نقوس المهدي
كاتب
هجمة السلفيين هذه الأيام موجهة إلي الكتاب العربي الأشهر «ألف ليلة وليلة». محامون ذوو انتماءات إسلامية متطرفة يقدمون بلاغا إلي النائب العام يطالبون بمصادرة «ألف ليلة وليلة»، بزعم خدشها للحياء العام وازدرائها للأديان، ويطالبون بمعاقبة ناشرها (هيئة قصور الثقافة ورئيسها الناقد د. أحمد مجاهد، وسلسلة «الذخائر» ورئيس تحريرها الروائي جمال الغيطاني)، ثم يتضامن مع هؤلاء المحامين السلفيين نفر من «جبهة علماء الأزهر»، وبعض مواقع الإنترنت السلفية.
ونحن نعرف إن إسلاميين متطرفين كانوا قد تقدموا، منذ سنوات، ببلاغ مماثل ضد «ألف ليلة وليلة» عام 1985، وحكمت محكمة ابتدائية بمصادرة العمل، ثم تم استئناف الحكم فحكمت محكمة الاستئناف نهائيا ببطلان المصادرة وبالافراج عن الكتاب التاريخي عام 1986 موضحة أنه «أثر بارز من آثار التراث العربي» وأن «الذي يستثار جنسيا من المفردات الصريحة فيه هو شخص مهوس أو مريض».
ترصد السلفيين ل «ألف ليلة وليلة» قديم ومتواصل، إذن، بطريقة تثير السؤال: «لماذا يكره السلفيون «ألف ليلة وليلة»؟. وسنحاول أن نجيب عن هذا السؤال في النقاط السبع التالية :
(1) هم يكرهونها لأنهم يكرهون القص، فالقص هو نتاج ثقافة «المدينة»، بينما الفكر السلفي هو نتاج ثقافة البداوة والصحراء، في الفقه والفلسفة والاجتماع والأدب. ثم إن «ألف ليلة وليلة» هو نص مقاومة للموت وتشبث بالحياة عن طريق الحكايات التي تتولد من الحكايات. فيما السلفيون منتجون ومنتمون لثقافة الموت. إنه نص الفعل الايجابي المتمرد، بينما أهل القعود يروجون لنص الفعل السلبي المستسلم.
(2) هم يكرهونها لأنهم يخاصمون الأنوثة ويقمعونها، ويقلق راحتهم أن يوجد نص يجسد طاقة الإدراك المرهفة ورغبة المعرفة عند المرأة. أهل السلف هم بناة المنطلق الذكوري، في النظر للبشر والاشياء، في حين أن كتابنا المتهم إعلاء للأنوثة بوضعها في موضع البطل والمحرك والمركز، ونقض لسلم القيم العربي التقليدي، المناقض للفكر الحديث الذي يري «أن الحضارة مؤنثة» (كما قال أرنولد توينبي)، والمناقض لبعض تيارات الفكر الإسلامي نفسه، كالفلسفة الصوفية، التي تحل الأنوثة المحل الأرفع، حتي أن بن عربي قال «كل مكان لا يؤنث، لا يعول عليه»، علي نحو تأثرت به بعض تيارات الفكر الحديث التي أكدت العلاقة الجدلية النابضة بين أضلاع مثلث «الأنوثة والابداع واللاهوت»، إذ في كل ضلع من أضلاع هذا المثلث : فناء وحلول ولذة وخلق ووحي وقداسة.
وفضلا عن الصوفيين، فإن تيار العقلانية الإسلامية هو الآخر ليس خصما ل «ألف ليلة وليلة». فالتيار العقلاني يؤمن بالاجتهاد والتفكير وإعمال العقل، والتيار الصوفي يؤمن بالحدس والمجاز وشطحات الجمال.
(3) هم يكرهونها لأنهم يكرهون الآثار الكبيرة في ثقافتنا العربية القديمة والحديثة، لا سيما الآثار التي تعد أعمدة أساسية في بناء هذه الثقافة، والتي يصبح ضربها تصفية للتوجه العقلي أو الاجتهادي أو الجمالي الشاطح الجرئ في هذه الثقافة العربية، بدءا من «فصل المقال» لابن رشد و«الفتوحات المكية» لابن عربي، وصولا إلي «في الشعر الجاهلي» لطه حسين و«الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق و«أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ (كأمثلة ، لا كحصر).
عداء للمخيلة
(4) هم يكرهونها لأنهم يعادون «المخيلة الحرة» في الفنون والآداب، لكأن نظرتهم الضيقة تري أن المخيلة الحرة في الفنون والآداب تنافس المعرفة الدينية في الاستحواذ علي الذهن البشري وفي امتلاك طاقة المجاز والرمز والتخييل عند الإنسان. هم، في ذلك، يجهلون أن المعرفة الجمالية ليست مضادة للمعرفة الدينية أو مزاحمة لها، وإن كانتا تنطلقان من منطقة مشتركة هي «التجربة المجازية الروحية»، لكنهما متمايزتان، لكل منهما المحيط والمسار والمجال المستقل، علي نحو ينفي الصراع علي الملكية (ملكية عقل الإنسان) بين المعرفتين المتعاركتين، إذ هما متكاملتان لا متعاركتين.
الحساسية، هنا، قديمة، نظرا للالتباس الخالد، لا سيما في الثقافات القديمة، بين النصوص الدينية الصريحة وبين النصوص الأدبية والأسطورية التي هي في الوقت نفسه نصوص شبه دينية (كالإلياذة ، وكتاب الموتي، وتعاليم زرادشت، وكتاب التاو، وغيرها). لم يجفل العقلانيون الدينيون، في كل عقيدة، من هذا الالتباس، لكن السلفيين النقليين، وحدهم، هم الذين توهموا خطرا مزعوما من النصوص الأدبية علي النصوص الدينية.، لأن هؤلاء السلفيين النقليين لا يعترفون بأي معرفة عدا المعرفة الدينية.
(5) هم يكرهونها لأنهم يخلطون - بسوء نية- بين القراءة الحرفية للنصوص وبين القراءة المجازية لها، ولم يقرأوا كلام ابن قتيبة في كتابه «النساء» حين قال: «إذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو وصف فاحشة، فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع علي أن تعرض بوجهك وتصعر خدك، فإن ذكر الاعضاء لا يؤثم، وإنما المأثم في الكذب وقول الزور وأكل لحوم الناس بالغيب»، هم -إذن- يكيلون بمكيالين : مكيال يزنون به الألفاظ الخادشة الصريحة في القرآن الكريم، فيقولون إن السياق هو المعيار، والسياق في القرآن الكريم هو سياق عبرة وعظة ودلالة. ومكيال ثان يزنون به الألفاظ الخادشة الصريحة في النصوص الأدبية التي يريدون إدانتها، فينسون السياق الفني والعبرة والدلالة، ولا يستبقون سوي الفحش . كأن العبرة والعظة والدلالة مقصورة علي النصوص الدينية وحدها دون النصوص الأدبية. وهنا نوع من «الانتهازية» الفكرية والفقهية، التي تأباها الرؤية الإسلامية العقلانية الرحبة.
وللشعوب
(6) هم يكرهونها لأنهم يعادون «الشعوب»، و«ألف ليلة وليلة» نص شعبي أنتجته ثقافات عديدة وحضارات مختلفة (عربية وفارسية ويونانية وهندية) حتي انتهي إلي صياغته العربية. والأولي أن يرفع المحامون السلفيون الدعوي القضائية ضد كل الشعوب المنتجة للنص، أمام محكمة دولية (كما قال أحمد عبد المعطي حجازي ساخرا). ولأن «ألف ليلة وليلة» عمل يجسد تلاقح المعارف الإنسانية فقد استلهمته ثقافات عالمية كثيرة، في الرواية والشعر والموسيقي والسينما والمسرح: بدءا من جوته وكورساكوف، مرورا ببورخيس ورواية الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية وبازوليني، وانتهاء بتوفيق الحكيم وطه حسين ويسري نصر الله.
السلفيون، إذن، ضد تلاقح الثقافات الانسانية لأنهم يرون أن ثقافتهم التقليدية هي الثقافة الوحيدة الصحيحة، وهم بذلك يستبدلون بالمركزية الأوربية العرقية (التي نشكو منها) مركزية اسلامية عرقية تري أن الثقافة الإسلامية التقليدية هي المنبع والمصب المكتفيان بذاتها. وهنا نوع من العنصرية والانكفاء المخالفين للتنوع الإسلامي الحق، الداعي علي لسان الرسول الكريم إلي «طلب العلم ولو في الصين».
(7) هم يكرهونها لأنهم معادون للديمقراطية، و«ألف ليلة وليلة نص ديمقراطي (كما قال عزت القمحاوي): بمقاومته للتسلط السياسي، وبكسره للتراتب الأبوي، وبتنوع طبقات أبطاله ومواقعهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية وأجناسهم العرقية، وبتعدد مؤلفيه في الزمان والمكان، وبإعطاء القيادة فيه للمرأة، وبما تحويه من «بنية حوارية متعددة الأصوات هي أبعد ما تكون عن البنية وحيدة الرجع»- كما قال جابر عصفور.
احترام الحياة
نخلص إلي أن الدين مقدس، واحترام الحياء العام مقدس، لكن حرية الإبداع، أيضا، مقدسة. وقد قال فقهاؤنا المسلمون المستنيرون أن الأصل الثابت هو «الاباحة»، وأن الفرع المتغير هو «المنع». وإذا كانت صيحة التقييد تقول «إن للحرية حدودا»، فإن صيحة التحرير تقول «إن هناك حدودا لنظرية أن للحرية حدودا» (كما أشار وحيد عبد المجيد)، لا سيما إذا تعلق الأمر بالإبداع الأدبي والفني، الذي هو ليس رأيا تقريريا مباشرا. ولا موقفا سياسيا صريحا. وعليه فإن محاكمة الإبداع بمعيار الأخلاق المباشرة، أو بمعيار السياسة العارية. أو بمعيار الصلاح الديني الصافي، هو انتهاك للأخلاق وللسياسة وللصلاح الديني جميعا، لا غرض له سوي تكريس كهنوت النظرة الدينية الضيقة في الاستبداد بالعباد والبلاد.
ومن عجائب ذهنيتنا العربية السلفية أن ينحني العالم كله انبهارا بآثارنا الكبري، كالتماثيل الفرعونية و«أولاد حارتنا» و«ألف ليلة وليلة»، بينما نفر منا يدينها: بوصفها أصناما، أو بوصفها كفا، أو بصوفها خدشا للحياء العربي الرقيق الذي تجرحه النسمة الرقيقة!. وعلي حين تقيم دولة أجنبية، كألمانيا، مؤتمرا دوليا عن «ألف ليلة وليلة»، يصرخ عندنا سلفيون عرب : «اقتلوا شهر زاد، اقتلوا المخيلة الحرة». والنتيجة: أن يشارف مجتمعنا العربي انسدادا في شريانه التاجي!.
ونحن نعرف إن إسلاميين متطرفين كانوا قد تقدموا، منذ سنوات، ببلاغ مماثل ضد «ألف ليلة وليلة» عام 1985، وحكمت محكمة ابتدائية بمصادرة العمل، ثم تم استئناف الحكم فحكمت محكمة الاستئناف نهائيا ببطلان المصادرة وبالافراج عن الكتاب التاريخي عام 1986 موضحة أنه «أثر بارز من آثار التراث العربي» وأن «الذي يستثار جنسيا من المفردات الصريحة فيه هو شخص مهوس أو مريض».
ترصد السلفيين ل «ألف ليلة وليلة» قديم ومتواصل، إذن، بطريقة تثير السؤال: «لماذا يكره السلفيون «ألف ليلة وليلة»؟. وسنحاول أن نجيب عن هذا السؤال في النقاط السبع التالية :
(1) هم يكرهونها لأنهم يكرهون القص، فالقص هو نتاج ثقافة «المدينة»، بينما الفكر السلفي هو نتاج ثقافة البداوة والصحراء، في الفقه والفلسفة والاجتماع والأدب. ثم إن «ألف ليلة وليلة» هو نص مقاومة للموت وتشبث بالحياة عن طريق الحكايات التي تتولد من الحكايات. فيما السلفيون منتجون ومنتمون لثقافة الموت. إنه نص الفعل الايجابي المتمرد، بينما أهل القعود يروجون لنص الفعل السلبي المستسلم.
(2) هم يكرهونها لأنهم يخاصمون الأنوثة ويقمعونها، ويقلق راحتهم أن يوجد نص يجسد طاقة الإدراك المرهفة ورغبة المعرفة عند المرأة. أهل السلف هم بناة المنطلق الذكوري، في النظر للبشر والاشياء، في حين أن كتابنا المتهم إعلاء للأنوثة بوضعها في موضع البطل والمحرك والمركز، ونقض لسلم القيم العربي التقليدي، المناقض للفكر الحديث الذي يري «أن الحضارة مؤنثة» (كما قال أرنولد توينبي)، والمناقض لبعض تيارات الفكر الإسلامي نفسه، كالفلسفة الصوفية، التي تحل الأنوثة المحل الأرفع، حتي أن بن عربي قال «كل مكان لا يؤنث، لا يعول عليه»، علي نحو تأثرت به بعض تيارات الفكر الحديث التي أكدت العلاقة الجدلية النابضة بين أضلاع مثلث «الأنوثة والابداع واللاهوت»، إذ في كل ضلع من أضلاع هذا المثلث : فناء وحلول ولذة وخلق ووحي وقداسة.
وفضلا عن الصوفيين، فإن تيار العقلانية الإسلامية هو الآخر ليس خصما ل «ألف ليلة وليلة». فالتيار العقلاني يؤمن بالاجتهاد والتفكير وإعمال العقل، والتيار الصوفي يؤمن بالحدس والمجاز وشطحات الجمال.
(3) هم يكرهونها لأنهم يكرهون الآثار الكبيرة في ثقافتنا العربية القديمة والحديثة، لا سيما الآثار التي تعد أعمدة أساسية في بناء هذه الثقافة، والتي يصبح ضربها تصفية للتوجه العقلي أو الاجتهادي أو الجمالي الشاطح الجرئ في هذه الثقافة العربية، بدءا من «فصل المقال» لابن رشد و«الفتوحات المكية» لابن عربي، وصولا إلي «في الشعر الجاهلي» لطه حسين و«الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق و«أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ (كأمثلة ، لا كحصر).
عداء للمخيلة
(4) هم يكرهونها لأنهم يعادون «المخيلة الحرة» في الفنون والآداب، لكأن نظرتهم الضيقة تري أن المخيلة الحرة في الفنون والآداب تنافس المعرفة الدينية في الاستحواذ علي الذهن البشري وفي امتلاك طاقة المجاز والرمز والتخييل عند الإنسان. هم، في ذلك، يجهلون أن المعرفة الجمالية ليست مضادة للمعرفة الدينية أو مزاحمة لها، وإن كانتا تنطلقان من منطقة مشتركة هي «التجربة المجازية الروحية»، لكنهما متمايزتان، لكل منهما المحيط والمسار والمجال المستقل، علي نحو ينفي الصراع علي الملكية (ملكية عقل الإنسان) بين المعرفتين المتعاركتين، إذ هما متكاملتان لا متعاركتين.
الحساسية، هنا، قديمة، نظرا للالتباس الخالد، لا سيما في الثقافات القديمة، بين النصوص الدينية الصريحة وبين النصوص الأدبية والأسطورية التي هي في الوقت نفسه نصوص شبه دينية (كالإلياذة ، وكتاب الموتي، وتعاليم زرادشت، وكتاب التاو، وغيرها). لم يجفل العقلانيون الدينيون، في كل عقيدة، من هذا الالتباس، لكن السلفيين النقليين، وحدهم، هم الذين توهموا خطرا مزعوما من النصوص الأدبية علي النصوص الدينية.، لأن هؤلاء السلفيين النقليين لا يعترفون بأي معرفة عدا المعرفة الدينية.
(5) هم يكرهونها لأنهم يخلطون - بسوء نية- بين القراءة الحرفية للنصوص وبين القراءة المجازية لها، ولم يقرأوا كلام ابن قتيبة في كتابه «النساء» حين قال: «إذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو وصف فاحشة، فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع علي أن تعرض بوجهك وتصعر خدك، فإن ذكر الاعضاء لا يؤثم، وإنما المأثم في الكذب وقول الزور وأكل لحوم الناس بالغيب»، هم -إذن- يكيلون بمكيالين : مكيال يزنون به الألفاظ الخادشة الصريحة في القرآن الكريم، فيقولون إن السياق هو المعيار، والسياق في القرآن الكريم هو سياق عبرة وعظة ودلالة. ومكيال ثان يزنون به الألفاظ الخادشة الصريحة في النصوص الأدبية التي يريدون إدانتها، فينسون السياق الفني والعبرة والدلالة، ولا يستبقون سوي الفحش . كأن العبرة والعظة والدلالة مقصورة علي النصوص الدينية وحدها دون النصوص الأدبية. وهنا نوع من «الانتهازية» الفكرية والفقهية، التي تأباها الرؤية الإسلامية العقلانية الرحبة.
وللشعوب
(6) هم يكرهونها لأنهم يعادون «الشعوب»، و«ألف ليلة وليلة» نص شعبي أنتجته ثقافات عديدة وحضارات مختلفة (عربية وفارسية ويونانية وهندية) حتي انتهي إلي صياغته العربية. والأولي أن يرفع المحامون السلفيون الدعوي القضائية ضد كل الشعوب المنتجة للنص، أمام محكمة دولية (كما قال أحمد عبد المعطي حجازي ساخرا). ولأن «ألف ليلة وليلة» عمل يجسد تلاقح المعارف الإنسانية فقد استلهمته ثقافات عالمية كثيرة، في الرواية والشعر والموسيقي والسينما والمسرح: بدءا من جوته وكورساكوف، مرورا ببورخيس ورواية الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية وبازوليني، وانتهاء بتوفيق الحكيم وطه حسين ويسري نصر الله.
السلفيون، إذن، ضد تلاقح الثقافات الانسانية لأنهم يرون أن ثقافتهم التقليدية هي الثقافة الوحيدة الصحيحة، وهم بذلك يستبدلون بالمركزية الأوربية العرقية (التي نشكو منها) مركزية اسلامية عرقية تري أن الثقافة الإسلامية التقليدية هي المنبع والمصب المكتفيان بذاتها. وهنا نوع من العنصرية والانكفاء المخالفين للتنوع الإسلامي الحق، الداعي علي لسان الرسول الكريم إلي «طلب العلم ولو في الصين».
(7) هم يكرهونها لأنهم معادون للديمقراطية، و«ألف ليلة وليلة نص ديمقراطي (كما قال عزت القمحاوي): بمقاومته للتسلط السياسي، وبكسره للتراتب الأبوي، وبتنوع طبقات أبطاله ومواقعهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية وأجناسهم العرقية، وبتعدد مؤلفيه في الزمان والمكان، وبإعطاء القيادة فيه للمرأة، وبما تحويه من «بنية حوارية متعددة الأصوات هي أبعد ما تكون عن البنية وحيدة الرجع»- كما قال جابر عصفور.
احترام الحياة
نخلص إلي أن الدين مقدس، واحترام الحياء العام مقدس، لكن حرية الإبداع، أيضا، مقدسة. وقد قال فقهاؤنا المسلمون المستنيرون أن الأصل الثابت هو «الاباحة»، وأن الفرع المتغير هو «المنع». وإذا كانت صيحة التقييد تقول «إن للحرية حدودا»، فإن صيحة التحرير تقول «إن هناك حدودا لنظرية أن للحرية حدودا» (كما أشار وحيد عبد المجيد)، لا سيما إذا تعلق الأمر بالإبداع الأدبي والفني، الذي هو ليس رأيا تقريريا مباشرا. ولا موقفا سياسيا صريحا. وعليه فإن محاكمة الإبداع بمعيار الأخلاق المباشرة، أو بمعيار السياسة العارية. أو بمعيار الصلاح الديني الصافي، هو انتهاك للأخلاق وللسياسة وللصلاح الديني جميعا، لا غرض له سوي تكريس كهنوت النظرة الدينية الضيقة في الاستبداد بالعباد والبلاد.
ومن عجائب ذهنيتنا العربية السلفية أن ينحني العالم كله انبهارا بآثارنا الكبري، كالتماثيل الفرعونية و«أولاد حارتنا» و«ألف ليلة وليلة»، بينما نفر منا يدينها: بوصفها أصناما، أو بوصفها كفا، أو بصوفها خدشا للحياء العربي الرقيق الذي تجرحه النسمة الرقيقة!. وعلي حين تقيم دولة أجنبية، كألمانيا، مؤتمرا دوليا عن «ألف ليلة وليلة»، يصرخ عندنا سلفيون عرب : «اقتلوا شهر زاد، اقتلوا المخيلة الحرة». والنتيجة: أن يشارف مجتمعنا العربي انسدادا في شريانه التاجي!.