نقوس المهدي
كاتب
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في ( المجلة العربية ) العدد /392/ السنة الرابعة والثلاثون , رمضان /1340هـ/ سبتمبر /2009م/ تعليق على كتيب ( مترجمو ألف ليلة وليلة ) لخورخي لويس بورخيس , ص 127 ترجمة (سيلفانا ) آخرهم , كتبه ( مفيد فهد نبزو ) يشيد بكتاب ( ألف ليلة وليلة ) ومترجميه ويخص بالإعجاب (سيلفانا الخوري ) المترجمة للكتاب ، فيقول :
(( حقيقة إنه كتيب قيم لأنه يسلط الضوء على عمل تراثي من أهم السير الشعبية الأدبية العربية هذه (( ألف ليلة وليلة )) التي ذاع صيتها وطارت شهرتها في العالم اجمع ، ولذا حظيت بكل اهتمام وتقدير من العرب والمستعمرين والمستشرقين والمترجمين المختصين بآداب الشعوب وروائع حكايتها وسيرها وعظمة إبداعها ومبدعيها .....)) انتهى
بداية أقول : يبدو أن الكاتب المعلق ليس لديه اطلاع على خلفيات الكتاب ولا كاتبيه وتاريخ كتابته ومصدره لذلك فإني اعذره من هذا الجانب .....!
وألومه لأنه قصر في ذلك ولم يتقص الكتاب كما ينبغي إذ كان عليه قبل أن يشيد بالكتاب ومترجميه أن يعلم مصدره وكاتبه أو كاتبيه والسبب الذي جعل المترجمين يقبلون عليه هذا الإقبال الشديد دون غيره من الكتب والروايات التي يحفل بها التاريخ العربي الإسلامي .....!
وأنا هنا أريد أن أبين بعض جوانب كتاب ( ألف ليلة وليلة ) وانه ليس الكتاب الشعبي والتراثي العربي الذي أشاد به هذه الإشادة إنما هي أسطورة كاذبة ورواية باطلة (كما سيأتي معنا ) دسها أعداء الإسلام ليشوهوا التاريخ الإسلامي بتشويه رموزه ورجالاته وفي مقدمتهم ( هارون رشيد ) الذي كان رمزاً للجهاد في سبيل الله والبذل والعطاء وإقامة شعائر الإسلام من خلال مجالسه التي كانت حافلة بالعلماء والصلحاء , فنشر العلم وأقام العدل وجاهد في الله حتى أتاه اليقين
وخلاصة هذا الكتاب : انه رواية مترجمة عن أصل فارسي لا صلة لها بالعرب وتاريخ الإسلام , وكان اسمه ( الهزار أفسان ) أي ألف خرافة ((1))
((1)) : ((هارون الرشيد لشوقي أبو خليل وهو عن ( ابن النديم , ودائرة المعارف الإسلامية , والموسوعة الميسرة )) ومعظم المعلومات مستقاة من هذا الكتاب ((بتصرف ))
لكن الإفرنج سموها ( الليالي العربية ) لأن العرب أخذوها عن الفرس في القرن الثالث الهجري وقام بترجمتها عن العربية الكاتب الفرنسي ( أنطوان جالان ) فانتشرت في أوروبا وترجمت عن (جالان ) مراراً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما زالت إلى اليوم تصدرها ترجمات مصورة , فهي إذاً رواية فارسية الأصل , والذي يدل على أصلها الفارسي أيضاً أسماء ( شاه زمان وشهريار وشهرزاد ) .
ويطيب للناس حديث ( ألف ليلة وليلة ) وقراءتها ولاسيما العشاق منهم لأنهم يرون فيها لذة نفوسهم وشهواتهم كما يسمعون أجمل الغرائب والأخبار المتنوعة والمصادفات والاتفاقات المدهشة مع ما فيه من السفاهة , وفي هذا من الخطورة على الأجيال ما فيه , وعلى النفوس الشباب والفتيات من بائعي الهوى وبائعاته .
هذا هو سبب استهواء الكتاب و اقتنانه وتمضية الليالي على قراءته لا كما ذكرت ( يا صاحبي ) عن أنه كتاب قيم تراثي من أهم السير الشعبية الأدبية العربية ....!
ويأتي في ثنايا سرد ( رواية ألف ليلة وليلة ) اسم ( هارون الرشيد ) بل هو أهم شخصية فيها حتى ظن بعضهم أنها كتبت بعد أيامه بزمن قصير .
وقد شوَّهتْ (ألف ليلة وليلة ) صورة (هارون الرشيد ) وأساءت إليه في كثير من قصصها في حين أن (الرشيد ) كان رمزاً للعصر الذهبي من العصور الإسلامية والعصور الأوربية أيضاً التي كانت تمر بعصور الظلام ( العصور الوسطى ) كما جاء في التاريخ
مصدر الكتاب :
وإذا رجعنا إلى المصادر التاريخية لهذا الكتاب نجد انه ترجم إلى العربية في القرن ( الثالث الهجري ) و(الرشيد) عاش في القرن ( الثاني الهجري ) أي بين الكتاب وبين الرشيد حوالي ( مائة عام ) فالفارق الزمني بينهما كبير ومع ذلك أسندوها إلى ( هارون الرشيد ) وعصره , ولنعلم الخلفية الخبيثة التي تمكن من نشر هذه الرواية الكاذبة الخرافية في أصلها الفارسي والهندي فهي خيالات وتصورات من واضعيها وما أكثر القصص التي يتكلم بها البهائم والوحوش في الأدب الهندي .....!
والسؤال الآن : لماذا شوهوا سيرة الرشيد بالذات من بين الخلفاء بني العباس .....!؟
تعالوا نستطلع جلية الأمر :
مما لا شك فيه أن التشويه كان مدروساً ومحكماً فعصر ( الرشيد ) يمثل ذروة الحضارة العربية الإسلامية قوة ومنعة وعزة وسياسة وعلوماً واقتصاداً وتربية , وكانت ( بغداد ) بالذات بلد الرشيد في عهده الدولة الأقوى في العالم كله , بهرت أعداءها شرقاً وغرباً وقد توالت على بغداد ( عشرة ) من العباسيين يمثلون ذروة القوة والنهضة والتقدم والعلم , منهم ( أبو جعفر المنصور , والمأمون , والمعتصم ....)
(والرشيد) في قمة هؤلاء العشرة لذلك وجهت سهام التشويه والدس والافتراء والتهم إليه بالذات , وهذا الطعن والتشويه وإظهار ( الرشيد ) على هذه الصورة النكراء طعن في سيرة أعلام الإسلام بل في الإسلام ذاته
ولما كانت الحرب المباشرة والطعن العلني في الإسلام لم يجديا نفعاً امتهنوا الطعن الخفي واتخذوه سبيلاً للتشويه غير المباشر ضد الحضارة الإسلامية الشامخة والدسُ على رجالاته ورموزه دس على الإسلام نفسه ( ديناً وشريعة وتاريخاً ونظاماً ) .
فالطعن موجه إلى أوج حضارتنا ونهضتنا وصميم ديننا , وتكاتف فيه حقد صليبي تمثل في ( نقفور) وروايات كنسية باطلة مالأت ( شارلمان ) و استشراق استعماري خبيث جعل خيالات ( ألف ليلة وليلة )
الأسطورة الخرافية روايات عربية وإسلامية بطلها ( الرشيد ) مع حقد شعوبي فارسي تمثل في ( البرامكة ) ومن أرخ لهم
ثم تعال قارئي الكريم نستخبر جهاده الدائم فهو إن لم يكن في حج فهو في غزو الروم , فتح ( هرقلة ) وأخذ الجزية من ملك الروم , عاصره ( شارلمان الكبير ) المعروف ( بشارلمان ) وفي القسطنطينية (قسطنطين السادس ) وكانت تديره وتربيه أمه ( اريني ) ثم استبدت بالملك ثم خلفها (نقفور ) الذي قـُرن اسم ( الرشيد ) باسمه في فتوحاته وسجله التاريخ على أنه مزية لهذا الخليفة العظيم فلا يكاد يذكر اسم ( نقفور ) وإلا ويقفز إلى ذاكراتنا (الرشيد ) فما مناسبة ذلك ؟
جاء في روايات التاريخ الإسلامية الصحيحة أنه : في سنة ( 187هـ ) نقض صاحب الروم ( نقفور) الصلح الذي كان بين المسلمين والإمبراطورة ( اريني ) بعد أن خلها الروم وملكوا الحكم ( نقفور) .
فلما دان له الروم ومكن قدميه من الحكم كتب إلى ( الرشيد ) فكان مما جاء في كتابه : (( من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب , أما بعد : فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام (الرخ ) - من أدوات الشطرنج المهمة في اللعبة – وأقامت نفسها مقام (البيدق ) – أي خادماً- فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك , وإلا فالسيف بيننا وبينك )).
فلما قرأ (الرشيد) الكتاب استفزه الغضب فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب : (( بسم الله الرحمن الرحيم / من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم , قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه والسلام ))
تفكر جيداً أخي القارئ في كل كلمة جاءت في كتاب ( الرشيد ) لتستشعر عزة المؤمن وثقته بنفسه العابدة لله والطائعة لأمره قال تعالى : (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) , فما أشد حاجتنا إلى هذه العزة القعساء والقوة الإيمانية والثقة بالله عز وجل في معاركنا مع أعداء هذا الدين التي لم تنته بعد ...!
ثم إن (الرشيد) شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب (هرقلة ) ففتح وغنم وطلب (نقفور ) الموادعة (أي التسليم ) على خراج يؤديه في كل سنة فأجاب ( الرشيد ) إلى ذلك , فلما رجع من غزوته وصار ( بالرقة ) نقض ( نقفور ) العهد وخان الميثاق , وكان البرد شديداً فيئش ( نقفور ) من رجعة ( الرشيد ) إليه وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقا عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام , فلما علم الرشيد ذلك كرّ راجعاً في أشد محنة وأغلظ كلفه حتى أناخ بفنانه فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد وأذل ( نقفور ) وجنده
هذا هو الرشيد يا صاحبي قائد فذ خليفة عادل وعظيم فاتح لا كما جاء في ( ألف ليلة وليلة ) يطوح بين دنان الخمر وأمامه الراقصات و المومسات في سهرات حمراء إلى بزوغ الفجر حيث كانت شهرزاد تنهي كل ليلة بقولها (( وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح )) .
كان مكتوباً على قلنسوته ( غاز / حاج ) فكان يفجر بهاتين الصفتين , وكان يغزو عاماً ويحج عاماً ويصلي في اليوم والليلة ( مائة ركعة ) ما لم يعتل بعلة ، هذه سيرته كما وصلتنا ولا يعني انه كان معصوماً إنما قد يكون واقعاً في ذنب أو ذنوب لكن هذه سيرته باختصار .
أما عن العلم وصنوفه وتقدمه في أيامه فحدث ولا حرج , فلقد ضمت دولة الرشيد أعلام العلم الذين تفخر بهم البشرية جمعاء , أمثال : ( جابر بن حيان في الكيمياء والحسن بن الهيثم في البصريات , والخوارزمي في الرياضيات , والدينوري في النبات ) الذي يصفه ( ديورانت ) في قصة الحضارة بأنه ( مثال العالم المسلم في أرقى مراتبه ) كما تقدمت الصناعة تقدماً لا مثيل له فاخترعوا ( الأنبيق ) وصنعوا ( الساعة المائية الدقاقة ) التي بعثها الرشيد لحاكم الإفرنج يومئذ ( شارلمان ) فلما رأوها تعجبوا منها عجباً شديداً ( وكانوا من التخلف في العلوم ) أنهم ما صدقوا أنها جهاز لضبط الزمن ولم تتحمل عقولهم ذلك وظنوا أن ( فيها شيطان أو جهاز استخبارات ) بعثه حاكم المسلمين إليهم للتجسس فكسروها ضاربين بها عرض الحائط .....!
عمّ الرخاء في عهد الرشيد الناس كلهم لا بغداد وحدها بل لكل الأقاليم حتى الأصقاع النائية بشكل كامل وبلغ سلطانه الواسع حتى كان يخاطب السحابة قائلاً: (( أمطري حيث شئت فانه سيأتيني خراجك ))
وفي هذا يقول محمود غنيم :
إن الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه
وهذه الأموال والثروات كانت تنفق في مجالاتها المشروعة وعلى أصحابها المستحقين كما رسمها ( أبو يوسف ) قاضي القضاة في كتابه ( الخراج ) ولم تنفق في قصور ألف ليلة وليلة ولياليها الحمراء الأسطورية فلمصلحة من يجرح أعلام تاريخنا الناصع وتسود صفحاته ؟ ولصالح من يعلوه غبار النسيان في زوايا الإهمال فننسى حقائقه وروائعه ودروسه ؟ ألا نردد صباح مساء في مدارسنا وميادين إعلامنا :
فـمنـا الوليـد ومنـا الرشيـد فلـم لا نسـود ولـم لا نشيـد
حتى جعلته بعض الدول العربية مفتاح برامجها في (التلفزيون) و(الإذاعة) كل صباح وشعاراً الاجتماعات والمناسبات الرسمية للدولة كما هو الشأن في (سورية )
أصلح الله حالنا وفقهنا في ديننا وتاريخنا المظلوم المشوه وإنا لله وإنا إليه راجعون , وأنهي التعليق بما خاطب به بعضهم التاريخ فقال :
تحابي الحي أو تظلم يا تاريخ أحيانا = فهل مثلك مأمون على تاريخ موتانا
لكــم تــذكــر أخيــــــــــــــــــــــارا = هـمــو عـنــدي أشــــــــــــــــــــــــــرار
وكــم تــذكـر أشـــــــــــــــــرارا = همـو عـنـدي أخيــــــــــــــــــــــــــــــار
وكـم تـذكــر حقيقـــــــــــــات = هــي عـنــدي خــرافــــــــــــــــــــــــــــــات
وكـم تـذكــر خــرافـــــــــــات = هــي عـنــدي حقيقـــــــــــــــــــــــــــــــات
لـك الله يا تاريـــــــــــــــــــخ = يا شيــخ الأضاليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
فمــا اقــــــــــــــــــــدر كفـيـك = على نسج الأباطيـــــــــــــــــــــــــــــــــــل
والحمد لله أولا وآخراً
القامشلي في /8/ شوال /1430هـ/
الموافق لـ : 28/ أيلول /2009/
* merbad
جاء في ( المجلة العربية ) العدد /392/ السنة الرابعة والثلاثون , رمضان /1340هـ/ سبتمبر /2009م/ تعليق على كتيب ( مترجمو ألف ليلة وليلة ) لخورخي لويس بورخيس , ص 127 ترجمة (سيلفانا ) آخرهم , كتبه ( مفيد فهد نبزو ) يشيد بكتاب ( ألف ليلة وليلة ) ومترجميه ويخص بالإعجاب (سيلفانا الخوري ) المترجمة للكتاب ، فيقول :
(( حقيقة إنه كتيب قيم لأنه يسلط الضوء على عمل تراثي من أهم السير الشعبية الأدبية العربية هذه (( ألف ليلة وليلة )) التي ذاع صيتها وطارت شهرتها في العالم اجمع ، ولذا حظيت بكل اهتمام وتقدير من العرب والمستعمرين والمستشرقين والمترجمين المختصين بآداب الشعوب وروائع حكايتها وسيرها وعظمة إبداعها ومبدعيها .....)) انتهى
بداية أقول : يبدو أن الكاتب المعلق ليس لديه اطلاع على خلفيات الكتاب ولا كاتبيه وتاريخ كتابته ومصدره لذلك فإني اعذره من هذا الجانب .....!
وألومه لأنه قصر في ذلك ولم يتقص الكتاب كما ينبغي إذ كان عليه قبل أن يشيد بالكتاب ومترجميه أن يعلم مصدره وكاتبه أو كاتبيه والسبب الذي جعل المترجمين يقبلون عليه هذا الإقبال الشديد دون غيره من الكتب والروايات التي يحفل بها التاريخ العربي الإسلامي .....!
وأنا هنا أريد أن أبين بعض جوانب كتاب ( ألف ليلة وليلة ) وانه ليس الكتاب الشعبي والتراثي العربي الذي أشاد به هذه الإشادة إنما هي أسطورة كاذبة ورواية باطلة (كما سيأتي معنا ) دسها أعداء الإسلام ليشوهوا التاريخ الإسلامي بتشويه رموزه ورجالاته وفي مقدمتهم ( هارون رشيد ) الذي كان رمزاً للجهاد في سبيل الله والبذل والعطاء وإقامة شعائر الإسلام من خلال مجالسه التي كانت حافلة بالعلماء والصلحاء , فنشر العلم وأقام العدل وجاهد في الله حتى أتاه اليقين
وخلاصة هذا الكتاب : انه رواية مترجمة عن أصل فارسي لا صلة لها بالعرب وتاريخ الإسلام , وكان اسمه ( الهزار أفسان ) أي ألف خرافة ((1))
((1)) : ((هارون الرشيد لشوقي أبو خليل وهو عن ( ابن النديم , ودائرة المعارف الإسلامية , والموسوعة الميسرة )) ومعظم المعلومات مستقاة من هذا الكتاب ((بتصرف ))
لكن الإفرنج سموها ( الليالي العربية ) لأن العرب أخذوها عن الفرس في القرن الثالث الهجري وقام بترجمتها عن العربية الكاتب الفرنسي ( أنطوان جالان ) فانتشرت في أوروبا وترجمت عن (جالان ) مراراً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما زالت إلى اليوم تصدرها ترجمات مصورة , فهي إذاً رواية فارسية الأصل , والذي يدل على أصلها الفارسي أيضاً أسماء ( شاه زمان وشهريار وشهرزاد ) .
ويطيب للناس حديث ( ألف ليلة وليلة ) وقراءتها ولاسيما العشاق منهم لأنهم يرون فيها لذة نفوسهم وشهواتهم كما يسمعون أجمل الغرائب والأخبار المتنوعة والمصادفات والاتفاقات المدهشة مع ما فيه من السفاهة , وفي هذا من الخطورة على الأجيال ما فيه , وعلى النفوس الشباب والفتيات من بائعي الهوى وبائعاته .
هذا هو سبب استهواء الكتاب و اقتنانه وتمضية الليالي على قراءته لا كما ذكرت ( يا صاحبي ) عن أنه كتاب قيم تراثي من أهم السير الشعبية الأدبية العربية ....!
ويأتي في ثنايا سرد ( رواية ألف ليلة وليلة ) اسم ( هارون الرشيد ) بل هو أهم شخصية فيها حتى ظن بعضهم أنها كتبت بعد أيامه بزمن قصير .
وقد شوَّهتْ (ألف ليلة وليلة ) صورة (هارون الرشيد ) وأساءت إليه في كثير من قصصها في حين أن (الرشيد ) كان رمزاً للعصر الذهبي من العصور الإسلامية والعصور الأوربية أيضاً التي كانت تمر بعصور الظلام ( العصور الوسطى ) كما جاء في التاريخ
مصدر الكتاب :
وإذا رجعنا إلى المصادر التاريخية لهذا الكتاب نجد انه ترجم إلى العربية في القرن ( الثالث الهجري ) و(الرشيد) عاش في القرن ( الثاني الهجري ) أي بين الكتاب وبين الرشيد حوالي ( مائة عام ) فالفارق الزمني بينهما كبير ومع ذلك أسندوها إلى ( هارون الرشيد ) وعصره , ولنعلم الخلفية الخبيثة التي تمكن من نشر هذه الرواية الكاذبة الخرافية في أصلها الفارسي والهندي فهي خيالات وتصورات من واضعيها وما أكثر القصص التي يتكلم بها البهائم والوحوش في الأدب الهندي .....!
والسؤال الآن : لماذا شوهوا سيرة الرشيد بالذات من بين الخلفاء بني العباس .....!؟
تعالوا نستطلع جلية الأمر :
مما لا شك فيه أن التشويه كان مدروساً ومحكماً فعصر ( الرشيد ) يمثل ذروة الحضارة العربية الإسلامية قوة ومنعة وعزة وسياسة وعلوماً واقتصاداً وتربية , وكانت ( بغداد ) بالذات بلد الرشيد في عهده الدولة الأقوى في العالم كله , بهرت أعداءها شرقاً وغرباً وقد توالت على بغداد ( عشرة ) من العباسيين يمثلون ذروة القوة والنهضة والتقدم والعلم , منهم ( أبو جعفر المنصور , والمأمون , والمعتصم ....)
(والرشيد) في قمة هؤلاء العشرة لذلك وجهت سهام التشويه والدس والافتراء والتهم إليه بالذات , وهذا الطعن والتشويه وإظهار ( الرشيد ) على هذه الصورة النكراء طعن في سيرة أعلام الإسلام بل في الإسلام ذاته
ولما كانت الحرب المباشرة والطعن العلني في الإسلام لم يجديا نفعاً امتهنوا الطعن الخفي واتخذوه سبيلاً للتشويه غير المباشر ضد الحضارة الإسلامية الشامخة والدسُ على رجالاته ورموزه دس على الإسلام نفسه ( ديناً وشريعة وتاريخاً ونظاماً ) .
فالطعن موجه إلى أوج حضارتنا ونهضتنا وصميم ديننا , وتكاتف فيه حقد صليبي تمثل في ( نقفور) وروايات كنسية باطلة مالأت ( شارلمان ) و استشراق استعماري خبيث جعل خيالات ( ألف ليلة وليلة )
الأسطورة الخرافية روايات عربية وإسلامية بطلها ( الرشيد ) مع حقد شعوبي فارسي تمثل في ( البرامكة ) ومن أرخ لهم
ثم تعال قارئي الكريم نستخبر جهاده الدائم فهو إن لم يكن في حج فهو في غزو الروم , فتح ( هرقلة ) وأخذ الجزية من ملك الروم , عاصره ( شارلمان الكبير ) المعروف ( بشارلمان ) وفي القسطنطينية (قسطنطين السادس ) وكانت تديره وتربيه أمه ( اريني ) ثم استبدت بالملك ثم خلفها (نقفور ) الذي قـُرن اسم ( الرشيد ) باسمه في فتوحاته وسجله التاريخ على أنه مزية لهذا الخليفة العظيم فلا يكاد يذكر اسم ( نقفور ) وإلا ويقفز إلى ذاكراتنا (الرشيد ) فما مناسبة ذلك ؟
جاء في روايات التاريخ الإسلامية الصحيحة أنه : في سنة ( 187هـ ) نقض صاحب الروم ( نقفور) الصلح الذي كان بين المسلمين والإمبراطورة ( اريني ) بعد أن خلها الروم وملكوا الحكم ( نقفور) .
فلما دان له الروم ومكن قدميه من الحكم كتب إلى ( الرشيد ) فكان مما جاء في كتابه : (( من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب , أما بعد : فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام (الرخ ) - من أدوات الشطرنج المهمة في اللعبة – وأقامت نفسها مقام (البيدق ) – أي خادماً- فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك , وإلا فالسيف بيننا وبينك )).
فلما قرأ (الرشيد) الكتاب استفزه الغضب فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب : (( بسم الله الرحمن الرحيم / من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم , قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه والسلام ))
تفكر جيداً أخي القارئ في كل كلمة جاءت في كتاب ( الرشيد ) لتستشعر عزة المؤمن وثقته بنفسه العابدة لله والطائعة لأمره قال تعالى : (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) , فما أشد حاجتنا إلى هذه العزة القعساء والقوة الإيمانية والثقة بالله عز وجل في معاركنا مع أعداء هذا الدين التي لم تنته بعد ...!
ثم إن (الرشيد) شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب (هرقلة ) ففتح وغنم وطلب (نقفور ) الموادعة (أي التسليم ) على خراج يؤديه في كل سنة فأجاب ( الرشيد ) إلى ذلك , فلما رجع من غزوته وصار ( بالرقة ) نقض ( نقفور ) العهد وخان الميثاق , وكان البرد شديداً فيئش ( نقفور ) من رجعة ( الرشيد ) إليه وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقا عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام , فلما علم الرشيد ذلك كرّ راجعاً في أشد محنة وأغلظ كلفه حتى أناخ بفنانه فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد وأذل ( نقفور ) وجنده
هذا هو الرشيد يا صاحبي قائد فذ خليفة عادل وعظيم فاتح لا كما جاء في ( ألف ليلة وليلة ) يطوح بين دنان الخمر وأمامه الراقصات و المومسات في سهرات حمراء إلى بزوغ الفجر حيث كانت شهرزاد تنهي كل ليلة بقولها (( وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح )) .
كان مكتوباً على قلنسوته ( غاز / حاج ) فكان يفجر بهاتين الصفتين , وكان يغزو عاماً ويحج عاماً ويصلي في اليوم والليلة ( مائة ركعة ) ما لم يعتل بعلة ، هذه سيرته كما وصلتنا ولا يعني انه كان معصوماً إنما قد يكون واقعاً في ذنب أو ذنوب لكن هذه سيرته باختصار .
أما عن العلم وصنوفه وتقدمه في أيامه فحدث ولا حرج , فلقد ضمت دولة الرشيد أعلام العلم الذين تفخر بهم البشرية جمعاء , أمثال : ( جابر بن حيان في الكيمياء والحسن بن الهيثم في البصريات , والخوارزمي في الرياضيات , والدينوري في النبات ) الذي يصفه ( ديورانت ) في قصة الحضارة بأنه ( مثال العالم المسلم في أرقى مراتبه ) كما تقدمت الصناعة تقدماً لا مثيل له فاخترعوا ( الأنبيق ) وصنعوا ( الساعة المائية الدقاقة ) التي بعثها الرشيد لحاكم الإفرنج يومئذ ( شارلمان ) فلما رأوها تعجبوا منها عجباً شديداً ( وكانوا من التخلف في العلوم ) أنهم ما صدقوا أنها جهاز لضبط الزمن ولم تتحمل عقولهم ذلك وظنوا أن ( فيها شيطان أو جهاز استخبارات ) بعثه حاكم المسلمين إليهم للتجسس فكسروها ضاربين بها عرض الحائط .....!
عمّ الرخاء في عهد الرشيد الناس كلهم لا بغداد وحدها بل لكل الأقاليم حتى الأصقاع النائية بشكل كامل وبلغ سلطانه الواسع حتى كان يخاطب السحابة قائلاً: (( أمطري حيث شئت فانه سيأتيني خراجك ))
وفي هذا يقول محمود غنيم :
إن الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه
وهذه الأموال والثروات كانت تنفق في مجالاتها المشروعة وعلى أصحابها المستحقين كما رسمها ( أبو يوسف ) قاضي القضاة في كتابه ( الخراج ) ولم تنفق في قصور ألف ليلة وليلة ولياليها الحمراء الأسطورية فلمصلحة من يجرح أعلام تاريخنا الناصع وتسود صفحاته ؟ ولصالح من يعلوه غبار النسيان في زوايا الإهمال فننسى حقائقه وروائعه ودروسه ؟ ألا نردد صباح مساء في مدارسنا وميادين إعلامنا :
فـمنـا الوليـد ومنـا الرشيـد فلـم لا نسـود ولـم لا نشيـد
حتى جعلته بعض الدول العربية مفتاح برامجها في (التلفزيون) و(الإذاعة) كل صباح وشعاراً الاجتماعات والمناسبات الرسمية للدولة كما هو الشأن في (سورية )
أصلح الله حالنا وفقهنا في ديننا وتاريخنا المظلوم المشوه وإنا لله وإنا إليه راجعون , وأنهي التعليق بما خاطب به بعضهم التاريخ فقال :
تحابي الحي أو تظلم يا تاريخ أحيانا = فهل مثلك مأمون على تاريخ موتانا
لكــم تــذكــر أخيــــــــــــــــــــــارا = هـمــو عـنــدي أشــــــــــــــــــــــــــرار
وكــم تــذكـر أشـــــــــــــــــرارا = همـو عـنـدي أخيــــــــــــــــــــــــــــــار
وكـم تـذكــر حقيقـــــــــــــات = هــي عـنــدي خــرافــــــــــــــــــــــــــــــات
وكـم تـذكــر خــرافـــــــــــات = هــي عـنــدي حقيقـــــــــــــــــــــــــــــــات
لـك الله يا تاريـــــــــــــــــــخ = يا شيــخ الأضاليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
فمــا اقــــــــــــــــــــدر كفـيـك = على نسج الأباطيـــــــــــــــــــــــــــــــــــل
والحمد لله أولا وآخراً
القامشلي في /8/ شوال /1430هـ/
الموافق لـ : 28/ أيلول /2009/
* merbad