نقوس المهدي
كاتب
الساعة الحادية عشرة .. هناك من يطرق الباب ..
أرجو ألا أكون أزعجتك ياسيدتي . إنك لم تكوني نائمة . هل كنت نائمة ؟ ولكني قدمت الشاي لسيدتي ، وكان هناك ذلك الفنجان ظننت ربما أن ..
عفواً يامدام ! إني أضع فنجان الشاي كآخر شيء .فهي تشربه في السرير بعد الصلاة لكي يدفئها. لقد كنت أعد إبريق الشاي عندما تركع وأقول له ” والآن أنت تحتاج أن تكون مسرعاً لكي تتلو صلاتك ” . ولكنه كان يغلي دائماً قبل أن تكون سيدتي في منتصف صلاتها .ألا ترين ياسيدتي أننا نعرف هذا العدد الكبير من الناس ولابد أن نصلي لهم جميعاً ، لكل واحد منهم . إن سيدتي تحتفظ بقائمة بالأسماء في كتاب أحمر صغير . ياالله !
كلما جاء شخص جديد قالت سيدتي : فيما بعد . يا ايلين .. اعطني كتابي الأحمر الصغير .
إني أشعر بالغضب ، نعم ” ها هو الآخر ” أنا أعتقد أن الذي يجعلهاتترك فراشها في جميع الاجواء ، إنها لا تريد وسادة ، بل تركع على السجادة المصلية مما يثير عصبيتي وهذا شيء كريه أن أراها هكذا .
فأنا أعرفها تمام المعرفة ، لقد حاولت أن احتال عليها . ففرشت اللحاف ولكن عندما فعلت ذلك للمرة الأولى – أوه – نظرت إلي نظرة – كانت رهيبة ، سيدتي ! ” هل كان لرب البيت لحاف يا ايلين ؟ قالت : ولكني في ذلك الوقت كنت صغير .
– وشعرت بأني أميل إلى القول : كلا ولكن رب الأسرة لم يكن في سنك ، وإنه لم يعرف ما الذي حل به وهو قطانك ” ( ألم عصبي غير القطن – أسفل الظهر ) أليس كذلك ؟ ولكنها طيبة جداً ، أتعرف السيدة ، وعندما غطيتها الآن ورت- وهي مستلقية على ظهرها – يدها خارج الغطاء ورأسها على الوسادة – جميلة جداً – لم أجد مفراً من التفكير ” والآن وأنت تشبهين أمك العزيزة تماماً عندما وضعتها في السرير ” .
نعم .. سيدتي ، كان كل شيء متروكاً لى .
أوه ، لقد بدت جميلة ولفت شعرها ، الناعم ، حول جبهتها في لفات أنيقة ومن جانب واحد من رقبتها ووضعت حزمة من زهور الثالوت البنفسجية وهذه الزهور البنفسجية صنعت منها صورة ، سيدتي ! انا لن أنساها ، وفكرت الليله عندما نظرت إلى سيدتي ” والآن لو أن هذه الزهو وحدها كانت هناك لما استطاع أحد أن يعرف الفرق ” .
العام الماضي فقط سيدتي بعد أن أصبحت – حسناً – ضعيفة كما قد تقول . طبعاً لم تكن خطرة بل كانت أعذب سيدة عجوزة ، ولكن كيف سيطر عليها الضعف ، لقد ظنت أنها فقد ت شيئاً . إنها لاتستطيع أن تبقى ساكنة أو بلا حركة . إنها لاتستطيع الاستقرار . فهي تصعد وتهبط طوال اليوم ويمكنك أن تلتقي بها في كل مكان ، على الدرج ، في الشرفة ، تجهز للمطبخ ،. وقد تنظر إليك وتقول مثل الطفل تماماً : ” لقد فقدتها . لقد فقدتها ” فأقول أنا : “هيَا ، هيَا فسوف أقتل صبرك لك ” ولكنها تمسكني من يدي ، وكنت المفضلة عندها وتهمس ” استرديها لى ، يا إيلين استرديها لي يا إيلين ” شيء محزن ، أليس كذلك ؟
كلا ، سيدتي .. لا أستطيع القول إني لاحظتها . ربما بعض البنات .ولكن كما ترين ، إنها تشبه هذا . فليس لي أحد سوى سيدتي ، لقد ماتت أمي عندما كنت في الرابعة من عمري ، وعشت مع جدي الذي كان يمسلك صالون حلاقة ، وكنت أقضي كل وقتي في الصالون تحت منضدة ألبس عروستي شعرها مقلدة المساعدين ، أظن ذلك ! كانوا في غاية العطف عليَ ، وكانوا يصنعون لي لمما – أي شعر مستعاراً – صغير ف يجميع الألوان وآخر مودات وهناك كنت أجلس طوال اليوم هادئة كالهدوء نفسه والزبائن لم يعرفوا لكني كنت أختلس نظرة من تحت مفرش المنضدة من آن لآخر .
ذات يوم تمكنت من الحصول علي مقص ، وهل تصدقين ياسيدتي ؟ وقصصت كل شعري ، قطعته كله إلي قطع صغيرة ، كنت مثل الفرد الصغير ، وتميز جدي غيظاً ! فأمسك بالملقطة – سوف لن أنسي ذلك – وجذبني من يدي وأغلقها علي أصابعي وقال : ” هذا سيعلمك ” لقد كان حرفاً مخيفاً وما زالت علامته علي حتي اليوم .
حسناً أترين يا سيدتي لقد كان فخوراً بشعري ، فكان يجلسني علي الطاولة قبل وصول الزبائن ويصفف شعري في شكل جميل كبير ولفائف ناعمة ومموجة علي قمة الرأس .. وأذكر المساعدين واقفين حولي ، وأنا لم أكن بهذه الرزانة كما كنت عندما أمسك بالفلس الذي أعطاني جدي إياه اثناء تصفيف شعري .. ولكن كان يسترد الفلس دائماً بعد ذلك .. يا لجدي المسكين كان يغضب بسرعة لقد خلقت الرعب لنفسي .
ولكنه أرعبني في ذلك الوقت هل تعرفين ماذا فعلت يا سيدتي ؟ لقد قررت نعم ، وهربت حول أركان المباني في الداخل والخارج ولست أدري مقدار المسافة التي جريتها .. أوه . لابد أني كنت منظراً بيدي مضمومة إلي أعلي وفيها فلس وشعري منكوش ، لابد أن الناس ضحكوا عندما رأوني .
كلا سيدتي لم يتغلب جدي علي ذلك إنه لم يحتمل منظري فيما بعد حتي عشاؤه لم يستطع أكله حتي إذا كنت هناك ولذلك أخذتني خالتي ، كانت مشلولة (مقعدة) ومنجدة للأثاث كانت بالغة الصغر ! وكان لابد لها أن تقف علي الأرائك كلما أرادت قطع ظهورها ، وكان ذلك يساعدها لقد التقيت بسيدي .
كنت قد بلغت الثالثة عشر من عمري ، ولا أذكر ابداً أني شعرت بطفولتي – كما تري – ها هي – مريلتي وشئ آخر وآخر ، وألبستني سيدتي CCOLARS والـ CUFFS من البداية أوه – نعم – مرة فعلت شيئاً – كان ذلك مضحكاً – كان مثل .. كان لها بنتان صغيرتان لأختها تعيشان معها – وكنا في مدينة شيلدون في ذاك الوقت – وكان هناك مهرجان .
” والآن يا إيلين ” قالت سيدتي : ” أريد أن تأخذي الفتاتين لتركيا الحمير ” فذهبتا كانتا حيوتين صغيرتين وأمسكت بيد كل منهما ولكن عندما وصلتا إلي الحمير خجلتا من ركوبها فوقفنا بدلاً من ذلك للتفرج ، كانت الحمير جميلة ، لأول مرة أراها بمفردها بدون العربة التي تجرها – كانت متعة حسب ما نقول – وكانت ذات لون رمادي فضي جميل وعليها سروج صغيرة حمراء والجمة زرقاء ،وأجراس علي أذنها ترن ، وكان يركبها بنات كبيرات – أكبر مني وكن فرحات وليس امراً عادياً لا اقصد يا سيدتي كن يستمتعن بالحمير ، ولست أدري ما الذي جري إلا أن الطريقة التي تحركت بها أقدام الحمير الصغيرة جداً وعيونها في غاية الرقة والأذن اللينة جعلتني أرغب في ركوب حمار أكثر من أي شئ آخر في الدنيا.
.. طبعاً لم أستطع فقد كان معي الفتيات الصغيرات وكيف يمكن تصور منظري وأنا علي الحمار بمريلتي ؟ وبقية اليوم بقيت الحمير في مخي . شعرت سأنفجر غيظاً إن لم أخبر أحداً ومن كان هناك لأخبره ، لكني عندما ذهبت لأنام – كنت أنام في غرفة السيدة جيمس – التي كانت طباختنا في ذلك الوقت – وما أن أطفئت الأنوار حتي بدأت صور الحمير مرتين أجراسها واقدامها الصغيرة وأعينها الحزينة … حسناً يا سيدتي – هل تصدقين – لقد انتظرت طويلاً وتناومت وفجأة جلست وناديت بأعلي صوت ممكن ” أريد أن أركب حماراً .. أريد ركوب حمار ” ألا تري كان لابد من أن اقولها وظننت أنهم لن يضحكوا متي إذا عرف وأني كنت أحلم ماكرة أليس كذلك ؟ مجرد ما تظنه طفلة سخيفة .
كلا يا سيدتي لن يكون الآن طبعاً لم أفكر في ذلك الوقت مرة واحدة ، ولكن لم يكن لها أن تحدث ، كان له دكان زهور صغيرة علي الطريق وأمام مسكنه – مضحك – أليس : ذلك ؟ وأنا واحدة من عشاق الزهور ، كان عندنا عدد كبير من الضيوف في ذلك الوقت ، وكنت أدخل وأخرج من الدكان كثيراً ، وكان هاري كان أسمه هاري وأنا نتشاجر حول ترتيب الأشياء ، وهذه كانت البداية الزهور !
إنك لن تصدقي ذلك سيدتي الزهور التي كان يقدمها لي كانت زهرة زنابق الوادي LIL LIES التي قدمها لي أكثر من مرة وأنا لا ابالغ حسناً طبعاً كنا ننوي الزواج ونعيش علي الدكان وكانت الأمور تؤكد ذلك وكان علي ترتيب شباك عرض الزهور .. أوه كيف رتبت مثل هذا الشباك يوم ؟ كلا طبعاً يا سيدتي كنت أحلم كما تظنين لقد رتبتها للكريسماس في أوراقي الهولي وكل شئ – ووضعت نجمة رائعة وسط الدافادولز وعلقت هذا يكفي .
جاء اليوم الذي كان عليه أن يأتي لي لنختار الأثاث هل أنسي ذلك ؟ كان يوم الثلاثاء وكانت سيدتي في اسوأ أحوالها ذلك اليوم لا لأنها قالت شيئاً طبعاً لا تفعل ذلك ولكني عرفت من الطريقة التي كانت تلف بها نفسها وتسألني إن كان الجو بارداً – وكان أنفها الصغير يعاني من البرد القارس ، لم أفكر في تركها لأني أعلم سأكون قلقة عليها ، وأخيراً سألتها إن كان بالأحري تأجيل خروجي أوه كلا يا إيلين قالت يجب ألا تقلقي علي ويجب ألا تخيبي ظن رجلك الشاب ، وهكذا في غاية الابتهاج كانت سيدتي .. لا تفكر في نفسها ابداً .. مما جعلني أشعر بالضيق أكثر وبدأت تعجب ثم سقط منها منديلها وبدأت تنحني لالتقاطه بنفسها ، أمر لم تفعله من قبل فصرخت وقلت لها : ” ما هذا الذي تفعلينه ؟ ” في محاولة لمنعها – فقالت بابتسامة : ” حسناً علي أن أبدأ بالتمرين علي ذلك ” أوه هذا كل ما فعلته لكي لا أنفجر من البكاء ، ذهبت إلي منضدة اللبس وتظاهرت بتلميع الفضيات ولكني لم أستطع البقاء في المنزل وسألتها إن كانت تفضل ألا أتزوج :
” كلا يا إيلين ” قالت وكان ذلك صوتها ياسيدي مثل ما تسمعينه مني ” كلا يا إيلين ” لا للعالم كله ” ولكن اثناء قولها هذا – سيدتي – كنت أنظر إليها في نظارتها ، طبعاً لم تعرف أني استطيع رؤيتها فوضعت يدها الصغيرة علي قلبها كما كانت أمها العزيزة تفعل ورفعت عينها .. آه سيدتي ” .
وعندما حضر هاري كنت قد أعددت جميع خطاباته ، والخاتم والبروش الصغير الذي أعطاني إياه – كان علي شكل طائر فضي بسلسلة في منقاره – وفي آخر السلسلة قلب به خنجر – شئ رائع فتحت له الباب ولم أعطه فرصة للنطق بكلمة واحدة وقلت له : ” ها أنت خذ كل هذا لقد انتهي كل شئ ، لن أتزوجك ، أنا لا أستطيع ترك سيدتي ” فأبيض وجه كوجه امرأة وكان لابد أن أغلق الباب بعنف وهكذا وقفت أرتعش إلي أن تأكدت أنه قد ذهب ، ولما فتحت الباب – صدقي أو لا تصدقي يا سيدتي – وجدت أن ذاك الرجل قد ذهب !! فجريت في الطريق كما ظننت بمريلتي وحذاء منزلي وهناك جلست في وسط الطريق .. أجحظ عيني .. لابد أن الناس ضحكوا علي إن رأوني ..
سبحان الله ! ما هذا ؟ إنها الساعة تدق ! وها أنذا أبقيتك مستيقظة آه ، يا سيدتي كان يجب عليك أن تمنعيني هل تسمحي لي بتغطية قدميك ؟ لقد غطيت قدمي سيدتي دائماً كل ليلة وكانت تقول ” تصبحين علي خير يا غيلين .. نامي نوماً عميقاً واستيقظي مبكراً ” لا أدري ماذا كنت سأفعل إن لم تقل ذلك الآن يا إلهي إني أفكر أحياناً .. ماذا يجب أن أفعل أن حدث .. لكن التفكير ليس في صالح أحد ، هل هكذا يا سيدتي ؟ التفكير لن يساعد في شئ .. لا لأني أفعل ذلك أحياناً . لكن وإن فعلت فإني أوبخ نفسي .
والآن يا إيلين ها أنت تعبدين الكرة – أيتها الفتاة السخيفة – عندما لا تستطيعين العثور علي شئ تفعلينه أفضل من أن تبدئي التفكير .. ! ”
- مجلة الجسرة
التعديل الأخير بواسطة المشرف: