نقوس المهدي
كاتب
عندما علم الجنيرال دين بيي أوكو بأن عدوه الجنيرال باي بُّو أون قد وقع في الأسر فرح أيما فرح. الحقيقة هي أنه لم يكن ليستطيع أيُّ شيء إرضاءه كثيرا. لم يلتقط أحد هذه الملاحظة. و هكذا تم الاحتفاظ بهذا الأمر، جاعلا عضلات وجهه من ناحية أخرى لا تنم عن أي إحساس.
أمر بسجنه في آخر زنزانة تحت أرضية في حصن كْسِيِينْ خِيكْ. كان يعرفها منذ زمن إلى الوراء عندما أجبره الإنجليزيون على الخبز و الماء هنالك لمدة أربع سنوات. مضى على ذلك زمن يسير: عندها كان باي بُّو أون بمثابة أخيه. ثمانية قضبان قريبة من مستوى سطح الأرض، تقريبا علوها عشرون سنتيمترا، مكان كافٍ كي تجري فيه الفئران الضخمة التي تعيش في حقول الأرز في التل المنحدر.
نعم، لقد كان بمثابة أخيه. أما الآن فقد خسر. لم يشك دين بْيِي أوكو في هذا الأمر قطُّ، إذ كان يثق دائما في حدسه، و حتى عندما كان يساعد سيدَه - هل كان أباه؟ - في تحريك ذلك النول البدائي. عندها كان الفرنسيون و الإنجليزيون يرسلون عملاء انتحاريين ليموتوا كي تمتلك حكوماتهم ذريعة مقبولة نسبيا لاحتلال البلد عسكريا. كانوا يسمون مبشرينَ. كان دين بْيِي أوكو معجبا بهم و تعلم منهم. الآن بسيطرته على باي بُّو أون لن تكون عنده أية مشاكل تذكر، لكن رغم ذلك كاد يفشل. الذنب يتحمله خصمه، كان يعرف ذلك في قرارة نفسه دائما: لقد كان من سلالة كوري. كيف يجعله يؤدي ثمن السنتين الأخيرتين من غياب الأمن و الجري و الاختباء و معاناة الجوع و الخوف؟
لم يكن الأمر سهلا جدا كما كان يبدو ذلك منذ الوهلة الأولى. و هو جامد في أرجوحته، كان الجنيرال المنتصر يجتر أنواع الثأر الممكنة. لم يخطر على باله في أية لحظة اللجوء إلى التعذيب الجسدي. ذاك متروك للأوربيين و المسلمين. يمكن أن يتحمل المرءُ الألم إذا كان عازما على ذلك. كان يعلم ذلك بحكم التجربة الذاتية و الغيرية. إن الذي يريد أن يتحمل، سيتحمل.
كان قد خان و هزم باي بُّو أون منذ زمن مضى. في هذه الظروف لم يكن ليبدي كرمه. شهرا قبل ذلك، و هو يتوقع النهاية السعيدة، كان قد أرسل إليه مبعوثا. ما أمر بنقله إلى عدوه حتى ذلك الحين لم يكن من أجل أن يُذكره. لم يكن الرفع على الخازوق بالأمر الكافي. لو كان قد أهانه هو وحده فقط لكان الأمر هينا، غير أنه تجاوز ذلك إلى أمه. و ها هو الآن يسيطر عليه تحت الأرض. ابتسم دين بْيِي أوكو نظريا.
اختمرت الفكرة بمجرد أن استفاق. فقط في "التفكير باستقامة، الحب باستقامة، الكلام باستقامة، العمل باستقامة، التعمق باستقامة" تكمن الحقيقة. فيم تراه يفكر الآن باي بُّو أون؟ و ما عساه ينتظر؟ لعله سيفكر في نفسه واقعا تحت قسوته: و هو يستعد للعذاب و يستسلم للتوسلات.
تناهت إلى الأسماع أناشيد النصر مدعومة بالطبول.
هذا إلا إذا اعتقد أن جيمبوغان أمكنه أن يفعل شيئا من أجله. لماذا لا يمكن أن نفترض هذا؟ لكن، من كان باستطاعته أن يضع هذا الأمر في الحسبان؟ لا أحد. جيمبوغان، إلهٌ. ما الذي لم يكن بإمكانه فعله إن اقترح عليه؟ إن علم بأن باي بُّو أون قد وقع في أسر دين بْيِي أوكو فإنه سيتدخل بكل ما أوتي من قوة من أجل أن يحرر الأسير. كان باي بُّو أون يجهل الاتفاق الذي كان قد توصل إليه مع هازمه. ماذا لو استطاع باي بُّو أون أن يعتقد إلى آخر ساعة، إلى آخر لحظة بأن جيمبوغان كان سيأتي لتحريره. كان سيغير المصير رأسا على عقب.
لحس دين بْيِي أوكو شفتيه من الداخل. نادى على أُو مَا نِي، مساعده المفضل و أعطاه تميمة تعود إلى جيمبوغان و التي كان يتأبطها. أمره بأن يجلبه باعتباره مرسولا إليه من طرف السجين.
عندما علم بأن أمره قد تم تنفيذه أمر باعتقال المرسول و إعدامه وسط ساحة الحصن كي يراه باي بُّو أون من زنزانته التحت أرضية. من المفروض أنهم كانوا قد سلموا التميمة على الساعة العاشرة صباحا أما الإعدام فتم على الساعة الثالثة بعد الزوال. قضى دين بْيِي أوكو بقية اليوم دون أن يفعل شيئا. لم يستقبل أحدا مفكرا فيما كان يفكر فيه عدوه.
عندما أرخى الليل سدوله أُطلقت بعض الطلقات النارية شمالا و شرقا و جنوبا و بعد ساعة، أُطلق وابل من رصاص المدفع الرشاش على بعد كيلومترين تقريبا من القلعة. ثم تناول الخمر. عندما استيقظ أمر قواته بأن تتأهب أتم تأهب كما لو كانت ستخرج إلى معركة. بعدها أصدر أمره بأن تنجز محاكاة على ضفاف النهر. لم تكف المدفعيتان عن إطلاق النار منذ الساعة العاشرة صباحا. يبدو أنهم نسوا أن يقدموا طعاما إلى السجين.
عندما شرعت الشمس في المغيب أمر قواته بالرجوع إلى نطاقها الذي يأويها جميعا دون أن تكف عن إطلاق النار. فجأة أصدر أمره بإيقاف إطلاق النار و بانتشار الجنود في صمت، و تكوين لائحة الرماة الذين كان عليهم أن يعدموا عدوا مهزوما.
لهذا لم يستطع جيمبوغان أن يفهم أبدا سر الابتسامة التي ارتسمت على محيا دين بْيِي أوكو، هنيهةً بعد ذلك - التحالفات هشة قليلا - عندما تقابل مع الشجرة العملاقة التي كان سيعلق فيها من رجليه كعبرة للقريب و للبعيد.
* عن صحيفة الفكر
أمر بسجنه في آخر زنزانة تحت أرضية في حصن كْسِيِينْ خِيكْ. كان يعرفها منذ زمن إلى الوراء عندما أجبره الإنجليزيون على الخبز و الماء هنالك لمدة أربع سنوات. مضى على ذلك زمن يسير: عندها كان باي بُّو أون بمثابة أخيه. ثمانية قضبان قريبة من مستوى سطح الأرض، تقريبا علوها عشرون سنتيمترا، مكان كافٍ كي تجري فيه الفئران الضخمة التي تعيش في حقول الأرز في التل المنحدر.
نعم، لقد كان بمثابة أخيه. أما الآن فقد خسر. لم يشك دين بْيِي أوكو في هذا الأمر قطُّ، إذ كان يثق دائما في حدسه، و حتى عندما كان يساعد سيدَه - هل كان أباه؟ - في تحريك ذلك النول البدائي. عندها كان الفرنسيون و الإنجليزيون يرسلون عملاء انتحاريين ليموتوا كي تمتلك حكوماتهم ذريعة مقبولة نسبيا لاحتلال البلد عسكريا. كانوا يسمون مبشرينَ. كان دين بْيِي أوكو معجبا بهم و تعلم منهم. الآن بسيطرته على باي بُّو أون لن تكون عنده أية مشاكل تذكر، لكن رغم ذلك كاد يفشل. الذنب يتحمله خصمه، كان يعرف ذلك في قرارة نفسه دائما: لقد كان من سلالة كوري. كيف يجعله يؤدي ثمن السنتين الأخيرتين من غياب الأمن و الجري و الاختباء و معاناة الجوع و الخوف؟
لم يكن الأمر سهلا جدا كما كان يبدو ذلك منذ الوهلة الأولى. و هو جامد في أرجوحته، كان الجنيرال المنتصر يجتر أنواع الثأر الممكنة. لم يخطر على باله في أية لحظة اللجوء إلى التعذيب الجسدي. ذاك متروك للأوربيين و المسلمين. يمكن أن يتحمل المرءُ الألم إذا كان عازما على ذلك. كان يعلم ذلك بحكم التجربة الذاتية و الغيرية. إن الذي يريد أن يتحمل، سيتحمل.
كان قد خان و هزم باي بُّو أون منذ زمن مضى. في هذه الظروف لم يكن ليبدي كرمه. شهرا قبل ذلك، و هو يتوقع النهاية السعيدة، كان قد أرسل إليه مبعوثا. ما أمر بنقله إلى عدوه حتى ذلك الحين لم يكن من أجل أن يُذكره. لم يكن الرفع على الخازوق بالأمر الكافي. لو كان قد أهانه هو وحده فقط لكان الأمر هينا، غير أنه تجاوز ذلك إلى أمه. و ها هو الآن يسيطر عليه تحت الأرض. ابتسم دين بْيِي أوكو نظريا.
اختمرت الفكرة بمجرد أن استفاق. فقط في "التفكير باستقامة، الحب باستقامة، الكلام باستقامة، العمل باستقامة، التعمق باستقامة" تكمن الحقيقة. فيم تراه يفكر الآن باي بُّو أون؟ و ما عساه ينتظر؟ لعله سيفكر في نفسه واقعا تحت قسوته: و هو يستعد للعذاب و يستسلم للتوسلات.
تناهت إلى الأسماع أناشيد النصر مدعومة بالطبول.
هذا إلا إذا اعتقد أن جيمبوغان أمكنه أن يفعل شيئا من أجله. لماذا لا يمكن أن نفترض هذا؟ لكن، من كان باستطاعته أن يضع هذا الأمر في الحسبان؟ لا أحد. جيمبوغان، إلهٌ. ما الذي لم يكن بإمكانه فعله إن اقترح عليه؟ إن علم بأن باي بُّو أون قد وقع في أسر دين بْيِي أوكو فإنه سيتدخل بكل ما أوتي من قوة من أجل أن يحرر الأسير. كان باي بُّو أون يجهل الاتفاق الذي كان قد توصل إليه مع هازمه. ماذا لو استطاع باي بُّو أون أن يعتقد إلى آخر ساعة، إلى آخر لحظة بأن جيمبوغان كان سيأتي لتحريره. كان سيغير المصير رأسا على عقب.
لحس دين بْيِي أوكو شفتيه من الداخل. نادى على أُو مَا نِي، مساعده المفضل و أعطاه تميمة تعود إلى جيمبوغان و التي كان يتأبطها. أمره بأن يجلبه باعتباره مرسولا إليه من طرف السجين.
عندما علم بأن أمره قد تم تنفيذه أمر باعتقال المرسول و إعدامه وسط ساحة الحصن كي يراه باي بُّو أون من زنزانته التحت أرضية. من المفروض أنهم كانوا قد سلموا التميمة على الساعة العاشرة صباحا أما الإعدام فتم على الساعة الثالثة بعد الزوال. قضى دين بْيِي أوكو بقية اليوم دون أن يفعل شيئا. لم يستقبل أحدا مفكرا فيما كان يفكر فيه عدوه.
عندما أرخى الليل سدوله أُطلقت بعض الطلقات النارية شمالا و شرقا و جنوبا و بعد ساعة، أُطلق وابل من رصاص المدفع الرشاش على بعد كيلومترين تقريبا من القلعة. ثم تناول الخمر. عندما استيقظ أمر قواته بأن تتأهب أتم تأهب كما لو كانت ستخرج إلى معركة. بعدها أصدر أمره بأن تنجز محاكاة على ضفاف النهر. لم تكف المدفعيتان عن إطلاق النار منذ الساعة العاشرة صباحا. يبدو أنهم نسوا أن يقدموا طعاما إلى السجين.
عندما شرعت الشمس في المغيب أمر قواته بالرجوع إلى نطاقها الذي يأويها جميعا دون أن تكف عن إطلاق النار. فجأة أصدر أمره بإيقاف إطلاق النار و بانتشار الجنود في صمت، و تكوين لائحة الرماة الذين كان عليهم أن يعدموا عدوا مهزوما.
لهذا لم يستطع جيمبوغان أن يفهم أبدا سر الابتسامة التي ارتسمت على محيا دين بْيِي أوكو، هنيهةً بعد ذلك - التحالفات هشة قليلا - عندما تقابل مع الشجرة العملاقة التي كان سيعلق فيها من رجليه كعبرة للقريب و للبعيد.
* عن صحيفة الفكر
التعديل الأخير بواسطة المشرف: