نقوس المهدي
كاتب
الحـرف يقتل ، أما الروح فتحيي ” الرسالة الثانية إلي أهل كونثوس : عشقت الكونتيسة “دي … ” إلي حد فقدان الوعي .
كان عمري عشرين عاماً ، لم أكن خبيراً فخدعني ، أثرت مشهداً عنيفاً فتركتني ، لم أكن خبيراً وندمت علي ذلك ، ولكن كان عمري عشرين عاماً ، فصفحت عني ، ولأن عمري كان عشرين عاماً ولا أملك الخبرة: فقد خدعت كسابق عهدي ، ولكنني لم أجهر واعتبرت نفسي عشيقاً سعيداً ، وبالتالي أسعد الناس ، كانت صديقة لمدام ” دي ت .. ” التي بكل الشواهد ، كانت قد علقت بعض الآمال علي شخصي ، ولكن بما لا يمس كرامتها ، وكما سنري ، فمدام ” دي ت .. ” كانت لديها مفاهيم حازمة عن اللياقة والاحتشام نلتزم بها في دقة متناهية .
ذات مرة كنت أنتظر الكونتيسة في مقصورتها وإذا بي أسمع فجأة – من المقصورة المجاورة ، أحداً ما يناديني ، هل من المعقول أن تكون الفاضلة مدام دي ت.. ؟
– ولم أتصور ، أو حتي أخمن أي مغامرات عاطفية وغير عادية يحمل لي هذا اللقاء ، عقل المرأة سريع ومبتدع وذو دهاء ، وفي هذا المساء هبط علي مدام ” دي ت .. ” وحي خاص .
وسمعتها تقول :
– لا يمكنني أن أسمح لكم بإثارة سخرية الناس ببقائكم هكذا وحدكم في مقصورتكم وبما أنكم قد أصبحتم بالفعل هنا ، فمن الضروري .. فكرة رائعة الرب وحده هو الذي أرسلكم لي هل لديكم مشاريع لهذا المساء ؟ لن تتحقق ، هكذا عليكم أن تعرفوا ، بدون أية أسئلة ، وبدون أية اعتراضات .. استدعوا خادمي – أنتم في غاية الرقة !
انحنيت محيياً وملبياً – يطلبون مني عدم الإبطاء ، وأنا امتثل .
قالت السيدة للخادم الذي ظهر :
– اذهبوا إلي بيت ذلك السيد ، وأبلغوا بأنه لن يأتي الليلة للمبيت .
بعد ذلك تهمس في أذنه بشئ ما ثم تصرفه ، أحاول قول كلمة ، ولكن الأوبرا تبدأ وتطلب مني عدم التشويش : تسمع أم تتصنع هيئة وكأنها تسمع ، وبمجرد انتهاء الفصل الأول يظهر نفس ذلك الخادم ويسلم مدام ” دي ت .. ” ورقة وهو يقول بأن كل شئ جاهز فتبسم وتتأبط ذراعي ” ثم تقودني إلي أسفل وعيي وتدعوني إلي الركوب في مركبتها . أما أنا فلم أكد أعد إلي وعيي حتي وجدت نفسي خارج المدينة دون أن أدري إلي أين تنقلني ولماذا ؟ .
الإجابة علي جميع محاولاتي بتوجيه أي سؤال كانت بالضحك .
لنفترض أنني لا أعرف أنها ذات طبيعة عميقة ولعة ملتهبة ، وأن قلبها في هذه اللحظة مشغول إلا أنه لا يمكنها ألا تكون علي علم بأن هناك من أخبرني بذلك ، وباتالي فمن الممكن أن يظهر لدي وسواس بأن كل هذا هو بداية مغامرة عاطفية ، هي أيضاً كانت علي علم بجميع أحوالي العاطفية ، لأنها كما قلت كانت علي علاقة وطيدة بالكونتيسة ، ولذلك قررت في حزم ألا أعلل نفسي بآمال باطلة ، وأن أنتظر تطور الاحداث ، وبعد أن بدلنا الأحصنة راحت تمرق إلي الأمام بسرعة السهم ، هذا بدا لي أن الأمور قد ذهبت بنا إلي حد بعيد ، سألت بشكل أكثر إصراراً هذه المرة إلي أين تقودنا مزحتها .
– إلي مكان رائع ، احزروا إلي أين … ؟ أوه أراهن أنكم لن تحزروا .. إلي زوجي ، هل تعرفونه ؟
– أعرفه إطلاقاُ .
– أعتقد أن ذلك سيسركم : يحاولون مصالحتنا ، أصدقاء الأسرة يجحرون مباحثات طوال نصف عام ، وقريباً سيتم شهر ونحن نراسل بعضنا البعض ، ولذا فقد قررت أنه ، ربما سيكون من اللباقة من ناحيتي أن أقوم بزيارته .
– من ناحيتكم – نعم – ولكن قولوا لي من فضلكم ما شأني أنا هنا ؟ أية فائدة مني؟ .
– سأحكم أنا بنفسي علي ذلك ، إنني أخشي اللقاءات المثيرة للانقباض والألم بمفردي وأنت متحدث لطيف . أنا سعيدة جداً بأنكم ستذهبون معي .
– يدهشني أنكم تنوون تقديمي في نفس يوم مصالحتكم ، أنتم تجعلونني أظن وكأن شخصيتيب لا تستحق إطلاقاً أي اعتبار ، إضافة إلي أن ذلك سيكون ولابد ، أمراً غير لائق في أول لقاء .. لا ، وفي الحقيقة ، فأنا لا أري فيما تفكرون فيه أي شئ سار لأي من ثلاثتنا .
– أوه ، لا حاجة إلي الأخلاقيات ، أتوسل إليكم إنني في الحقيقة لم أخذكم معي لهذا الغرض والأحري بكم أن تسألوني بدلاً من أن تقرأوا علي مواعظ أخلاقية .
كانت في غاية الحزم لدرجة أنني استسلمت وأخذت أسخر من دوري في مزحتها هذه ورحنا نلهو نتسلي .
بدلنا الأحصنة مرة أخري ، أضاء القمر السماء الصافية ، وراوح في غموض وسرية يريق من حولنا غبشته المثيرة ، أخذنا نقترب من المكان اذلي يجب أن تنتهي فيه خلوتنا كانت تدعوني بين الحين والآخر لإبداء إعجابي وافتناني بالمنظر الجميل ، وسكون الليل ، وهدوء الطبيعة الرقيق ، ومن أجل أن نستغرق معاً في النظر والتأمل ، كان من الطبيعي أن نميل نحو نفس النافذة فكانت وجوهنا تتلامس من جراء الركض السريع والاهتزازات . وفجأة اهتزت المركبة واندفعت إلي أعلي ومن أثر المفاجأة أمسكت بيدي ، وإذا بي وبشكل عرضي تماماً أحتضنها ، لم أعد أعرف إلي أي شئ بالضبط كنا نحاول في هذا الوضع أن ننظر . كل ما أعرفه أن كل شئ قد انصهر أمام عيني ، وأصبح غامضاً ومبهماً . في تلك اللحظة شعرت بدفعة حادة في حين ابتعدت رفيقتي إلي عمق المركبة .
– هل كنتم – قيل لي ذلك بعد تفكير طويل – تنون إقناعي بعدم حصافة سلوكي ؟
– أصابني الارتباك .
– إن محاولة حتي التفكير في إحاكة أي شئ . بخصوصكم .. أمر في غاية السخافة ! لأنه بإمكانكم كشف كل نواياي .. ولكن ما حدث الآن كان عفوياً مجرد نزوة لا إرادية .. فهل هذا لا يغفر لي أو يصفح عني ؟
– إذن فأنتم تأملون في هذا ، أليس كذلك ؟ خلال هذا الحوار لاحظنا كيف دخلنا إلي ساحة القصر – كان كل شئ مضاء بحدة وسطوع . وكان كل شئ ينطق بالفرحة ما عدا وجه صاحب البيت الذي لم يستطع إطلاقاً التعبير عن إمارات الفرح . واستناداً إلي المظهر الكئيب لهذا السيد ، يتضح أنهم أرغموه علي المصالحة ، وفقط من أجل مصالح العائلة ، بيد أن آداب اللياقة لا أكثر هي التي أرغمته علي الاقتراب من باب المركبة ، وبدأ التعارف ، فمد يده إلي ورداً علي ذلك ، فعلت نفس الشئ ، وأنا أفكر في أي شئ يمكن دوري بالضبط – دوري منذ قليل ، والآن ، وفيما بعد . أخذوا يقودونني عبر الصالات حيث الأناقة والجمال تتباري مع الفخامة والجلال لتشهد كلها علي ذوق صاحب البيت في علاقته بالبهاء والأبهة والأناقة ، أخذ يظهر في تصميم ومثابرة حنافة أنيقة ولبقة ساعياًَ ، علي ما يبدو ، إلي أحياء القوي البدنية الجاثية علي نحو شيق وشهواني وعندما لم أجد ما أقوله ، رحت أنقذ نفسي بعبارات الإعجاب والانبهار ، فالإلهة تعرض في مهابة واحتفالية معبدها ، وتود أن تسمع عبارات الثناء والمديح التي تستحقها .
– أنتم لم تروا شيئاً بعد ، يجب الذهاب بكم إلي أجنحة زوجي الفاخرة .
– سيدتي ، لم تعد موجودة ، لقد أمرت بإزالتها منذ خمس سنوات مضت .
فصاحت بصوت عالٍ :
– آه ، معقول !
وأثناء تناول العشاء أخذت تدعو في اهتمام بأن يضعوا له لحم العجل ، ولكنه قال :
– لقد أصبحت أعيش منذ سنوات طويلة علي منتجات الألبان ، يا سيدتي .
فكررت :
– آه معقول :
سأترك لكم تخيل حديث يدور بين ثلاثة أشخاص في غاية الدهشة والذهول حيث وجدوا أنفسهم يجلسون فجأة وبالصدفة ، حول مائدة واحدة !
وأخيراً تناولنا طعام العشاء ، ظننت أننا سنذهب علي الفور إلي النوم ، ولكن الصواب لم يجانبني فقط بخصوص الزوج الذي قال :
– أنا ممنون لكم بشدة يا سيدتي ، علي بعد نظركم وحصافتكم الشديدة في إحضار ضيفنا إلي هناك لم التفت نحوي ، وأضاف في سخرية : أأمل ، يا سيدي أن تسامحوني وتأخذوا علي عاتقكم التكفير عن ذنبي في حق السيد وانصرف .
تبادلنا النظرات ، ومن أجل التخلص من الانطباع غير المريح ، دعتني مدام ” دي ت .. ” إلي التنزه قليلاً في الحديقة ريثما يتناول الخدم عشاءهم ، كان الليل فإننا شفافاً : لم يخف الأشياء المحيطة عن العين ، وإنما نشر عليها ستارة كي يمنح بعد ذلك فضاء للخيال .
البساتين ، مثل القصر ، تمتد علي تل وتهبط في سلسلة من المنحدرات نحو نهر السين الذي راح يجري من الاسفل مكوناً ثنايا ومنعطفات كثيرة ، وجزراً جدميلة مليئة بالغابات والاحراش الباهرة منحت تلك الزاوية المدهشة منظراً متنوعاً وأضفت عليه روعة وبهاء .
في البداية رحنا نتجول علي أطول منحدر من هذه المنحدرات تحت ظلال الأشجار الكثيفة تمالكنا أنفسنا وهدأنا من روعنا بعد تلك السخرية التي تعرضنا لها منذ قليل ، وأخذت هي تكاشفني بثقة واطمئنان ببعض أسرارها والمصارحة تدعو إلي المصارحة المتبادلة ، ومن ثم فتحت صدري لها ببعض الأشياء .
ورويداً رويداً أصبحت مصارحاتنا أكثر حميمية وخصوصية ، وأكثر متعة وجاذبية ، تجولنا أكثر من اللازم ، في البداية سارت معتمدة علي ذراعي ، وبعد ذلك
– لا أدري كيف حدث هذا – التفت ذراعها من حولي ، أما أنا فلم أعد أسندها ، وإنما كنت تقريباً أحملها ، كان ذلك لذيذاً وممتعاً ، ولكنه كان يتطلب توتيراً ما للقوي وكلما تقدمنا زادت الأمور أكثر ، وأصبحنا في حاجة ملحة بعد إلي قول الكثير لبعضنا البعض، وفي الطريق صادفنا مقعداً فجلسنا دون أن نغير الأوضاع ، وعلي هذا النحو أخذنا بأيدينا المتشابكة ، نيجل ونجد بكل ألفه ووئام حلاوة الثقة بين الأصدقاء . وقالت :
– آه ……. من يستطيع أن يستمتع بها بأقل الهواجس والمخاوف غيرنا نحن وأنتم ؟ إنني أعرف جيداً كيف تحرصون علي إرضاء الشخص الذي أعرفه حتي أنكم لا تسمحون لأفكاركم بأقل القليل من عدم الحشمة أو مجانية الحياء .
لعلها كانت ترغب في أن أرفض كلماتها أو أعترض عليها ، ولكنني لم أفعل ذلك ، وأخذنا نؤكد لبعضنا البعض أنه من غير الممكن أن تحدث بيننا علاقة أخري غير تلك الموجودة الآن .
– أما أنا ، واعترف ، فقد خشيت أن يكون عدم التقصد المفاجئ الذي حدث في الطريق قد أفزعكم .
– أوه .. أنا لست إلي هذا الحد خوافة .
– ومع ذلك يقلقني أن أكون قد ضايقتكم أنا نفسي لا أتمني ذلك .
– ماذا يمكنني أن افعل حتي تطمئنوا وتهدأوا .
– ألا تحزرون ؟
– كنت أتمني لو قلت أنتم .
– أود أن أثق تماماً بأنه قد تم الصفح عني .
– وماذا أفعل من أجل ذلك ؟
– يجب أن تهدونني تلك القبلة التي بالصدقة المحصنة …
– أنا علي أتم استعداد . لأنني لو رفضت ستفخرون بأنفسكم وسيصيبكم الرو وستتصرورون أنني خائفة منكم .
ولكي لا أغرق في الغرور حصلت علي قبله .
هناك تلك القبل التي تقرب المكاشفات بين الأصدقاء وتجعلها أليفة وحميمة : إنها تجر وراءها القبل الجوابية المتعجلة ، التي تصبح ملتهبة ومشبوبة ، وفي الحقيقة فبمجرد أن أهديت القبلة الأولي حتي تلتها الثانية ثم الثالثة ، تسارعت واحدة تلو الأخري قاطعة أوصال الحديث ، ومغيرة تماماً حتي أنها كانت تسمح لها بالكاد بالتقاط أنفاسنا ، ساد السكون كنا نسمعه ( لأنه أحياناً يمكن سماع صوت السكون ) ، وقد أثار وجحلنا وبدون أية كلمة نبضنا وسرنا .
قالت مدام ” دي ت .. ” :
– آن أوان العودة ، لا يجوز إساءة استخدام الهواء الليلي .
– فأجبت :
– يبدو لي أنه لا يستطيع أن يسبب لكم أي أذي .
– نعم البرودة ليست مزعجة بالنسبة لي لي هذا الحد ، مثلما هي مزعجة للبعض ومع ذلك سوف نعود .
– أعرف ، أنتم قلقون بشأني وتسعون إلي حمايتي من مخاطر مثل تلك النزهات .. ومن آثارها التي يمكنها أن تسبب لي شيئاً ما .
– إنكم تتمنون أن تعثروا في رغباتي علي رقة وعطف ، ما العمل فليكن الأمر كذلك ومع ذلك فسوف نعود . أنا أريد ذلك .
* عم موقع الجسرة
كان عمري عشرين عاماً ، لم أكن خبيراً فخدعني ، أثرت مشهداً عنيفاً فتركتني ، لم أكن خبيراً وندمت علي ذلك ، ولكن كان عمري عشرين عاماً ، فصفحت عني ، ولأن عمري كان عشرين عاماً ولا أملك الخبرة: فقد خدعت كسابق عهدي ، ولكنني لم أجهر واعتبرت نفسي عشيقاً سعيداً ، وبالتالي أسعد الناس ، كانت صديقة لمدام ” دي ت .. ” التي بكل الشواهد ، كانت قد علقت بعض الآمال علي شخصي ، ولكن بما لا يمس كرامتها ، وكما سنري ، فمدام ” دي ت .. ” كانت لديها مفاهيم حازمة عن اللياقة والاحتشام نلتزم بها في دقة متناهية .
ذات مرة كنت أنتظر الكونتيسة في مقصورتها وإذا بي أسمع فجأة – من المقصورة المجاورة ، أحداً ما يناديني ، هل من المعقول أن تكون الفاضلة مدام دي ت.. ؟
– ولم أتصور ، أو حتي أخمن أي مغامرات عاطفية وغير عادية يحمل لي هذا اللقاء ، عقل المرأة سريع ومبتدع وذو دهاء ، وفي هذا المساء هبط علي مدام ” دي ت .. ” وحي خاص .
وسمعتها تقول :
– لا يمكنني أن أسمح لكم بإثارة سخرية الناس ببقائكم هكذا وحدكم في مقصورتكم وبما أنكم قد أصبحتم بالفعل هنا ، فمن الضروري .. فكرة رائعة الرب وحده هو الذي أرسلكم لي هل لديكم مشاريع لهذا المساء ؟ لن تتحقق ، هكذا عليكم أن تعرفوا ، بدون أية أسئلة ، وبدون أية اعتراضات .. استدعوا خادمي – أنتم في غاية الرقة !
انحنيت محيياً وملبياً – يطلبون مني عدم الإبطاء ، وأنا امتثل .
قالت السيدة للخادم الذي ظهر :
– اذهبوا إلي بيت ذلك السيد ، وأبلغوا بأنه لن يأتي الليلة للمبيت .
بعد ذلك تهمس في أذنه بشئ ما ثم تصرفه ، أحاول قول كلمة ، ولكن الأوبرا تبدأ وتطلب مني عدم التشويش : تسمع أم تتصنع هيئة وكأنها تسمع ، وبمجرد انتهاء الفصل الأول يظهر نفس ذلك الخادم ويسلم مدام ” دي ت .. ” ورقة وهو يقول بأن كل شئ جاهز فتبسم وتتأبط ذراعي ” ثم تقودني إلي أسفل وعيي وتدعوني إلي الركوب في مركبتها . أما أنا فلم أكد أعد إلي وعيي حتي وجدت نفسي خارج المدينة دون أن أدري إلي أين تنقلني ولماذا ؟ .
الإجابة علي جميع محاولاتي بتوجيه أي سؤال كانت بالضحك .
لنفترض أنني لا أعرف أنها ذات طبيعة عميقة ولعة ملتهبة ، وأن قلبها في هذه اللحظة مشغول إلا أنه لا يمكنها ألا تكون علي علم بأن هناك من أخبرني بذلك ، وباتالي فمن الممكن أن يظهر لدي وسواس بأن كل هذا هو بداية مغامرة عاطفية ، هي أيضاً كانت علي علم بجميع أحوالي العاطفية ، لأنها كما قلت كانت علي علاقة وطيدة بالكونتيسة ، ولذلك قررت في حزم ألا أعلل نفسي بآمال باطلة ، وأن أنتظر تطور الاحداث ، وبعد أن بدلنا الأحصنة راحت تمرق إلي الأمام بسرعة السهم ، هذا بدا لي أن الأمور قد ذهبت بنا إلي حد بعيد ، سألت بشكل أكثر إصراراً هذه المرة إلي أين تقودنا مزحتها .
– إلي مكان رائع ، احزروا إلي أين … ؟ أوه أراهن أنكم لن تحزروا .. إلي زوجي ، هل تعرفونه ؟
– أعرفه إطلاقاُ .
– أعتقد أن ذلك سيسركم : يحاولون مصالحتنا ، أصدقاء الأسرة يجحرون مباحثات طوال نصف عام ، وقريباً سيتم شهر ونحن نراسل بعضنا البعض ، ولذا فقد قررت أنه ، ربما سيكون من اللباقة من ناحيتي أن أقوم بزيارته .
– من ناحيتكم – نعم – ولكن قولوا لي من فضلكم ما شأني أنا هنا ؟ أية فائدة مني؟ .
– سأحكم أنا بنفسي علي ذلك ، إنني أخشي اللقاءات المثيرة للانقباض والألم بمفردي وأنت متحدث لطيف . أنا سعيدة جداً بأنكم ستذهبون معي .
– يدهشني أنكم تنوون تقديمي في نفس يوم مصالحتكم ، أنتم تجعلونني أظن وكأن شخصيتيب لا تستحق إطلاقاً أي اعتبار ، إضافة إلي أن ذلك سيكون ولابد ، أمراً غير لائق في أول لقاء .. لا ، وفي الحقيقة ، فأنا لا أري فيما تفكرون فيه أي شئ سار لأي من ثلاثتنا .
– أوه ، لا حاجة إلي الأخلاقيات ، أتوسل إليكم إنني في الحقيقة لم أخذكم معي لهذا الغرض والأحري بكم أن تسألوني بدلاً من أن تقرأوا علي مواعظ أخلاقية .
كانت في غاية الحزم لدرجة أنني استسلمت وأخذت أسخر من دوري في مزحتها هذه ورحنا نلهو نتسلي .
بدلنا الأحصنة مرة أخري ، أضاء القمر السماء الصافية ، وراوح في غموض وسرية يريق من حولنا غبشته المثيرة ، أخذنا نقترب من المكان اذلي يجب أن تنتهي فيه خلوتنا كانت تدعوني بين الحين والآخر لإبداء إعجابي وافتناني بالمنظر الجميل ، وسكون الليل ، وهدوء الطبيعة الرقيق ، ومن أجل أن نستغرق معاً في النظر والتأمل ، كان من الطبيعي أن نميل نحو نفس النافذة فكانت وجوهنا تتلامس من جراء الركض السريع والاهتزازات . وفجأة اهتزت المركبة واندفعت إلي أعلي ومن أثر المفاجأة أمسكت بيدي ، وإذا بي وبشكل عرضي تماماً أحتضنها ، لم أعد أعرف إلي أي شئ بالضبط كنا نحاول في هذا الوضع أن ننظر . كل ما أعرفه أن كل شئ قد انصهر أمام عيني ، وأصبح غامضاً ومبهماً . في تلك اللحظة شعرت بدفعة حادة في حين ابتعدت رفيقتي إلي عمق المركبة .
– هل كنتم – قيل لي ذلك بعد تفكير طويل – تنون إقناعي بعدم حصافة سلوكي ؟
– أصابني الارتباك .
– إن محاولة حتي التفكير في إحاكة أي شئ . بخصوصكم .. أمر في غاية السخافة ! لأنه بإمكانكم كشف كل نواياي .. ولكن ما حدث الآن كان عفوياً مجرد نزوة لا إرادية .. فهل هذا لا يغفر لي أو يصفح عني ؟
– إذن فأنتم تأملون في هذا ، أليس كذلك ؟ خلال هذا الحوار لاحظنا كيف دخلنا إلي ساحة القصر – كان كل شئ مضاء بحدة وسطوع . وكان كل شئ ينطق بالفرحة ما عدا وجه صاحب البيت الذي لم يستطع إطلاقاً التعبير عن إمارات الفرح . واستناداً إلي المظهر الكئيب لهذا السيد ، يتضح أنهم أرغموه علي المصالحة ، وفقط من أجل مصالح العائلة ، بيد أن آداب اللياقة لا أكثر هي التي أرغمته علي الاقتراب من باب المركبة ، وبدأ التعارف ، فمد يده إلي ورداً علي ذلك ، فعلت نفس الشئ ، وأنا أفكر في أي شئ يمكن دوري بالضبط – دوري منذ قليل ، والآن ، وفيما بعد . أخذوا يقودونني عبر الصالات حيث الأناقة والجمال تتباري مع الفخامة والجلال لتشهد كلها علي ذوق صاحب البيت في علاقته بالبهاء والأبهة والأناقة ، أخذ يظهر في تصميم ومثابرة حنافة أنيقة ولبقة ساعياًَ ، علي ما يبدو ، إلي أحياء القوي البدنية الجاثية علي نحو شيق وشهواني وعندما لم أجد ما أقوله ، رحت أنقذ نفسي بعبارات الإعجاب والانبهار ، فالإلهة تعرض في مهابة واحتفالية معبدها ، وتود أن تسمع عبارات الثناء والمديح التي تستحقها .
– أنتم لم تروا شيئاً بعد ، يجب الذهاب بكم إلي أجنحة زوجي الفاخرة .
– سيدتي ، لم تعد موجودة ، لقد أمرت بإزالتها منذ خمس سنوات مضت .
فصاحت بصوت عالٍ :
– آه ، معقول !
وأثناء تناول العشاء أخذت تدعو في اهتمام بأن يضعوا له لحم العجل ، ولكنه قال :
– لقد أصبحت أعيش منذ سنوات طويلة علي منتجات الألبان ، يا سيدتي .
فكررت :
– آه معقول :
سأترك لكم تخيل حديث يدور بين ثلاثة أشخاص في غاية الدهشة والذهول حيث وجدوا أنفسهم يجلسون فجأة وبالصدفة ، حول مائدة واحدة !
وأخيراً تناولنا طعام العشاء ، ظننت أننا سنذهب علي الفور إلي النوم ، ولكن الصواب لم يجانبني فقط بخصوص الزوج الذي قال :
– أنا ممنون لكم بشدة يا سيدتي ، علي بعد نظركم وحصافتكم الشديدة في إحضار ضيفنا إلي هناك لم التفت نحوي ، وأضاف في سخرية : أأمل ، يا سيدي أن تسامحوني وتأخذوا علي عاتقكم التكفير عن ذنبي في حق السيد وانصرف .
تبادلنا النظرات ، ومن أجل التخلص من الانطباع غير المريح ، دعتني مدام ” دي ت .. ” إلي التنزه قليلاً في الحديقة ريثما يتناول الخدم عشاءهم ، كان الليل فإننا شفافاً : لم يخف الأشياء المحيطة عن العين ، وإنما نشر عليها ستارة كي يمنح بعد ذلك فضاء للخيال .
البساتين ، مثل القصر ، تمتد علي تل وتهبط في سلسلة من المنحدرات نحو نهر السين الذي راح يجري من الاسفل مكوناً ثنايا ومنعطفات كثيرة ، وجزراً جدميلة مليئة بالغابات والاحراش الباهرة منحت تلك الزاوية المدهشة منظراً متنوعاً وأضفت عليه روعة وبهاء .
في البداية رحنا نتجول علي أطول منحدر من هذه المنحدرات تحت ظلال الأشجار الكثيفة تمالكنا أنفسنا وهدأنا من روعنا بعد تلك السخرية التي تعرضنا لها منذ قليل ، وأخذت هي تكاشفني بثقة واطمئنان ببعض أسرارها والمصارحة تدعو إلي المصارحة المتبادلة ، ومن ثم فتحت صدري لها ببعض الأشياء .
ورويداً رويداً أصبحت مصارحاتنا أكثر حميمية وخصوصية ، وأكثر متعة وجاذبية ، تجولنا أكثر من اللازم ، في البداية سارت معتمدة علي ذراعي ، وبعد ذلك
– لا أدري كيف حدث هذا – التفت ذراعها من حولي ، أما أنا فلم أعد أسندها ، وإنما كنت تقريباً أحملها ، كان ذلك لذيذاً وممتعاً ، ولكنه كان يتطلب توتيراً ما للقوي وكلما تقدمنا زادت الأمور أكثر ، وأصبحنا في حاجة ملحة بعد إلي قول الكثير لبعضنا البعض، وفي الطريق صادفنا مقعداً فجلسنا دون أن نغير الأوضاع ، وعلي هذا النحو أخذنا بأيدينا المتشابكة ، نيجل ونجد بكل ألفه ووئام حلاوة الثقة بين الأصدقاء . وقالت :
– آه ……. من يستطيع أن يستمتع بها بأقل الهواجس والمخاوف غيرنا نحن وأنتم ؟ إنني أعرف جيداً كيف تحرصون علي إرضاء الشخص الذي أعرفه حتي أنكم لا تسمحون لأفكاركم بأقل القليل من عدم الحشمة أو مجانية الحياء .
لعلها كانت ترغب في أن أرفض كلماتها أو أعترض عليها ، ولكنني لم أفعل ذلك ، وأخذنا نؤكد لبعضنا البعض أنه من غير الممكن أن تحدث بيننا علاقة أخري غير تلك الموجودة الآن .
– أما أنا ، واعترف ، فقد خشيت أن يكون عدم التقصد المفاجئ الذي حدث في الطريق قد أفزعكم .
– أوه .. أنا لست إلي هذا الحد خوافة .
– ومع ذلك يقلقني أن أكون قد ضايقتكم أنا نفسي لا أتمني ذلك .
– ماذا يمكنني أن افعل حتي تطمئنوا وتهدأوا .
– ألا تحزرون ؟
– كنت أتمني لو قلت أنتم .
– أود أن أثق تماماً بأنه قد تم الصفح عني .
– وماذا أفعل من أجل ذلك ؟
– يجب أن تهدونني تلك القبلة التي بالصدقة المحصنة …
– أنا علي أتم استعداد . لأنني لو رفضت ستفخرون بأنفسكم وسيصيبكم الرو وستتصرورون أنني خائفة منكم .
ولكي لا أغرق في الغرور حصلت علي قبله .
هناك تلك القبل التي تقرب المكاشفات بين الأصدقاء وتجعلها أليفة وحميمة : إنها تجر وراءها القبل الجوابية المتعجلة ، التي تصبح ملتهبة ومشبوبة ، وفي الحقيقة فبمجرد أن أهديت القبلة الأولي حتي تلتها الثانية ثم الثالثة ، تسارعت واحدة تلو الأخري قاطعة أوصال الحديث ، ومغيرة تماماً حتي أنها كانت تسمح لها بالكاد بالتقاط أنفاسنا ، ساد السكون كنا نسمعه ( لأنه أحياناً يمكن سماع صوت السكون ) ، وقد أثار وجحلنا وبدون أية كلمة نبضنا وسرنا .
قالت مدام ” دي ت .. ” :
– آن أوان العودة ، لا يجوز إساءة استخدام الهواء الليلي .
– فأجبت :
– يبدو لي أنه لا يستطيع أن يسبب لكم أي أذي .
– نعم البرودة ليست مزعجة بالنسبة لي لي هذا الحد ، مثلما هي مزعجة للبعض ومع ذلك سوف نعود .
– أعرف ، أنتم قلقون بشأني وتسعون إلي حمايتي من مخاطر مثل تلك النزهات .. ومن آثارها التي يمكنها أن تسبب لي شيئاً ما .
– إنكم تتمنون أن تعثروا في رغباتي علي رقة وعطف ، ما العمل فليكن الأمر كذلك ومع ذلك فسوف نعود . أنا أريد ذلك .
* عم موقع الجسرة