نقوس المهدي
كاتب
في كل يوم أُلصقُ قطعة ورقٍ على بابكِ سرّاً. في المرة الأولى كنتُ مقتصداً وكتبتُ "اعثري عليّ"، وبعد ذلك "أحلام عذبة"، و"ماهي أول فكرة تخطر ببالك حين تفتحين هذا الباب؟".
ربما لا يوجد تغيير واضح في سلوككِ خارج بيتك، إلا أنني قرّرتُ أن أكون أكثر شجاعة، باستخدام بضعة خطوط مخربشة مسروقة من كتاب رديء (كل لمسة لم تتحقق تحلّق في الهواء كما لو أنها منقوعة بصيف وحليب)، وبالمثل، رسالة مكونة من قصاصات جريدة قديمة (أستلطفكِ حين تمطر).
في الليل كنتُ أتسلل بطريقة أو بأخرى إلى ردهة الاستراحة، مع ملحوظات معدّة في البيت وشريط لاصق بين يديّ، وأحدث حفيفاً بالقرب من عين الباب السحرية خلسةً. كان الوقوف بجانب المصعد أو الدرج أمراً خطراً، لهذا لم تكن في المتناول طريقة لرؤية ردّ فعلكِ للوهلة الأولى بعد أن تجدي تلك الملحوظات. مرة واحدة لا غير كدتِ أن تمسكي بي وأنا ألصقُ قطعة ورق، فعرّفتك بنفسي بطريقة خرقاء قائلاً إنني ساكن جديد في الغرفة رقم 88، فواصلتِ سيركِ صامتة بحكمة. تقولُ أحب رسالة، لم يسبق أن كتبتُ مثلها، تركتها على بابك المصبوغ حديثاً "رموشكِ تدعو أفكاري للرحيل نحوكِ في أغلب الأوقات".
ظننتُ أننا، بوساطة هذه الرسائل الغفل من التوقيع، نتلاحم ببطء ولكن بانتظام، في وحدة لا انفصام لها، ونحظى بسرٍّ لا يعرفه سوانا. ولكن أغسطس ذاك كان شهراً مملا وقائظاً حين انفجر بالون الرسائل. كان قد مضى عام بالضبط وأنا أتابعك في مسار يومياتك المعتاد الدقيق، حين وقعت بيدي مصادفة ورقة مجعدة على شكل كرة تنس، وأنا أنبش سلة المهملات حيث اعتدتِ إلقاء النفايات. لم أستغرق وقتاً طويلاً لأفهم أنها مجموعة من الملحوظات التي ألصقتها في الأسبوع الماضي. بعد ذلك بزمن، تردّدتُ أمام مضمون الرسالة النهائية وكتبتُ لكِ ما يلي: "حاولتُ التقاط لقاءٍ غير متوقع في الضباب من المفترض أنه ليس إلا لنا".
لم يكن تجنّب شارعكِ سهلاً، ولا تلك الأفاريز الناعسة، إلا أنني تمكنت أخيراً من تغيير الأسلوب. خلال كل تلك العملية رأيت نفسي أشبه برجل يتوقف عن شرب الخمرة، ويستمر حتى وصوله إلى اللحظة التي وصلتُ فيها إلى حالة لامبالاة واعية، يرافقني الاعتزاز بالنتائج المحققة. كنتُ نظيفاً.
شهورٌ عديدة مضت وأنا أجهلُ كلية أين أنتِ، باستثناء مرة ظننتُ فيها أنني رأيتُ صورتك منعكسة في بركة ماء، ولكن حين رفعتُ رأسي كنتِ تحوّلتِ مسبقاً إلى ظل بعيد. إلا أن شيئاً ما غير متوقع بالمرة حدث هذا الصباح. اكتشفتُ ملحوظة على بابي كُتبت بخط يد غريب تقول "عثرتُ عليك".
*Zarko Kujundjiski شاعر وروائي وقاصّ مقدوني ولد سنة 1980. ترجمت بعض أعماله إلى لغات مختلفة. صدر له: رواية "متفرج" (2003)، وفي المسرح "أندرو: حب وكوارث أخرى" (2004)، ورواية "أميركا" (2006)، ورواية "سكوبي، كل شيء ممكن" (2013).
* العربي الجديد
ربما لا يوجد تغيير واضح في سلوككِ خارج بيتك، إلا أنني قرّرتُ أن أكون أكثر شجاعة، باستخدام بضعة خطوط مخربشة مسروقة من كتاب رديء (كل لمسة لم تتحقق تحلّق في الهواء كما لو أنها منقوعة بصيف وحليب)، وبالمثل، رسالة مكونة من قصاصات جريدة قديمة (أستلطفكِ حين تمطر).
في الليل كنتُ أتسلل بطريقة أو بأخرى إلى ردهة الاستراحة، مع ملحوظات معدّة في البيت وشريط لاصق بين يديّ، وأحدث حفيفاً بالقرب من عين الباب السحرية خلسةً. كان الوقوف بجانب المصعد أو الدرج أمراً خطراً، لهذا لم تكن في المتناول طريقة لرؤية ردّ فعلكِ للوهلة الأولى بعد أن تجدي تلك الملحوظات. مرة واحدة لا غير كدتِ أن تمسكي بي وأنا ألصقُ قطعة ورق، فعرّفتك بنفسي بطريقة خرقاء قائلاً إنني ساكن جديد في الغرفة رقم 88، فواصلتِ سيركِ صامتة بحكمة. تقولُ أحب رسالة، لم يسبق أن كتبتُ مثلها، تركتها على بابك المصبوغ حديثاً "رموشكِ تدعو أفكاري للرحيل نحوكِ في أغلب الأوقات".
ظننتُ أننا، بوساطة هذه الرسائل الغفل من التوقيع، نتلاحم ببطء ولكن بانتظام، في وحدة لا انفصام لها، ونحظى بسرٍّ لا يعرفه سوانا. ولكن أغسطس ذاك كان شهراً مملا وقائظاً حين انفجر بالون الرسائل. كان قد مضى عام بالضبط وأنا أتابعك في مسار يومياتك المعتاد الدقيق، حين وقعت بيدي مصادفة ورقة مجعدة على شكل كرة تنس، وأنا أنبش سلة المهملات حيث اعتدتِ إلقاء النفايات. لم أستغرق وقتاً طويلاً لأفهم أنها مجموعة من الملحوظات التي ألصقتها في الأسبوع الماضي. بعد ذلك بزمن، تردّدتُ أمام مضمون الرسالة النهائية وكتبتُ لكِ ما يلي: "حاولتُ التقاط لقاءٍ غير متوقع في الضباب من المفترض أنه ليس إلا لنا".
لم يكن تجنّب شارعكِ سهلاً، ولا تلك الأفاريز الناعسة، إلا أنني تمكنت أخيراً من تغيير الأسلوب. خلال كل تلك العملية رأيت نفسي أشبه برجل يتوقف عن شرب الخمرة، ويستمر حتى وصوله إلى اللحظة التي وصلتُ فيها إلى حالة لامبالاة واعية، يرافقني الاعتزاز بالنتائج المحققة. كنتُ نظيفاً.
شهورٌ عديدة مضت وأنا أجهلُ كلية أين أنتِ، باستثناء مرة ظننتُ فيها أنني رأيتُ صورتك منعكسة في بركة ماء، ولكن حين رفعتُ رأسي كنتِ تحوّلتِ مسبقاً إلى ظل بعيد. إلا أن شيئاً ما غير متوقع بالمرة حدث هذا الصباح. اكتشفتُ ملحوظة على بابي كُتبت بخط يد غريب تقول "عثرتُ عليك".
*Zarko Kujundjiski شاعر وروائي وقاصّ مقدوني ولد سنة 1980. ترجمت بعض أعماله إلى لغات مختلفة. صدر له: رواية "متفرج" (2003)، وفي المسرح "أندرو: حب وكوارث أخرى" (2004)، ورواية "أميركا" (2006)، ورواية "سكوبي، كل شيء ممكن" (2013).
* العربي الجديد
التعديل الأخير بواسطة المشرف: