإنسان- الرجل والمرأة – من أجل معرفة كيف كان الراوي يتصور في عقله الباطن المرأة (كجسد) والذي يعكسه على القرطاس، لأننا في الجزء الثاني سندرس تصوره عن نفسه وانعكاسه على تمثله في الروايات والقصص.
وقد سبقنا الكثير ممن لهم باع طويل ودراية أكبر في دراسة القصص الخرافية في تراث شعوبهم ومن ثم وضعها على منصة التشريح وخلص الى مجموعة خصائص اعتقدها هي البنية الحقيقية التي تتمثل في كل النصوص الأدبية وفي مجمل عرض مشكلة تركيب العمل الأدبي، يذكر (بروب Propp) من خلال تحليله لمحتوى مائة قصة شعبية روسية يجد الأخير نمطاً واحداً متكرراً:
1 - ملك يعطي نسراً لأحد الأبطال، فيحمل النسر البطل الى مملكة أخرى.
2 - رجل عجوز يعطي جواداً لآخر يدعى Susenks، فيحمل الحصان سكينز الى مملكة أخرى.
3 - يعطي ساحر رجلاً يدعى Ivan قارباً، فيحمل القارب (إفان) الى مملكة أخرى.
4 - تعطي إحدى الأميرات (إيفان) خاتماً يظهر منه شبان يحملون (إيفان) الى مملكة أخرى.
توجد عناصر واضحة للقرابة في الموضوعات الأربعة، أسماء وصفات الشخصيات قد تتغير، لكن أفعالهم ووظائفهم تكاد تتطابق.أخرى".
وهو بذلك قد عمم وجهة نظره في الأدب الروسي (بما يخص القصة الشعبية الروسية) دون أن ينزح الى التخصيص والتفريق بين المرأة وكيفية التعامل معها كجسد ومثلها الرجل، ولكننا نجد أن (عبد الله محمد الغذامي) كان أكثر دقة وتصنيف في دراسته للمرأة كذات، ومن ثم المرأة – الجسد- كموضوع ونظرة الرجل الجاهلي لها في زمنه " ولكي نتصور، هذه المفارقة فلنتذكر صور الأنثى من حيث هي نماذج كلية، ولنأخذ نماذج المرأة في العصر الجاهلي: 1- الموؤدة. 2- المعشوقة. 3- الملكة. 4- الصنم المعبود. هذه أربعة نماذج كلية تقف معلقة في الفضاء اللغوي والتاريخي لثقافة العصر الجاهلي، وهي لا تنتهي مع ذلك العصر بل تستمر وتتكرر في كل العصور والثقافات عربيا وعالمياً".
وأعتقد أن هذا التعميم والإطلاق على صورة الأنثى من قبل الكاتب فيه بعض المجانبة، أو من الصعب تعميمه وبالخصوص الفقرة الأولى (الموءودة) والتي لو رجعنا الى ظروفها الاجتماعية والمعيشية نجدها أنها وجدت كظاهرة لعدة أسباب منها أن عرب الجاهلية كانت تقوم بهذا العمل إما مخافة الحاجة والإملاق، أو بسبب طبيعة حياتها في تَعرضهم للكر والفر المستمر فيما بينهم كقبائل، وما ينتج عنه من أسرى للنساء، وما يفرزه من العار عليهم، أو البعض منهم يقول إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به، وهناك حكاية في الجاهلية عن الموءودة مفادها: أن رجلاً منهم في أول الأمر غزاه أعداء له، فأسروا أهله، وكان من ضمن الأسر ابنة له، هذه الفتاة بعد أن استطاع أبوها أن يصطلح مع أعدائه خيرت ما بين أبيها وما بين آسرها، الذي قيل: إنه تزوجها. فلما تزوجها هذا الرجل وخيرت ما بينه وهو آسر لها في الأصل وما بين أبيها، اختارت زوجها الآسر، فأعقب ذلك حنقاً في قلب أبيها، فأقسم ألا تلد له ابنة إلا ذبحها وهي حية، هذا فيما يزعمون أنه أصل الوأد في العرب، فتبعته العرب على ذلك.
وبالعموم فإن البيئة التي كان يعيش فيها العرب هي بيئة قاسية – صحراء – وهي تحتاج للرجال أكثر من النساء، وهذا لا يعني الاستغناء عن النساء، مهما كان نوع النظرة التي ينظر بها الرجل للمرأة، لسبب بسيط هو كيف يمكن لهم أن يتوالدوا ويتكاثروا، إضافة الى وجود طبقة من أشراف ونبلاء قريش، مع الطبقة المتوسطة، ومن ثم البسيطة، وهي طبيعية أسوة بكل طبقات المجتمع، وهكذا ينعكس إيجابا على النساء.
وقد جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم {وَإِذَا الْمَؤودةُ سُئِلَتْ 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ 9}، وكذلك في سورة أخرى { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ 57 وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ 58 يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ 59}.
وأعتقد أن القرآن الكريم سلط الضوء على شذرات عند العرب كنماذج، في الوقت الذي نزل فيه على صدر النبي الكريم، وبالتالي فأن من الصعب تعميم ذلك على كل العرب بقبائله المنتشرة في ربوع الجزيرة العربية، وبالتالي فمن الصعب اعتبارها أيضاً حالة كلية، تمتد بجذورها في كل أنحاء العالم حتى يومنا هذا، كما يصفها الأستاذ عبد الله محمد الغذامي. وربما النموذج الثاني – المعشوقة – هو أقرب للتعميم منه الى التشخيص لأننا نجده في مختلف الثقافات العالمية، ابتداء من العرب كما في (قيس وليلى، وجميل بثينة، وكثير عزة..الخ) وصولا الى بعض النماذج الغربية مثل (روميو وجوليت، عطيل ودزدمونة..الخ).
ومثلها نموذج الملكة، وهو أيضا ينفع كنموذج يرقى للكلية منه للفردية، كما في الملكة سبأ، أو الملكات في العصور الفرعونية، أما الصنم المعبود، الذي تمثل عند العرب في الآلهة (بمناة والعزى واللات) فأعتقد أنهم كآلهة أن وجدوا في عصر الجاهلية فمن الصعب وجودهن الآن في عصر الماديات، حتى لو كان البعض ينزح الى الروحانيات، ولكنه من الصعب اليوم تصور الإنسان الحضري أن يتجه الى الأصنام المادية قدر توجهه الى الميتافيزيقا.
فنحن عندما نتكلم عن المرأة- الجسد الأنثوي- فلسنا نقصد من وراءه التعميم، ولكن تسليط الضوء على نماذج سردية – ألف ليلة وليلة نموذجاً"- أختارها التراث ونحن نضعها على منصة التشريح لنقوم بفرزها وتصنيفها، ومن ثم نعرف كيف صنف العقل الذكوري التراثي المرأة وتعامل معها وسردها من خلال هذه الملحمة السردية التراثية الكبيرة:
1- الملكة زوجة (شاه زمان) تخونه مع خادمها (عبد أسود).
2- الملكة زوجة (شهريار) تخونه مع (مسعود وهو عبد أسود) وجواريها مع عبيد القصر.
القاعدة الأساسية التي تقوم عليها حكاية ألف ليلة وليلة بكل قصصها وأساطيرها هي: اكتشاف الملك (شهريار) خيانة زوجته مع عبد أسود فيقتلهما، ويقررا هو وأخيه أن يهجرا المُلك والمدينة، فيخرجا للصحراء ليلتقيا مع صبية قالت لهما: أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ولم يعلم إن المرأة منا إذا أرادت أمراً لم يغلبها شيء. ومن ثم يأخذ على نفسه عهد بأن يتزوج في كل ليلة فتاة باكر ليقتلها في الصباح لتدوم هذه العملية لثلاث سنوات حتى تخلو المدينة من الفتيات، عندها تتبرع ابنة وزيره – شهرزاد- بأن تكون زوجته الأخيرة لهذه الليلة، وعندما قضى حاجته منها، جاءت أختها الصغيرة- دنيا زاد- وطلبت منها أن تحدثها حديثاً غريباً يقطعوا به السهر.
تستعرض لنا حكايات ألف ليلة وليلة المئات من النماذج النسائية التي في عمومها تهتدي بنمط واحد هو استحواذها على الرجل، دون أن تكون لها غاية أخرى غيره، لذلك نجدها تعمل جاهدةً على تسخير الجن والأنس من أجل رغباتها وتحقيق مآربها، وفي أغلب الحكايات يكون الزواج بين الصبية وأبن عمها، ولأن الحكايات مغمسة بالسحر والشعوذة والخرافة والجن، نراها تُمسخ الى عد أشكال من الحيوانات الأليفة، نتيجة لأعمالها الشريرة، أو قد تتخذ عدة صفات سيئة، أو قد تكون الضحية "ان المشروع الشكلاني لكتاب موروفولوجيا الحكاية يسمح بالتحليل البنيوي بتقسيمه للحكايات بحسب أجزائها المكونة بعقد مقارنات مبررة، وخلافاً للتقليد الفلكلوري لا يخلط (بروب) بين موضوعات الدراسة والمضامين أي المعطيات السردية المدروسة، كما نجد في حكايات ألف ليلة وليلة، أن شخصياتها تتحرك في حيز روائي عجائبي ويقصد به خروجه على المألوف, لأن الخيال الشعبي الحاكم فيها له القدرة على إنشاء هذا الحيز وإعطائه أسماء عجائبية يصف أماكن بجغرافيا سحرية تتصف بالعجائبية"، ويمكننا حسب تحليلنا لمحتوى الكثير من القصص والتي ظهرت بها المرأة بعدة أشكال نورد البعض منها وهي:
1- المرأة الحكيمة (شهرزاد) العفيفة النقية الحرة التقية.
2- المرأة المسخ الى غزالة، كلبة، بغلة، بقرة...الخ.
3- المرأة الخائنة، الزانية، اللعوب، الحاقدة، الساحرة، الخبيثة، الملبوسة، العجوز الشريرة، العنيدة السادية، النمامة، المحتالة، المأخوذة سفاحاً، القوادة...الكاهنة.
4- البريئة المقتولة، الساحرة الصالحة، الجارية الجميلة، الزوجة الحميمية، الحبيبة المخلصة، الحكيمة..الخ.
كما ويلاحظ أن أغلب الحكايات التي كانت تُقص فيما يخص خيانة الزوجة لزوجها – أبن عمها – تتم مع العبد الأسود الخادم في البيت، وفي هذا إشارة واضحة على أن العبد الأسود هو أكثر ذكورية من الرجل الأبيض – كما تعتقد النساء – وهذا خطأ شاع بينهن، والباقي مع رجال آخرين لغرض الخيانة فقط.
هناك ثلاثة عوامل ظلت قائمة على طول الألف ليلة وليلة، الفعل الأول هو عزم الملك (شهريار) على فعل القتل لكل صبية يأخذ وجهها ليلاً ليقتلها عند الصباح، ولكنه لن يتحقق مع (شهرزاد) على مدار ألف ليلة وليلة بعد أن خلفت منه ثلاثة أولاد ذكور، واحد منهم يمشي وواحد يحبي وواحد يرضع، حينما قال: يا شهرزاد والله أني قد عفوت عنك من قبل مجيء هؤلاء الأولاد لكوني رأيتك عفيفة نقية حرة تقية. والفعل الثاني هو الذي يطلع به أباه الوزير على عادته بالكفن تحت أبطه، كل صباح لتوقعه مقتل أبنته (شهرزاد) ولكنه لم يتحقق طوال ألف ليلة وليلة. والفعل الثالث هو فعل السرد الذي تقوم به (شهرزاد) على مدار ألف ليلة وليلة، وهي تحدث زوجها الملك (شهريار) عن الغرائب والعجائب التي حدثت في الأزمنة الغابرة، بعد أن جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء. والذي أخذ شكل التضمين " الذي ينشأ بدافع البرهنة على أمر أو فكرة ما، أو بدافع الرغبة في تأجيل نهاية القصة، كما هو الأمر في قصص (ألف ليلة وليلة) الذي ينشأ التضمين فيها بدافع من رغبة (شهرزاد) في الإفلات من مصير بنات جنسها، عن طريق تأجيل نهاية القصة".
تُعامل المرأة في ألف ليلة وليلة على أنها جسد خُلق للمتعة، وبأنها ليست ضعيفة، ولا يمكن لرغبتها من أن تقف عند حد معين مهما أحاطت بها من ظروف صعبة، إلا عند تحقيقها، وتورد لنا (شهرزاد) في أول حكاياتها عن امرأة مخطوفة من قبل الجن حينما رأى الملك (شهريار) وأخيه وقد هاج البحر وطلع منه عامود أسود صاعد الى السماء وإذ: بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر والقامة على رأسه صندوق فطلع الى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها (شاه زمان وشهريار) وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت صبية غراء بهية كأنها شمس مضيئة، فلما نظر إليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتها ليلة عرسها أريد أن أنام قليلا، ثم أن الجني وضع رأسه على ركبتها ونام، فرفعت الصبية رأسها الى أعلى فرأت الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت رأس الجني من فوق ركبتها ووضعتها على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة: انزلا ولا تخافا... ثم قالت: أرصعا رصعا عنيفاً وإلا أنبه لكما العفريت...فمن خوفهما من الجني فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما: أفيقا وأخرجت لهما من جيبها كيساً وأخرجت لهما منه عقداً فيه خمسمائة وسبعون خاتماً..ثم قالت أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي ما آمرهم به على غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما...ثم قالت لهما: أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ولم يعلم إن المرأة منا إذا أرادت أمراً لم يغلبها شيء". لتورد لنا في الليلة الأخيرة بعد الألف عن عجوز شمطاء بصورة شوهاء وسحنة معطاء أقبح من الحية الرقطاء، عن فعلها القبيح في عزمها قتل زوجها الذي أعزها وأكرمها بعد أن كانت سائبة في الشوارع دون كسرة خبز، أو مكان تنام فيه.
من كتاب الجسد...صورة...سرد
* جريدة تاتوو
.../...
أورثنا التراث العربي الكثير من الأمثال الشعبية والأساطير والحكايات الخرافية، وقد تجسد ذلك في بعض النصوص التي وصلت إلينا، ومنها حكايات ألف ليلة وليلة، ومن العناصر الأساسية في هذا العمل السردي الكبير هو الشخصية التي يتمحور عليها باقي العناصر المكونة لشروط الحكي،
أسوة بكل الأعمال الروائية الأخرى ويعتقد (بروب) " المهم في دراسة الحكاية هو التساؤل عما تقوم به الشخصيات، أما من فعل هذا الشيء أو ذاك، وكيف فعله، فهي أسئلة لا يمكن طرحها إلا باعتبارها توابع لا غير".
وفي دراستنا هذه للموروث الشعبي التي تتجلى من خلال هذه السردية الكبرى، فأننا نسلط الضوء على الإنسان- الرجل والمرأة – من أجل معرفة كيف كان الراوي يتصور في عقله الباطن المرأة (كجسد) والذي يعكسه على القرطاس، لأننا في الجزء الثاني سندرس تصوره عن نفسه وانعكاسه على تمثله في الروايات والقصص.
وقد سبقنا الكثير ممن لهم باع طويل ودراية أكبر في دراسة القصص الخرافية في تراث شعوبهم ومن ثم وضعها على منصة التشريح وخلص الى مجموعة خصائص اعتقدها هي البنية الحقيقية التي تتمثل في كل النصوص الأدبية وفي مجمل عرض مشكلة تركيب العمل الأدبي، يذكر (بروب Propp) من خلال تحليله لمحتوى مائة قصة شعبية روسية يجد الأخير نمطاً واحداً متكرراً:
1 - ملك يعطي نسراً لأحد الأبطال، فيحمل النسر البطل الى مملكة أخرى.
2 - رجل عجوز يعطي جواداً لآخر يدعى Susenks، فيحمل الحصان سكينز الى مملكة أخرى.
3 - يعطي ساحر رجلاً يدعى Ivan قارباً، فيحمل القارب (إفان) الى مملكة أخرى.
4 - تعطي إحدى الأميرات (إيفان) خاتماً يظهر منه شبان يحملون (إيفان) الى مملكة أخرى.
توجد عناصر واضحة للقرابة في الموضوعات الأربعة، أسماء وصفات الشخصيات قد تتغير، لكن أفعالهم ووظائفهم تكاد تتطابق.أخرى".
وهو بذلك قد عمم وجهة نظره في الأدب الروسي (بما يخص القصة الشعبية الروسية) دون أن ينزح الى التخصيص والتفريق بين المرأة وكيفية التعامل معها كجسد ومثلها الرجل، ولكننا نجد أن (عبد الله محمد الغذامي) كان أكثر دقة وتصنيف في دراسته للمرأة كذات، ومن ثم المرأة – الجسد- كموضوع ونظرة الرجل الجاهلي لها في زمنه " ولكي نتصور، هذه المفارقة فلنتذكر صور الأنثى من حيث هي نماذج كلية، ولنأخذ نماذج المرأة في العصر الجاهلي: 1- الموؤدة. 2- المعشوقة. 3- الملكة. 4- الصنم المعبود. هذه أربعة نماذج كلية تقف معلقة في الفضاء اللغوي والتاريخي لثقافة العصر الجاهلي، وهي لا تنتهي مع ذلك العصر بل تستمر وتتكرر في كل العصور والثقافات عربيا وعالمياً".
وأعتقد أن هذا التعميم والإطلاق على صورة الأنثى من قبل الكاتب فيه بعض المجانبة، أو من الصعب تعميمه وبالخصوص الفقرة الأولى (الموءودة) والتي لو رجعنا الى ظروفها الاجتماعية والمعيشية نجدها أنها وجدت كظاهرة لعدة أسباب منها أن عرب الجاهلية كانت تقوم بهذا العمل إما مخافة الحاجة والإملاق، أو بسبب طبيعة حياتها في تَعرضهم للكر والفر المستمر فيما بينهم كقبائل، وما ينتج عنه من أسرى للنساء، وما يفرزه من العار عليهم، أو البعض منهم يقول إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به، وهناك حكاية في الجاهلية عن الموءودة مفادها: أن رجلاً منهم في أول الأمر غزاه أعداء له، فأسروا أهله، وكان من ضمن الأسر ابنة له، هذه الفتاة بعد أن استطاع أبوها أن يصطلح مع أعدائه خيرت ما بين أبيها وما بين آسرها، الذي قيل: إنه تزوجها. فلما تزوجها هذا الرجل وخيرت ما بينه وهو آسر لها في الأصل وما بين أبيها، اختارت زوجها الآسر، فأعقب ذلك حنقاً في قلب أبيها، فأقسم ألا تلد له ابنة إلا ذبحها وهي حية، هذا فيما يزعمون أنه أصل الوأد في العرب، فتبعته العرب على ذلك.
وبالعموم فإن البيئة التي كان يعيش فيها العرب هي بيئة قاسية – صحراء – وهي تحتاج للرجال أكثر من النساء، وهذا لا يعني الاستغناء عن النساء، مهما كان نوع النظرة التي ينظر بها الرجل للمرأة، لسبب بسيط هو كيف يمكن لهم أن يتوالدوا ويتكاثروا، إضافة الى وجود طبقة من أشراف ونبلاء قريش، مع الطبقة المتوسطة، ومن ثم البسيطة، وهي طبيعية أسوة بكل طبقات المجتمع، وهكذا ينعكس إيجابا على النساء.
وقد جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم {وَإِذَا الْمَؤودةُ سُئِلَتْ 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ 9}، وكذلك في سورة أخرى { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ 57 وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ 58 يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ 59}.
وأعتقد أن القرآن الكريم سلط الضوء على شذرات عند العرب كنماذج، في الوقت الذي نزل فيه على صدر النبي الكريم، وبالتالي فأن من الصعب تعميم ذلك على كل العرب بقبائله المنتشرة في ربوع الجزيرة العربية، وبالتالي فمن الصعب اعتبارها أيضاً حالة كلية، تمتد بجذورها في كل أنحاء العالم حتى يومنا هذا، كما يصفها الأستاذ عبد الله محمد الغذامي. وربما النموذج الثاني – المعشوقة – هو أقرب للتعميم منه الى التشخيص لأننا نجده في مختلف الثقافات العالمية، ابتداء من العرب كما في (قيس وليلى، وجميل بثينة، وكثير عزة..الخ) وصولا الى بعض النماذج الغربية مثل (روميو وجوليت، عطيل ودزدمونة..الخ).
ومثلها نموذج الملكة، وهو أيضا ينفع كنموذج يرقى للكلية منه للفردية، كما في الملكة سبأ، أو الملكات في العصور الفرعونية، أما الصنم المعبود، الذي تمثل عند العرب في الآلهة (بمناة والعزى واللات) فأعتقد أنهم كآلهة أن وجدوا في عصر الجاهلية فمن الصعب وجودهن الآن في عصر الماديات، حتى لو كان البعض ينزح الى الروحانيات، ولكنه من الصعب اليوم تصور الإنسان الحضري أن يتجه الى الأصنام المادية قدر توجهه الى الميتافيزيقا.
فنحن عندما نتكلم عن المرأة- الجسد الأنثوي- فلسنا نقصد من وراءه التعميم، ولكن تسليط الضوء على نماذج سردية – ألف ليلة وليلة نموذجاً"- أختارها التراث ونحن نضعها على منصة التشريح لنقوم بفرزها وتصنيفها، ومن ثم نعرف كيف صنف العقل الذكوري التراثي المرأة وتعامل معها وسردها من خلال هذه الملحمة السردية التراثية الكبيرة:
1- الملكة زوجة (شاه زمان) تخونه مع خادمها (عبد أسود).
2- الملكة زوجة (شهريار) تخونه مع (مسعود وهو عبد أسود) وجواريها مع عبيد القصر.
القاعدة الأساسية التي تقوم عليها حكاية ألف ليلة وليلة بكل قصصها وأساطيرها هي: اكتشاف الملك (شهريار) خيانة زوجته مع عبد أسود فيقتلهما، ويقررا هو وأخيه أن يهجرا المُلك والمدينة، فيخرجا للصحراء ليلتقيا مع صبية قالت لهما: أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ولم يعلم إن المرأة منا إذا أرادت أمراً لم يغلبها شيء. ومن ثم يأخذ على نفسه عهد بأن يتزوج في كل ليلة فتاة باكر ليقتلها في الصباح لتدوم هذه العملية لثلاث سنوات حتى تخلو المدينة من الفتيات، عندها تتبرع ابنة وزيره – شهرزاد- بأن تكون زوجته الأخيرة لهذه الليلة، وعندما قضى حاجته منها، جاءت أختها الصغيرة- دنيا زاد- وطلبت منها أن تحدثها حديثاً غريباً يقطعوا به السهر.
تستعرض لنا حكايات ألف ليلة وليلة المئات من النماذج النسائية التي في عمومها تهتدي بنمط واحد هو استحواذها على الرجل، دون أن تكون لها غاية أخرى غيره، لذلك نجدها تعمل جاهدةً على تسخير الجن والأنس من أجل رغباتها وتحقيق مآربها، وفي أغلب الحكايات يكون الزواج بين الصبية وأبن عمها، ولأن الحكايات مغمسة بالسحر والشعوذة والخرافة والجن، نراها تُمسخ الى عد أشكال من الحيوانات الأليفة، نتيجة لأعمالها الشريرة، أو قد تتخذ عدة صفات سيئة، أو قد تكون الضحية "ان المشروع الشكلاني لكتاب موروفولوجيا الحكاية يسمح بالتحليل البنيوي بتقسيمه للحكايات بحسب أجزائها المكونة بعقد مقارنات مبررة، وخلافاً للتقليد الفلكلوري لا يخلط (بروب) بين موضوعات الدراسة والمضامين أي المعطيات السردية المدروسة، كما نجد في حكايات ألف ليلة وليلة، أن شخصياتها تتحرك في حيز روائي عجائبي ويقصد به خروجه على المألوف, لأن الخيال الشعبي الحاكم فيها له القدرة على إنشاء هذا الحيز وإعطائه أسماء عجائبية يصف أماكن بجغرافيا سحرية تتصف بالعجائبية"، ويمكننا حسب تحليلنا لمحتوى الكثير من القصص والتي ظهرت بها المرأة بعدة أشكال نورد البعض منها وهي:
1- المرأة الحكيمة (شهرزاد) العفيفة النقية الحرة التقية.
2- المرأة المسخ الى غزالة، كلبة، بغلة، بقرة...الخ.
3- المرأة الخائنة، الزانية، اللعوب، الحاقدة، الساحرة، الخبيثة، الملبوسة، العجوز الشريرة، العنيدة السادية، النمامة، المحتالة، المأخوذة سفاحاً، القوادة...الكاهنة.
4- البريئة المقتولة، الساحرة الصالحة، الجارية الجميلة، الزوجة الحميمية، الحبيبة المخلصة، الحكيمة..الخ.
كما ويلاحظ أن أغلب الحكايات التي كانت تُقص فيما يخص خيانة الزوجة لزوجها – أبن عمها – تتم مع العبد الأسود الخادم في البيت، وفي هذا إشارة واضحة على أن العبد الأسود هو أكثر ذكورية من الرجل الأبيض – كما تعتقد النساء – وهذا خطأ شاع بينهن، والباقي مع رجال آخرين لغرض الخيانة فقط.
هناك ثلاثة عوامل ظلت قائمة على طول الألف ليلة وليلة، الفعل الأول هو عزم الملك (شهريار) على فعل القتل لكل صبية يأخذ وجهها ليلاً ليقتلها عند الصباح، ولكنه لن يتحقق مع (شهرزاد) على مدار ألف ليلة وليلة بعد أن خلفت منه ثلاثة أولاد ذكور، واحد منهم يمشي وواحد يحبي وواحد يرضع، حينما قال: يا شهرزاد والله أني قد عفوت عنك من قبل مجيء هؤلاء الأولاد لكوني رأيتك عفيفة نقية حرة تقية. والفعل الثاني هو الذي يطلع به أباه الوزير على عادته بالكفن تحت أبطه، كل صباح لتوقعه مقتل أبنته (شهرزاد) ولكنه لم يتحقق طوال ألف ليلة وليلة. والفعل الثالث هو فعل السرد الذي تقوم به (شهرزاد) على مدار ألف ليلة وليلة، وهي تحدث زوجها الملك (شهريار) عن الغرائب والعجائب التي حدثت في الأزمنة الغابرة، بعد أن جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء. والذي أخذ شكل التضمين " الذي ينشأ بدافع البرهنة على أمر أو فكرة ما، أو بدافع الرغبة في تأجيل نهاية القصة، كما هو الأمر في قصص (ألف ليلة وليلة) الذي ينشأ التضمين فيها بدافع من رغبة (شهرزاد) في الإفلات من مصير بنات جنسها، عن طريق تأجيل نهاية القصة".
تُعامل المرأة في ألف ليلة وليلة على أنها جسد خُلق للمتعة، وبأنها ليست ضعيفة، ولا يمكن لرغبتها من أن تقف عند حد معين مهما أحاطت بها من ظروف صعبة، إلا عند تحقيقها، وتورد لنا (شهرزاد) في أول حكاياتها عن امرأة مخطوفة من قبل الجن حينما رأى الملك (شهريار) وأخيه وقد هاج البحر وطلع منه عامود أسود صاعد الى السماء وإذ: بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر والقامة على رأسه صندوق فطلع الى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها (شاه زمان وشهريار) وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت صبية غراء بهية كأنها شمس مضيئة، فلما نظر إليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتها ليلة عرسها أريد أن أنام قليلا، ثم أن الجني وضع رأسه على ركبتها ونام، فرفعت الصبية رأسها الى أعلى فرأت الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت رأس الجني من فوق ركبتها ووضعتها على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة: انزلا ولا تخافا... ثم قالت: أرصعا رصعا عنيفاً وإلا أنبه لكما العفريت...فمن خوفهما من الجني فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما: أفيقا وأخرجت لهما من جيبها كيساً وأخرجت لهما منه عقداً فيه خمسمائة وسبعون خاتماً..ثم قالت أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي ما آمرهم به على غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما...ثم قالت لهما: أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ولم يعلم إن المرأة منا إذا أرادت أمراً لم يغلبها شيء". لتورد لنا في الليلة الأخيرة بعد الألف عن عجوز شمطاء بصورة شوهاء وسحنة معطاء أقبح من الحية الرقطاء، عن فعلها القبيح في عزمها قتل زوجها الذي أعزها وأكرمها بعد أن كانت سائبة في الشوارع دون كسرة خبز، أو مكان تنام فيه.
من كتاب الجسد...صورة...سرد
* جريدة تاتوو
.../...