نقوس المهدي
كاتب
العين تقع على اللغة فورا، هي الشاشة والصورة وما يدور وما يحدث، اللغة شكل الفكرة ولوحة الحكاية ونحت ورسم الشخصيات، هي أبواب الرواية منها تدخل ومنها تخرج، اللغة هوية السرد وبصمة الرواية وطعمها ومذاقها وعطرها ومناخها، هي الزمان والمكان والحدث والشخصيات، من لا يمتلك لغة فليبحث عن عمل آخر غير كتابة السرد. بواسطة اللغة تجر القارئ من خشمه مسحورا الى كتابك، يجلس امام سطورك مبهورا لا يستطيع فراق نكهة الحروف التي استحوذت عليه وهو يرى كيف صارت اللغة الحبيبة والاطفال والحديقة والام والغابة، هي السر الذي يغريه ويجذبه لكشف طلاسمه وتركض خلف ظلاله الى اخر مشوار الرواية، وليس كما يتفاخر الكثير من الروائيين وهو يصف لغته بعنجهية: روايتي لغتها وظيفية لا اتوقف عندها كثيرا واحلبها واخضها كي استخرج الزبد والقيمر الدسم، هذا شغل الكاتب البطران العاشق الذي يتعامل مع لغته مثل الفتاة الحبيبة فيقع فريسة للاغوائها فلا يخرج من كتابه إلا كما يخرج قيس من براثن ليلى محطما وقد خسر كل شيء. أما أنا فلا أقع سجين اللغة ويشلني سحرها وربما تقودني الى متاهات شعرية لا مخرج لها، اللغة مجرد وظيفة لسرد قصتي نقطة راس السطر.
هكذا يتعامل الكثير من الروائيين مع اللغة لذلك تتشابها كتبهم مثل وجوه الصينين، لا تستطيع ان تفرق فلان عن علان لعدم وجود بصمة لغة وهوية خاصة لا يحملها أي فرد غير الكاتب، المصيبة ان لغة هؤلاء الروائيين لا تختلف عن الترجمة، يعني حين يكتب ويصف التفاحة بيد حبيبته لا يتكتبها من لغة القلب والروح بل يترجم نقلا عنهما، لذلك هي لغة شاحبة قاحلة تعاني من فقر دم فظيع حتى ان نبض الكلمات ضعيف وفاهي ومضطرب، وكما ان صفحات الرواية ماسخة وكأن القاريء يعاني من ضغط الدم أو هي صفحات مرة لقارئ يشكو من مرض السكري. والمصيبة الاطين ان لغتنا العربية محجبة ومنقبة وعلى الكاتب ان ينزع كل هذه السجون الخارجية عن الكلمات ويعريها كما خلقها الله كي يستطيع ان يلبسها الزي الذي يريده الروائي، ولغتنا متخمة بالعيب والمحظور والحرام والحلال والممنوع في سجونها الداخلية وعلى الكاتب ان يخلصها من السجان والجلاد والكاهن والسادن، ويخرجها للهواء الطلق كي تتنفس أوكسجين الحرية حتى يستطيع الروائي رسمها على صفحته بدون اغلال وحبال سلاسل وقيود. وهكذا نستطيع بناء هيكل الحكاية من طابوق هذه اللغة، ونلعب بخطوط مستويات السرد بحرية مع هذه اللغة سواء كانت المستويات مرئية أم مخفية، ولا تتصاعد الحبكة الدرامية وتتظافر خيوطها بعض مع بعض في سجادة السرد إلا بهذه اللغة، طبعا مع رسم الشخصيات بهذه الغة وهي تتقافز للطفولة والمراهقة والشباب بانسيابية وصدق ودفئ حتى كأننا أمام شخصيات تتحرك بلحم ودم وعظم مع طاقة روحية تفيض عليها. ثم يأتي تأثيث المكان بمدنه وشوارعه وبيوته وغرفه والدخول من باب لباب، كل هذا يتم من خلال سحر اللغة، وبها يتم ضبط توقيت الزمان مع كافة طبقاته ووحداته وجفرافيا فصوله. مستحيل ان نضع لبنة واحدة في مدينة الرواية بدون هذه اللغة. اللغة هي الرواية.
* عن الصباح الجديد
هكذا يتعامل الكثير من الروائيين مع اللغة لذلك تتشابها كتبهم مثل وجوه الصينين، لا تستطيع ان تفرق فلان عن علان لعدم وجود بصمة لغة وهوية خاصة لا يحملها أي فرد غير الكاتب، المصيبة ان لغة هؤلاء الروائيين لا تختلف عن الترجمة، يعني حين يكتب ويصف التفاحة بيد حبيبته لا يتكتبها من لغة القلب والروح بل يترجم نقلا عنهما، لذلك هي لغة شاحبة قاحلة تعاني من فقر دم فظيع حتى ان نبض الكلمات ضعيف وفاهي ومضطرب، وكما ان صفحات الرواية ماسخة وكأن القاريء يعاني من ضغط الدم أو هي صفحات مرة لقارئ يشكو من مرض السكري. والمصيبة الاطين ان لغتنا العربية محجبة ومنقبة وعلى الكاتب ان ينزع كل هذه السجون الخارجية عن الكلمات ويعريها كما خلقها الله كي يستطيع ان يلبسها الزي الذي يريده الروائي، ولغتنا متخمة بالعيب والمحظور والحرام والحلال والممنوع في سجونها الداخلية وعلى الكاتب ان يخلصها من السجان والجلاد والكاهن والسادن، ويخرجها للهواء الطلق كي تتنفس أوكسجين الحرية حتى يستطيع الروائي رسمها على صفحته بدون اغلال وحبال سلاسل وقيود. وهكذا نستطيع بناء هيكل الحكاية من طابوق هذه اللغة، ونلعب بخطوط مستويات السرد بحرية مع هذه اللغة سواء كانت المستويات مرئية أم مخفية، ولا تتصاعد الحبكة الدرامية وتتظافر خيوطها بعض مع بعض في سجادة السرد إلا بهذه اللغة، طبعا مع رسم الشخصيات بهذه الغة وهي تتقافز للطفولة والمراهقة والشباب بانسيابية وصدق ودفئ حتى كأننا أمام شخصيات تتحرك بلحم ودم وعظم مع طاقة روحية تفيض عليها. ثم يأتي تأثيث المكان بمدنه وشوارعه وبيوته وغرفه والدخول من باب لباب، كل هذا يتم من خلال سحر اللغة، وبها يتم ضبط توقيت الزمان مع كافة طبقاته ووحداته وجفرافيا فصوله. مستحيل ان نضع لبنة واحدة في مدينة الرواية بدون هذه اللغة. اللغة هي الرواية.
* عن الصباح الجديد